منه فيه ! (3)

من تراب الطريق (1098)

منه فيه ! (3)

نشر بجريدة المال الثلاثاء 11/5/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لعل التهمة الصادقة أو الصحيحة التي قذفها الأستاذ الكبير عبد المجيد بك عبد الحق المحامي، في وجه زملائه المحامين، أنهم برغم كونهم أقوى جماعة عدةً وعددًا في مجالس النواب، شرعوا للناس ونسوا أنفسهم.

نعم، للأسف هذه التهمة صحيحة، وهي أكثر ما تكون صحةً في هذه الأيام، فتّحت بصر زملاء كثر من أهل القانون والمحامين في مجلس النواب، مرت مواد في غير صالح المحاماة والمحامين، ما كان يجوز تمريرها، في المشروع التي تقدم به نقيبهم السابق الذي صدر برقم 147 لسنة 2019 بتعديل بعض المواد وإضافات مواد إلى قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983.

الطامة، أنه تحت بصرهم وبصر من جاء إليهم بالمشروع، تم تمرير فرض استئداء ضريبية القيمة المضافة على المحامين، محولاً إياهم إلى مأموري ضرائب مطالبين بتحصيل الضريبة من عملائهم، وهذا إغراق في الخيال، وفي عدم الدستورية. فلا يكلف باستئداء الضرائب إلاَّ موظفو الضرائب، ومع ذلك صدر القانون يكلف المحامين بأن يكونوا مأموري تحصيل، وأن يلتزموا هم نيابة عن عملائهم بأداء هذه الضريبة التي لم يدفعها لهم عملاؤهم، ومن المؤسف أن ذلك قد حدث بينما استُبعد الأطباء من هذا الواجب الشاذ، رعاية كما قيل لكون عميل الطبيب مريض في حالة ضرورة.

عملاء المحامين في حالة ضرورة أشد، ليس فقط لقيمة فاتورة الكشف الذى لا يستغرق إلاَّ دقائق، بينما أتعاب المحامي عن قضايا قد يستغرق نظرها وبذل مجهود فيها أعوامًا، ومن ثم فإن المطلوب من المحامي تحصيله من موكليه يفوق كثيرًا المطلوب من الطبيب تحصيله من المريض !

هذه واحدة.

والثانية أن حالة الضرورة أشد وأثقل في عملاء المحامين، فهم بين مهدد في حياته بحكم بالإعدام، أو مهدد في حريته بالسجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن أو الحبس، فضلاً عن الغرامات الثقيلة التي باتت بعشرات الألوف في مواد قانون العقوبات. وهم أيضًا بين مطالبٍ بحقًّ ضائع اغتيل منه بغير حق، أو وقايةً لحقه من التهديد والعدوان، أو طلبًا لإنصاف ضاع في خضم صراعات لا رحمه فيها ولا معقولية !

قصارى ما يستأديه الطبيب من مريضه محصور في جنيهات قليلة، عن كشف يستغرق دقائق، ومع ذلك أعفاهم القانون من استئداء هذه الضريبة من مرضاهم !

أما المحامي، فالمجبور على استئدائه كبير لأنه يصادف قضية يستغرق نظرها سنوات عديدة، مجدولة بما يقتضيه نظرها من جهود وانتقالات ومذكرات ومرافعات ومتابعات.

إن المحامي لو انصاع لهذا الفرض القسري الغير دستوري، لانصرف عنه القادم لتوكيله، واتجه إلى محام آخر !

ومع ذلك مرّ القانون، ولم يعترض عليه النقيب آنذاك، بل وتنازل عن دعوى عدم الدستورية التي كانت النقابة قد رفعتها ضد هذا القانون !

ومن محاسن الصدف، ولا نزيد، أن واكب هذا الفرض القسري الثقيل على المحامين، والمخالف للدستور والعدالة والمنطق ــ واكبه بذات المجلس تعديل نص المادة 136 ــ من قانون المحاماة 17/1983، بحذف الفقرة التي كانت تحظر ترشح النقيب لأكثر من دورتين متصلتين مدتهما ثماني سنوات..

ومن محاسن الصدف أيضًا، أن هذا الإلغاء قد فتح باب الترشح للساعي إليه، رغم مضى تسعة عشر عامًا على مكوثه في الموقع !

فهل قام المحامون ورجال القانون بواجبهم، أم شرعوا لغيرهم ونسوا أنفسهم كما قال الأستاذ الكبير عبد المجيد بك عبد الحق المحامي، من أربع وسبعين عامًا ؟!!!

ظني أن الجواب محزن حالة كون هذه التهمة صحيحة !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى