كلمات في المنهج الأزهري

من تراب الطريق (1229)
نشر بجريدة المال الخميس 25/11/2021
ـــ
الإمام الطيب
والقول الطيب
(62)
ــ
بقلم : رجائى عطية
كلمات فى المنهج الأزهرى
ـــ
بهذا العنوان ، عاود الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الحديث فى المنهج الأزهرى ، وكان هذا فى محاضرة ألقاها 16 جمادى الأولى 1437 هـ / 25 فبراير 2016 أمام أعضاء هيئة التدريس فى جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلاميـة الحكوميـة ، فى مدينـة « مالانق » فى أندونيسيا .
توجه بحديثه إلى عميد الجامعة ، وإخوانه وزملائه الأساتذة ، وأبنائه وبناته من الطلاب والطالبات ، مبديًا سعادته بعطر البحث العلمى الذى يشمه فى أجوائهم ، وكيف أثار ذلك حنينه إلى أيام التبتل فى محراب العلم ، والتنقل فى أروقة الجامعة ، والتمتع بتذوق النص التراثى ، أو باكتشاف فكرة جديدة ، أو بتوجيه باحث شاب .
يعرف هذا الشعور جيدًا كل من اختار التعليم مهنةً ورسالةَ حياة ، وهى رسالة الأنبياء من قبل ، ويكفى المعلم شرفًا قول الرسول عليه الصلاة والسلام : « إنما بُعثتُ معلمًا » .
« إن المعرفة هى أعز غاية تُطلَب ، وأول واجب يُكلَّف به العقلاء ، وهى ثراث الأنبياء .. « إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورَّثوا العلم » ؛ وهى مفتاح باب الجنة .. « من سلك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا ، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة » ؛ وهى عصمة الأمة من الضلال والتيه .
وأضاف الإمام الطيب يقول :
« إنه الأزهر الشريف الذى بفضله أقف بينكم اليوم ، والذى أُعِدَّ له هذا التكريم المشكور من إخواننا فى إندونيسيا .
« وليس الأزهر مجرد معهد عريق أو جامعة عالميّة ، هى الأقدم فى تاريخ الإنسانية ؛ من حيث تواصل عطائها دون توقُّف ، طوال هذه القرون العديدة إلى اليوم ، وإنما هو فى جوهره رسالة ، ومنهج ، وخطاب فكرى متميز .
« فالأزهر الشريف يحمل مسئولية الجانب العلمى والدعوى من رسالة الإسلام ، خاتمة الرسالات الإلهية إلى البشر كافة ، رسالة السلام العالمى ، والمساواة ، والعدالة ، والكرامة الإنسانية ، والتحرر من الأصفاد والقيود التى تُثقل كاهل البشر ، وتؤمن بكل ما أرسل الله من رسول ، وما أنزل من كتاب .. « آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » ( البقرة 285 ) .
« ويسلك الأزهر فى فهم هذه الرسالة وتعليمها والدعوة إليها منهج أهل السنة والجماعة ؛ كما تمثل فى فكر الإمام أبى الحسن الأشعرى بمقالاته المنصفة ، وسائر كُتُبه التى شقَّت طريق النظر العقلى فى الأصلين بعُمق ووسطية واعتدال .
« كما يتمثل هذا المنهج أيضًا فى تبنى أصول الأئمة المتبوعين من فقهاء الأمة ، دون تعصب أو إقصاء ؛ فأبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد أعلام تتردد فى رحاب الأزهر الشريف ، وآراؤهم وأقوالهم تُدرس فى أروقته وتحت قبابه ، فى سماحة فكرية ، ونظرٍ موضوعى ، وبحثٍ مُخلَص عن الأقوى دليلاً ، والأوفى بحاجات الأمة فى ظروفهـا المتغيّرة .
« وقد استقام للأزهر على مدى القرون منهج يقوم أولاً على بناء مَلَكَةٍ رصينة لدى أبنائه فى اللغة العربية ، وأسرارها العبقرية ، ثم فى دراسة الكتاب والسنة ، والعلوم التى تخدمُها ، واستخلاص الأحكام الاعتقادية والعلمية منهما ، أى : علوم أصول الدين وأصول الفقه ، وعلوم القرآن ، وعلوم الحديث الشريف ، وعلوم الفقه المذهبى والمقارن ، وعلوم التصوف والأخلاق ، مع إلمامٍ بما يُعينهم على فهم عصرهم ، وماضى ثقافتهم الإسلامية وأطوارها المختلفة ، ومنابع الثقافة الإنسانية بوجهٍ عام ، من الفلسفة الشرقية والغربية ، والآداب القديمة والمعاصرة ؛ ليُزوَّدوا منها بما يعينهم على فهم الماضى والحاضر ، والقدرة على استشراف المستقبل ، والإفتاء فى النوازل والوقائع المتجددة على منهج علمى ، وأصول مقررة .
« السّمة المميزة للمنهج الأزهرى فى الدرس العلمى : أنه منهج التحليل النصّى العميق الدقيق لعيون التراث الإسلامى والعربى ، مما خلفته القرون الأربعة عشر من كنوز ثقافتنا ؛ حتى تتكوّن إلى جانب المَلَكة اللغوية مَلَكة شرعية تعين الخريجين النجباء فى هذا المعهد على الوفاء بحاجات الأمة ؛ مما أهّله للمرجعية الإسلامية الموثّقة فى العالم الإسلامى كله .
« وقد قُدِّر للإمام الأكبر أن يدلف إلى رحاب هذا المعهد العتيد بعد تنشئةٍ عربيةٍ روحية فى بيت علمٍ ودين ، وعلى يد أبٍ حفىٍّ أورثه الكثير الذى يسأل الله أن يجزيه عنه وعن العلم خير الجزاء ، ثم نعم بتوجيه أئمّة أعلام من شيوخ الأزهر ، جمعوا بين العلم الشرعى على نهج الأئمة ، والحكمة الإسلامية كما أبدَعَها الفيلسوف العربى يعقوب الكندى ، ومن بعده من فلاسفة الإسلام والمسلمين ومتكلميهم ، والمسلك الروحى على طريق أئمّة السلوك والتُّقى : الجُنَيد البغدادى والحارث المُحاسبى وأبى القاسم القُشيرى وأبى حامد الغزالى ، وهو مزيج غلب على الأوساط الأزهرية منذ الإمام المجدد ابن دقيق وشيخ الإسلام زكريا الأنصارى ، وصاحب « الفتح » ابن حَجر العَسقلانى ، ثم الأئمّة حسن العطار ، وعليش ، ومحمد عبده ، والمراغى ، ومصطفى عبد الرازق ، وعبد الحليم محمود ، وسليمان دنيا ، وغيرهم ، رحمة الله عليهم أجمعين.
« وتلكم هى أصول الخطاب الأزهرى المتميز بالوسطية فى العقيدة بين أتباع السلف المحترزين من التشبيه ومن مزالق التأويل ، والخلف المستحسنين للنظر والقائلين بالتأويل بحسب قانون العربية ولفظ الشرع الشريف ، جريًا على ما رُوى عن إمام دار الهجرة : « الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة » ، وكذا التوسط بين إيثار التشدد أو التعصب لمذهب معين فى فهم خطاب الشارع ، وبين التسيّب العلمى ، أو التّفلّت من أصول الاستدلال ، والترجيح بين آراء الفقهاء على غير هدى .
« وما يلقاه الخطاب الأزهرى الوسطـى المعتـدل الآن مـن قبـول فـى العالم الإسلامى وخارجه ، إنما يرجع إلى هذه الروح التى تمزج الفكر العلمى بالـروح الصوفيّـة ، وتتمسك بالحد الأوسط الذى وُصِف فى مجالى العقيدة والعمل ، والذى يعكس الروح الإسلامية الأصيلة » .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى