ذكاء الإنسان بين الاستعداد والحصاد

ذكاء الإنسان بين الاستعداد والحصاد

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 31/7/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لا يختلف أحد على أن العقل بملكاته وقدراته ـ هو أميز ما تميّز به الإنسان عن باقي المخلوقات، وأن الإنسان على قدر من الذكاء لا يدانيه فيه أحد على وجه الأرض.

والذكاء هو الاستعداد الداخلي الذي يواجه به الإنسان ما يعرض له في الحياة وظروفها وأحداثها.. وهذه المواجهة تجرى بما يناسبها من استعداد وذكاء وملكات، وتتواكب طردياً وعكسياً مع مقدار الذكاء الذي يتفاوت من شخص لآخر، ولا يوجد ولم يوجد لدى جميع الناس بمقدار واحد أو بقوة واحدة، وتتجلى هذه الفوارق حين نقارن ذكاء البدائي بأوساط الناس، أو حين نقارن ذكاء هؤلاء بذكاء أمثال نيوتن أو أرشميدس أو أينشتين!

واختيارات الشخص ــ أي شخص ـ تتبع ذكاءه، وهذه الاختيارات حتى لدى الأذكياء دائما احتمالية.. بمعنى أنها مقارنة وترجيح وتفضيل احتمال على غيره من الاحتمالات. ومن الملحوظ أن الذكاء يختلط بالمهارات، والإتقان هو ثمرة وعلى قدر هذا الاختلاط.. فإذا كان البشر بعامة أذكياء في إشباع حاجاتهم وتحقيق أغراضهم والوصول إلى غاياتهم أياً كانت، فإنهم لا يتقنون في كل الأحوال أداء ما يفعلونه أو يؤثرونه أو يفضلونه !

ربما لأن الإتقان يحتاج إلى الجهد والمثابرة والمعاناة، ومن ثم فإن الرغبة في تحقيقه تقتطع بشكل أو بآخر من راحة أو حرية الساعي إلى الإتقان.

وأنت تستطيع أن تراقب هذا الإتقان ـ بهذا المعنى ـ في بعض النباتات من الأشجار إلى الطحالب والأعشاب، وفي الفيروسات والبكتريا والفطريات، وفي الحشرات والطيور، وفي الثدييات والحيوانات العليا.

وربما كان وجود الاستعداد للإتقان قد سبق وجود الاستعداد للذكاء في قاموس الحياة، وهو قاموس بالغ السعة يبدو أنه يجمع عناصره فيتراكم جديدها على قديمها، وربما كان هذا التراكم والتراكب ضمن خطوات الكون والحياة في النمو والترقي.. وقد نرى آية ذلك في

« الأجهزة » التي تؤدى وظائفها آليا بلا إرادة أو اختيار لدى كافة المخلوقات.

ومن قديم الزمن، عرف الإنسان الآلة التي تخضع في تشغيلها أو أدائها لإرادته وقوته، ثم عرف الآلة التي لا تخضع للقوة أو الإرادة إلاّ من بعيد.. أو من بعيد جدًا. لأن هذه الآلة من اختراع إنسان غيره، ومن صناعة وإنتاج إنسان آخر.. ومن ثم فلا تتدخل إرادة من يستعملها في مستوى دقتها أو أدائها، وإنما يكون ذلك موافقا لما كان عليه إتقان مبتكرها أو صانعها ومنتجها. بل لم يعد إتقان أداء الآلة في يد صاحب الآلة أو الماكينة أو طوع إرادته واختياره وتحت سيطرة ذكائه.. لأن الإتقان قد سبق من قبل ـ إن كان ـ إلى السيارة أو الطائرة أو القطار عند الصناعة والإنتاج.. ولذلك فإن مهارة القائد أو المدير تقتصر على إتقان أو عدم إتقان التشغيل.. دون مواصفات الآلة أو الماكينة التي لازمها درجة ما هي عليه من إتقان منذ تصنيعها وإنتاجها.

هكذا يصنع ذكاء البشر أوعية وأكسية لاستيعاب أحلامهم وأشواقهم ومحاكاتهم وغرورهم كجماعات وأفراد ليزدادوا ـ لا ذكاءً على ذكاء ـ وإنما ثراءً وشهرة.. بهما يتحقق النفـوذ في أى جماعة.. فما في تكوين مدنيتنا الحالية هو قشرة سطحية ضخمة من الذكاء تستخدم إتقان المتقنين في جذب ملايين الناس من كل حدب وصوب، من الأذكياء وغير الأذكياء، ومـن الأغبياء وأشباه الأغبياء !

وهذا أخطاره هائلة لا تكاد تحصى على الحمقى وعلى الأذكياء معًا !

وذلك الميل البشرى الغريزي إلى الكسوة بلباس أو ظاهر أو قشرة أكثر طلاوة وبريقًا، يبدو متقدمًا في عيوننا أو متحضرًا طبقًا لتعبيرنا الحالي.. هذا الميل الذي يحشد ما يستطيعه ليسترعي الأنظار والإعجاب، ويلفت الأعين ويصرفها صرفًا ضريرًا عن التركيز على البشاعات الموجودة والمستشرية نتيجة للغفلة والتخلف السائدين بين الناس.. هذا الواقع المرّ شيء معروف يتردد ذكره وأثره من آلاف السنين فيما نسميه بالحضارات القديمة أو السالفة أو نسميه باللياقة والقيمة بالنسبة للأفراد !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى