مهنة المحاماة … لمن؟!

بقلم: مصطفى جمال

دائماً ماترتبط المهن بشخص ممتهنيها، فنجد أن هناك صفات مشتركة كثيرة تجمع بين زملاء المهنة الواحدة، فنجد مثلاً أن عمال المناجم والمحاجر يمتازون ببنيان عضلي وقوة بدنية عالية تلائم طبيعة عملهم، كذلك لاعبي كرة السلة نجدهم يمتازون بطول القامة، ولاعبي كرة القدم يمتازون بالجسم الرياضي الرشيق يمكنهم من سرعة الركض والقيام بحركات مهارية، فكل مهنة لها متطلبات للنجاح والتميز فيها، فإذا كنت شخص بدين فلن تستطيع التفوق في لعبة كرة القدم وإذا كنت شخص نحيف لن تستطيع العمل في المناجم والمحاجر، فكلٌ منا له مهنة تلائم صفاته وتكوينة الذهني والجسدي، والمهم هو أن نبحث عما يلائمنا حتى لانسبح في مياه لاتناسبنا فنهلك دون أن نشعر.

الأمر الذي جعلني أتساءل جلياً بمجرد تخرجي من كلية الحقوق ونزوحي إلى سوق العمل، أي المهن القانونية تلائمني، هل المحاماة تلائمني؟ لذا دعونا نتطرق سوياً إلى الصفات الواجب توافرها في شخص المحامي حتى يستطيع النجاح في مهنة المحاماة:-

أولاً: مهارة الكتابة القانونية:-

وتعد مهارة الكتابة من أهم المهارات الملازمة لأبرز المحامين الناجحين، فدائماً ما نجد أن أبرز المحامين الذين عرفهم التاريخ في مصر كانوا يتمتعون بقدرة كبيرة على الصياغة والكتابة، فكانوا يلقبون المحامين أنذاك بأصحاب القلم، نظراً لقوة كلماتهم وكتاباتهم، فنجد مثلاُ عبدالعزيز باشا فهمي والذي شغل منصب نقيب المحامين، وكان أول رئيس لمحكمة النقض، كان عضواً بمجمع اللغة العربية، وهناك الكثير منهم لديهم العديد من المؤلفات الأدبية الكبيرة بجانب مؤلفاتهم القانونية. وتأتي أهمية الكتابة في اعتماد مهنة المحاماة الكبير على صياغة العقود وكتابة المذكرات وأيضاً المشاركة في تشريع القوانين.

ثانياً مهارة الخطابة والإلقاء والإقناع:-

وتعد هذه الملكة أو المهارة ثاني أهم المهارات الملازمة لشخصية أبرز رجال المحاماة، وتبرز أهمية هذه المهارة في المرافعة التي يتولاها المحامي لإقناع القاضي بوجهة نظره وبيان قوة موقفه وأسانيده وحججه، وكلما كان المحامي قادراً على الإلقاء بأسلوب جميل يجذب إنتباه القضاة كلما كان أكثر تأثيراً وإقناعاً بكلماته وأسلوبه عن الطرف الأخر ونجح في إثبات صحة موقف موكله. ولعل أبرز المحامين المصريين ممكن تميزوا بمهاراتهم في الخطابة والإلقاء والإقناع هم الزعيم الراحل مصطفى كامل وسعد زغلول الذين تميزوا بخطاباتهم الرنانة التي ألهبت نفوس المصريين وكانت شرارة لثورتهم ضد الإستعمار الإنجليزي أنذاك.

ثالثاَ: سرعة البديهة:-

فالمحاماة من المهن التي تطلب حضور ذهني في غالب الوقت وسرعة بديهة وذكاء وحدس، فتعاملك اليومي سواء في المحاكمات أو التحقيقات أو مع العملاء، وأثناء المفاوضات، يتطلب منك سرعة بديهة وتوقع لكل مايدور حولك وحضور ذهني قوي لتتمكن من إدارة الموقف والخروج منه بأفضل النتائج، ولعل أبرز المحامين هم من يتمكنون من الرد الفوري والقوي على المفاجأت التي تظهر أثناء جلسات المحاكمات أو طاولة المفاوضات.

رابعاً: البحث:-

فالمحامي في الأصل هو باحث من طراز خاص، فهو يظل لأخر وقت في عمره يبحث عن كل ماهو جديد وعن حلول لكل مايطرأ عليه من قضايا، فهو يظل يبحث ويدرس قضاياه ليخرج بأفضل الحلول لموكله، فالمحاماة ليست مرافعة فقط، بل يسبق هذه المرافعة عملية بحث طويلة تستغرق أيام بل شهور ليخرج بهذه المرافعة التي تستغرق عدة دقائق أو يخرج بمذكرة في عدة أوراق، فأن تكون محامي هذا يعني أن لديك قدرات بحث فريدة وسرعة في الوصول إلى المعلومة من طيات الكتب والمراجع.

خامساً: إدارة وتنظيم الوقت:-

من أكثر المهن التي تتطلب مهارة عالية في إدارة وتنظيم الوقت هي المحاماة، فهي من أكثر المهن التي تحتاج إلى وقت أكثر من المعدل الطبيعي لتنهي أعمالك، والتي تكون غالباً مابين حضور جلسات المحاكمات والتواصل مع كل عملائك والرد على أسئلتهم وتقديم المشورة القانونية لهم، والبحث والكتابة وكتابة المذكرات و المرافعات، وإدارة مكتبك أو شركتك وموظفيك وتوزيع المهام عليهم، فكل ذلك وإن لم يصاحبه تنظيم وإدارة للوقت سيهلك لا محالة ولن يستطيع المواصلة وسيترك المهنة فوراً.

سادساً: النُبل والنزاهة والصدق:-

فالمحاماة مهنة النبلاء لأنها تقوم على النزاهة والصدق وترسيخ العدل والترفع عن الحقد والفجور في الخصومة، فالمحامي الناجح هو من يتحلى بهذه الصفات ويسمو بخلقه مثلما يسمو بمتفكيره ومهنته. وهنا أتذكر قول العميد ليون ديجي، عميد مدرسة الحقوق الخديوية ( حقوق القاهرة الآن ) و أستاذ القانون في جامعة السوربون “ليس للقانون أي ضابط سوى أخلاق و أمانة وصدق الرجال الذين يطبقون “و أيضاً ما ذكره عبد الرحمن الرافعي نقيب المحامين عام 1954 عندما تحدث عن المحاماة فقال ” إن المحاماة علم وخلق ونجدة وشجاعة، وثقافة وتفكير، ودرس وتمحيص، وبلاغة وتذكير، ومثابرة وجلد، وثقة في النفس، واستقلال في الرأي، و أمانة و استقامة، وإخلاص في الدفاع”.

هذه هي أبرز الصفات التي تتطلب في شخص المحامي، فمن تحلى بها نجح في هذه المهنة وأبدع ومن فقد صفة من هذه الصفات كان مجرد مزاول للمهنة لايتقدم ولو خطوة واحدة للأمام، فأن تكون محامياً أمر يعتقد الكثيرون من عامة الناس، بأنه في غاية البساطة، فالإعتقاد السائد أن دراسة القانون وتخرجك من كلية الحقوق يجعل منك محامياً، وهو وإن كان كذلك نظراً لسهولة إجراءات القيد بنقابة المحامين في مصر، إلا أنه ليس كل مزاول للمهنة محامي ناجح.

فهناك قدرات ذهنية وفكرية وخبرات تجعل المحامي الذي يمتلكها ناجحاً في عمله، كذلك المحامي الناجح يمتلك قوة تحليلية في التوقع، وهو شخص يرى أن هناك المزيد مما كان يمكن بلوغه، والكثير مما يجب عمله، هو أيضاً يؤمن بالتطور المستمر، ومتابعة القوانين وتعديلاتها وفي كل ما يستجد على ساحة القضاء والمحاكم، ومن أهم الصفات في المحامي الناجح، القدرة على تحليل الوقائع وقراءة الأحداث بشكل دقيق وفهمهما فهماً صحيحاً تساعده على الوصول إلى القواعد القانونية التي تمكنه من إعادة الحقوق إلى أصحابها، هذا إلى جانب التمكن من اللغة والقدرة على تطويرها وصياغة المرافعات مستنداً على مواد القانون.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى