حماية العلامات التجارية في ظل التسوق عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي

بقلم: الدكتور /وليد محمد وهبه

وصف الباحث الأمريكي “روي أمارا“ في مقولته: “إننا نميل إلى المغالاة في تقدير تأثير التكنولوجيا على المدى القريب ونستهين بتأثيرها على المدى البعيد.”

لقد تغيرت كيفية شراء المنتجات والخدمات بصورة مستمرة على مر السنين. نتيجة التطور الملحوظ لحركة التجارة و التبادل بين التجار و الموزعين والمستهلكين

اذا نظرنا كيف كان الناس يشترون المنتجات في القرن التاسع عشر في الوقت الذي تبلورت فيه المبادئ الأساسية لقانون العلامات التجارية. لا شك أنك ستتبادر إلى ذهنك صورة متجر فيكتوري تقليدي يقف فيه بائع أو بائعة أمام مجموعة مختارة من البضائع المعروضة في خزائن زجاجية. وحينذاك، كان البائع يؤدي دور “المُرشِّح” بين المستهلك والمنتجات، والتي كانت في معظمها لا تحمل علامات تجارية. وكان البائع هو الطرف الوحيد في العملية التى تتوفر بها الدراية بما هو معروض من منتجات، وكان عادة ما يسدي المشورة للمستهلك بشأن المنتج الذي يُعد مناسباً للشراء.

وبعد ذلك، ومع بروز أهمية تمييز المنتجات بعلامات تجارية، توفرت بين يدي المستهلك معلومات إضافية بفضل الدلالات المباشرة للعلامات التجارية، سواء كانت الدلالات فى صورة خصائص صوتية أو تأثيرات بصرية أو مفاهيمية للعلامات التجارية. وهذا يعني أنه في السوبر ماركت الحديث حلّت العلامات التجارية بفعالية محل بائع الحقبة التقليدية وتولت مهمة التواصل مباشرة مع المستهلكين.

ثم تغيرت عملية الشراء مرة أخرى مع بزوغ التسوق على الإنترنت. فقد زادت المنتجات المتوفرة للمستهلك بصورة هائلة، وزادت معها معلومات المنتجات ودراية المستهلك. ومرة أخرى، لا يوجد وسيط بين المستهلك والمنتج؛ فالمستهلك يتحكم بشكل كامل في قرار الشراء.

وأوجدت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي نماذج جديدة للتأثير على المستهلك، حيث صارت حالات “الإعجاب” التي يبديها أفراد العائلة والأصدقاء عنصراً هاماً في اتخاذ قرارات الشراء. واكتسبت حالات “الإعجاب” أهمية إضافية حين دخل في الساحة الأشخاص المؤثرون “الخارجيون” مثل المشاهير ونجوم الفن.

ومجدداً، تخضع عملية الشراء إلى تغييرات هيكلية، والتي تُعزى ـ جدلاً ـ إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل أمازون أليكسا وغوغل هوم، وروبوتات الدردشة مع المستهلك، وأدوات المساعدة الشخصية على التسوق القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل مونا وأمازون داش، وروبوتات المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل بيبر. ومن نواح عديدة، يمثل استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عملية الشراء عودة إلى النموذج التقليدي ، مع بعض الاختلافات المهمة.

على الرغم من أن اعتماد المستهلكين على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا يزال محدوداً نسبياً، إلا أن معظم المستهلكين لابد أنهم استخدموا دون قصد شكلاً من أشكال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل نظام توصية المنتجات الذي يظهر على موقع أمازون (Amazon.com) وغيره من منصات البيع بالتجزئة على الإنترنت. وفي هذا السياق، يؤدي تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل فعال دور المُرشّح بين المستهلك والمنتج والعلامة التجارية، حيث يقدم توصيات فريدة إلى المستهلك على أساس قرارات الشراء السابقة.

وحتى عندما لا يفوّض المستهلكون قرارات الشراء إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإن الذكاء الاصطناعي لا يزال يؤثر على الطريقة التي يرى بها المستهلك السوق والمنتجات والعلامات التجارية، حيث أنه، في المتوسط، يوصي تطبيق الذكاء الاصطناعي، مثل أمازون أليكسا، المستهلك بثلاثة منتجات عندما يحثه المستهلك على البحث عن منتج ليشتريه. ومن ثم فإن المستهلك هنا لا يعلم بكامل المنتجات المعروضة في السوق، بل تُقدم إليه خيارات محدودة نسبيًا من المنتجات ليشتريها، حتى لو كان هو الذي يتخذ قرار الشراء في نهاية المطاف. فالذكاء الاصطناعي يؤدي مجددًا دور المُرشٍّح بين المستهلك والعلامة التجارية.

ولتطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضًا آثار مهمة على من يعتبر “المستهلك العادي” في دعاوى انتهاك العلامات التجارية وقضايا المسؤولية.

و يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق البيع بالتجزئة أسئلة مهمة أيضاً فيما يتعلق بالإعلانات المقارنة واللوائح المتعلقة بالأشخاص المؤثرين. فضلاً عن ذلك، يقوم قانون العلامات التجارية بشكل أساسي على مفاهيم الضعف البشري

وتتعلق بعض المبادئ الأساسية لقانون العلامات التجارية بجوانب الضعف البشري، مثل “عدم التذكر الكامل” و”الالتباس” و”تحريف نطق الأسماء التجارية” والتأثير السمعي والمفاهيمي والمرئي، والمقارنة بين العلامات التجارية. وقد ازدادت أهمية هذه الجوانب من قانون العلامات التجارية مع بروز التسوق في السوبر ماركت، ولكنها من المرجح أن تقل أهميتها مع انتشار الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب تقليل خيارات المنتجات، أو على الأقل تقليل خيارات المنتجات والعلامات التجارية، التي تقدم للمستهلكين الأفراد.

ولتطبيقات الذكاء الاصطناعي وسوف نتولى الإجابة على هذه الأسئلة فى المقال القادم

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى