من توابع الفوضى ! (10)

من توابع الفوضى ! (10)

نشر بجريدة الوطن الجمعة 14 / 5 / 2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

واضح مما أسلفناه أن العفو قد شمل محكومًا عليهم في جرائم جنائية خطرة، منها القتل العمد والشروع فيه، وإحراز وحيازة الأسلحة النارية والذخائر، وبعضها بقصد الإتجار فيها، وجرائم السرقة والخطف والتخريب والإتلاف، وكلها من أخطر الجرائم الجنائية.

وفي غير إعلان، ولظروف لم تتصل بالناس، ربما في زيارة الرئيس السوداني لمصر، صدر في 3 سبتمبر 2012 قراران جمهوريان، كلاهما بالعفو عن سودانيين، فأعفي القرار 155 لسنة 2012 مائة وعشرين مواطنًا سودانيًا، ولحقه بنفس اليوم القرار 157 لسنة 2012 بالعفو عن واحد وعشرين مواطنًا سودانيًا، ولا اعتراض على مجاملة الإخوة السودانيين أو الرئيس السوداني فيما يتصل بالجرائم الصغرى لمن دخلوا مصر من غير المنافذ الشرعية أو تواجدوا في مناطق ممنوعة، إلاّ أنه تلاحظ أن العفو شمل جرائم كبرى وعقوبات غليظة وفي أمور تمس صميم أمن البلاد، فمن المعفو عنهم من قضى بعقابهم بعقوبات السجن عن حيازة وإحراز أسلحة نارية وبنادق آلية وذخائر واستعمال القوة والعنف والتواجد بمناطق عسكرية محظورة، فضلًا عن حيازة أجهزة اتصال لا سلكي وأجهزة للبحث عن المعادن في باطن الأرض، وكلها جرائم تمس عصب الأمن القومي المصري، وفي مناطق حدودية يجب أن يسود الانضباط دخولها والتعامل فيها !

والعفو عن العقوبة له غايات وضوابط يجب الالتزام بها، فهو باب لا يتسق مع النظام القانوني للدول، إذ بمقتضاه يخول لشخص مصدر القرار إبطال آثار الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الدولة، وينطوي على خرق مبدأ الفصل بين السلطات بإخلاله بقوة الحكم وباستقلال القضاء الذي أصدره، ثم هو يمس بالصفة اليقينية للعقوبة، ويفتح بابا لعدم الخضوع لها، وقد يكون هذا الخضوع لازمًا وواجبًا.

وسلطة رئيس الدولة في العفو، ليست سلطة تحكمية، وإنما هي تمارس على أساس من ذات الاعتبارات التي يسترشد بها المشرع والقاضي حين يسن أولهما العقوبة، ويوقعها أو يطبقها الثاني في إطار ما يحكم القاضي من أدلة الإدانة والبراءة، ومواءمة وتفريد العقوبة إن حقت الإدانة. وعلى ذلك فإن العفو الرئاسي محكوم بوجوب موافقته لمصلحة المجتمع، ووجود مصالح حقيقية تبرر هذا العفو، والذي عنى القانون بوضع ضوابط لممارسته تحديدًا وتقنينًا له.

قبل أن نطوى ملف عفو رئيس الإخوان الذي أطلق فيه لنفسه الحبل على الغارب للإفراج عن مساجين الأهل والعشيرة، بل ومحكوم عليهم بالإعدام ــ من اللازم الإشارة إلى أن كافة الدساتير المصرية بدءًا بدستور 1923 وما تلاه، تتفق على أن العفو الشامل لا يكون إلاَّ بقانون، واستكمل قانون العفويات المصري بعض الضوابط، ولكن قرارات عفو رئيس الإخوان ضربت بكل ذلك عرض الحائط.

على طول السنين، من أيام الخديو والملك، وفي عهود محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك ـ لم يحدث أن استخدم حق أو سلطة العفو إلاَّ في أضيق الحدود، بل في حالات فردية قليلة بل نادرة، إلاَّ أن الفترة من يوليو 2012 حتى سقوط حكم الإخوان، قد شهدت انفتاح الشهية انفتاحًا غير مسبوق في الضرب الأول من ضروب العفو، وهو العفو عن العقوبة أو تخفيفها أو إبدالها، وكلها بقرارات جمهورية صدرت في يوليو 2012، فيما عدا القرار 122 لسنة 2012 فصدر في 16 أغسطس 2012 بعد إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإصدار آخر من الرئيس الإخواني بسلطات أعطاها الرئيس لنفسه في 12 أغسطس 2012.

وأول هذه القرارات ظهورًا، وإن كان ثالثها نشرًا، هو القرار الجمهوري 75 / 2012 ونشر بالجريدة الرسمية في 26/7/2012، وتضمن 27 اسمًا، حيث نصت مادته الأولى بالعفو عن العقوبة الأصلية لثلاثة محكوم عليهم بالإعدام، أحدهم في القضية 745 لسنة 1993 ( عن قتل ضابط شرطة ) وآخر في القضية 419 لسنة 1994 ( عن قتل ضابط شرطة )، بينما تضمنت المادة الثانية العفو عن العقوبة الأصلية ـ أو ما تبقى منها ـ لثلاثة وعشرين محكومًا عليهم في قضية تفجيرات الأزهر سنة 2005، وفي القضية 419 لسنة 1994 ( عن قتل لواء الشرطة محمد عبد اللطيف الشيمي مدير أمن أسيوط ). وفي القضية 3/1999 جنايات عسكرية عن محاولة اغتيال مبارك، وشمل العفو الشيخ وجدى غنيم، وآخرين من الإخوان المسلمين منهم يوسف ندا ( هارب )، وإبراهيم منير، وعلى غالب همت ـ سوري ( هارب )، وفتحي أحمد الخولي ( هارب )، وتراوحت الأحكام بين المؤبد والسجن لمدد مختلفة، بينما نصت المادة الثالثة على العفو عن عقوبة الإعدام المحكوم بها ( في 10/5/2005 ) على المدعو / شعبان عبد الغنى هريدي لتكون السجن لمدة 15 سنة. وقد خلا القرار من بيان الاتهامات، ولكن نشرت بعض الصحف أنها دارت حول القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والدخول في اتفاق جنائي غرضه القتل، والشروع في القتل، والخطف والسرقة بالإكراه، وإتلاف الممتلكات، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، فضلًا عن اتهام البعض بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف

القانون.

وفي 19 يوليو، صدر ونُشر القراران الجمهوريان 57، 58 /2012..، وتضمن القرار 57 لسنة 2012 العفو عن عدد هائل من المحكوم عليهم، فنصت مادته الأولى على العفو عن العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها وعن العقوبة التبعية لعدد / 523 محكومًا عليهم بعقوبات لم يبينها القرار، ونصت المادة الثانية على العفو عن العقوبة الأصلية لعدد / 49 محكومًا عليهم بعقوبات لم يبينها القرار، ونصت المادة الثالثة على تخفيف العقوبات لعدد / 16 محكوم عليهم. والمجموع 588 من المحكوم عليهم، وفيما عدا المادة الثالثة، فإن المادتين الأولى والثانية لم تبينا العقوبات الأصلية المحكوم بها، ولكن ثابت بالكشوف المرفقة بالقرار أن الجرائم التي أدينوا قضائيًا بها تراوحت بين حيازة وإحراز أسلحة نارية، وجرائم سرقة، وجرائم قوة وعنف بدون سلاح، وجرائم تخريب وإتلاف عمدي، وجرائم حيازة وإحراز أسلحة بيضاء، والمجموعة الأخيرة التي شملتها المادة الثالثة مدانة بحيازة أسلحة نارية وذخائر بكميات تنبئ عن الاتجار، وبعض الجرائم المتنوعة التي لم توضحها الكشوف المرفقة بالقرار الجمهوري.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى