من تراب الطريق (1240)

حول التطرف والإرهاب مع الإمام الطيب (5)

نشر بجريدة المال الاثنين 3/1/2022

ــ

بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

لا مراء أن العالم يعيش الآن ـ فيما قال الإمام الطيب ـ تحت ضغوط أزمة دينيّة أخلاقيّة تعانيها الإنسانية جمعاء ، وباتت الأخوّة والمحبة والسلام سرابًا ، وصار يسرى فى العالم صراع يشغله أنانية وكراهية .

ولا مبالغة حين يُقال إنه لا يكاد يوجد وطن من الأوطان إلاّ وهو يعانى أشد المعاناة ، ويشتاق إلى سلام وأمان بلا عنف ولا إرهاب .

وأسوأ ما يعانى منه العالم الآن ، ويفقد فيه الأرواح والأمان ، أن الأديان صارت هى المتهمة بأنها صانعة هذا الإرهاب ، وأسوأ من هذا أن الإسلام ، بفعل الدواعش وأمثالهم ، صار فى مقدمة الأديان المتهمة بهذه التهمة المغلوطة !

ومن يتهمون الأديان يفوتهم حقيقتان هامتان :

الأولى  :  أن الأديان نزلت لرعاية وترسيخ الأمان والسلام ، وعمارة الحياة لا تدميرها وإفنائها . والسلام فى الإسلام اسم من أسماء الله الحسنى ، المطالب كل مسلم بأن يحصّل منها ما يستطيع تحصيله ببشريته التى هى دون قدرة الله تعالى ، واسم الإسلام مشتق من كلمة « السلام » ، ولفظ السلام هو تحية الإسلام ، والله سبحانه وتعالى يدعو إلى دار السلام ، وتحية أهل الجنة ، كما حدثنا القرآن ، هى سلام سلام ، ويقول رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام : « السلام قبل الكلام » ، ويقول : « إن الله قد جعل السلام تحية لأمتنا ، وأمانًا لأهل أمتنا » ، ويقول فى حديث آخر :« ألاَ أدلّكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتهم ..أفشوا السلام بينكم » ، بل إن الجهاد المشروع هو من أجل السلام ، فالإسلام دين الرحمة ، وبُعث عليه الصلاة والسلام  « رحمة » للعالمين ، ونبيه عليه الصلاة والسلام هو الرحمة المهداة ، ومن الأسمـاء الحسنــى « الرحمن الرحيم » ، وهما مشتقان من « الرحمة » ، ويعبران عن صفاته عز وجل ، وجاء فى قرآنه المجيد نداءٌ إلى المسلمين « وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » ( المائدة 2 )

والحقيقة الثانية : أن ذلك الإرهاب الأسود ، لا يفرق بين متدين وملحد ، أو بين مسلم وغير مسلم .

والدليل القاطع على براءة الإسلام من هذا الافتراء ـ أن معظم ضحايا الإرهاب هم من المسلمين ، وهم الذين يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم وأشلائهم ، فيعرف القاصى والدانى أن دول الشرق ، والدول الإسلامية على الخصوص ، مسرح دائم لهذا الإرهاب الأسود الذى يعصف بالأرواح ، ويهلك الزرع والضرع ، فى العراق ، وباكستان ، ومصر ، وليبيا ، ولبنان ، وسوريا التى هدموا فيها أكثر من ألف مسجد .

الخسارة الأشد فداحة ـ فيما يبدى الإمام الطيب ـ هى نسبة هذه الجرائم وسفك الدماء إلى الإسلام ، وهى خسارة فادحة وأى خسارة ، لأنها تشوّه الإسلام بغير حق ، وتصيب المسلمين فى كل مكان بالإسلام فوبيا الذى جعل يفرز كراهةً للإسلام والمسلمين .

ينفى هذه الفرية ، قدسية الروح فى الإسلام ، وتقديس الإسلام للروح الإنسانية ؛ هو فرع من تكريمه للإنسان ، فيقول عز وجل  : « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » (الإسراء 70) ، والروح عزيزة مقدسة فى الإسلام ، ومحل احترام وحماية ورعاية ، فهى هبة الخالق البارئ عز وجل ، ملك له ،  وأمرها بيده ، وإزهاقها من أكبر الكبائر فى الإسلام ، ومن أبشع الجرائم فى شريعة الله .. وجزاء هذه الكبيرة هى القصاص ، يقول الحكم العدل :« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى » ( البقرة 178 ) ، وجزاء هذه الكبيرة أعظم الجزاءات فى الآخرة ، جزاؤها فيما يقول القرآن المجيد : « جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا » ( النساء 93 ) .

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى