محاكمة فيسبوك بانتهاك حرية التعبير

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

مقدمة

في يوم الاثنين الموافق الثالث والعشرين من شهر أكتوبر 2023م، وفي منشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتب الأستاذ الدكتور إسماعيل صبري مقلد، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية التجارة جامعة أسيوط والعميد الأسبق للكلية: «فعلا ومن واقع شكاوى الكثير من الأصدقاء والمتابعين لتدويناتنا على صفحتنا وعلى صفحات كثيرين غيرنا من مستخدمي الفيسبوك، تقوم إدارة هذا الموقع بحجبها عنهم مما يجعل من المتعذر بالنسبة لهم متابعتها والتعقيب عليها على نحو ما اعتادوه في السابق، وهو ما زاد كثيراً عن حده في الفترة الاخيرة…. وهذه السياسة الانتقائية المتحيزة التي لا تليق بموقع تواصل اجتماعي عالمي بهذا المستوي الهائل من الشهرة ويبث من دولة كبرى تزعم أنها قلعة الديموقراطية وحرية التعبير في العالم، يقدم الدليل علي مدي ما ذهبوا إليه هناك في تحيزهم الأعمى لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من دفاعه عن حقه في الوجود كسائر شعوب العالم… ورأيي هو أن ما يفعله الفيسبوك من حجب متعمد للآراء التي تخالفه أو التي لا تتفق مع سياساته وتحيزاته، يسيئ به إلى نفسه وإلى الدولة التي تحتضنه ويرمز إلى ديموقراطيتها أكثر مما يسيئ به إلى مستخدمي هذا الموقع المهم من مواقع التواصل الاجتماعي الذي كانت بدايته مختلفة تماما عما نراها عليه حاليا… كانت مواقع حرة ونزيهة وتتسع لكل الآراء، ولم تعد كذلك الآن..».

وبعد يوم واحد على نشر هذه التدوينة، وفي يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 2023م، وعلى صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك، كتب الفقيه السياسي الكبير منشوراً آخر، شاكراً لإدارة الموقع استجابتها للشكوى التي أبلغها إليهم في إحدى تدويناته، ولقرارهم بإتاحة مدوناته لكل الأصدقاء والمتابعين لها دون حظر أو تقييد، مؤكداً أن هذا هو ما دعاه إلى توجيه شكر خاص لهم.

ولكن، وقبل أن يمر أسبوعان على تدوينة الشكر سالفة الذكر، وتحديداً في يوم السبت الموافق الرابع من شهر نوفمبر 2023م، وفي منشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتب الأستاذ الدكتور إسماعيل صبري مقلد: «عادت إدارة موقع فيسبوك إلى إجرائها الأخير بحجب رسائلي وتدويناتي عن كثير من أصدقائي ومن المتابعين لرسائلي اليومية التي لا تكاد تنقطع.. وقد شكوت ما يحدث لإدارة الموقع منذ أيام ووجهت إليهم اللوم الشديد على ما يحاولون تصويره للعالم بأنه مجرد إجراء تنظيمي بحت، وإن كنت أراه في الحقيقة قيداً فرضوه على حرية التعبير بحجب الرسائل التي لا تتفق مع اهوائهم وتحيزاتهم السياسية عن من يحرصون على عدم وصولها اليهم وحتي تظل الصورة تنقل إليهم من جانب واحد فقط… وفعلا أفرجوا عن تدويناتي ليومين أو ثلاثة وشكرتهم في رسالة خاصة وقدرت لهم سرعة استجابتهم لما أبلغتهم به وطلبت منهم التراجع عنه.. إلى أن اتصلت بي إحدى شقيقاتي أمس تبلغني بقلقها الشديد عن أسباب توقفي منذ فترة عن كتابة مقالاتي التي اعتادت قراءتها ومتابعتها بانتظام. وتصورت أن هناك عائقا صحيا حال بيني وبين مداومتي على ما كنت أكتبه. وأوضحت لها الأسباب التي حالت بينها وبين متابعتي على نحو ما اعتادته… وهكذا أبلغني العديد من الاصدقاء بنفس الملاحظة… وهو ما أكد لي أننا أمام سياسة إعلامية ممنهجة تدار من قبل أصحاب الأهواء والمصالح والأغراض».

والواقع أن هذه الشكوى من ممارسات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ليست حالة فردية تخص الفقيه السياسي الكبير، وإنما تعبر عن كل مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ولاسيما منذ بداية الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، رداً على عملية طوفان الأقصى، والاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة والمجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني الغاصب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية. فتارة يقوم موقع التواصل الاجتماعي الشهير بحذف المنشور، بحجة عدم انسجامه مع قواعد النشر في الموقع، وتارة يقوم بتقييد الوصول إلى المنشورات التي تنتقد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعلى المدنيين العزل. وقد تلجأ إدارة الفيسبوك إلى إخفاء المنشور رغم عدم تعارضه مع معايير النشر بالموقع، وذلك بحجة أن مضمون المنشور قد يصدم بعض الأفراد.

ولتفادي هذه القيود وهذه الممارسات التي تتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، لجأ العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في منطقتنا العربية إلى بعض الحيل في الكتابة للتغلب على الخوارزميات التي يعتمد عليها الفيسبوك في مراقبة المنشورات. وفي إطار حملات المقاطعة التي شهدتها العديد من الدول العربية للشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، ذهب البعض إلى ضرورة مقاطعة موقع فيسبوك. واكتفى البعض بالدعوة لمقاطعة فيسبوك لمدة يوم أو نصف يوم. ففي يوم الخميس الموافق السادس والعشرين من شهر أكتوبر 2023م، وعلى صفحته الشخصية على الفيسبوك، دعا الكاتب الكبير الدكتور نبيل عبد الفتاح إلى مقاطعة الموقع لمدة أربع وعشرين ساعة. واستجابة منا لهذه الدعوة، التزمت بعدم النشر أو التفاعل على صفحتي الشخصية لمدة تزيد على ست وثلاثين ساعة. وفي يوم الأحد الموافق الخامس من شهر نوفمبر 2023م، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية الدعوة إلى مقاطعة الفيسبوك لمدة اثني عشر ساعة، اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثامنة مساءً.

واستخدم البعض أسلوب السخرية والتهكم من ممارسات الفيسبوك، مستخدماً صورة لثلاثة من ذوي الديانة اليهودية مرتدين قبعة داوود، ويجلسون أمام أحد أجهزة الحاسب الآلي، كما لو كانوا يراقبون محتوى أو منشوراً معيناً، ومعلقاً على الصورة بعبارة مكتوبة باللغة الإنجليزية، تعبر عن الانحياز الأعمى للدولة العبرية، وذلك من خلال منحها سلطة وصلاحية رقابة المحتوى المنشور على الموقع، وتحديد ما يروق لها فتبقيه، وما يغضبها، فتقرر حذفه. وهذه العبارة هي:

Facebook Community Standards department reviewing my post.

 

لقد كانت سياسة الفيسبوك في بداية نشأتها هي إتاحة التواصل الاجتماعي وحرية التعبير بلا حدود، وعلى أوسع نطاق ممكن، بعيداً عن تدخل الحكومات. وبالفعل، فقد لعب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تيسير تداول المعلومات. ولكن، وإزاء تزايد الانتقادات الموجهة إلى مواقع التواصل الاجتماعي بإثارة خطاب الكراهية والتطرف، بدأت هذه المواقع في تعيين بعض الأشخاص بغرض مراقبة المحتوى المنشور على منصاتها. ثم، وفي مرحلة لاحقة، بدأت في استخدام الخوارزميات في مراقبة التغريدات والتدوينات المنشورة عليها. ولأن الخلاف قد يثور حول ما إذا كان المحتوى المنشور مطابقاً لقواعد النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، لذا فإن الحاجة ماسة إلى آليات قانونية للعدالة والإنصاف من أي إساءة أو انحراف في تطبيق هذه القواعد. ومن ثم، فإن مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي قد يثور لديه التساؤل عما يمكن أن يلجأ إليه من آليات قانونية في حالة وقوع أي انتهاك أو مساس بحقه في حرية التعبير، طالما أن استعمال هذا الحق يتم في الإطار المشروع، وبمراعاة الضوابط والمبادئ التي استقرت عليها واعترفت بها الأمم المتمدينة، وذلك على حد تعبير النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

وفي الإجابة عن هذا التساؤل، يجدر بنا في البداية الإشارة إلى أن مساءلة الشركات عن السلوك المباشر أو التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان غدا محل اهتمام متزايد على الصعيدين الدولي والوطني في العديد من الدول. ويمكن للشركات متعددة الجنسيات، على وجه الخصوص، أن تلعب دوراً مهماً في تعزيز حقوق الإنسان، منظوراً في ذلك إلى وضعها الاقتصادي والبعد العالمي لها. ولكن، وفي المقابل، يمكن أن تكون هذه الشركات ذاتها فاعلاً في الانتهاكات والاعتداءات على حقوق الإنسان والمتعاملين معها أو العاملين بها. وما دام الأمر كذلك، فإن من الضروري أن تكون ثمة آليات قانونية رادعة لهذه الشركات عن ارتكاب هذه الانتهاكات وملاحقتها في حالة وقوع أي انتهاك أو إساءة من جانبها.

وبالبحث في هذه الآليات، يمكن أن نقف على ثلاث آليات أو وسائل؛ أولها، هو آلية الانتصاف الداخلية المنشأة بواسطة موقع التواصل الاجتماعي ذاته؛ وثانيها، الآليات الدولية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي عن الانتهاك أو المساس الواقع منها؛ وثالثها، هو الآليات التي توفرها التشريعات الوطنية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي عن أي مساس أو انتهاك أو مخالفة يمكن أن تقع من قبلها إضراراً بحقوق وحريات الأفراد، ولاسيما حريته في التعبير. وسنحاول إلقاء الضوء على الآليات الثلاث سالفة الذكر، وذلك على النحو التالي:

المبحث الأول: آليات الانتصاف الداخلية لدى مواقع التواصل الاجتماعي.

المبحث الثاني: الآليات الدولية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي.

المبحث الثالث: الآليات الوطنية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي.

المبحث الرابع: البدائل التقنية لموقع الفيسبوك.

المبحث الخامس: التجربة الصينية في التواصل الاجتماعي.

المبحث السادس: الدعوة إلى انترنت عربي.

المبحث الأول

آليات الانتصاف الداخلية لدى مواقع التواصل الاجتماعي

تمهيد وتقسيم:

حرصا على استقلاليتها، وضمان خضوعها لقواعد رقابة ذاتية بعيداً عن الآليات القانونية الوطنية والدولية، عمدت كبريات شركات مواقع التواصل الاجتماعي إلى إنشاء أجهزة رقابة ذاتية للبت في شكاوى المستخدمين بشأن الإجراءات الماسة بهم من قبل الموقع، والتي تنطوي على حذف بعض منشوراتهم، أو وضع بعض القيود على حساباتهم. وسنقوم فيما يلي بإلقاء الضوء على أبرز هذه الأجهزة، وذلك بهدف الوقوف على مدى نجاحها في أداء المهمة المنوطة بها، وصولاً إلى إيجاد وسيلة فعالة للعدالة والإنصاف، أم أن التجربة قد أثبتت فشلها على أرض الواقع، الأمر الذي يبدو جلياً من خلال العرض التالي:

مجلس الثقة والأمان التابع لتويتر

في العام 2016م، قامت شركة تويتر بتشكيل مجلس تطوعي، وهو عبارة عن هيئة استشارية مؤلفة من خبراء من 100 منظمة مدنية وحقوقية مستقلة، يساعدون في وضع سياسة الإشراف الخاصة بالشركة، ويقدمون الرأي والمشورة بشأن معالجة خطاب الكراهية واستغلال الأطفال والانتحار وإيذاء الذات وغيرها من المشكلات على المنصة.

وفي يوم الاثنين الموافق الثاني عشر من شهر ديسمبر 2022م، وبعد فترة وجيزة من استحواذه على شركة تويتر، قام الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، بحل مجلس الثقة والأمان التابع لـ«تويتر». وكان من المقرر أن يلتقي أعضاء المجلس بممثلي «تويتر» مساء اليوم ذاته، إلا أن مسؤولي الموقع أبلغوا المجموعة عبر البريد الإلكتروني قبل وقت قصير من موعد الاجتماع، أنه «تم حل المجلس». وجاء في رسالة البريد الإلكتروني ما يلي: «إن عملنا وسعينا لجعل «تويتر» مكاناً آمناً ومفيداً سوف يتحرك بشكل أسرع وأكثر قوة من أي وقت مضى، وسنواصل الترحيب بأفكاركم للمضي قدماً حول كيفية تحقيق هذا الهدف».

وقد جاء هذا الإجراء بعد أسبوع من إعلان ثلاثة من أعضاء المجلس استقالتهم في بيان عام نشر على تويتر، جاء فيه «خلافاً لمزاعم إيلون ماسك، فإن سلامة ورفاهية مستخدمي تويتر في تراجع».

وجدير بالذكر في هذا الصدد أنه، ومنذ استحواذه على «تويتر» في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022م، مقابل 44 مليار دولار، أجرى ماسك تغييرات جذرية بالموقع، وسرح نحو نصف موظفي الشركة، وعدل قواعد التحقق وتعريف المحتوى المعتدل المسموح به، ورفع الحظر عن بعض الحسابات.

مجلس حكماء الفيسبوك

في يوم الأربعاء الموافق السادس من شهر مايو 2020م، قام موقع فيسبوك بإنشاء لجنة أخلاقيات أو مجلس حكماء للبت في الشكاوى المقدمة من مستخدمي الموقع. وفي هذا التاريخ، أعنت الشركة المالكة للموقع عن أول أعضاء مجلس الحكماء الذي سيبت في المستقبل في المضمون الخلافي على موقع التواصل الاجتماعي، وسيكون بمثابة «محكمة عليا» ويضم شخصيات منوعة من كل الدول والمهن واللغات. وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وقع اختيار الموقع على الناشطة اليمنية توكل كرمان لتكون ضمن مجلس الحكماء للموقع العالمي. وجاء اختيار فيسبوك لتوكل كرمان، ضمن قائمة من الشخصيات التي سيخول لها اتخاذ قرارات مهمة بشأن المحتوى الذي يسمح به أو يلزم بإزالته، من على موقع فيسبوك وتطبيق انستجرام.

والواقع أن قرار شركة فيسبوك بتعيين الناشطة اليمنية توكل كرمان، ضمن مجلس الحكماء للموقع العالمي، لتحديد شكل المحتوى في الشرق الأوسط، قد أثار علامات استفهام كبيرة، وذلك بالنظر إلى تاريخ كرمان ومواقفها السياسية. وأثارت شركة فيسبوك بقرار اختيار الناشطة اليمنية المثيرة للجدل كثيراً من حملات الاستنكار والاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنّ كرمان معروفة بقربها من تنظيم الإخوان، المصنّف في عدد من الدول كتنظيم إرهابي. وتفاجأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالخطوة التي قامت بها شركة فيسبوك، متسائلين عن المعايير والأسس التي اعتمدتها الشركة في تعيين القيادية في حزب الإصلاح، الذراع اليمني لتنظيم الإخوان. وجاءت التعليقات المعارضة لتعيين كرمان لتلفت النظر إلى أنّ إدارة فيسبوك تجهل طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي العربي في اختيار كرمان ضمن لجنة الحكماء.

وفي المقابل، وتعليقاً على اختيارها، كتبت كرمان على حسابها بموقع تويتر: «يسعدني الانضمام إلى مجلس الإشراف العالمي لمحتوى (Facebook) و(Instagram)، لم يعد احتكار الحكومات لوسائل الإعلام والمعلومات ممكناً بفضل منصات التواصل الاجتماعي. أنضم إلى مجلس الإشراف للمساعدة في حماية وتمكين أصوات الناس والدفاع عن حرية التعبير».

أما إدارة الفيسبوك، فلم يصدر عنها أي بيان للتعليق على هذا الجدل الواسع، كما لم يبين الموقع الأشهر على مستوى العالم أسباب اختيار توكل كرمان لشغل هذا الموقع الحساس في إقليم يموج بالصراعات والاستقطاب السياسي.

ونظراً للريبة والجدل الذي أحاط بتشكيل مجلس الحكماء منذ بداية عملها، وبالنظر لعدم تفاعل إدارة موقع الفيسبوك مع الجدل المثار حول تشكيل المجلس والأسس التي تم بناء عليها اختيار أعضائه، يبدو من غير المتوقع أن يكون مجلس الحكماء هو المكان المناسب للحصول على العدل والانصاف من الانتهاكات التي يمكن أن تحدث من القائمين على الموقع، إخلالاً بحق مستخدمي الموقع والتعبير الحر عن آرائهم، دونما تمييز بينهم. ومن ثم، يثور التساؤل عن الآليات القانونية التي يمكن اللجوء إليها لوقف مثل هذه الانتهاكات من جانب إدارة الموقع.

المبحث الثاني

الآليات الدولية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي

تمهيد وتقسيم:

بموجب الإطار الدولي لحقوق الإنسان، لا يمكن مساءلة الشركات بشكل مباشر سوى عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تشكل جرائم دولية على النحو المنصوص عليه في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وفيما عدا ذلك، لا توجد ثمة آلية دولية أخرى لمساءلة الشركات عن الانتهاكات التي يمكن أن تقع منها مساساً وانتهاكاً لحقوق الإنسان. إذ توجد فحسب في هذا الشأن بعض الصكوك القانونية غير الملزمة، وأهمها المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

وعلى هذا النحو، تتضح خطة الدراسة في هذا المبحث، كما يلي:

المطلب الأول: اقتصار خطاب القانون الدولي التقليدي على الدول.

المطلب الثاني: المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

المطلب الثالث: إمكانية مساءلة الشركات بشكل مباشر عن الجرائم الدولية.

المطلب الأول

اقتصار خطاب القانون الدولي التقليدي على الدول

تقوم النظرة التقليدية للقانون الدولي على أساس أن الضمانات الدولية قد وضعت لمواجهة تعسف الدول وإساءة استخدامها لما لديها من إمكانيات في اختراق حواجز الحياة الخاصة والمساس بالحقوق والحريات.

وفي ظل هذه النظرة التقليدية، فإن الالتزام بحماية حقوق الإنسان يقع على عاتق الدولة القومية. ولذلك، يتجه الخطاب دائماً في الاتفاقيات الدولية إلى الدول، بحيث تجد صدر المادة يبدأ غالباً بعبارة «تلتزم الدول…» أو «تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى…»، أو «تحرص كل دولة طرف على…»، أو «تسعى الدول الأطراف إلى…»، أو «تكفل كل دولة طرف مراعاة…». وهكذا، وبموجب النظرة التقليدية، تعتبر الدول «الموضوعات» الرئيسية للقانون الدولي. وبينما تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، فإن للأفراد والشركات مكانة محدودة.

ولا يخفى على أحد أن النظرة التقليدية للقانون الدولي لم تعد متسقة مع واقع المجتمعات الدولية والوطنية المعاصرة. فمنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، برزت الشركات متعددة الجنسيات كواحدة من أهم التحديات لهيمنة الدول في النظام الاجتماعي والاقتصادي الدولي. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى أنه في العام 2013م، كان للشركات 37 من أفضل 100 اقتصاد على مستوى العالم، حيث تجاوزت إيرادات وول مارت ستورز إجمالي الناتج المحلي لجميع دول العالم باستثناء 27 دولة. ونتيجة لذلك، كانت هناك مخاوف متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسيات في تعزيز وحماية حقوق الإنسان الدولية. وغني عن البيان أن قوة الشركات متعددة الجنسيات تقلل من قدرة الدول الأضعف على فرض حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، أثيرت مخاوف بشأن تشغيل الشركات متعددة الجنسيات في البلدان التي لديها سجل سيء في مجال حقوق الإنسان. العديد من الحالات مثل شركة دو أونوكال، تزعم وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها الشركات متعددة الجنسيات أو شركاؤها في بلدان مثل بورما (ميانمار). وفي حين أثير القلق بشأن الدور الذي لعبته الشركات متعددة الجنسيات في انتهاكات حقوق الإنسان، فقد تم الاعتراف أيضاً بحقيقة أن الشركات متعددة الجنسيات لديها القدرة على تعزيز حقوق الإنسان في الدول التي تتمتع بسجل سيئ في الأداء يتجاوز قدرة الدول القومية الأخرى.

وإزاء التطورات سالفة الذكر، كان من الطبيعي أن يثور نقاش مكثف ومستفيض حول الوضع الذي يجب أن تحتفظ به الشركات متعددة الجنسيات على مستوى القانون الدولي. إذ ذهب البعض إلى أن الشركات متعددة الجنسيات يجب أن يكون لها حقوق وواجبات تقوم بتطبيقها على أرض الواقع، لكون هذا ضروري بالنظر إلى حجمها وتأثيرها. وفي المقابل، يتخوف البعض من مآلات مناقشة فرض القانون الدولي على الشركات متعددة الجنسيات، زاعماً أن القيام بذلك سيعني حتما نقل الحقوق والصلاحيات التي تتمتع بها الدول. إذ لا مسئولية بدون صلاحيات وسلطات. ومن شأن ذلك تعزيز النفوذ والسلطة التي تتمتع بها الشركات متعددة الجنسيات. ولعل هذا الخلاف في الرأي هو الذي يفسر لنا حالة القانون الدولي المعاصر في التعامل مع هذه المشكلة المستحدثة، حيث شهدت التطورات الأخيرة للقانون الدولي توضيح التزامات الشركات في مجال حقوق الإنسان، ولكن لا توجد آلية تنظيمية قابلة للتنفيذ على المستوى الدولي.

المطلب الثاني

المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان

في العام 2005م، تم تعيين جون روجي ممثلاً خاصاً للأمين العام لشؤون حقوق الإنسان والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من مشاريع الأعمال. وبعد ثلاثة أعوام على تعيينه، وتحديداً في شهر يونيو/ حزيران 2008م، اقترح إطار الأمم المتحدة المعنون «الحماية والحرية والانتصاف»، المعروف لاحقاً باسم المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والتي صادق عليها مجلس حقوق الإنسان.

وتقدم هذه الوثيقة توجيهات مفيدة حول حجم مسؤولية الحكومات والشركات المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد تم تمديد مهمته لوضع الإطار التنفيذي لهذه الوثيقة، فأصدر تنفيذ إطار المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والتي أقرها بالإجماع مجلس حقوق الإنسان في قراره رقم 17/4 المؤرخ في السادس عشر من شهر يونيو/ حزيران 2011م. ويرتكز هذا الإطار على ثلاثة مرتكزات أساسية، هي:

واجب الدولة في حماية حقوق الإنسان

طبقاً لإطار المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، يقع على الدول واجب حماية الأفراد من أي انتهاك لحقوق الإنسان يقع من جانب أطراف ثالثة، بما فيها المؤسسات التجارية. ويقتضي ذلك اتخاذ خطوات مناسبة لمنع هذا الانتهاك والتحقيق فيه والمعاقبة عليه والانتصاف منه.

والتزامات الدول هذه تأتي في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان. وينص الإطار على أن الدول تستطيع حماية الحقوق بتبني سياسات وتشريعات وأنظمة وأحكام قضائية فعالة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أشار ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من مشاريع الأعمال إلى أن على الحكومات أن تلعب دوراً في تعزيز احترام حقوق الإنسان من جانب المؤسسات التجارية التي يجب أن تجعل هذا الاحترام جزءاً لا يتجزأ من طريقة قيامها بأعمالها.

مسؤولية الشركات عن احترام حقوق الإنسان

ينص إطار المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان على وجوب احترام المؤسسات التجارية حقوق الإنسان. وتمثل مسؤولية احترام حقوق الإنسان معياراً عالمياً لقواعد السلوك المتوقع من جميع المؤسسات التجارية أيا كان مكان عملها. وهذه المسؤولية موجودة بغض النظر عن قدرات الدول فيما يخص الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان. ويقول الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان إن احترام حقوق الإنسان يتطلب عملية مستمرة للعناية الواجبة بحقوق الإنسان مثل المراقبة والتدقيق في الالتزام بحقوق الإنسان. ويمكن أن تساعد عملية العناية الواجبة بحقوق الإنسان الشركات في تحديد كيفية معالجة الآثار الضارة بحقوق الإنسان والحيلولة دون حدوثها والتخفيف من حدتها وتوضيح كيفية معالجتها.

الوصول إلى سبل الانتصاف

طبقاً لإطار المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، فإن آليات الانتصاف تلعب دوراً مهماً في دور الدولة ومسؤولية المؤسسات في حماية حقوق الإنسان. وتوصي بسبل انتصاف من خلال الوسائل القضائية (مثل مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية) أو غيرها. ويقول الإطار إن على الدول أن تتخذ الوسائل الملائمة للتحقيق والمعاقبة ومعالجة انتهاكات الشركات بحق الأفراد والجماعات داخل أراضيها و/أو ولايتها القضائية.

وينص الإطار على أن آليات التظلم داخل الشركة يمكنها، على سبيل المثال، تمكين الشركة من معالجة التظلمات في أولى مراحلها قبل أن تتعاظم وتتحول إلى دعاوى قضائية أو حملات عامة ضد الشركة. يضاف الى ذلك أنه يمكن للشركات، من خلال مراقبة الشكاوى، تحديد المشاكل المتكررة وبالتالي اعتماد ممارسات للحد من الضرر أو الخلافات في المستقبل. وبذلك، تكون آليات التظلم داخل الشركة مكملة لإجراءات العناية الواجبة التي تقوم بها الشركة.

وضع حقوق الإنسان موضع التنفيذ

يقول الممثل الخاص للأمين العام حول حقوق الإنسان والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها من المؤسسات إن مسؤولية الشركة عن احترام حقوق الإنسان تعني تجنب انتهاك حقوق الآخرين وأن تعالج ما تقع فيه من آثار ضارة بحقوق الإنسان. وينطبق ذلك على جميع المؤسسات التجارية في كل الأوضاع. ويحدد حجم تلك المسؤولية الآثار الفعلية أو المحتملة على حقوق الإنسان الناجمة عن نشاطات الشركة ومن خلال علاقاتها مع أطراف أخرى، مثل شركاء العمل والمؤسسات التي تتعامل معها لأداء عملها، واللاعبين غير الحكوميين، واللاعبين الحكوميين.

والطريقة الملائمة لمعالجة الشركة مخاطر انتهاك حقوق الآخرين تكون في بذل العناية الواجبة لحقوق الإنسان. وتساعد هذه العملية الشركات على تحمل مسؤولياتها تجاه الأفراد والمجتمعات التي تؤثر عليها، ومسؤولياتها تجاه المساهمين وبالتالي حماية القيمة والقيم.

ويهدف الإطار إلى تقديم توصيات ملموسة وعملية حول كيفية تفعيل المؤسسات لمسؤولياتها في حماية حقوق الإنسان. وتنص المبادئ التوجيهية على أن مسؤولية احترام حقوق الإنسان تتطلب من الشركات ثلاثة أمور أساسية، هي:

  • تطبيق سياسات خاصة بحقوق الإنسان.
  • بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان.
  • توفير سبل الانتصاف.

ويحدد الإطار، كما هو موضح في وثيقة المبادئ التوجيهية، المكونات الرئيسية التالي بيانها، وهي:

  • وضع وبيان سياسات تنص بوضوح على التزام الشركة باحترام حقوق الإنسان، وتوفر التوجيه للخطوات التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الالتزام. ويجب أن يتم وضع هذه السياسات باستشارة عدد من الخبراء الداخليين والخارجيين، كما يجب أن تحدد ما تتوقعه الشركة من موظفيها وشركائها في الأعمال. ويجب المصادقة على هذه السياسة على أعلى مستوى والإعلان عنها داخلياً وخارجياً لجميع الموظفين وشركاء الأعمال والأطراف المعنية. وإضافة إلى ذلك يجب أن تنعكس هذه السياسة في السياسات والإجراءات التشغيلية المناسبة.
  • العناية الواجبة بحقوق الإنسان.
  • تقييم دوري لآثار نشاطات وعلاقات الشركة المحتملة والحقيقية على حقوق الإنسان: إن العناية الواجبة بحقوق الإنسان تتفاوت في الحجم والتعقيد طبقاً لحجم الشركة، وشدة المخاطر التي تمثلها عملياتها على حقوق الإنسان. يجب أن يكون تقييم الآثار متواصلا نظراً لأن المخاطر على حقوق الإنسان قد تتغير مع الوقت مع تطور عمليات الشركات وسياقاتها التشغيلية. يجب أن تستعين الشركة لهذه العملية بخبراء وموارد داخليين وخارجيين في حقوق الإنسان. وإضافة إلى ذلك يجب أن تشتمل على مشاركة مفيدة مع الأفراد والجماعات الذين يمكن أن يتأثروا بالإضافة إلى الجهات المعنية.
  • دمج النتائج التي حصلت عليها من عملياتها لتقييم الآثار في جميع الوظائف والعمليات الداخلية ذات الصلة: وتتطلب عملية الدمج الفعالة مسؤولية في معالجة وإيصال هذه المعالجة إلى المستوى المناسب. كما يتطلب آليات داخلية لصنع القرار، وتخصيص ميزانية وعمليات إشراف.
  • تتبع الأداء: يجب أن يستند تتبع الأداء إلى المقاييس النوعية والكمية الملائمة ويجب أن يستند إلى التعليقات الواردة من مصادر داخلية وخارجية بما في ذلك أصحاب المصلحة. كما يجب أن تعرف كيفية إعطاء زخم للتحسين المستمر.
  • توفير المعلومات إلى الخارج بشكل منتظم حول أدائها: عند الإبلاغ عن الأداء، يجب على الشركات أن تأخذ في الاعتبار مخاطر الكشف عن معلومات معينة على أصحاب المصلحة أنفسهم أو على موظفي الشركة. وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون محتوى التقارير خاضعا للمتطلبات القانونية للسرية التجارية.
  • المعالجة: حيثما تجد المؤسسات أنها تسببت أو ساهمت في آثار ضارة بحقوق الإنسان ينبغي أن تقوم بمعالجة هذه الآثار أو المساعدة في معالجتها من خلال عمليات مشروعة.

ويقول الممثل الخاص للأمين العام كذلك أن مسؤولية احترام حقوق الإنسان ليست أمراً يطبق مرة واحدة، ولكنها عملية دينامية ومستمرة. كما أن إدارة المخاطر على حقوق الإنسان يشتمل على المشاركة المفيدة والحوار مع أصحاب المصلحة وكذلك الشفافية والوصول إلى أصحاب المصلحة.

وهكذا، ومن خلال العرض السابق، يبدو سائغاً القول إنه، وفي الوقت الحالي، لا توجد آلية على المستوى الدولي يمكن أن تحمّل الشركات المسؤولية القانونية. وبدلاً من ذلك، تم الاعتماد على عدد من الصكوك القانونية غير الملزمة، وأهمها المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وفيما يتعلق بحرية التعبير، على وجه الخصوص، تنص المادة الثانية عشرة من القواعد المتعلقة بمسؤوليات الشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال في مجال حقوق الإنسان على أن «تحترم الشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن الحقوق المدنية والسياسية، وتسهم في إعمال هذه الحقوق، ولاسيما الحق في التنمية وفي الحصول على الغذاء الكافي وعلى مياه الشرب، والحق في بلوغ أعلى مستوى ممكن للصحة البدنية والعقلية، والحق في المسكن المناسب، والحق في الخصوصية، والتعليم وحرية الفكر والوجدان والدين وحرية الرأي والتعبير، كما تمتنع عن القيام بأية أعمال تعرقل أو تعوق إعمال هذه الحقوق».

المطلب الثالث

إمكانية مساءلة الشركات بشكل مباشر عن الجرائم الدولية

لما كانت المجازر الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، رداً على عملية طوفان الأقصى، تشكل جرائم دولية، لذا فإن التساؤل يثور عن مدى إمكانية مساءلة موقع الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي المتواطئة مع قوات الاحتلال من خلال الانحياز الأعمى للخطاب الإسرائيلي وحجب كل خطاب مناهض له أو يحاول أن يكشف الفظائع المرتكبة بواسطة الدولة العبرية.

وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وتحت عنوان المسئولية الجنائية الفردية، تنص المادة الخامسة والعشرون من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن «1- يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي.

2- الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسئولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي.

3- وفقاً لهذا النظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي:

أ) ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسئولاً جنائياً.

ب‌) الأمر أو الإغراء بارتكاب، أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.

ج) تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.

د) المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم:

ا ” إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.

2 ” أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.

هـ) فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

و) الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة، ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص، ومع ذلك، فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضة للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي.

4- لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسئولية الجنائية الفردية في مسئولية الدول بموجب القانون الدولي».

المبحث الثالث

الآليات الوطنية لمساءلة مواقع التواصل الاجتماعي

تمهيد وتقسيم:

بالنظر لأن الفضاء الافتراضي لا مكان له، لذا فإن انعقاد الاختصاص للقضاء الوطني بالنظر في طلبات التعويض والمساءلة الجنائية عن الانتهاكات التي تقع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن يجد له سنداً من أحكام القانون الوطني. إذ يمكن مساءلة ومقاضاة الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي عن انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك طبقاً للقوانين المحلية للدولة التي يقع الانتهاك مساساً بأحد مواطنيها. وللتدليل على صحة هذا القول، نرى من الملائم أن نعرض لبعض الممارسات المقارنة، من خلال مطالب ثلاثة، كما يلي:

المطلب الأول: مقاضاة موقع الفيسبوك أمام القضاء الأمريكي.

المطلب الثاني: مساءلة مواقع التواصل الاجتماعي بموجب قانون الخدمات الرقمية الأوربي.

المطلب الثالث: مقاضاة موقع الفيسبوك أمام القضاء الهندي.

المطلب الأول

مقاضاة موقع فيسبوك أمام القضاء الأمريكي

بعد تعليق حسابه، ومنعه من الوصول إليه دون سبب، أقام أحد المحامين من جورجيا بالولايات المتحدة دعوى قضائية ضد فيسبوك، حيث حكم لصالحه بتعويض مقداره 50 ألف دولار له. وتتعلق هذه القضية بمحام أمريكي يدعى جيسون كروفورد، أقام دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الأمريكية ضد فيسبوك بعد أن تم تعليق حسابه دون سبب، ورفض عملاق وسائل التواصل الاجتماعي التجاوب معه لحل الموقف.

أعرب كروفورد عن استيائه من فيسبوك، قائلاً: «أنا ببساطة أعتقد أن هذه ممارسة تجارية سيئة. إن الطريقة التي يعاملون مستخدمي الموقع بها أمر فظيع. على أقل تقدير، ينبغي على الشركة أن تشرح لمستخدميها طبيعة الخطأ الذي حدث». وتحدث المحامي المذكور عن محاولاته غير المثمرة للتواصل مع المؤسسة الأم لفيسبوك، ميتا، التي تسيطر أيضاً على انستجرام وتطبيق وتساب. وإزاء عدم استجابة الشركة لشكواه، لم يكن أمامه خيار سوى رفع دعوى قضائية. وقال إنه غير قادر على الاتصال بشخص حي لطلب المساعدة.

وعلم كروفورد أن ملفه الشخصي، الذي لم يعد من الممكن الوصول إليه الآن، هو الطريقة الوحيدة لاستئناف القرار.

تلقى كروفورد تنبيها عن تصريحاته السياسية التي اعتبرتها المنصة انتهاكا لقواعدها. لكن هذه المرة، ودون سابق إنذار، تم تقييد حسابه على فيسبوك بالكامل. “في صباح أحد أيام الأحد، تلقيت رسالة مقتضبة ومبهمة من المنصة تقول إني انتهكت قواعدهم ضد الاستغلال الجنسي للأطفال، وبالتالي أغلق حسابي.

وفي شهر أغسطس 2022م، قدم كروفورد، والذي يعمل محامياً، شكوى ضد فيسبوك، مدعياً على ضد الشركة بالإهمال ومنعه من الوصول لحسابة بسبب انتهاك لم يحدث أبداً. وبغض النظر عن الدعوى القضائية، لم يدل المستشار القانوني لفيسبوك بأي تعليق. لكن شركة التكنولوجيا لم تتصل بكروفورد إلا بعد أن أجبرهم القاضي على دفع مبلغ 50 ألف دولار له مقابل فشلهم في الرد. قال كراوفورد: «لقد أعادوا تنشيط حسابي، وشعرت أنني برئت إلى حد ما». وشدد على أنه لا يسعى إلى اتخاذ إجراءات قانونية لتحقيق مكاسب مالية، بل يحمل فيسبوك مسؤولية افتقارها إلى الانفتاح ورفض التواصل معه.

راجع:

Man files suit against Facebook and receives Rs 41 lakh in damages after his account was locked, The Economic Times, |Jun 16, 2023,

المطلب الثاني

مساءلة مواقع التواصل الاجتماعي بموجب قانون الخدمات الرقمية الأوربي

في يوم الثلاثاء الموافق العاشر من شهر أكتوبر 2023م، حذر الاتحاد الأوروبي شركات التكنولوجيا من عقوبات قانونية إذا لم تحذف أي محتوى مؤيد لحركة حماس من على منصات التواصل الاجتماعي. وزعمت وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية أن هذا التحذير يأتي في أعقاب هجمات الحركة على إسرائيل، مدعية أن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت زيادة في المعلومات الخاطئة المتعلقة بالصراع، بما يشمل الصور التي تم التلاعب بها، ومقاطع الفيديو ذات التصنيف الخاطئ، إلى جانب صور بها مشاهد عنف.

وحذر الاتحاد الأوروبي إيلون ماسك، من أن منصة «إكس» (تويتر سابقاً) قد تُستخدم لنشر “معلومات مضللة” مرتبطة بالهجمات.

ومن خلال هذا التحذير، سعت المفوضية الأوروبية، السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلى تذكير جميع شركات وسائل التواصل الاجتماعي بأنها ملزمة قانوناً بمنع انتشار أي محتوى ضار. فوفقاً للتصريحات التي أدلى بها متحدث باسم المفوضية: «المحتوى المُتداوَل عبر الإنترنت والذي يمكن أن يرتبط بحماس، يعد محتوى إرهابيا، وهو غير قانوني، ويجب إزالته بموجب قانون الخدمات الرقمية، واللائحة التنظيمية للحد من المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت». وأضاف المتحدث أن المفوضية ستقوم بتطبيق القانون بشكل كامل وستراقب التنفيذ الكامل للائحة التنظيمية. وتحث المفوضية المنصات عبر الإنترنت على الامتثال الكامل لقواعد الاتحاد الأوروبي.

وبدوره، وفي منشور على الموقع المعروف سابقا باسم تويتر، خاطب تييري بريتون، مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، إيلون ماسك بشأن منصته «إكس»، قائلاً إن «المحتوى العنيف والإرهابي» لم تتم إزالته كما يقتضي قانون الاتحاد، رغم التحذيرات. ولم يقدم مفوض الاتحاد الأوربي للسوق الداخلية تفاصيل حول المعلومات المضللة التي كان يشير إليها في رسالته إلى ماسك. واكتفى المفوض الأوربي بالقول إنه جرى الإبلاغ عن حالات “الصور والحقائق المزيفة والمتلاعب بها” على نطاق واسع على منصة التواصل الاجتماعي. وكتب في رسالته التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي: «لذلك أدعوكم إلى التأكد بشكل عاجل من فعالية أنظمتكم، وتقديم تقرير عن الإجراءات المتخذة لإدارة الأزمة إلى فريقي».

ورداً على هذا المنشور، وعلى التحذير الصادر عن المفوضية الأوربية، قال ماسك إن شركته اتخذت إجراءات، تشمل إزالة الحسابات المنشأة حديثا التابعة لحركة حماس، وطلب من الاتحاد الأوروبي توضيح الانتهاكات المزعومة. وفي تعليقه على بريتون على موقع «إكس»، قال ماسك: «سياستنا هي الانفتاح والشفافية، وهو نهج أعرف أن الاتحاد الأوروبي يدعمه». وأضاف الملياردير الأمريكي الشهير: «من فضلك، اذكر الانتهاكات التي تلمح إليها على إكس، حتى يتمكن الجمهور من معرفتها».

وقال بريتون إن ماسك على علم بتقارير المستخدمين حول المحتوى المزيف والإشادة بالعنف، مضيفاً أن الأمر متروك له لإظهار أنه يفعل ما يقول.

وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أنه قد تم سن قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي بهدف حماية مستخدمي منصات التكنولوجيا الكبرى، وأصبح قانونا في شهر نوفمبر/ تشرين الأول 2022م، لكن مُنِحت الشركات الوقت للتأكد من امتثال أنظمتها له.

وفي الخامس والعشرين من شهر إبريل/ نيسان 2023م، حددت المفوضية المنصات الإلكترونية الضخمة، التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم في الاتحاد الأوروبي، والتي ستخضع لأشد القواعد صرامة، ومن بينها «إكس». وقد دخل القانون حيز التنفيذ بعد أربعة أشهر في أغسطس/ آب 2023م.

وبموجب القواعد الأشد صرامة، يتعين على الشركات الكبرى تقييم المخاطر المحتملة التي قد تتسبب فيها، والإبلاغ عن هذا التقييم ووضع التدابير اللازمة للتعامل مع المشكلة.

ويمكن أن يؤدي عدم الامتثال لقانون الخدمات الرقمية، إلى أن يفرض الاتحاد الأوروبي غرامات تصل إلى 6 في المئة من إجمالي مبيعات الشركة العالمية، أو احتمال تعليق الخدمة، ومنع الشركات التي تكرر المخالفة من العمل في أوروبا تماماً.

المطلب الثالث

مقاضاة موقع الفيسبوك أمام القضاء الهندي

في يوم الأربعاء الموافق الرابع عشر من شهر يونيو 2023م، أصدرت المحكمة العليا في ولاية كارناتاكا الهندية تحذيراً إلى عملاق وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك، مهددة إياه بإغلاق مكاتبه في الهند. وقد جاء هذا التحذير بعد الادعاء المزعوم بعدم تعاون منصة ميتا مع شرطة الولاية في التحقيق في قضية تتعلق بمواطن هندي قيد الاعتقال في المملكة العربية السعودية. وتتعلق القضية محل التحقيق بحساب مزور على شبكة التواصل الاجتماعي.

وصدر التحذير أثناء نظر المحكمة في الالتماس الذي قدمته كافيثا في عام 2021م، وهي من سكان بيكارناكاتي بالقرب من مانجالورو في منطقة داكشينا كانادا. وتتعلق القضية بحبس زوج كافيثا، شايش كومار، 52 عاماً، والذي يعمل في السعودية منذ 25 عاماً، بينما بقيت هي في موطنها الأصلي مع أطفالهما.

وفي العام 2019م، كتب زوج كافيثا رسالة على فيسبوك يدعم فيها قانون تعديل المواطنة (CAA) والسجل الوطني للمواطنين (NRC)، زاعماً أنه تلقى مكالمة تهديد بشأن هذا المنشور، وبعد ذلك قام بحذف حسابه. وفي وقت لاحق، قام مجهولون بإنشاء حساب زائف على فيسبوك باسم كومار ونشروا منشورات مرفوضة ضد ملك المملكة العربية السعودية والإسلام. وبمجرد أن علم كومار بالحساب المزيف، أبلغ عائلته. ثم قيّدت زوجته شكوى لدى الشرطة في مانجالورو. وبعد هذا المنشور، تم القبض على شايلش في المملكة العربية السعودية، وحوكم وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً.

ونظراً لفشل الشرطة في إكمال التحقيق في الملف الاحتيالي، قامت كافيثا بإحالة شكواها إلى المحكمة العليا. واستمع القاضي كريشنا إس ديكسيت إلى التماسها. وفي الثاني عشر من شهر يونيو/ حزيران 2023م، أمرت المحكمة العليا بما يلي: «تم توجيه مفوض الشرطة، مانجالور (مانجالورو)، لدراسة أوراق القضية والحضور أمام المحكمة للإجابة عن سبب التأخير الهائل في إنجاز التحقيق في القضية». الأمر عندما يقبع مواطن من هذا البلد في سجن دولة أجنبية بعد المحاكمة والإدانة عندما كان موقفه المحدد هو أن حسابه على فيسبوك قد تم اختراقه.

ورداً على هذا الأمر، وفي يوم الأربعاء الموافق الرابع عشر من شهر يونيو 2023م، أبلغ مفوض الشرطة المحكمة العليا أن التحقيق قد تأخر لأن فيسبوك لم يتعاون مع الشرطة. وأبلغ محامي فيسبوك المحكمة أنه ليس لديه معلومات حول الموقع الدقيق للحادث. وإزاء ذلك، أصدرت المحكمة العليا تحذيراً إلى موقع التواصل الاجتماعي بأنه سيتعين إصدار أمر بإغلاق عمليات (Facebook) إذا لم يتعاون مع التحقيق.

وطلب المحامي مهلة أسبوع لتقديم المعلومات المطلوبة. ومن ثم، أجلت اللجنة العليا جلسة الاستماع إلى 22 يونيو 2023م. وتم استدعاء شركة Meta، الشركة الأم لفيسبوك، كطرف في الالتماس في 29 مايو 2023م.

وفي معرض الإشارة إلى أن فيسبوك يلعب بالنار، قال بافان دوجال، محامي المحكمة العليا ورئيس اللجنة الدولية لقانون الأمن السيبراني: «يجب على فيسبوك أن يدرك أنه وسيط بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000. ولديه مكاتب في الهند وباكستان». يجب الالتزام بقانون الأرض بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات والقواعد واللوائح الصادرة بعد ذلك. لذا، كجزء من التزاماته كوسيط للبيانات، يتعين عليه تقديم معلومات حول من هو المنشئ الدقيق أو من هو الشخص الذي يستخدم الحساب المعين. وأضاف محامي المحكمة العليا: «والأهم من ذلك أنه تم إساءة استخدام الحساب لأغراض إجرامية أو غير قانونية، وإذا لم يتعاون فيسبوك، فهو في الواقع لعب بالنار لأن عدم الاستجابة يعد بمثابة مخالفة أو انتهاك لقواعد تكنولوجيا المعلومات لعام 2021. وأوضح أنه وفقاً للقواعد الصادرة سنة 2021م، فإنهم لا يفقدون إعفاءهم القانوني من المسؤولية القانونية فحسب، بل يصبحون أيضاً عرضة للعقاب على جرائم مختلفة بموجب قانون العقوبات الهندي وقانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000، مضيفاً أنه يُنصح فيسبوك بالامتثال لتوجيه المحكمة العليا وإعطاء كافة التفاصيل وإلا فإن فيسبوك سيواجه سلسلة ضخمة من “التقاضي القانوني».

راجع:

Will close down Facebook in India: Karnataka High Court warns social media giant, The Economic Times, Jun 15, 2023.

المبحث الرابع

البدائل التقنية لموقع الفيسبوك

في اتجاه البحث عن بدائل لموقع الفيسبوك، طرح البعض موقع x (تويتر سابقاً) كبديل لفيسبوك، ناظراً في ذلك إلى الموقف النزيه إلى حد كبير لرجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك وشركة تويتر إزاء الأحداث، إلى الحد الذي دفع أحد الكتاب إلى توجيه الشكر إلى إيلون ماسك. ففي الثامن والعشرين من أكتوبر 2023م، أعلن إيلون ماسك دعم المنظمات الأممية العاملة في غزة بخدمة ستارلينك للانترنت الفضائي. بل إن بعض الأخبار ذكرت استعداد إيلون ماسك توفير الاتصالات لقطاع غزة بالكامل. وقد جاء ذلك رداً على الهاشتاج الذي انتشر على موقع التواصل الاجتماعي موجهاً إلى إيلون ماسك، مطالباً إياه بفتح خدمة ستارلينك للانترنت الفضائي أمام سكان قطاع غزة (Open satellite internet for #Gaza# Starlinkforgaza).

ومن ناحية أخرى، وإذا أردنا البحث عن البدائل غير الأمريكية والأوربية، يمكن القول إن تطبيق تيك توك (TikTok) قد يشكل بديلاً مناسباً. وهذا التطبيق هو عبارة عن تطبيق اجتماعي متخصّص في نشر الفيديوهات بين ملايين المستخدمين. حيث ينشر مستخدم منصة تيك توك الفيديوهات أو المقاطع القصيرة مع أصدقائه لمشاركتهم في لحظات حياته بكل سهولة. ويحتل هذا التّطبيق المرتبة الأولى بين التطبيقات الأكثر تحميلًا في العالم لعام 2020م، وبذلك فإنه ينافس كلًّا من تطبيقي سناب شات وإنستجرام في الآونة الأخيرة. وتُعتبر طريقة استخدام تيك توك سهلة جداً. حيث لا يتطلب سوى تصوير المستخدم مقطع فيديو لمدة خمسة عشر ثانية فقط. ويضيف هذا التطبيق على هذا الفيديو تأثيرات متنوعة، مثل: الرسوم الكوميدية والملصقات الرائعة، ليصبح المستخدم أيضاً أمام قاعدة بيانات كاملة من المقاطع الصوتيّة، وكذلك الأغاني والمؤثرات التي من الممكن تحميلها لإضفاء تحسينات على الفيديو الذي يصوّره المستخدم. وجدير بالذكر أن تطبيق تيك توك (TikTok) أطلقته إحدى الشركات الصينية، وهي شركة (ByteDance)، ووصل عدد مستخدميه في أوائل العام 2020م إلى ما يزيد عن 800 مليون مستخدم حول العالم.

ومن ناحية ثالثة، وإزاء القيود التي تعرض لها مستخدمو فيسبوك المتعاطفين مع ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، لجأ بعض المستخدمين إلى تطبيق تيليجرام. وتطبيق تيليجرام أو تلغرام (Telegram)، هو تطبيق للتراسل الفوري مجانيّ ومفتوح المصدر جزئياً ومتعدد المنصات ويُركز على ناحية الأمان. إذ يستطيع مستخدمو تيليجرام تبادل الرسائل بإمكانية تشفير عالية بما في ذلك الصور والفيديوهات والوثائق، حيثُ يدعم كافّة الملفات.

ويعودُ تأسيس تيليجرام إلى العام 2013م، على يد الأخوين نيكولاي وبافيل دروف مؤسّسا موقع فكونتاكتي (أكبر شبكة اجتماعية روسية)، وقد نجحا في إطلاق برنامج تيليجرام ثمّ سجّلاهُ كمنظمة مستقلة تتخذُ من العاصِمة الألمانيّة برلين مقراً لها. صَمَّم نيكولاي بروتوكولاً خاصاً للتطبيق يدعى MTProto، في حين قَدَّم بافيل دروف الدعم المالي والهيكلي الأساسي للمشروع، ويقوم تيليجرام بنفس الوظائف التي تقوم بها برامج التراسل الأخرى كـ: واتس آب، لاين، فايبر، تانغو.

وقد بدأ هذا التطبيق كتطبيق صغير يركز على المراسلة الآمنة وتطور منذ ذلك الحين إلى منصة تضم أكثر من 500 مليون مستخدم. وفي الوقت الحالي، يُعد تيليجرام ضمن قائمة أكثر 10 تطبيقات يتم تنزيلها واستخدامها حول العالم للبقاء على اتصال مع الأصدقاء. تيليجرام متوفر رسمياً على أندرويد وآي أو إس (بما في ذلك الأجهزة اللوحية والأجهزة التي لا تدعم واي- فاي). وبالإضافة إلى ذلك، ثمة برمجيات تيليجرام غير رسمية من مطورين مستقلين لأنظمة التشغيل الأخرى مثل: ويندوز، ويندوز فون، ماكنتوش، لينكس كما تُقدم الخدمة واجهات برمجة تطبيقات للمطورين المستقلين. وفي شهر مارس 2018م، أعلنَ تيليجرام عن وصول عدد مستخدمي الخدمة النشطين إلى 200 مليون شخص شهرياً. ووِفقاً للرئيس التنفيذيّ للشركة فقد كانت نسبة النمو السنوي لتليجرام اعتباراً من شهر أبريل 2017م أعلى من 50%.

وقد لاقى النموذج الأمني الذي تعتمدهُ تيليجرام نقداً كبيراً من قبلِ عدد من الخبراء، حيث انتقدوا النموذج الأمني العام لقيامه بتخزين جميع بيانات الاتصال والرسائل والوسائط مع بعضها البعض مرفقةً بمفاتيح فك تشفيرها على خوادم الشركة بصورة مفترضة وليس عبر التفعيل الافتراضي لنظام التشفير حتى النهاية الخاص بالرسائل. فيما يفسر بافيل دوروف السبب في أن هذا يساعد على تفادي قيام أطراف ثالثة بعمليات نسخ احتياطي غير آمنة، ويُمكّن المستخدمين من فتح الرسائل والملفات من على أي جهاز كان. كما انتقد خبراء التشفير لجوء تيليجرام إلى استعمال بروتوكول تشفيرٍ خاصٍ لم يثبت مدى أمانه وموثيقته.

وتعرّض تيليجرام في بعض البلدان للرقابة مثل حجبهِ في روسيا وكذا في إيران أو حتى الحجب على ضوء الاتهامات التي واجهها التطبيق بمساعدته على تسهيل حصول أنشطة مخالفة للقانون مثل الإرهاب بالإضافة إلى الطلب المتناقص لتسهيل وصول الحكومة إلى بيانات الأفراد واتصالاتهم ومعلوماتهم الشخصية.

المبحث الخامس

التجربة الصينية في التواصل الاجتماعي

تعتبر الصين من أكثر التجارب نجاحاً في إنشاء منصات تواصل اجتماعي وطنية خاصة بمواطنيها، حيث يتواصل أكثر من مليار إنسان صيني من خلال الإنترنت الخاص بدولتهم. وقد حاولت الحكومة الصينية وضع قيود ما على طرق استخدام الشبكة الخاصة بهم لكنها لم تفلح إلا قليلاً، أي أن حرية التواصل بحرية متاحة إلى حد كبير، ولا تعترض الحكومة إلا على ما يمس النظام والحكومة. لقد بدأت الصين خطوتها لتأسيس شبكة خاصة بها مبكراً في بدايات عقد التسعينيات من القرن الماضي، ولم تمر بضع سنوات حتى كانت الشبكة لديها تعمل بكفاءة وبقوة تنافس مثيلاتها في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعد ذلك بلا شك خطوة استباقية من الصين التي تدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها منع اتصالها بالعالم لو قطعت عنها الشبكة الدولية، وهو أمر بالغ الضرر خاصة في أوقات الحروب والأزمات.

وقد أفادت شبكة الانترنت الصينية دولتها كثيراً في مجال الأعمال والتبادل التجاري مع دول العالم خاصة بعد تأسيس شركة علي بابا العملاقة في مجال التكنولوجيا وغيرها من الشركات ومحركات البحث، فصار لدى الصين قاعدة راسخة تقوم بتنميتها دوماً في مجال الاتصالات وعالم الانترنت. والآن تقوم الشركات الصينية ذات الصلة بهذا المجال بجهود في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يخدم كثيراً النظام والدولة في الصين (راجع: رفعت رشاد، إنترنت عربي، جريدة الوطن، القاهرة، الاثنين الموافق 23 أكتوبر 2023م).

وقد نشأت مواقع التواصل الاجتماعي الصينية لتلبية حاجة المواطنين الصينين إلى شبكة تواصل اجتماعي خاصة بهم، بعد أن حظرت الحكومة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة في باقي دول العالم، مما اضطر الصينيون لابتكار تطبيقات جديدة واستخدامها للتواصل فيما بينهم، ولم تقتصر هذه التطبيقات على الأقاليم الصينية فقط، حيث يمكن استخدامها بواسطة المستخدمين من البلدان الأخرى.

ونقطة البداية التي لجأت إليها الدولة الصينية في هذا الشأن تمثلت في إنشاء محرك بحث خاص بها. فإذا ذهب أحدنا إلى الأراضي الصينية، فلن يتمكن من استخدام محرك البحث العالمي جوجل، وذلك بسبب حجبه وحظره في الصين حيث يستخدم الصينيون محرك البحث (Baidu) بدلاً من محرك البحث جوجل. وطبقاً للإحصائيات والأرقام ذات الصلة بهذا الشأن، يستحوذ محرك البحث (Baidu) على 93% من عدد طلبات البحث التي تتم في الويب الصيني؛ حيث يتنافس محرك البحث جوجل وبقية محركات البحث العالمية على نسبة السبعة بالمائة المتبقية، ويتمتع محرك البحث الصيني بايدو (Baidu) بسيطرة كبيرة داخل الحدود الصينية، ويعمل على توفير احتياجات المواطن الصيني ويحاول تقديم أفضل نتائج بحث تتناسب مع طموحاته، على عكس جوجل الذي يتيح أفضل نتائج البحث الممكنة للمستخدمين في مختلف البلاد العربية والعالمية.

أما فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي في الصين، فإن التطبيق النظير لتطبيق واتس آب هو تطبيق وي تشات (WeChat). ويعتبر هذا التطبيق من أحد أشهر بدائل مواقع التواصل الاجتماعي في الصين، حيث يتيح العديد من الخدمات والإمكانيات التي توفرها مواقع التواصل الأخرى. إذ يمكنك من خلاله إضافة العديد من المستخدمين الآخرين إلى البرنامج والتواصل معهم في أي وقت ترغب به. كما أن هذا البرنامج يعمل بطريقة مجانية، وهو متاح على متجر جوجل بلاي، ومتاجر التطبيقات الأخرى. ولذلك، لن تجد أدنى مشكلة في تحميل هذا التطبيق، ولن تدفع أي رسوم مقابل استخدام خدمات هذا البرنامج، شأنه في ذلك شأن تطبيق واتس آب. ولذلك، يُعد برنامج “وي تشات” بديلاً منافساً لتطبيقات التراسل الأخرى، مثل: واتساب والفايبر وتلجرام وغيرها من التطبيقات الأخرى. ولكن، يجب فقك التنبيه إلى أن هذا التطبيق يتيح المراسلة فقطـ، ولا يمكن إجراء المكالمات من خلاله.

وفيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي النظيرة لتطبيقي فيسبوك ومنصة (X)، يأتي الموقع الصيني (weibo)، والذي بقدر عدد المشتركين فيه ما يقارب نحو 300 مليون شخص. ويحظى هذا الموقع بشعبية كبيرة جداً بين الملايين من مستخدميه في جمهورية الصين الشعبية. كما تم إنشاء هذا الموقع بديلاً لموقع فيسبوك الذي تم حجبه داخل الحدود الصينية، ويتمتع بالكثير من المميزات المتوفرة في المواقع الأخرى، ويتيح الموقع إمكانية إنشاء الحسابات بطريقة مجانية بشكل كامل، ولا يفرض أي رسوم على مستخدميه، ويتمتع كذلك بالكثير من الايجابيات مثل: إنشاء الحسابات، وإضافة الأصدقاء، والتحدث معهم في الوقت المناسب لك، وبث المنشورات النصيّة، وكذلك الفيديوهات والصور.

ولا يفوتنا أيضاً الإشارة إلى تطبيق تيك توك (TikTok)، وهو عبارة عن تطبيق اجتماعي يتخصّص في نشر الفيديوهات بين ملايين المستخدمين. حيث ينشر مستخدم منصة تيك توك الفيديوهات أو المقاطع القصيرة مع أصدقائه لمشاركتهم في لحظات حياته بكل سهولة. ويحتل هذا التّطبيق المرتبة الأولى بين التطبيقات الأكثر تحميلًا في العالم لعام 2020م، وبذلك فإنه ينافس كلًّا من تطبيقي سناب شات وإنستجرام في الآونة الأخيرة. وتُعتبر طريقة استخدام تيك توك سهلة جدًا. حيث لا يتطلب سوى تصوير المستخدم مقطع فيديو لمدة خمسة عشر ثانية فقط. ويضيف هذا التطبيق على هذا الفيديو تأثيرات متنوعة، مثل: الرسوم الكوميدية والملصقات الرائعة، ليصبح المستخدم أيضًا أمام قاعدة بيانات كاملة من المقاطع الصوتيّة، وكذلك الأغاني والمؤثرات التي من الممكن تحميلها لإضفاء تحسينات على الفيديو الذي يصوّره المستخدم.

وهذه كانت قائمة بأهم التطبيقات التي يستخدمها الصينيون كبدائل وطنية لمواقع السوشيال ميديا الأمريكية المنتشرة في باقي بقاع العالم، ومن المتوقع أن تصبح هذه التطبيقات الصينية المحلية محط اهتمام العالم بأسره وأن تكون منافساً كبيراً لباقي التطبيقات المتداولة.

وفي روسيا الاتحادية، ثمة محرك بحث وطني بديل لمحرك البحث الأمريكي جوجل، وهو محرك البحث ياندكس (Yandex). وكما هو الشأن في محرك البحث جوجل، فإن محرك البحث الروسي يتيح خدمات الترجمة والبحث عن الصور والمواقع الجغرافية والبحث عن المعلومات والبيانات.

وتجدر الإشارة كذلك إلى موقع (cyworld) الذي تم تأسيسه في كوريا. وثمة موقع للأسيويين الأمريكيين (asianavenue)، وموقع ذوي البشرة السمراء (blackplanet) وغيرها.

ومن هنا، يحق لنا أن نحلم وأن نأمل في ظهور انترنت عربي ومحرك بحث عربي ومواقع تواصل اجتماعي عربية. ولا نعتقد أن مثل هذا الحلم ببعيد عن التحقيق خلال العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين. وإذا تحقق ذلك، فسوف يكون انجازاً حقيقياً مهماً. وكما يقولون: إن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.

المبحث السادس

الدعوة إلى انترنت عربي

كما سبق أن رأينا، ومع تصاعد الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، ارتفعت الشكاوى من تصرفات جوجل وفيس بوك تجاه حسابات المواطنين العرب. إذ زادت حماسة مستخدمي الفيسبوك من الناطقين بلغة الضاد ضد الاعتداءات الإسرائيلية، فعبروا عن ذلك فيما نشروه، لكن فيس بوك حجب الكثير من الحسابات كما منع نشر الأكثر من الآراء.

وإذا كان المصريون قد لجأوا إلى الحيل للتغلب على حجب فيس بوك آرائهم وحذف منشوراتهم، بأن تلاعبوا في حروف الكلمات، لكي يخدعوا خوارزميات الموقع، ونجحوا كثيرا في ذلك، لكن ذلك ليس حلاً جذرياً للمسألة، حيث لجأ الموقع إلى تقييد حركة وصول المنشورات إلى المستخدمين الآخرين، بحيث اشتكى العديد منهم من عدم وصول منشوراته إلى أصدقائه في العالم الافتراضي. وهكذا، وعلى حد قول أحد الكتاب، فإن ما حدث يؤكد أننا لسنا أحراراً، طالما أن الأجنبي يخترع ويتحكم في اختراعه، وبالتالي يتحكم في كل ما نمارسه سواء كان تعبيراً عن رأي أو رفضاً لحرب وحشية ومجزرة ارتكبت ضد مدنيين عزل في مستشفيات أو مباني أو شوارع.

ولا يمكننا إذن ممارسة الحق في التعبير عبر مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، طالما أن أمريكا تتحكم في أمورنا ومصائرنا، من خلال احتكار الهيمنة على العالم الافتراضي. إن الحاجة – كما يقولون – هي أم الاختراع، ونحن في حاجة لأن نسيطر على مقدراتنا وعلى أدواتنا في التعبير وإبداء الرأي. ولذلك، اقترح البعض أن ندير حملة لإنشاء شبكة عربية على غرار الشبكة الدولية الأمريكية، أي «انترنت عربي» وهذه المسألة ليست جديدة أو بدعة، بعدد سكان الوطن العربي يزيد على 400 مليون نسمة، أي أنهم عالم كامل وحدهم يتكلمون نفس اللغة ولهم نفس الثقافة بتنوع ويدينون بالإسلام أو المسيحية، وبالتالي فإن شبكة الكترونية تجمعهم ستكون سلاحاً ثقافياً وديموجرافياً مؤثراً بشكل إيجابي لصالح شعوبنا، سيعفينا من الوقوع تحت رحمة الأجانب من أمثال مارك وجيتس وغيرهم. فعلت الصين ذلك وكذلك روسيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وهي الدول التي أطلقت عليها أمريكا الدول المارقة وطبقت عليها عقوبات اقتصادية وعسكرية، لأن هذه الدول رفضت الوصاية الأمريكية وفضلت أن يكون قرارها نابعاً من ذاتها ووطنيتها. اللافت أن كل تلك الدول تملك أسلحة نووية، ما عدا كوبا، أما إيران فهي في طريقها لامتلاك هذا السلاح الذي يمنع وجود الأعداء على بابك وحدودك ويثير الرعب في قلوبهم.

ولا يجوز أن يفهم من اقتراح إنشاء انترنت عربي إلغاء أو استبعاد الانترنت الأمريكي أو الشبكة الدولية بشكل كامل، ففيها فوائد، لكن وجود انترنت عربي يحد من الهيمنة الكاملة للشبكة الدولية ويجعلنا نتواصل داخل وطننا وربما مع جيراننا بشكل أكثر حرية (راجع: رفعت رشاد، إنترنت عربي، جريدة الوطن، القاهرة، الاثنين الموافق 23 أكتوبر 2023م).

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى