حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١١ لسنة ١٣ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١١ لسنة ١٣ دستورية
تاريخ النشر : ٢٢ – ٠٧ – ٢٠٠٠

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة ٢٤ من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية – قبل تعديله بالقانون رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٠ فيما تضمنه من جواز تعيين رؤساء اللجان الفرعية من غيلا أعضاء الهيئات القضائية .

الحكم

برئاسة محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة وعضوية حمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعبد الوهاب عبد الرازق حسن رئيس هيئة المفوضين وناصر إمام محمد حسن أمين السر .

– – – ١ – – –
المصلحة الشخصية المباشرة ـ وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ـ مناطها على ما جرى به قضاء هذه المحكمة قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى وذلك بان يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطالبات المرتبطة بها و المطروحة على محكمة الموضوع .

– – – ٢ – – –
رقابة هذه المحكمة للنصوص التشريعية المطعون عليها انما تتغيا ردها الى احكام الدستور تغليبا لها على ما دونها و توكيدا لسموها على ما عداها لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الاساسى الاعلى الذى يرسى القواعد و الاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فيحدد للسلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية صلاحيتها واضعا الحدود التى تقيد أنشطتها و تحول دون تدخل كل منها قى اعمال الاخرى مقررا الحقوق والحريات العامة مرتبا ضماناتها .
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على ان نصوص الدستور تتوخى ان تحدد لأشكال من العلائق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية مقوماتها ولحقوق المواطنين و حرياتهم تلك الدائرة التى لا يجوز اقتحامها فلا يمكن ان تكون النصوص الدستورية ـ وتلك غاياتها ـ مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الاجيال اليها وانما قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها او تجريدها من آثارها او ايهانها من خلال تحوير مقاصدها او الاخلال بمقتضياتها او الاعراض عن متطلباتها فيجب دوما ان يعلو الدستور ولا يعلى عليه و ان يسمو ولا يُسمى عليه .

– – – ٣ – – –
رقابة هذه المحكمة للنصوص التشريعية المطعون عليها انما تتغيا ردها الى احكام الدستور تغليبا لها على ما دونها و توكيدا لسموها على ما عداها لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الاساسى الاعلى الذى يرسى القواعد و الاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فيحدد للسلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية صلاحيتها واضعا الحدود التى تقيد أنشطتها و تحول دون تدخل كل منها قى اعمال الاخرى مقررا الحقوق والحريات العامة مرتبا ضماناتها .
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على ان نصوص الدستور تتوخى ان تحدد لأشكال من العلائق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية مقوماتها ولحقوق المواطنين و حرياتهم تلك الدائرة التى لا يجوز اقتحامها فلا يمكن ان تكون النصوص الدستورية ـ وتلك غاياتها ـ مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الاجيال اليها وانما قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها او تجريدها من آثارها او ايهانها من خلال تحوير مقاصدها او الاخلال بمقتضياتها او الاعراض عن متطلباتها فيجب دوما ان يعلو الدستور ولا يعلى عليه و ان يسمو ولا يُسمى عليه .

– – – ٤ – – –
رقابة هذه المحكمة للنصوص التشريعية المطعون عليها انما تتغيا ردها الى احكام الدستور تغليبا لها على ما دونها و توكيدا لسموها على ما عداها لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الاساسى الاعلى الذى يرسى القواعد و الاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فيحدد للسلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية صلاحيتها واضعا الحدود التى تقيد أنشطتها و تحول دون تدخل كل منها قى اعمال الاخرى مقررا الحقوق والحريات العامة مرتبا ضماناتها .
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على ان نصوص الدستور تتوخى ان تحدد لأشكال من العلائق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية مقوماتها ولحقوق المواطنين و حرياتهم تلك الدائرة التى لا يجوز اقتحامها فلا يمكن ان تكون النصوص الدستورية ـ وتلك غاياتها ـ مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الاجيال اليها وانما قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها او تجريدها من آثارها او ايهانها من خلال تحوير مقاصدها او الاخلال بمقتضياتها او الاعراض عن متطلباتها فيجب دوما ان يعلو الدستور ولا يعلى عليه و ان يسمو ولا يُسمى عليه .ولئن كان صحيحا أن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن الشرعية الدستورية لا تستقيم موطئا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلاً يجنبها الوقوع فى هاوية المخالفة الدستورية ، الا انه من المسلم أيضا انه اذا ما استعصى تفسير النصوص المطعون عليها بما يوائم بين مضمونها و أحكام الدستور فان وصمها بعدم الدستورية يغدو محتما اذ لا يسوغ ان تفسر النصوص القانونية قسراً على وجه لا تحتمله عباراتها ولا يستقيم مع فحواها بقصد تجنب الحكم بعدم دستوريتها و الا انحلت الرقابة الدستورية عبثا .

– – – ٥ – – –
الاصل فى النصوص الدستورية انها تعمل فى اطار وحدة عضوية تجعل من احكامها نسيجا متآلفا متماسكاً بما مؤداه ان يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض وانما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الارادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها فى المجالات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ولا يجوز بالتالى ان تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ولا ان ينظر اليها بوصفها هائمة فى الفراغ او باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى .

– – – ٦ – – –
الدستور نص فى المادة ٦٢ منه التى وردت فى الباب الخاص بالحريات والحقوق و الواجبات العامة على ان (( للمواطن حق الانتخاب والترشيح و ابداء الرأى فى الاستفتاء وفقا لاحكام القانون و مساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى )) ومفاد ذلك ان حق الترشيح و حق الانتخاب حقان مترابطان يتبادلان التأثير فيما بينهما فلا يجوز ان تفرض على مباشرة ايهما قيود يكون من شأنها المساس بمضمونها مما يعوق ممارستها بصورة جيدة وفعالة وذلك ضمانا لحق المواطنين فى اختيار ممثليهم فى المجاس النيابية باعتبار ان السلطة الشرعية لا يفرضها الا المقرر دستوريا و لضمان ان تكون المجاس النيابية كاشفة فى حقيقتها عن الارادة الشعبية و معبرة تعبيرا صادقا عنها لذلك لم يقف الدستور عند مجرد النص على حق كل مواطن فى مباشرته تلك الحقوق السياسية وانما جاوز ذلك الى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة واجبا وطنيا يتعين القيام به فى اكثر المجالات اهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التى تعتبر قواما لكل تنظيم يرتكز على ارادة الناخبين .
ولئن كانت المادة ٦٢ من الدستور قد أجازت للمشرع العادى تنظيم تلك الحقوق السباسية الا انه يتعين دوما الا يتعارض التنظيم التشريعى لها مع نصوص الدستور الاخرى و انما يلزم توافقه مع الدستور فى عموم قواعده و احكامه .

– – – ٧ – – –
ان الدستور القائم اورد فى مادته الثامنة و الثمانين نصا غير مسبوق لم تعرفه الدساتير المصرية من قبل اذ نص على ان (( يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى اعضاء مجلس الشعب و يبين احكام الانتخاب و الاستفتاء على ان يتم الاقتراع تحت اشراف اعضاء من هيئة قضائية مما يقطع ان المشرع الدستورى احتفاء منه بعملية الاقتراع بحسبانها جوهر حق الانتخاب اراد ان يخضعها لاشراف اعضاء من هيئة قضائية ضمانا لمصداقيتها و بلوغا لغاية الامر منها باعتبار ان هؤلاء هم الاقدر على ممارسة هذا الاشراف بما جبلوا عليه من الحيدة وعدم الخضوع لغير ضمائرهم وهو ما تمرسوا عليه خلال قيامهم بأعباء امانتهم الرفيعة حتى يتمكن الناخبون من اختيار ممثليهم فى مناخ تسوده الطمأنينة على انه لكى يؤتى هذا الاشراف اثره فإنه يتعين ان يكون اشرافا فعليا لا صوريا او منتحلاً واذ كانت عملية الاقتراع تجرى ـ وفقا لاحكام القانون ـ فى اللجان الفرعية فقد غدا لزاما ان تحاط هذه العملية بكل الضمانات التى تكفل سلامتها وتجنبها احتمالات التلاعب بنتائجها تدعيما للديمقراطية التى يحتل منها حق الاقتراع مكانا علياً بحسبانها كافلاً لحرية الناخبين فى اختيار ممثليهم فى المجالس النيابية لتكون السيادة للشعب باعتباره وحده وصدر السلطات وفقاً للمادة الثالثة من الدستور .

– – – ٨ – – –
مفاد نص المادة ٨٨ من الدستور أمران اولهما ان المشرع الدستورى فوض المشرع العادى فى تحديد الشروط الواجب توافرها فى عضو مجلس الشعب كما فوضه ايضا فى بيان احكام الانتخاب و الاستفتاء و كل منهما يتضمن مراحل متعددة و ثانيهما انه يشترط بنص قاطع الدلالة لا يحتمل لبسا فى تفسيره ان يتم الاقتراع وهو مرحلة من مراحل الانتخاب والاستفتاء تحت اشراف اعضاء من هيئة قضائية فليس ثمة تفويض من الانتخاب و الاستفتاء تحت اشراف اعضاء من هيئة فليس ثمة تفويض من الدستور للمشرع العادى فى هذا الشان و انما يتعين عليه ان يلتزم بهذا القيد الدستورى.
ومن المقرر أن عبارة النص تؤخذ على معناها اللغوى ما لم يكن لها مدلول اصطلاحى يصرفها الى معنى آخر واذا كان لاخلاف على ان الاقتراع هو تلك العملية التى تبدأ بإدلاء الناخب بصوته لإختيار من يمثله بدءاً من تقديمه بطاقته الانتخابية وما يثبت شخصيته الى رئيس لجنة الانتخابات ، مرورا بتسلمه بطاقة الانتخاب ، وانتهاء بإدلاءه بصوته فى سرية لاختيار احد المرشحين ، او العدد المطلوب منهم و ايداع هذه البطاقة صندوق الانتخاب ثم فرز الاصوات لاعلان النتيجة بما يطابق ارادة الناخبين فإنه لا يتم و لا يبلغ غايته الا اذا اشرف عليه اعضاء من هيئة قضائية . لما كان ذلك و كان معنى الاشراف على الشىء او الامر ـ لغة ـ على ما يبين من الجزء الاول من المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية الطبعة الثالثة صفحة ٤٩٨ كالآتى (( أشرف عليه : تولاه و تعهده و قاربه . وأشرف الشىء له : امكنه )) واذا لم يكن للفظ الاشراف دلالة اصطلاحية تخالف دلالتهاللغوية . فقد بات متعينا ان المشرع الدستورى عند اقراره نص المادة ٨٨ من الدستور منظورا فى ذلك لا الى ارادته المتوهمة او المفترضة بل الى ارادته الحقيقية التى كشفت عنها الاعمال التحضيرية على ما تقدم قد قصد الى امساك اعضاء الهيئة القضائية تقديرا لحيدتهم و نأيهم عن العمل السياسى بكافة صوره بزمام عملية الاقتراع فلا تفلت من بين ايديهم بل يهيمنون عليها برمهتا بحيث تتم خطواتها متقدمة الذكر كلها تحت سمعهم و بصرهم .
على ضوء ما تقدم ، فإن الاهداف التى رمى الي بلوغها بما تطلبه فى المادة ٨٨ من أن يتم الاقتراع تحت اشراف أعضاء من هيئة قضائية تتحصل بجلاء ـ وفق صريح عباراتها و طبيعة الموضوع الذى تنظمه و الاغراض التى يتوخى تحقيقها من هذا الاشراف وما تكشف عنه الاعمال التحضيرية السالف الاشارة اليها ـ فى ارساء ضمانة اساسية لنزاهة الانتخابات عن طريق ضمان سلامة الاقتراع و تجنب احتمالات الانحراف به عن حقيقته وهى اهداف تدعم الديمقراطية وتكفل مباشرة حق الانتخاب سليما غير منقوص أو مشوه ، موفيا بحكمة تقريره التى تتمثل ـ على ما تقدم
فى ان تكون السيادة للشعب باعتباره وحده مصدر السلطات ، و هى بالتالى ضمان لحق الترشيح الذى يتكامل مع حق الانتخاب و بهما معا تتحقق ديمقراطية النظام . واذ يقوم النص الدستورى سالف الذكر على ضوابط محددة لا تنفلت بها متطلبات انفاذه و مقتضيات إعماله ، فقد تعين على المشرع عند تنظيمه حق الانتخاب ان ينزل عليها و الا يخرج عنها مؤداه ضرورة ان يكفل هذا التنظيم لأعضاء الهيئات القضائية الوسائل اللازمة و الكافية لبسطهم اشرافا حقيقيا و فعالاً على الاقتراع ، ولا محاجة فى القول بتعذر رئاسة اعضاء الهيئات القضائية للجان الفرعية لعدم كفاية عددهم ذلك انه اذا ما تطلب الدستور امرا فلا يجوز التذرع بالاعتبارات العملية لتعطيل حكمه بزعم استحالة تطبيقه سيما و انه لم يستلزم اجراء الانتخابات فى يوم واحد ، والا غدا الدستور بتقريره هذه الضمانة عابثا ، ولا نحلت القيود التى يضعها سرابا .

– – – ٩ – – –
استوجب النص الطعين عقد رئاسة اللجان العامة فى جميع الاحوال لاعضاء من هيئة قضائية ، الا انه يسمح برئاسة اللجان الفرعية التى يجرى الاقتراع امامها لغيرهم فأصبح الاقتراع يتم بمنأى عن اللجنة العامة ، دون أن يكفل المشرع لهذه اللجنة ـ التى يرأسها عضو الهيئة القضائية ـ الوسيلة الازمة والكافية لتحقيق الاشراف الحقيقى على الاقتراع ، ومن ثم ، يضحى النص المطعون عليه ، قاصرا عن الوفاء بما تطلبه الدستور من اشراف أعضاء من هيئات قضائية على القتراع مهدرا بذلك ضمانة رئيسية تتعلق بحقى الترشيح و الانتخاب .

– – – ١٠ – – –
ان اجراء انتخابات مجلس الشعب بناء على نص تشريعى قضى بعدم دستوريته ، يؤدى الى بطلان تكوينه منذ انتخابه ، الا ان هذا البطلان لا يترتب عليه البتة اسقاط ما أقره ذلك المجلس من قوانين و قرارات وما اتخذه من اجراءات خلال الفترة السابقة على تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية ، بل تظل تلك القوانين والقرارات و الاجراءات قائمة على أصلها من المصلحة ، ومن ثم تبقى نافذة ما لم يتقرر الغاؤها او تعديلها من الجهة المختصة دستورياً او يقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم يصدر من هذه المحكمة ان كان لذلك وجه آخر غير ما بنى عليه هذا الحكم .

– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد تقدم فى ٢٣ / ١٠ / ١٩٩٠ للترشيح لعضوية مجلس الشعب ثم أقام أمام محكمة القضاء الإدارى الدعوى رقم ٦٦٧ لسنة ٤٥ قضائية طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرارى وزير الداخلية رقمى ٦٠٣١ و ٦٠٥٤ لسنة ١٩٩٠وكذا قراراته الصادرة تنفيذاً لكل من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٢٠٢ لسنة ١٩٩٠ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، وقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٢٠٦ لسنة ١٩٩٠ فى شأن تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب ، وفى الموضوع بإلغاء هذه القرارات ؛ كما تضمنت صحيفة تلك الدعوى الدفع بعدم دستورية المواد ٢٤و ٢٩و ٣٤ و ٣٥ / ٣ من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ معدلاً بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٢٠٢ لسنة ١٩٩٠ ، والمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٢٠٦ لسنة ١٩٩٠ والجدول المرافق له . وبجلسة ٢٧ / ١١ / ١٩٩٠صرحت تلك المحكمة للمدعى بإقامة دعواه أمام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرات الثانية والرابعة والخامسة من المادة ٢٤ ، والمادة ٣٤ ، والفقرة الثالثة من المادة ٣٥ من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ المشار إليه ؛ فأقام الدعوى الماثلة . وحيث إن المواد المطعون فيها من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية – قبل تعديله بالقانون رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٠ – كانت تنص على أن : مادة ٢٤ : فقرة أولى :” يحدد وزير الداخلية عدد اللجان العامة والفرعية التى يجرى فيها الاستفتاء والانتخاب ويعين مقارها ، وتشكل كل من هذه اللجان من رئيس وعدد من الأعضاء لايقل عن اثنين ويعين أمين لكل لجنة “. فقرة ثانية : “ويعين رؤساء اللجان العامة من بين أعضاء الهيئات القضائية فى جميع الأحوال، ويعين رؤساء اللجان الفرعية من بين العاملين فى الدولة أوالقطاع العام ، ويختارون بقدر الإمكان من بين أعضاء الهيئات القضائية أو الإدارات القانونية بأجهزة الدولة أوالقطاع العام ، ويختار أمناء اللجان من بين العاملين فى الدولة أو القطاع العام “. فقرة ثالثة : “وتتولى كل هيئة قضائية تحديد أعضائها الذين توافق على اختيارهم للإشراف على عملية الاقتراع ، وترسل بيانا بأسمائهم إلى وزير العدل لينسق بينهم فى رئاسة اللجان ، أما من عداهم فيكون اختيارهم بعد موافقة الجهات التى يتبعونها “. فقرة رابعة : “ويصدر بتشكيل اللجان العامة والفرعية وأمنائها قرار من وزير الداخلية . وفى جميع الأحوال يحدد القرار الصادر بتشكيل هذه اللجان من يحل محل الرئيس عند غيابه أو وجود عذر يمنعه من العمل ، وفى حالة الاستفتاء يختار رئيس اللجنة أعضاء اللجان من بين الناخبين الذين يعرفون القراءة والكتابة والمقيدة أسماؤهم فى جدول الانتخاب الخاص بالجهة التى يوجد بها مقر اللجنة “. فقرة خامسة : “وتشرف اللجان العامة على عملية الاقتراع لضمان سيرها وفقا للقانون ، أما عملية الاقتراع فتباشرها اللجان الفرعية “. …………………… مادة ٣٤ : ” يعلن رئيس اللجنة الفرعية ختام عملية الاقتراع متى حان الوقت المعلن لذلك ، وتختم صناديق أوراق الإنتخاب أو الاستفتاء ، ويقوم رئيس اللجنة بتسليمها إلى رئيس اللجنة العامة لفرزها بواسطة لجنة الفرز التى تتكون برئاسة رئيس اللجنة العامة وعضوية رؤساء اللجان الفرعية ، ويتولى أمانتها أمين اللجنة العامة ، ويجوز لكل مرشح أن يوكل عنه من يحضر لجنة الفرز وذلك فى الدائرةالتى رشح فيها ، ويجب على لجنة الفرز أن تتم عملها فى اليوم التالى على الأكثر ” . مادة ٣٥ : ” فقرة أولى ” : ” تفصل لجنة الفرز فى جميع المسائل المتعلقة بعملية الانتخاب أو الاستفتاء وفى صحة أو بطلان إبداء كل ناخب لرأيه ” . فقرة ثانية : “وتكون المداولات سرية ولايحضرها سوى رئيس اللجنة وأعضاؤها . فقرة ثالثة : “وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة ، وفى حالة تساوى الأصوات يرجح رأى الجانب الذى منه الرئيس ” . فقرة رابعة : “وتدون القرارات فى محضر اللجنة وتكون مسببة ويوقع عليها من رئيس اللجنة وأعضائها ويتلوها الرئيس علناً ” . وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة رافعها ، تأسيساً على أن طعنه الموضوعى يستهدف أساساً قرارى وزير الداخلية بإجراءات ترشيح وانتخاب أعضاء مجلس الشعب وتحديد ميعاد قبول طلبات الترشيح ، وكلاهما سابق على عملية الاقتراع، ومن جهة أخرى ، فإن تحقق الإشراف القضائى الكامل على الاقتراع لايكفل للمدعى طريقاً ممهداً للفوز المؤكد بعضوية مجلس الشعب ، إذ قد يتحقق هذا الإشراف ، ولايحالفه الفوز بها ، سيما وقد انقضت مدة المجلس الذى تقدم بطلب الترشيح لعضويته . وحيث إن هذا الدفع مردود بأن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع ، متى كان ذلك ، وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المدعى كان مرشحا فى انتخابات مجلس الشعب التى جرت فى نوفمبر لسنة ١٩٩٠ ، وقد أقام دعواه الموضوعية مستهدفاً الحكم بوقف تنفيذ ثم بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم ٦٠٥٤ لسنة ١٩٩٠بتعديل بعض أحكام القرار الوزارى رقم ٢٩٣ لسنة ١٩٨٤ بإجراءات ترشيح وانتخابات أعضاء مجلس الشعب – والذى يستند فى صدوره إلى المادة ٢٤ من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ المشار إليه – مرددا فى المادة ١٣ منه أحكام الفقرة الثانية من تلك المادة ، وكان هذا القرار هو الذى طبق على الانتخابات المشار إليها وأنتج أثره قانوناً ؛ وكان فصل محكمة الموضوع فى مشروعية هذا القرار يقتضى أن تقول المحكمة الدستورية العليا كلمتها فى شأن دستورية نص القانون الذى يستند إليه ، فإن مصلحة المدعى فى الطعن على الفقرة الثانية من المادة ٢٤ سالفة الذكر – فيما تضمنته من جواز تعيين رؤساء لجان الانتخابات الفرعية من غير أعضاء الهيئات القضائية – تكون متحققة . ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بنص الفقرة المشار إليها ، ولايمتد إلى غير ذلك من النصوص الأخرى المطعون فيها . وحيث إن المدعى ينعى على النص الطعين ، أن المشرع وإن عقد رئاسة اللجان العامة لأعضاء الهيئات القضائية إلاأنه سمح برئاسة اللجان الفرعية – وهى التى يجرى فيها الاقتراع وفقا للفقرة الخامسة من ذات المادة – لغيرهم ، ومن ثم ينحل الإشراف القضائى على الاقتراع والذى تطلبه الدستور إلى مجرد إشراف صورى غير حقيقى ، الأمر الذى يفرغ حق الانتخاب من مضمونه ويؤثر بالتالى فى حق الترشيح ، بما مؤداه حرمان المواطنين من ضمانة أساسية فى اختيار ممثليهم ، والمساس بالسيادة التى قررها الدستور للشعب بجعله مصدراً للسلطات ، ويخل كذلك بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الناخبين ، مما يوقع النص الطعين فى حمأة المخالفة الدستورية لخروجه على أحكام المواد ٨ و ٤٠ و ٦٢ و ٨٨ من الدستور . وحيث إن دفاع هيئة قضايا الدولة ، ارتكز على أن الدستور قد عهد إلى المشرع بتحديد شروط عضوية المجلس النيابى وبيان أحكام الانتخاب والاستفتاء ، ولم يقيده إلا بأن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية ، وأن تمام الاقتراع لايكون إلا باكتماله ويتحقق ذلك بإبداء الناخبين آراءهم فى عملية الانتخاب ، ثم إغلاق صناديق الانتخاب وإرسالها إلى اللجنة العامة لتباشر مهمتها فى إجراء الفرز ثم إعلان النتيجة . وأن الإشراف يؤخذ بمعنى الاطلاع على الاقتراع من علٍ ، وليس بمعنى توليه وتعهده فالذى يملك أمر الاقتراع والقيام به هو الناخب ذاته وليس المشرف القضائى . كما لايصح حمل الإشراف على معنى الرقابة والسيطرة، لصعوبة ذلك عملياً إذ أن عدد اللجان الفرعية يفوق بكثير عدد أعضاء الهيئات القضائية؛ بالإضافة إلى أن الأعمال التحضيرية للدستور أوضحت أن الإشراف القضائى على اللجان الفرعية إنما يكون بقدر الإمكان . بما يعنى أن مد هذا الإشراف إلى تلك اللجان من الملاءمات التى تندرج فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع بلامعقب عليه ، وخلص دفاع الحكومة إلى القول بأن قرينة الدستورية المقررة لمصلحة القوانين، تقتضى حملها على المعنى الذى يعصمها من الإبطال متى كانت نصوصها تحتمل ذلك . وحيث إن رقابة هذه المحكمة للنصوص التشريعية المطعون عليها إنما تتغياردها إلى أحكام الدستور تغليبا لها على مادونها وتوكيداً لسموها على ماعداها لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فيحدد للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية صلاحياتها واضعاً الحدود التى تقيد أنشطتها وتحول دون تدخل كل منها فى أعمال الأخرى ، مقرراً الحقوق والحريات العامة مرتباً ضماناتها . وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن نصوص الدستور تتوخى أن تحدد لأشكال من العلائق السياسة والاجتماعية والاقتصادية مقوماتها ، ولحقوق المواطنين وحرياتهم تلك الدائرة التى لايجوز اقتحامها ، فلايمكن أن تكون النصوص الدستورية – وتلك غاياتها – مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها ، وإنما قواعد ملزمة لايجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها أو إيهانها من خلال تحوير مقاصدها أوالإخلال بمقتضياتها أوالإعراض عن متطلباتها، فيجب دوماً أن يعلو الدستور ولايعُلى عليه وأن يسمو ولايُسمى عليه . وحيث إنه ولئن كان صحيحاً أن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن الشرعية الدستورية لاتستقيم موطئا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلاً يجنبها الوقوع فى هاوية المخالفة الدستورية ، إلا أنه من المسلم أيضاً أنه إذا مااستعصى تفسير النصوص المطعون عليها بمايوائم بين مضمونها وأحكام الدستور، فإن وصمها بعدم الدستورية يغدو محتماً ؛ إذ لايسوغ أن تفسر النصوص القانونية قسراً على وجه لاتحتمله عباراتها ولايستقيم مع فحواها بقصد تجنب الحكم بعدم دستوريتها ؛ وإلا انحلت الرقابة الدستورية عبثاً . وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً ، بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لايعزلها عن بعضها البعض ، وإنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ماارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولايجوز بالتالى أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، ولاأن ينظر إليها بوصفها هائمة فى الفراغ ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعى . وحيث إن الدستور نص فى المادة (٦٢ ) منه – التى وردت فى الباب الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة – على أن ” للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون ومساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى ” ومفاد ذلك أن حق الترشيح وحق الانتخاب حقان مترابطان يتبادلان التأثير فيما بينهما ، فلايجوز أن تُفرض على مباشرة أيهما قيود يكون من شأنها المساس بمضمونهما مما يعوق ممارستهما بصورة جدية وفعالة وذلك ضماناً لحق المواطنين فى اختيار ممثليهم فى المجالس النيابية باعتبار أن السلطة الشرعية لايفرضها إلا الناخبون ، وكان هذان الحقان لازمين لزوماً حتمياً لإعمال الديمقراطية فى محتواها المقرر دستورياً ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة فى حقيقتها عن الإرادة الشعبية ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها ؛ لذلك لم يقف الدستور عند مجرد النص على حق كل مواطن فى مباشرته تلك الحقوق السياسية ، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة واجباً وطنياً يتعين القيام به فى أكثر المجالات أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التى تعتبر قواما لكل تنظيم يرتكز على إرادة الناخبين . ولئن كانت المادة ٦٢ من الدستور قد أجازت للمشرع العادى تنظيم تلك الحقوق السياسية إلا أنه يتعين دوما ألا يتعارض التنظيم التشريعى لها مع نصوص الدستور الأخرى ، وإنما يلزم توافقه مع الدستور فى عموم قواعده وأحكامه . وحيث إن الدستور القائم أورد فى مادته الثامنة والثمانين نصاً غير مسبوق لم تعرفه الدساتير المصرية من قبل ، إذ نص على أن ” يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء مجلس الشعب ، ويبين أحكام الانتخاب والاستفتاء ، على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية “مما يقطع أن المشرع الدستورى – احتفاءً منه بعملية الاقتراع بحسبانها جوهر حق الإنتخاب – أراد أن يُخضعها لإشراف أعضاء من هيئة قضائية ضماناً لمصداقيتها وبلوغاً لغاية الأمر منها ، باعتبار أن هؤلاء هم الأقدر على ممارسة هذا الإشراف بما جُبلوا عليه من الحيدة وعدم الخضوع لغير ضمائرهم – وهو ماتمرسوا عليه خلال قيامهم بأعباء أمانتهم الرفيعة – حتى يتمكن الناخبون من اختيار ممثليهم فى مناخ تسوده الطمأنينة ؛ على أنه لكى يؤتي هذا الإشراف أثره فإنه يتعين أن يكون إشرافاً فعلياً لاصورياً أومنتحلاً ، وإذ كانت عملية الاقتراع ، تجرى – وفقاً لأحكام القانون – فى اللجان الفرعية ، فقد غدا لزاماً أن تحاط هذه العملية بكل الضمانات التى تكفل سلامتها وتُجنبها احتمالات التلاعب بنتائجها ، تدعيماً للديمقراطية التى يحتل منها حق الاقتراع مكاناً عليّاً بحسبانه كافلاً لحرية الناخبين فى إختيار ممثليهم فى المجالس النيابية لتكون السيادة للشعب باعتباره وحده مصدر السلطات وفقاً للمادة الثالثة من الدستور . وحيث إن البين من الاطلاع على محاضر أعمال اللجنة التحضيرية لمشروع الدستور ، أن لجنة الإدارة المحلية والقوانين الأساسية ناقشت فى اجتماعها المعقود فى ٢٦ / ٦ / ١٩٧١ بعض المبادئ بشأن عملية الانتخاب ، وأوضح رئيس اللجنة أنها تبدأ اجتماعها هذا ” بنظر المبدأ الرابع الخاص بالتصويت والضمانات القانونية والفعلية التى تكفل عدم تزوير الانتخابات”، وأشار رئيس اللجنة إلى أن المطلوب الوصول إلى أفضل الضمانات التى تكفل عدم تزوير الانتخابات ، بحيث تجئ معبرة تماماً عن رغبات الجماهير ، وبلور المقترحات التى نوقشت فى مبادئ عرضها على أعضاء اللجنة لإبداء الرأى فيها ، ومن بين المبادئ التى وافقت عليها اللجنة : ” عدم إجراء الانتخابات فى القطر كله دفعة واحدة ، بل من المستحسن تقسيم القطر إلى مناطق تتم فيها الانتخابات فى فترات متتالية لإحكام السيطرة عليها ومنع التدخل فيها، والارتفاع بمستوى رؤساء اللجان الفرعية واختيارهم من بين أعضاء الهيئات القضائية ماأمكن ، وتخويل القضاء سلطة النظر فى الطعون الانتخابية بسرعة وبلارسوم وبدون محام” . ثم جاء تقرير اللجنة التحضيرية لإعداد مشروع الدستور الدائم – والذى عرض على مجلس الشعب – عن المبادئ الأساسية لمشروع الدستور، متضمنا صياغة المبدأ الذى تقرر فى هذا الشأن بالنص التالى : ” ينظم القانون الانتخاب والاستفتاء بما يضمن أن يتم تحت إشراف جهة قضائية “. وقد أفرغ هذا المبدأ فى نص المادة ٨٨ المشار إليها . ومفاد هذا النص الدستورى ، أمران : أولهما : أن المشرع الدستورى فوض المشرع العادى فى تحديد الشروط الواجب توافرها فى عضو مجلس الشعب ، كما فوضه أيضا فى بيان أحكام الانتخاب والاستفتاء وكل منهما يتضمن مراحل متعددة ؛ وثانيهما : أنه يَشترط بنص قاطع الدلالة لايحتمل لبساً فى تفسيره أن يتم الاقتراع – وهو مرحلة من مراحل الانتخاب والاستفتاء – تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية ، فليس ثمة تفويض من الدستور للمشرع العادى فى هذا الشأن ، وإنما يتعين عليه أن يلتزم بهذا القيد الدستورى . وحيث إن من المقرر، أن عبارة النص تؤخذ على معناها اللغوى ، مالم يكن لها مدلول اصطلاحى يصرفها إلى معنى آخر . وإذ كان لاخلاف؛ على أن الاقتراع ، هو تلك العملية التى تبدأ بإدلاء الناخب بصوته لاختيار من يمثله بدءاً من تقديمه بطاقته الانتخابية ومايثبت شخصيته إلى رئيس لجنة الانتخابات ؛ مروراً بتسلمه بطاقة الاختيار ؛ وانتهاءً بإدلائه بصوته فى سرية لاختيار أحد المرشحين ، أو العدد المطلوب منهم ، وإيداع هذه البطاقة صندوق الانتخاب ثم فرز الأصوات لإعلان النتيجة بما يطابق إرادة الناخبين ؛ فإنه لايتم ولايبلغ غايته إلا إذا أشرف عليه أعضاء من هيئة قضائية . لما كان ذلك ، وكان معنى الإشراف على الشئ أو الأمر – لغة – على مايبين من الجزء الأول من المعجم الوسيط الصادرعن مجمع اللغة العربية – الطبعة الثالثة – صفحة ٤٩٨ الآتى : ” أشرف عليه : تولاه وتعهده وقاربه . وأشرف الشئ له : أَمْكَنَهُ ” . وإذ لم يكن للفظ الإشراف دلالة اصطلاحية تخالف دلالته اللغوية، فقد بات متعيناً أن المشرع الدستورى عند إقراره نص المادة ٨٨ من الدستور – منظوراً فى ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة بل إلى إرادته الحقيقية التى كشفت عنها الأعمال التحضيرية على ماتقدم – قد قصد إلى إمساك أعضاء الهيئات القضائية – تقديراً لحيدتهم ونأيهم عن العمل السياسى بكافة صوره – بزمام عملية الاقتراع فلاتفلت من بين أيديهم بل يهيمنون عليها برمتها بحيث تتم خطواتها متقدمة الذكر كلها تحت سمعهم وبصرهم . وحيث إنه على ضوء ماتقدم ، فإن الأهداف التى رمى الدستور إلى بلوغها بماتطلبه فى المادة ٨٨ من أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية تتحصل بجلاء – وفق صريح عباراتها وطبيعة الموضوع الذى تنظمه والأغراض التى يُتَوَخّى تحقيقها من هذا الإشراف، وماتكشف عنه الأعمال التحضيرية السالف الإشارة إليها – فى إرساء ضمانة أساسية لنزاهة الانتخابات عن طريق ضمان سلامة الاقتراع وتجنب احتمالات الانحراف به عن حقيقته ،وهى أهداف تدعم الديمقراطية وتكفل مباشرة حق الانتخاب سليماً غير منقوص أو مشوه، موفيا بحكمة تقريره التى تتمثل – على ماتقدم – فى أن تكون السيادة للشعب باعتباره وحده مصدرالسلطات ،وهى بالتالى ضمان لحق الترشيح الذى يتكامل مع حق الانتخاب وبهما معاً تتحقق ديمقراطية النظام . وإذ يقوم النص الدستورى سالف الذكر على ضوابط محددة لاتنفلت بها متطلبات إنفاذه ومقتضيات إعماله ، فقد تعين على المشرع عند تنظيمه حق الانتخاب أن ينزل عليها وألا يخرج عنها بما مؤداه ضرورة أن يكفل هذا التنظيم لأعضاء الهيئات القضائية الوسائل اللازمة والكافية لبسطهم إشرافاً حقيقياً وفعالاً على الاقتراع ؛ ولامحاجة فى القول بتعذر رئاسة أعضاء الهيئات القضائية للجان الفرعية لعدم كفاية عددهم ، ذلك أنه إذا ماتطلب الدستور أمراً فلايجوز التذرع بالاعتبارات العملية لتعطيل حكمه بزعم استحالة تطبيقه ، سيما وأنه لم يستلزم إجراء الانتخاب فى يوم واحد ؛ وإلا غدا الدستور بتقريره هذه الضمانة عابثاً ، ولانحلت القيود التى يضعها سراباً . وحيث إنه وإن استوجب النص الطعين عقد رئاسة اللجان العامة فى جميع الأحوال لأعضاء من هيئة قضائية ، إلا أنه يسمح برئاسة اللجان الفرعية التى يجرى الاقتراع أمامها لغيرهم، فأصبح الاقتراع يتم بمنآى عن اللجنة العامة ، دون أن يكفل المشرع لهذه اللجنه – التى يرأسها عضو الهيئة القضائية – الوسيلة اللازمة والكافية لتحقيق الإشراف الحقيقى على الاقتراع ، ومن ثم ، يضحى النص المطعون عليه ، قاصراً عن الوفاء بماتطلبه الدستور من إشراف أعضاء من هيئات قضائية على الاقتراع ، مهدراً بذلك ضمانة رئيسية تتعلق بحقى الترشيح والانتخاب، وبالتالى يكون مخالفاً لأحكام المواد ٣و٦٢ و ٦٤ و٨٨ من الدستور . وحيث إنه عن طلب المدعى القضاء ببطلان انتخابات مجلس الشعب وبطلان تشكيله ؛ فإن الأصل – على ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن إجراء انتخابات مجلس الشعب بناء على نص تشريعى قُضي بعدم دستوريته ، يؤدى إلى بطلان تكوينه منذ انتخابه ، إلا أن هذا البطلان لايترتب عليه البتة إسقاط ماأقره ذلك المجلس من قوانين وقرارات ومااتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة على تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية ، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة ، ومن ثم تبقى نافذة مالم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً أو يُقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم يصدر من هذه المحكمة إن كان لذلك وجه آخر غير مابنُى عليه هذا الحكم .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى