ملكة الوعي والالتفات وسط زخم الحياة (6)

من تراب الطريق (983)

ملكة الوعي والالتفات وسط زخم الحياة (6)

نشر بجريدة المال الثلاثاء 24/11/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لم تعد أغلبية الناس تهاب الخالق كما كان يهابه القدماء، وذلك لسعة ما يعتقدون أنهم يعرفون، ولكثرة ما يتصورون اليوم إمكان إنتاجه وصنعه وتسويقه وتجميله، ثم الاستغناء عنه بجديد مبتكر يحل محله أحسن أو أفضل أو أجمل في رأي ومعرفة أهل هذا الزمان.. ومعظم هذا الاعتقاد مع الزمن يبدو خيالاً ممقوتًا مرفوضًا، لأنه يتحول إلى ضيق ثم نفور ثم كراهية تنتهي في أحيان غير قليلة ـ إلى عراك مهلك، فتتحول الأحلام إلى أحزان والآمال إلى نكبات.. فالجماعات البشرية إلى الآن لا تعيش حياتها في الغالب الأغلب على تحرى الحقائق والرجوع إلى العقول.. وكلما زادت جماعة من الجماعات قوة، زادت غرورًا وتسلطًا أيقظ النائم من الجماعات الأخرى، فانتشر الخوف وامتلأت الأرض بالخصومات المستورة والمعلنة !

وأحيانًا يلح على عقل هذا الآدمي أو ذاك ـ ضرورة الاستعانة بالعقل واحترام ما ينتهي إليه ـ لكي يستقيم الفكر لدى الناس.. وهو نوع من الإلحاح فيه جانب من الصواب.. لأنه يعنى فقط ـ فيما أظن ـ عدم اختلاف العقول أو عدم اختلاف الآراء والأحكام، ولا يعنى الإذعان لعقل مفرد يبهرج عقول الخلق فيتبعونه بلا روية ولا تقليب نظر فيما يرونه في عقولهم هم صوابًا أو غير صواب.. وإنما يعنى أن يحترم الآدمي عقله المتنبه الواعي الراشد ما استطاع.. بعيدًا عن الرعونة والخفة ومحض التقليد ومسايرة ما يراه لدى الآخرين دون أن يتحراه.. فلم تكسب البشرية شيئًا على الإطلاق في أي زمان أو مكان من انتشار السطحية والرعونة في البشر، ولا من انتشار الحيل والمكر والخبث والطمع والجشع لدى المتهالكين على كسب المال أو على زيادته بعد مذاقهم له، ولا من وجود الحريصين على التسلط والقيادة والحكم إشباعًا للأنانية المتقدة في كل منهم ما عاش !.. فمن المحال أن تتزايد وتتراكم السطحية والخبث وعشق المال والحرص الهائل على التسلط ـ إلى ما لا آخر له في أية جماعة أو جماعات !!!

ويجب ألا ننسى أن تاريخنا القديم جدًّا المعروف لنا.. يبدأ لأكثر من أربعة آلاف عام سابقة على يومنا هذا.. برغم أن وجود الآدميين كانت بدايته منذ ما يزيد على ذلك بكثير جدًّا.. فتاريخنا الذي نسميه القديم لم نبدأه نحن إلاّ في أواخر أواخر ذلك الوجود الأولى الآدمي السحيق.. وقد سبقه وجود أجناس من الحيوان والنبات على مدى ملايين مضت من السنين.. وقد انقرض هذا كله ولم يعثر على آثاره إلاّ القليل الذي صادفه بعض الباحثين هنا وهناك في هذا القرن والقرن الذي سبقه.. فحضاراتنا كلها ليست قديمة كما كنا نعتقد إلى بداية القرن التاسع عشر، ولم تفطن هذه الحضارات بنواتجها وقيمها وامتزاج عقولها بحماقاتها ـ إلاّ في نهاية ذلك الماضي الجديد.. فهي نقلة جديدة جدا للآدمي القديم.. لم تنته بعد لأنها لم تستكمل بداياتها.. ومن حق الآدمي العاقل اليوم والغد أن يأمل في مستقبل للبشر ـ أكثر رشدًا وأعمق فهمًا وأقوى إرادةً وأبعد رؤية وفطنة إلى اتصال أكيد دائم متزايد متبادل بين أهل الأرض وبين الفضاء العظيم.. اتصال يصير أساسًا من الأسس الفعالة في حياة البشر الحاضرة والمستقبلة.. يزداد قوةً واتساعًا بغير انقطاع أو ركود.. ويلطف بالنمو الدائم المتزايد لذلك الاتصال المتبادل ـ ما تعانيه اليوم غالبية البشر من سحب اليأس وقسوة الحياة التي يعيشونها.. ويرجو هذا اليوم كل عاقل متئد لا يثق كثيرًا في الحماسة والمتحمسين، ويتمنى أن تختفي من كل الجماعات أو تضعف وتذوى عما هي عليه ـ الخفة والسطحية والطمع والغرور، وألا ينسى كل آدمي.. ملكًا كان أو عبدًا.. أنه يبدأ الحياة ويدخلها بلا صنع أبويه اللذين لا فضل لأيهما في تكوينه، ويخرج منها لأنه حتمًا يستحيل أن يبقى فيها بأية حيلة أو وسيلة بعد المدة المقدرة لحياته.. مهما طالت في نظره ومن حوله.. إذ الحياة وقتية ذات طرفين لا غنى عنهما قط ! لم تعد أغلبية الناس تهاب الخالق كما كان يهابه القدماء، وذلك لسعة ما يعتقدون أنهم يعرفون، ولكثرة ما يتصورون اليوم إمكان إنتاجه وصنعه وتسويقه وتجميله، ثم الاستغناء عنه بجديد مبتكر يحل محله أحسن أو أفضل أو أجمل في رأي ومعرفة أهل هذا الزمان.. ومعظم هذا الاعتقاد مع الزمن يبدو خيالاً ممقوتًا مرفوضًا، لأنه يتحول إلى ضيق ثم نفور ثم كراهية تنتهي في أحيان غير قليلة ـ إلى عراك مهلك، فتتحول الأحلام إلى أحزان والآمال إلى نكبات.. فالجماعات البشرية إلى الآن لا تعيش حياتها في الغالب الأغلب على تحرى الحقائق والرجوع إلى العقول.. وكلما زادت جماعة من الجماعات قوة، زادت غرورًا وتسلطًا أيقظ النائم من الجماعات الأخرى، فانتشر الخوف وامتلأت الأرض بالخصومات المستورة والمعلنة !

وأحيانًا يلح على عقل هذا الآدمي أو ذاك ـ ضرورة الاستعانة بالعقل واحترام ما ينتهي إليه ـ لكي يستقيم الفكر لدى الناس.. وهو نوع من الإلحاح فيه جانب من الصواب.. لأنه يعنى فقط ـ فيما أظن ـ عدم اختلاف العقول أو عدم اختلاف الآراء والأحكام، ولا يعنى الإذعان لعقل مفرد يبهرج عقول الخلق فيتبعونه بلا روية ولا تقليب نظر فيما يرونه في عقولهم هم صوابًا أو غير صواب.. وإنما يعنى أن يحترم الآدمي عقله المتنبه الواعي الراشد ما استطاع.. بعيدًا عن الرعونة والخفة ومحض التقليد ومسايرة ما يراه لدى الآخرين دون أن يتحراه.. فلم تكسب البشرية شيئًا على الإطلاق في أي زمان أو مكان من انتشار السطحية والرعونة في البشر، ولا من انتشار الحيل والمكر والخبث والطمع والجشع لدى المتهالكين على كسب المال أو على زيادته بعد مذاقهم له، ولا من وجود الحريصين على التسلط والقيادة والحكم إشباعًا للأنانية المتقدة في كل منهم ما عاش !.. فمن المحال أن تتزايد وتتراكم السطحية والخبث وعشق المال والحرص الهائل على التسلط ـ إلى ما لا آخر له في أية جماعة أو جماعات !!!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى