تسويق القوانين.. قانون الأسرة السعيدة

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

في الأسبوع الأخير من العام الميلادي 2022م، ممتداً إلى الأسبوع الأول من العام 2023م، انشغل الرأي العام المصري بالجدل المثار حول مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية.

والواقع أن نسبة الطلاق في المجتمع المصري هي من أعلى النسب على مستوى العالم. ولا نغالي إذا قلنا إن اللجوء إلى المحاكم، (في حالة انفصال الزوجين)، لم يعد قاصراً على نسبة بسيطة من الشعب المصري. وعلى حد قول البعض، «لقد غابت المعايير الأخلاقية والاجتماعية، وتراجع دورها كضابط مهم في تحديد حقوق الطرفين، وترتيب أوراق الأطفال – ثمرة هذا الزواج – فقد أصبح: العناد سيد الموقف، آلاف القضايا مكدسة في المحاكم، ما بين نفقة وحضانة للأطفال وحق رؤية الصغير، ومنزل الحاضنة والمنقولات إلخ دراما الحياة التي أصبحت تجعل من فشل الزيجة الأولى جحيماً لا يطاق.. وللأسف غالباً ما يسدد الأطفال فاتورة الخلافات، ويستدين الطرفان لإشعال هذا الخلافات». ومن هنا، جاء التوجيه الرئاسي بإعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، بحيث يتفادى العديد من أوجه القصور والثغرات التي كشف عنها التطبيق للقوانين السارية حالياً، وبما يكفل تحقيق التوازن في العلاقة بين الزوجين. وبمجرد انتهاء اللجنة المشكلة لهذا الغرض من أداء المهمة المنوطة بها، وبمجرد انجاز مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، حاول البعض إثارة الجدل حوله، مستغلاً في ذلك الظروف الاقتصادية التي يمر بها العام أجمع في الوقت الحالي، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة وتأليب الرأي العام.

وللوقوف على أسباب هذا الجدل وفحواه، ورد الفعل المجتمعي، ممثلاً في الجهات الرسمية والإعلامية، عليه، نرى من الملائم تقسيم الموضوع الذي نحن بصدده إلى خمسة مطالب أو محاور، كما يلي:
المطلب الأول: فحوى الجدل حول مشروع القانون.
المطلب الثاني: صندوق الأسرة بين الرفض والتأييد.
المطلب الثالث: بيان وزير العدل مزايا مشروع القانون.
المطلب الرابع: دور وسائل الإعلام في تسويق القانون.
المطلب الخامس: مقترح تشريعي لإزالة المخاوف بشأن صندوق الأسرة.
المطلب السادس: مؤشر تسويق القانون.
المطلب السابع: الآلية المثلى لتسويق القانون.

المطلب الأول
فحوى الجدل حول مشروع القانون

ثار لغط كبير حول إلزام الراغبين في الزواج بدفع رسم معين، ادعى البعض أن مقداره ثلاثون ألف جنيه. كذلك، ثار اللغط حول اشتراط موافقة القاضي على إبرام الزواج.

وكما جرت العادة في العديد من القضايا الجادة، استخدم البعض أسلوب السخرية والتهكم في انتقاد مشروع القانون. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن أحد رؤساء الأندية الرياضية الكبيرة قد شارك في الجدل الدائر، موجهاً انتقاده إلى مشروع القانون، حيث ظهر في تسجيل مصور (فيديو)، مستخدماً أسلوباً ساخراً في نقد الحكم الخاص بسداد رسم معين لإبرام عقد الزواج.

وفي اعتقادي أن استخدام أسلوب السخرية والتهكم في تناول القضايا المجتمعية آفة كبيرة ينبغي السعي والمبادرة إلى التخلص منها. وإذا كان استخدام أسلوب التهكم والسخرية مستهجناً في الدراسات والأبحاث العلمية، فإن هذا الأسلوب ينبغي كذلك أن يكون محلاً للاستهجان والنبذ في المناقشات حول القضايا المجتمعية الجادة. فالحوار ينبغي أن يكون جاداً، وصولاً إلى الرأي والرأي الآخر، وبشرط أن يقوم كل صاحب رأي ببيان حججه وأسانيده. فالحوار الهادئ والبناء له أصول ينبغي من البداية أن يتم ترسيخها في المجتمع.

ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن البعض يخلط بين حرية الرأي وحرية التعبير. فحرية الرأي والاعتقاد ساكنة في نفس الفرد، ولذلك فهي مطلقة، ولا يجوز لأحد أن يجبر شخصاً آخر على تغيير أفكاره ومعتقداته. أما حرية التعبير، فإن لها مظهر خارجي، ولذلك فهي مقيدة، وينبغي أن تكون بناء على علم وبعد التحري والتقصي. ولذلك، فإن الحديث النبوي الشريف يقول: من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. والإفتاء بغير علم مستهجن ومنبوذ، ليس فقط في الأمور الشرعية، وإنما هو كذلك في سائر العلوم والقضايا. وأغلب الظن أن معظم المنتقدين لم يطلعوا على مشروع القانون، ولم يتسن لهم بالتالي الإلمام بما تضمنه من أحكام. ومع ذلك، لم تنأ بعض النخبة بنفسها عن الانزلاق إلى مستنقع هذا الجدل وإبداء الرأي بدون علم أو توافر معلومات كافية لديهم.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا الجدل تزامن مع قيام أحد الأشخاص، ويدعى «ياسر القرشي»، بتوجيه نداء إلى الشباب بسرعة الزواج، حيث نشر على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي شائعة، مفادها أن قانون الأحوال الشخصية الجديد سوف يفرض مبلغ ثلاثين ألف جنيه رسوماً على كل شخص راغب في الزواج، ومن ثم ولتفادي تطبيق هذه الرسوم عليهم يكون من الضروري بالنسبة لهم سرعة إبرام عقود الزواج. وبالنظر لأن المذكور قد ادعى كذباً أنه مأذون شرعي، وحال كونه غير مأذون له بإبرام عقود الزواج، ولا يتمتع بالتالي بصفة المأذون الشرعي، فقد استدعى الأمر القبض عليه وإحالته إلى المحاكمة الجنائية، لمعاقبته عما نسب إليه من تدخله في أعمال وظيفة بادعائه العمل مأذوناً شرعياً من غير أن تكون له هذه الصفة، وإجرائه أعمالاً من مقتضيات تلك الوظيفة بمباشرته بصفته المزعومة مأذوناً شرعياً – على خلاف الحقيقة – تحرير عقود زواج وشهادات طلاق، فضلاً عن نشره بسوء قصد أخباراً وإشاعات كاذبة عبر حسابه بأحد مواقع التواصل الاجتماعي ادعى فيها فرض رسوم على المقبلين على الزواج إعمالاً لنصوص مشروع قانون الأحوال الشخصية المزمع إصداره، وكان من شأن ذلك تكدير الأمن والسلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

المطلب الثاني
صندوق الأسرة بين الرفض والتأييد

الهدف من وراء «صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية» هو حماية الأسرة من خطر امتناع المحكوم عليه بأداء النفقات والأجور عن أدائها. وسيحل هذا الصندوق حال إقرار مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد محل صندوق تأمين الأسرة المنشأة بالقانون رقم 11 لسنة 2004م. وربما يخفي على الغالبية العظمى من الشعب المصري أن ثمة صندوق موجود حالياً تحت هذا الاسم، وكان الاشتراك به 50 جنيهاً على كل ورقة زواج أو طلاق أو تصادق، إلى أن جاء قرار برفعها إلى 100 جنيه تحت بند تأمين الأسرة. وربما يعتقد الكثيرون أن المستفيدين من هذا الصندوق هم المطلقات فحسب. والحقيقة أن الفئات المستفيدة من هذا الصندوق تتعدى المطلقات، وتضم أيضاً الأرامل واليتامى والأطفال الذين لا يتقاضون نفقات. وأغلب الظن أن الصندوق لم يكن يقوم بالدور المنوط به إلى أن جاءت ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، حيث بدأ الصندوق في صرف النفقات للمطلقات في حالة تقاعس الزوج أو امتناعه عن سداد النفقة، وذلك من خلال حساب الصندوق ببنك ناصر الاجتماعي.

وخلال أحد المؤتمرات، أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي أن هدف الصندوق هو دعم الأسرة، مشيراً إلى أن الدولة تساهم بشكل أساسي به. وفي هذا الشأن، كانت عبارات الرئيس السيسي واضحة، مؤكداً أن الاختلاف وارد بين الأسر، وقد تحدث بينهم عدة أزمات تؤثر على حالة الأطفال؛ نتيجة عدم التفاهم بينهم وعدم الإنفاق على الأطفال، لذلك سيتم إنشاء «صندوق لدعم الأسرة» المصرية يتم تمويله من المقبلين على الزواج والحكومة. وذكر الرئيس السيسي أن المبلغ الذي سيدفعه المواطن لصندوق دعم الأسرة، مبلغ يقدر عليه أي شخص مقبل على الزواج، مضيفاً: (بتعملوا فرح مش عارف عامل ازاي وتتخانقوا على الشبكة والفرش، لكن ده صندوق مهم، ولو الناس هتدفع مليار الحكومة هتدفع مليار، ولو الناس هتدفع 2 مليار هندفع 2 مليار).

ورغم أهمية صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية كمظلة تأمينية للأسرة في حالة الطلاق أو وفاة العائل، أثار الموضوع بعض التحفظات. بيان ذلك أن بعض الكتاب قد أشاروا إلى وجود تحفظ أساسي من المسيحيين الذين يمتنع عليهم الطلاق، وبالتالي لا يرون جدوى في إنشاء الصندوق ولا الاشتراك فيه!! أما التحفظ الآخر، وعلى حد قول البعض، فهو «متربط بمنظومة العادات والتقاليد البالية التي تجهد العائلات لتدبير شقة أربعة غرف وفرح في فندق خمس نجوم، وشبكة ماس «والكعك ولو استدانوا تكلفته».. لكن صاحب هذا الرأي، يرى أن «الغلاء» ينهي عن التفكير في أي صناديق ائتمانية (أنتم بتفكروا في ظل مجاعة)، ورغم أن البلد ليس فيه مجاعة بفضل الله، إلا أن الغلاء والظروف الاقتصادية القاسية، هي التي تدفع العالم المتقدم كله للتفكير في صناديق ائتمانية لحماية الطبقات المتضررة، وخاصة «الأطفال»، الذين قد يدهسهم قطار الطلاق.

ورداً على هذا التحفظ الأخير، قالت إحدى الكاتبات إن «العالم المتقدم كله يفكر في مظلات «حماية اجتماعية» في حالات الحرب والغلاء والكوارث الطبيعة (مثل جائحة كورونا).. أما نحن فلا نزال نفكر بعقلية القرن الماضي، ونفترض أن الزواج ليس شراكة إنسانية، بل «صفقة»، وهذا من يقودنا في النهاية إلى المحاكم، ويضطرنا لاستدانة جديدة في محاولة استرداد ما انفقناه بسفه!» (سحر الجعارة، صندوق دعم الأسرة، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الخميس الموافق 29 ديسمبر 2022م).

المطلب الثالث
بيان وزير العدل مزايا مشروع القانون

رداً على الجدل الدائر حول مشروع القانون، وفي يوم الخميس الموافق التاسع والعشرين من ديسمبر 2022م، وفي مداخلة هاتفية مع برنامج «حقائق وأسرار»، الذي يقدمه الإعلامي مصطفى بكري على قناة صدى البلد، قال المستشار عمر مروان، وزير العدل، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية يتضمن نقاطاً وأحكاماً جديدة لم تكن موجودة في القانون السالف، مشيراً إلى أن القانون يستهدف دعم الأسرة المصرية. وأشار وزير العدل إلى أن قانون الأحوال الشخصية سيحال إلى حوار مجتمعي قبل البرلمان، مشدداً على أن القانون مبني على أسس علمية، وسيُرضي معظم الناس. واستطرد وزير العدل، قائلاً: نعد مشروعاً كاملاً للأحوال الشخصية. وتطرق وزير العدل في حديثه إلى أبرز النقاط التي ثار بشأنها الجدل واللغط في مشروع القانون الجديد، أو التي يمكن أن تكون محل جدل وخلاف، وهي مسألة التحاليل الطبية قبل الزواج، ورسوم صندوق دعم وتأمين الأسرة المصرية، وتوثيق الطلاق، ومسألة الزواج العرفي.

ففيما يتعلق بالتحاليل الطبية السابقة على الزواج، أكد وزير العدل أن هذه التحاليل مهمة، كي يدخل الطرفان الحياة الجديدة على نور، نفترض أن أحد الطرفين عقيم، في هذه الحالة كل طرف يحدد رأيه ويختار مصيره، يقبلان ظروف بعضهما أو لا يقبلان هما أحرار بدلاً من الزواج والدخول في مشكلات بعد الزفاف. وأردف وزير العدل أن إجراء التحاليل قبل الزواج في القانون الحالي إجباري، لكننا سنحوّله من الوضع الصوري إلى الحقيقي، مع التشديد على سرية نتائج التحاليل. وأشار الوزير إلى أنه في حالة وجود نتائج سلبية للتحاليل الطبية، كالعقم على سبيل المثال، لا يوجد إجبار بعدم إتمام الزواج، لكن الأمر يكون اختياريّاً وفقاً لرغبة الزوجين، مضيفاً أن قيمة التحاليل الطبية ستكون مبالغ زهيدة للغاية.

وفيما يتعلق صندوق الأسرة المصرية، أشار وزير العدل إلى أن صندوق الأسرة، يستهدف مساعدة الأسرة في الحالات الحرجة التي قد تواجهها بشكل مفاجئ، مثل عدم التزام الطرف الملتزم بالنفقة بواجباته، فالصندوق هدفه هنا المحافظة على الأسرة. وأوضح وزير العدل أن «أمواله ستكون للأسرة المصرية وللحفاظ عليها حتى لا تتعرض للبهدلة أمام أي حدث طارئ تتعرض وفي الوضع الطبيعي العائل هو الاب وفي حال حدوث الطلاق يقف الصندوق للحفاظ على عدم اختلال أوضاع الاسرة المصرية، فمثلاً لو مصروفات مدارس وهناك أب عائل غير ملتزم الصندوق يدفع ويأخذ من الأب». وكشف الوزير أن الأهم في فكرة الصندوق هو توفير التمويل المستدام، وألا يتعرض لعثرات، قائلاً: «التمويل مهم ولازم يكون مستدام ولا يتعرض لأزمات في أوقات معينة، مثلاً بنك ناصر الاجتماعي لديه 350 مليون جنيه عجز ولا نريد تكرار ذلك»، متابعاً: «نريد مصادر تمويل تنهض بالصندوق. لقد قام بنك ناصر طويلا بتأمين مبالغ النفقة المستحقة للمطلقات، ثم وجد نفسه مضطراً لملاحقة قانونية أخرى للمطلق الهارب من نفقة مطلقته وأطفاله وهو وضع كارثي، لأنه يهدد بانهيار الدور الاجتماعي الهام للبنك».

وحول الرسوم التي سيدفعها المقبلون على الزواج للمساهمة في مصادر تمويل الصندوق، أكد الوزير أنها لم تحدد بعد، مضيفاً أن «المبالغ ستكون زهيدة التي سيدفعها المقبلين على الزواج وسيكون مبلغ صغير جداً لا يشكل عائق أمام أي مستوى اجتماعي وجاري تحديد ذلك المبلغ الآن من المختصين عند توثيق الزواج»، مواصلاً: «الصندوق لو جمع على سبيل المثال مليار جنيه ستضع الدولة أمامه مليار مثلا لضمان الملاءة المستديمة لهذا الصندوق».

وفيما يتعلق بتبعية الصندوق، لفت وزير العدل إلى أن مسألة التبعية لم تحسم بعد، لكن السيناريو الاقرب هي وزارة التضامن الاجتماعي لاعتبارها منوط بها ضمن الاختصاص بهذه الأمور، قائلاً: «ممكن يكون تابع للتضامن الاجتماعي وهو السيناريو الاقرب أو ممكن يكون في جهة أخرى ولكن لم تحسم مسألة تبعية الصندوق حتى الآن».

وبالنسبة لتوثيق الطلاق، أكد وزير العدل أنه لا يوجد أي شيء مناقض للشريعة، نحن ننظم الطلاق، كي يتم بطريقة رسمية كالزواج، معلقاً: توثيق الطلاق تنظيم، وليس منعاً، والأزهر والإفتاء والأوقاف وافقوا على التوثيق.

ولفت وزير العدل إلى أن القانون الجديد يقيّد الزواج العرفي، كونه لن يتيح أي إمكانية لإثبات أي شيء سوى النسب فقط.

وحول الشائعات التي ترددت الفترة الماضية حول وصول رسوم الزواج إلى 20 ألف جنيه، قال وزير العدل إن من روّج هذه الشائعات ليس مأذوناً، بل شخص كان يسمي نفسه «مساعد مأذون»، كان يحصل على وثائق الزواج من أحد المأذونين، حيث تم إيقاف المأذون، وإحالة هذا المساعد إلى النيابة. وأضاف وزير العدل: أقول للمواطنين يجب أن تكون هناك ثقة بالمسؤولين، لا يوجد شيء يتم عمله إلا لمصلحة الناس، والطرف المناوئ يبث سموماً. لا تنصاعوا لأي آراء غير صحيحة أو شائعات. الدولة صادقة وتسير في الاتجاه الصحيح، وتعمل لمصلحتكم أنتم فقط.

المطلب الرابع
دور وسائل الإعلام في تسويق القانون

كذلك، وبمناسبة الجدل الدائر حول الموضوع، وفي برنامج تليفزيوني على قناة (DMC)، يبدو أن الشيخ خالد الجندي قد أرد الدفاع عن مشروع القانون، قائلاً: «بهدوء، ولأجل أن نفهم المسألة. انت ومراتك علاقتكم الأول كانت خاصة، إنما بعد عقد الزواج الذي حضرت فيه المأذون حضرت الدولة. فكما أنه يوجد ق. م وب. م (قبل الميلاد وبعد الميلاد) وكما يوجد ق. ه وب. ه (قبل الهجرة وبعد الهجرة)، لازم يوجد أيضاً ق. د وب. د (قبل الدولة وبعد الدولة)». وتدخل الضيف الآخر في الحديث، مستوضحاً كلام الشيخ الجندي، قائلاً: «يعني الدولة والدي الذي يدافع عني؟ الحضن الذي يحتضني؟». وهنا تدخل الشيخ خالد الجندي، موجهاً حديثه للشيخ رمضان عبد المعز، قائلاً: «عشان كده لا تستطيع أن تتعامل مع مراتك بالإرادة المنفردة زي زمان يا شيخ رمضان». انت متزوجها برعاية الدولة. أصبحت الدولة شريكة. أصبحتم ثلاثة أطراف.

وتعليقاً على هذا الحوار التليفزيوني، وفي الحادي والثلاثين من ديسمبر 2022م، وفي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قال الأستاذ الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق: «حوار غير طيب (في رأيي الشخصي) حول تعديل قانون رسوم عقد الزواج حيث تم اجراءه وإدارته بطريقة غريبة ومناقشته كقانون لتأميم الزواج. محتاجين بجد تطوير الإعلام والمادة الإعلامية كما نحتاج لتطوير الاقتصاد والبنية التحتية. فالأزمة التي نعيشها ليست أزمة اقتصادية أو سياسية أو إعلامية بقدر كونها أزمة اختيار المسئولين القادرين على إدارة الحوار الفعال مع الشعب في مختلف قضايانا، واختيار السياسات الأفضل للمجتمع. نحتاج حسن اختيار المسئولين والقادرين على الحلول وعلى جمع الحكومة والمواطنين على قلب رجل واحد فنستطيع اجتياز كل الأزمات بقوة. نرجو من الله التوفيق والسداد».

ومن ناحية أخرى، وبإحصاء المقالات الصحفية التي تناولت بالتوضيح والبيان للأحكام التي ثار حولها الجدل في مشروع القانون، يبدو سائغاً القول إن هذه المقالات قليلة جداً ولا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

المطلب الخامس
مقترح تشريعي لإزالة المخاوف بشأن صندوق الأسرة

إزاء الجدل المثار حول مشروع قانون الأحوال الشخصية، ومحاولة البعض إثارة الرأي العام بشأن التبعات المالية ذات الصلة بصندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية، وكمحاولة منه لإزالة المخاوف بشأن أعباء الزواج في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، بادر أحد أعضاء مجلس النواب إلى الإعلان عن التقدم بمشروع قانون بشأن إنشاء صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية، وبحيث يتضمن تحديد موارد الصندوق المالية، والتي من بينها رسوم على وقائع الزواج والطلاق. ووفقاً لهذا المشروع، جاءت رسوم الزواج والطلاق بصندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية، كالتالي:
1. مائة جنيه عن كل واقعة زواج، يدفعها الزوج.
2. مائة جنيه عن كل واقعة من واقعات الطلاق أو المراجعة، يدفعها المطلق أو المراجع.
3. خمسين جنيه عن كل واقعة ميلاد، يدفعها المبلغ عن الميلاد مرة واحدة عند حصوله على شهادة الميلاد.
4. 1% من مؤخر الصداق المنصوص عليه بعقد الزواج، بحد أدنى 100 جنيه.
5- خمسين جنيه عند استخراج وثيقة قيد عائلي.
6- خمسين جنيه عند استخراج بطاقة رقم قومي.
ويصدر بقواعد وإجراءات تحصيل هذه المبالغ وتوريدها إلى الصندوق قرار من رئيس الجمهورية.

وبالإضافة إلى المبالغ سالفة الذكر، نص مشروع القانون على بعض الموارد الأخرى لصندوق دعم الأسرة، بنصه على أن «تتكون موارد الصندوق مما يأتي:
1. حصيلة الاشتراكات في نظام تأمين الأسرة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون.
2. المبالغ التي تؤول إلى الصندوق نفاذا لحكم المادة الثالثة من هذا القانون.
3. الهبات والوصايا والتبرعات التي يقبلها مجلس إدارة الصندوق.
4. ما يخصص في الموازنة العامة للدولة لدعم الصندوق.
5. عائد استثمار أموال الصندوق».

ونص مشروع القانون على أن «ينشأ حساب خاص للصندوق بالبنك المركزي المصري، تودع فيه حصيلة موارده، ويراعي ترحيل الفائض من هذا الحساب في نهاية كل سنة مالية الي موازنة الصندوق للسنة المالية التالية».

ونص مشروع القانون على عقوبة جنائية لكل من يخالف أحكامه، مقرراً أن «يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنية ولا تزيد عن خمسين ألف جنية على كل من يخالف أحكام هذا القانون من الزوج أو المأذون أو الموثق أو الحاضن أو المستفيد من الحضانة أو من المخاطبين بأحكام هذا القانون».

وجاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المشار إليه، أن الدستور في المادة العاشرة منه نص على أن: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها، وهذا يعني أن هناك التزام على الدولة بحماية الأسرة المصرية ودعمها واتخاذ ما يلزم من تشريعات من أجل تحقيق ذلك».

وجاء في المذكرة الإيضاحية كذلك أن هناك تحركات حثيثة للرئيس، حينما وجه بإجراء تعديلات مباشرة على قانون الأحوال الشخصية، بحيث يصبح هناك قانون يهدف إلى إنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين، لدعمها مادياً في مواجهة النفقات والتحديات ذات الصلة بمسائل الأحوال الشخصية، مع توفير المصادر التمويلية له، بالإضافة إلى دعمه من قبل الدولة، وذلك حفاظاً على الترابط الأسرى ومستقبل الأبناء.

وينص مشروع القانون على أن: ينشأ صندوق يسمى «صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية» وهو صندوق مستقل، يتبع رئيس الجمهورية، يكون مقره محافظة القاهرة. ويجوز له إنشاء فروع أو مكاتب أو مراكز نوعية لتحقيق أهدافه في جميع أنحاء الجمهورية وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية من ضوابط وإجراءات في هذا الشأن. ويتمتع الصندوق بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته.

ويُشكل الصندوق من رئيس وعشرة أعضاء، ممثلين عن الأزهر الشريف ونقابة المأذونين والمجلس القومي للمرأة ووزارة الصحة ومن الشخصيات العامة وذوي الخبرة. وتكون مدة العضوية بالصندوق سنتين قابلة للتجديد، ويصدر بتشكيل الصندوق قرار من رئيس الجمهورية، ويختار في أول اجتماع له نائباً للرئيس، وتحدد المعاملة المالية لرئيس الصندوق ونائبه وأعضائه بقرار من رئيس الجمهورية.

ورداً على هذا مشروع القانون المقترح في هذا الشأن، أكد نقيب المأذونين أن تخصيص 1% من مؤخر الصداق، لصالح صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية، أمر مستبعد، وقد يؤدي لعزوف بعض الشباب عن الزواج، وفتح الأبواب الخلفية للزواج العرفي.

المطلب السادس
مؤشر تسويق القانون

في منتصف القرن الماضي، ظهر مصطلح «الإدارة بالأهداف»، ثم تطور المفهوم حتى وصل إلى ما يسمى «الإدارة بالنتائج». ومن ثم، ولتحديد مدى نجاح الإدارة، يلزم الوقوف على نتائج الأعمال والمبادرات والمشروعات التي تقوم بها. وللوقوف على نتائج الأعمال والمبادرات والمشروعات، يبدو من الضروري قياس نتائج الأداء. وهكذا، ظهر المبدأ الأساسي في التخطيط الاستراتيجي والتطوير المؤسسي، وهو أن «ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته، وما لا يمكن إدارته لا يمكن تطويره وتحسينه». وهكذا، شاعت الحكمة الإدارية القائلة «لا تستطيع إدارة ما لا تستطيع قياسه»، والتي تنسب إلى عدد من رواد علم الإدارة. راجع على سبيل المثال:
Douglas W. Hubbard, How to Measure Anything? Finding the Value of «Intangibles» in Business, Work Book, Wiley, 3rd Edition, 2014.

وبتطبيق ما سبق على جهود تسويق مشروع قانون الأحوال الشخصية، تجدر الإشارة إلى التصريح الصادر عن نقيب المأذونين يوم الأربعاء الموافق الحادي عشر من يناير 2023م، والذي يؤكد فيه أنه «نتيجة انتشار الشائعات المغلوطة بشأن رسوم الزواج الجديدة التي أثارها البعض، نحن أمام 120 ألف عقد زواج خلال 10 أيام، وهناك تزاحم من المواطنين على الشهادات الطبية». وأضاف نقيب المأذونين أن «نسب الطلاق في تلك العقود ستكون مرتفعة، لأن الشباب تسارعوا إلى كتب الكتاب دون كتابة قائمة المنقولات الزوجية، ودون اتفاقات موضوعة، مشيراً إلى أن مشروع القانون يلزمه 4 أشهر لإعداده، وهناك حوار مجتمعي لتعديل قانون الأحوال الشخصية» (راجع: البوابة الالكترونية لجريدة الوطن، القاهرة، الأربعاء الموافق 11 يناير 2023م، خبر تحت عنوان «نقيب المأذونين: 120 ألف عقد زواج خلال 10 أيام نتيجة الجري وراء الشائعات»).

وكم كنا نتمنى أن تصدر إحصائية دقيقة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في هذا الشأن، متضمنة الأرقام في كل يوم على حده، وذلك مع المقارنة بينها وبين الأيام السابقة على ظهور الشائعات المتعلقة برسوم الزواج في مشروع القانون الجديد، وذلك حتى يمكن قياس أثر التوضيح والبيان الصادر عن وزير العدل بشأن مشروع القانون، وما إذا كان هذا التوضيح قد أسهم في خفض معدل عقود الزواج أم بقيت على حالها من الارتفاع والزيادة.

المطلب السابع
الآلية المثلى لتسويق القانون

الواقع أن الجدل المثار حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يشكل دليلاً إضافياً على أهمية تسويق السياسات وتسويق القوانين منظوراً إليها باعتبارها أداة تقنين السياسات الحكومية. وكم كنا نتمنى أن يكون حديث وزير العدل حول مشروع القانون سابقاً على الجدل الذي ثار حوله، وأن يقوم معالي الوزير بعقد مؤتمر صحفي لإلقاء الضوء على فلسفة القانون وأبرز الأحكام المستحدثة الواردة فيه والهدف من وراء كل حكم منها. والأهم من كل ذلك هو أن يتم تزويد كليات القانون وكليات الشريعة والقانون بالمذكرات الإيضاحية وتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومضابط جلسات مجلسي النواب والشيوخ عن كل قانون، تشجيعاً للبحث العلمي أولاً، وتعزيزاً للنهج العملي والجاد في تناول ومعالجة القضايا المجتمعية، وبما يقود في نهاية المطاف إلى سد الباب أمام انتشار الشائعات منظوراً إليها باعتبارها أحد أهم أدوات حروب الجيل الرابع.

وفيما يتعلق بالحديث الدائر حول فرض رسم ثلاثين ألف جنيه على كل عقد من عقود الزواج، نود التأكيد على أن هذا المبلغ لا أساس له، ولا ندري من أين أتى منتقدو مشروع القانون بهذا الرقم المبالغ فيه إلى حد كبير؟!!! ولبيان حقيقة الأمر، يبدو من الضروري الإشارة إلى المادة الخامسة من مشروع قانون إصدار قانون الأحوال الشخصية، بنصها على أن «يحل صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية المنشأ وفقاً لأحكام القانون المرافق محل صندوق نظام تأمين الأسرة المنشأ بالقانون رقم 11 لسنة 2004 في جميع الاختصاصات المنصوص عليها في قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، وتؤول إليه كافة الحقوق، ويلتزم بجميع الالتزامات، وينقل العاملون فيه بذات الأوضاع الوظيفية والمزايا المالية المقررة لهم في تاريخ النقل. وتستبدل عبارة (صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية) بعبارة (صندوق نظام تأمين الأسرة) أينما وردت في القوانين والقرارات الأخرى». وهكذا، فإن فكرة إنشاء صندوق لدعم ورعاية الأسرة المصرية ليست فكرة مستحدثة، حيث تم إنشاء صندوق نظام تأمين الأسرة بموجب القانون رقم 11 لسنة 2004م. ولكن، يبدو أن هذا الصندوق لم يجد نصيبه من التطبيق، وبحيث بقيت النصوص الخاصة به حبراً على ورق. وكعادته في حل المشكلات، بعيداً عن نظام المسكنات وتأجيل مواجهة المشكلات المتراكمة، عمدت القيادة الحالية إلى إحياء وتطبيق الفكرة على أرض الواقع، وبحيث يتم تمويل الصندوق من خلال إلزام كل راغب في الزواج بدفع مبلغ من المال لصالح الصندوق كشرط للموافقة على إبرام الزواج وتوثيقه رسمياً.

أما فيما يتعلق بالفحص الطبي قبل الزواج، فليس أمراً مستحدثاً، وإنما ورد النص عليه في المادة الحادية والثلاثين مكرراً من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994م، بنصها على أن «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة. ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص، ويصدر بتحديد تلك الأمراض وإجراءات الفحص وأنواعه والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العدل. ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة». ولكن، وعلى أرض الواقع، تحول الفحص الطبي قبل الزواج إلى إجراء صوري، لا يتم بشكل فعلي في معظم الحالات، وبحيث يتم اللجوء إلى الحصول على شهادات غير حقيقية تفيد الخلو من الأمراض المعدية والوراثية، الأمر الذي أدى إلى حدوث العديد من الوقائع المفجعة، حيث حدث في العديد من الزيجات أن نقل بعض الأزواج فيروس الإيدز إلى زوجاتهم. ومن ثم، فقد عمد واضعو مشروع القانون إلى تقنين الآليات اللازمة لكفالة وضع هذا الحكم موضع التطبيق.

وأخيراً، واتصالاً بموضوع تسويق القوانين، وفيما يتعلق بمسمى القانون الذي نحن بصدده، فقد أبقى المشروع على مسمى قانون الأحوال الشخصية، وذلك على الرغم من أن المجلس القومي للمرأة كان قد عبر عن استحسانه مسمى قانون الأسرة. وفي اعتقادنا أن استخدام مسمى «قانون الأسرة السعيدة» كمسمى للقانون قد يكون أمراً محموداً، ويتسق مع الاتجاه الحديث في التشريع، والذي يميل إلى استخدام مسميات غير تقليدية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأستاذ أشرف الزهوي المحامي هو أول من استخدم تعبير «قانون الأسرة السعيدة»، وكان ذلك في مقال منشور على الموقع الالكتروني لنقابة المحامين المصرية، حاملاً عنوان «قانون الأسرة السعيدة»، ويعود تاريخه إلى الثالث والعشرين من يونيو 2022م.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى