في دوحة الإسلام (88)

الصبر نصف الإيمان

نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 13/9/2021
ــــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
الصبر نصف الإيمان

أمر الله تعالى فى كتابه العزيز ، أمر عباده بأن يستعينوا بالصبر والصـلاة ، ووصف الصبر بأنه جميل ، وبشرهم بأنه عز وجل مع الصابرين ، وبأنه تبارك وتعالى يحب الصابرين ، وبأن خير الدعاء ـ الدعاء إلى الله جل شأنه أن يفرغ على الداعين صبرًا ، وقد وعد عز وجل بأن الصبر عاقبة المؤمنين ، وأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً .
قال تعالى :
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » ( البقرة 153 )
وقال عز وجل :
« وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (البقرة 155 ـ 157)
وأوصانا عز وجل فقال لنا :
« وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ » ( آل عمران 186 )
« يَا أَيُّهَا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اصْبِـرُواْ وَصَابِـرُواْ وَرَابِطُـواْ وَاتَّقُـواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » ( آل عمران 200 )
والصبر قوة ، لأن الضعيف واهى الإيمان ـ يجزع ولا يقوى على الصبر .
والصبر ثبات مع الله ، وتلقى البلاء بالرضا والاحتساب .
وروى عن الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ أن الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر . وقد جمع الله تعالى بين الصبر والشكر فقال فى كتابه العزيز :
« إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ » ( إبراهيم 5 ، لقمان 31 ، سبأ 19 ، الشورى 33 ) .
ونقل عن السلف الصالح أن الصبر نصف الإيمان . فالإيمان نصفه صبر ، ونصفه شكر .
فالإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية .. وهى ترجع إلى شطرين : فعل ، وترك .
الفعل هو العمل بطاعة الله ، وهو حقيقة الشكر .
والترك هو الصبر عن المعصية ، وعن المحظورات .
* * *
كذلك فإن الإيمان مبنى على ركنين : يقين ، وصبر .
عنهما يقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه العزيز :
« وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» (السجدة 24)
فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهى ، والثواب والعقاب .
وبالصبر ينفذ ما أُمر به ، ويكف نفسه عما نُهى عنه .
* * *
كذلك فإن الإيمان قول وعمل .
القول قول القلب واللسان .
والعمل عمل القلب والجوارح .
فالمؤمن يعرف الله بقلبه ، ويقر بلسانه ، ويستجيب لأوامره ونواهيه بقلبه وجوارحه .
* * *
والنفس تراودها وترد عليه قوتان : قوة الإقدام ، وقوة الإحجام .
والإقدام يكون بالإقدام على الطاعات ، ويكون الإحجام بالكف عن المعاصى ، وكلاهما قوامهما الصبر .
والصبر لا ينفك عن أمر يفعله ، ونهى يتركه ، وقدر يجرى عليه .
وفرضه فى هذه الثلاثة : الصبر والشكر .
فعل المأمور هو الشكر .
وترك المحظور والصبر على المقدور ، هو الصبر .
* * *
كذلك فإن الدين مبنى على أصلين : الحق ، والصبر .
وهما مذكوران فى قول الله عز وجل فى سورة العصر :
« وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ » (العصر 3)
ومطلوب الحق العمل به فى النفس وتنفيذه مع الناس
ولا يمكن ذلك إلاَّ بالصبر عليه ،
ومن هنا كان الصبر نصف الإيمان ..
يقول تبارك وتعالى فى كتابه العزيز فى وصف المؤمنين المهاجرين إلى الله :
« الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » (النحل 42)
ويقول عز وجل :
« مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (النحل 96) .
صدق الله العظيم

رحمة الله غالبة

أورد الإمام مسلم بإسناده ، أن الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام قال :
« لما خلق الله الخلق ، كتب فى كتابه ـ فهو عنده فوق العرش ـ إن رحمتى تغلب غضبى » .. وفى رواية : « سبقت رحمتى غضبى »
صدق الله ورسوله

والمراد بالسبق والغلبة هنا : كثرة الرحمة وشمولها ..
فى القرآن الكريم ، يخاطب الرحمن الرحيم رسوله الرحمة المهداة ، فيقول له :
« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ( الأنبياء 107 )
الرحمة قوام الرسالة المحمدية الخاتمة ، والأحاديث كثيرة التى توضح لنا سعة رحمة الله تعالى وفيوض رحمته التى تغلب غضبه وتسبقه .
تحدث عمر بن الخطاب فيما رواه الإمام مسلم بسنده ، بأنه قُدِمَ بسبىٍ إلى الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام ، فإذا امرأة من السبى تبتغى إذا وجدت صبية فى السبى أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته .. فقال لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أترون هذه المرأة طارحة ولدها فى النار ؟ قلنا : لا والله ، فقال عليه الصلاة والسلام : الله أرحم بعباده من هذه المرأة لولدها .
يدرك المسلم السوى الفاهم العاقل أن أسماء الله الحسنى معبرة عن صفاته ، تدعوه ويدعوه إيمانه بالواحد الماجد إلى المجاهدة لاكتساب ما عساه يستطيع ببشريته أن يكتسبه منها ..
ومن أسماء الله الحسنى : « الرحمن الرحيم » .. والاسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة تستدعى مرحومًا تُبذل له هذه الرحمة .. تكفكف عنه ، وتحنو عليه ..
ويفهم المسلم السوى مما هداه القرآن المجيد إليه ، أن حظ العبد من هذه الصفة الإلهية : أن يرحم عباد الله ، ويشملهم ببره وإحسانه وعطفه ورفقه .. حتى الغافلين منهم ، فإن رحمتهم تكون بصرفهم إلى الصواب عن غفلتهم ، وبدعوتهم إلى الحق والصواب ـ بالرفق والحسنى . فإن الله تعالى رفيق يحب الرفق فى الأمر كله كما حدثنا الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام .. أن يفتح لهم طريقًا إلى الفهم والاتعاظ باللطف لا بالعنف ، بعين الرحمة لا بعين الإيذاء .
يدرك المسلم السوى الفاهم العاقل من هذه الصفة الربانية الكريمة ، أن لا يدع فرصة إلاّ ويغتنمها للكفكفة عن مكروب أو محتاج أو مريض أو ضعيف أو مظلوم أو مغبون أو ضل به السعى .. هذه الفرصة الواجب اغتنامها ليست العنف ولا هى الغلظة أو الشماتة أو التنكيل ، وإنما هى الغوث والرحمة والكفكفة والعطاء .
أمر الرحمن الرحيم رسوله الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام ، فقال له :
« قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» ( آل عمران 31 )
« وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ » ( البقرة 207 )
صدق الله العظيم

الشوق إلى الله

يقول الله عز وجل فى كتابه العزيز :
« مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ( العنكبوت 5 ) .
روى عن عمّار بن ياسر ــ رضى الله عنه وأرضاه أنه أمَّ جماعة من المسلمين فى الصلاة ، فأوجز فيها . قيل له : خففت أبا اليقظان ! فقال : وما علىّ من ذلك ، ولقد دعوت الله بدعوات سمعتها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، فلما قام تبعه واحدٌ من المسلمين وسأله عن هذه الدعوة ، فقال :
اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق أحينى ما علمت الحياة خيرًا لى ، وتوفنى ما علمت الوفاة خيرًا لى .
اللهم إنى أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحق فى الرضا والغضب ، وأسألك القصد فى الغنى والفقر ، وأسألك نعيمًا لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع . وأسألك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، وأسألك النظر إلى وجهك الكريم ، وشوقًا إلى لقائك من غير ضرَّاء مُضرة ولا فتنة مُضلة .
اللهم زينا بزينة الإيمان .. واجعلنا هداةً مهتدين
خطب الفاروق يومًا فى المسلمين بالمسجد النبوى بالمدينة ، فقال للناس :
ما أخاف عليكم أحَدَ رجليْن : مؤمن قد تبيَّن إيمانه ، وكافر قد تبيَّنَ كفرُه
وإنما أخاف عليكم منافقًا يتعوذ بالإيمان ، ويعمل بغيره !
وقال عمر فى إحدى خطبه :
« إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة ؛ منافقٌ يقرأ القرآن لا يخطئ منه حرفًا ، يجادل الناس بأنه أعلم منهم ليضلّهم عن الهدى .
« وزلةُ عالم ..
« وأئمةٌ مضلّون » .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى