زحف الدنيا وصفاء الإيمان ! (1)

من تراب الطريق (963)

زحف الدنيا وصفاء الإيمان ! (1)

نشر بجريدة المال الاثنين 26/10/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

يبدو أن دنيانا اليوم قد باتت تختلف ـ في كل مكان على الأرض ــــ اختلافًا شديدًا عما كانت عليه الدنيا من قبل .. إذ يبدو أن غالبية البشر ـ لم تعد تعرف الإيمان الأكيد بوجود حياة أخرى في عالم آخر آتٍ ، مثلما كان يؤمن معظم الناس من قبل ! ويبدو أن ذلك العالم الآخر قد بهت وبَعُد وصار في عيون معظم أهل دنيانا أقرب إلى الأحلام التي لا بأس من ترديدها أحيانًا ، ولكن لم تعد تشغل تفكير الآدمي العادي في أغلب أوقاته واهتماماته ويقظته إلى دنياه !

لم يعد معظم البشر الآن ــ على اختلاف دياناتهم ونحلهم وطقوسهم ــ حافلين بالآخرة أو مؤثرين لمطالبها من استقامة وتقوى ــ على دنياهم التي تصاحب أغراضهم ومقاصدهم ومطامعهم ومخاوفهم ومشاكلهم وآلامهم !

وليس في هذا كثير عجب! .. ولعله طبيعي في طفولات ومراهقات وشباب النوع البشرى الذى لا يزال غارقًا في الطفولة والمراهقة! .. وربما نستطيع أن نرى شيئًا من ذلك إذا تأملنا مراحل نضوج حياة الصالحين التي لم يبدأ فيها هذا النضوج إلاّ بعد مفارقة الشباب وتركه .. ثم جعل النضج يتزايد في حياتهم باطراد إلى نهاية العمر .

على أن هذا النضوج لم يتيسر حصوله لغالبية البشر، ربما لطروء الاعتياد الحتمي لكل آدمي على حركات حياته البدنية والنفسية والعقلية، وكثرة الشعور لديه بالإحساس بالركود والملال والتطلع المستمر إلى إيقاظ إحساساته بين وقت وآخر بما يظن أنه يثير بصورة أو بأخرى نشاطه وحماسه، ويجعل حياته في نظره باقية الاندفاع والحركة .. وكثيراً ما يسوقه هذا إلى التكلف والاصطناع هربًا من ثقل الملال وضغوط السأم الذي يشعر به إلى اليوم  كثير من البشر .. متحضرين ومتخلفين .. ذلك أننا برغم اختلاف أفرادنا وأجيالنا وعصورنا اختلافًا واضحًا ظاهرًا في أساليب الحياة وفى الاختيارات والقيم والأغراض والأطماع والمخاوف ـــ يوجد في أعماقنا ميل عميق إلى التجمع مع الشعور الداخلي بالغربة والحاجة إلى التهدئة والطمأنة على قدرتنا على بقاء جنسنا على هذه الأرض التي ليس لمثلنا حىٌّ آخر فيها يشاركنا الفهم والعقل أو يتفوق علينا فيهما .. إذ يبدو لنا باستمرار أننا وحيدون هنا بغير شريك يمكن أن يخفف خوفنا أو يلطف أنانيتنا أو يقاوم غباء أطماعنا وأنواعها وألوانها . وقد مضى بحسابنا الآن آلاف السنين على وجود الآدمي بغير منافس آخر على الأرض يتعرض لمزاحمته فيما يريد ويفعل ويبدل ويغير ويزيل ويجدد ويضيق ويوسع في آماله وأحلامه التي بات يبدو الآن لكثيرين منا أن الأرض بما رحبت قد ضاقت بها .. وقد تحقق ذلك في ماضينا مرات عرفنا بعضها وخفى عنا أغلبها .. لأن تاريخها لم يجد حتى الآن من يقيده بدقة .. فنحن لم نحاول مغادرة الأرض لنعود إليها إلاّ قليلاً جدًّا ومن ربع قرن فقط .. وفى السنوات الأخيرة زاد الأفراد من الذكور وانضمت إليهم بعض الإناث في الصعود المنتظم إلى الفضاء والعودة إلى الأرض قيامًا منهم بمهام علمية وعملية لفتت أنظار أهل العلم الوضعي واهتمام حكومات البلاد المتقدمة ـ اهتمامًا خاصًا .. حشدت لخدمته المال والعلماء والخبراء لمتابعة انتظام ذلك الصعود والهبوط ونواتجه ورصدها بغاية العناية والدقة .. وهو اهتمام وإن كان جادًا ـــ إلاّ أنه قد لا يخلو من نفع مادي رأى البعض أنه يكمل ويزيد فى نجاح تقدم الحياة البشرية الحالية بخيرها وشرها .. هذه الحياة التي اعتادها أهل هذه الجماعات التي تحسب حساب ما قد تقابل في دنياها المعروفة المألوفة من هجوم ومكايد وتنافس على التسيّد ، ومن مكر وخبث ودهاء لا ينقطع .. ولم ينقطع في الماضي قط !

فلم ننتبه بعد .. نحن جميعًا .. إلى أننا قد خطونا فى هذه الأعوام القليلة الأخيرة خطوات نظن أنها استمرار فى طريقنا المعتاد .. بينما هى تقودنا دون أن نشعر إلى التخلص من ماضينا الطويل الذى ما زلنا نجهل معظمه ، وذلك بربطنا الواعى المفكر بالكون العظيم .. ربطًا أساسيًا ينسينا انحصار اهتمامنا بالأرض وآثار هذا الانحصار الذى لم ينج منه أحد .. سواء كان عاقلاً فذًا عارفًا قادرًا ، أو عاديًا مغمورًا جاء ثم ذهب دون أن يلفت أنظار البشرية !

 

يبدو أن دنيانا اليوم قد باتت تختلف ـ في كل مكان على الأرض ــــ اختلافًا شديدًا عما كانت عليه الدنيا من قبل .. إذ يبدو أن غالبية البشر ـ لم تعد تعرف الإيمان الأكيد بوجود حياة أخرى في عالم آخر آتٍ ، مثلما كان يؤمن معظم الناس من قبل ! ويبدو أن ذلك العالم الآخر قد بهت وبَعُد وصار في عيون معظم أهل دنيانا أقرب إلى الأحلام التي لا بأس من ترديدها أحيانًا ، ولكن لم تعد تشغل تفكير الآدمي العادي في أغلب أوقاته واهتماماته ويقظته إلى دنياه !

لم يعد معظم البشر الآن ــ على اختلاف دياناتهم ونحلهم وطقوسهم ــ حافلين بالآخرة أو مؤثرين لمطالبها من استقامة وتقوى ــ على دنياهم التي تصاحب أغراضهم ومقاصدهم ومطامعهم ومخاوفهم ومشاكلهم وآلامهم !

وليس في هذا كثير عجب! .. ولعله طبيعي في طفولات ومراهقات وشباب النوع البشرى الذى لا يزال غارقًا في الطفولة والمراهقة! .. وربما نستطيع أن نرى شيئًا من ذلك إذا تأملنا مراحل نضوج حياة الصالحين التي لم يبدأ فيها هذا النضوج إلاّ بعد مفارقة الشباب وتركه .. ثم جعل النضج يتزايد في حياتهم باطراد إلى نهاية العمر .

على أن هذا النضوج لم يتيسر حصوله لغالبية البشر، ربما لطروء الاعتياد الحتمي لكل آدمي على حركات حياته البدنية والنفسية والعقلية، وكثرة الشعور لديه بالإحساس بالركود والملال والتطلع المستمر إلى إيقاظ إحساساته بين وقت وآخر بما يظن أنه يثير بصورة أو بأخرى نشاطه وحماسه، ويجعل حياته في نظره باقية الاندفاع والحركة .. وكثيراً ما يسوقه هذا إلى التكلف والاصطناع هربًا من ثقل الملال وضغوط السأم الذى يشعر به إلى اليوم  كثير من البشر .. متحضرين ومتخلفين .. ذلك أننا برغم اختلاف أفرادنا وأجيالنا وعصورنا إختلافًا واضحًا ظاهرًا في أساليب الحياة وفى الاختيارات والقيم والأغراض والأطماع والمخاوف ـــ يوجد في أعماقنا ميل عميق إلى التجمع مع الشعور الداخلي بالغربة والحاجة إلى التهدئة والطمأنة على قدرتنا على بقاء جنسنا على هذه الأرض التي ليس لمثلنا حىٌّ آخر فيها يشاركنا الفهم والعقل أو يتفوق علينا فيهما .. إذ يبدو لنا باستمرار أننا وحيدون هنا بغير شريك يمكن أن يخفف خوفنا أو يلطف أنانيتنا أو يقاوم غباء أطماعنا وأنواعها وألوانها . وقد مضى بحسابنا الآن آلاف السنين على وجود الآدمى بغير منافس آخر على الأرض يتعرض لمزاحمته فيما يريد ويفعل ويبدل ويغير ويزيل ويجدد ويضيق ويوسع فى آماله وأحلامه التى بات يبدو الآن لكثيرين منا أن الأرض بما رحبت قد ضاقت بها .. وقد تحقق ذلك فى ماضينا مرات عرفنا بعضها وخفى عنا أغلبها .. لأن تاريخها لم يجد حتى الآن من يقيده بدقة .. فنحن لم نحاول مغادرة الأرض لنعود إليها إلاّ قليلاً جدًّا ومن ربع قرن فقط .. وفى السنوات الأخيرة زاد الأفراد من الذكور وانضمت إليهم بعض الإناث فى الصعود المنتظم إلى الفضاء والعودة إلى الأرض قيامًا منهم بمهام علمية وعملية لفتت أنظار أهل العلم الوضعى واهتمام حكومات البلاد المتقدمة ـ اهتمامًا خاصًا .. حشدت لخدمته المال والعلماء والخبراء لمتابعة انتظام ذلك الصعود والهبوط ونواتجه ورصدها بغاية العناية والدقة .. وهو اهتمام وإن كان جادًا ـــ إلاّ أنه قد لا يخلو من نفع مادى رأى البعض أنه يكمل ويزيد فى نجاح تقدم الحياة البشرية الحالية بخيرها وشرها .. هذه الحياة التى اعتادها أهل هذه الجماعات التى تحسب حساب ما قد تقابل فى دنياها المعروفة المألوفة من هجوم ومكايد وتنافس على التسيّد ، ومن مكر وخبث ودهاء لا ينقطع .. ولم ينقطع فى الماضى قط !

فلم ننتبه بعد .. نحن جميعًا .. إلى أننا قد خطونا فى هذه الأعوام القليلة الأخيرة خطوات نظن أنها استمرار فى طريقنا المعتاد .. بينما هى تقودنا دون أن نشعر إلى التخلص من ماضينا الطويل الذى ما زلنا نجهل معظمه ، وذلك بربطنا الواعى المفكر بالكون العظيم .. ربطًا أساسيًا ينسينا انحصار اهتمامنا بالأرض وآثار هذا الانحصار الذى لم ينج منه أحد .. سواء كان عاقلاً فذًا عارفًا قادرًا ، أو عاديًا مغمورًا جاء ثم ذهب دون أن يلفت أنظار البشرية !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى