من تراب الطريق (1099)

من تراب الطريق (1099)

من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات

ومن كان يعبد الله، فإن الله حىٌّ لا يموت

نشر بجريدة المال الاثنين 17/5/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

فوجئ المسلمون بمن يقول يوم الهول الأعظم، إن رسول الله قد قُبض، وفاضت روحه إلى بارئها.

أخذ الناس يتسامعون بالنبأ العظيم، بين مصدقين ومنكرين، وأسرع عمر بن الخطاب إلى حيث كان جثمان النبي عليه السلام، وهو لا يصدق أنه مات، فكشف عن وجهه فألفاه بلا حراك، فحسبه في غيبوبة لا بد أنه سيفيق منها. وعبثًا حاول المغيرة بن شعبة إقناعه بالحقيقة الأليمة، ولكن عمر غضب قائلًا له: كذبت ! ثم خرج إلى المسجد لا يلوى على شىء، فقال والصدمة لا تزال ناشبة فيه: « لا أسمعن أحدًا يقول إن محمدًا قد مات. إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توفي، إنه والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما رجع موسى، وإني والله لأرجو أن تقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات » ! وروى عكرمة أنه رضى الله تعالى عنه جعل يقول: « إنما عُرج بروحه كما عُرج بروح موسى، ولا يموت رسول الله حتى تُقطع أيدى أقوام وألسنتهم »، وأضاف عكرمة أن عمر ما زال يتكلم حتى أَزْبَدَ شِدَقاه !

وقيل إن أبا بكر الصديق قد جاء وعمر يخطب في الناس، وهم في حالة أشبه بالذهول، فبدأ أبو بكر دون أن يلتفت إلى شيء بالذهاب إلى بيت عائشة، فألفي النبي عليه الصلاة والسلام مُسَجَّى في ناحية من البيت مغطى ببرد حَبرة، فأقبل حتى كشف عن

وجهه، ثم أقبل عليه يقبله وقال: ما أطيبك حيًا وميتًا ! ثم قال: « بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موتةٌ أبدًا ». ورد البرد على وجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم خرج وعمر بن الخطاب لا يزال يكلم الناس.

فقال أبو بكر لعمر: على رسلك يا عمر ! أنصت ! لكن عمر أبى أن يسكت أو ينصت واستمر يتكلم. فأقبل أبو بكر على الناس وأشار إليهم بأنه يكلمهم، فأسرعوا إليه وانصرفوا عن عمر، وتحدث أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم قرأ: « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ » ( الزمر 30 ).. ثم تلا قوله تعالى: « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ » ( آل عمران 144 ).

هنالك أفاق الناس، وخَرَّ عمر على الأرض ما تحمله رجلاه بعد أن أيقن أن رسول الله قد مات، ووصف عمر نفسه ما ألم به فقال فيما نقله الرواة عنه: « ما هو إلاَّ أن سمعت أبا بكر يتلوها ـ أي الآية ـ فعفزت ( دهشت ) حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد مات » !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى