جمال اللغة في حكم بالإعدام

 

بقلم: أ. أشرف الزهوي

كانت سلاسة العبارات وروعة الألفاظ ودقة التعبيرات التي وردت في هذا الحكم الصادر بالإعدام شنقا دافعا لأنقل لكم هذا الأسلوب الراقي الذي قدم عبارات وألفاظ معبرة عما وقر في وجدان المحكمة، وإليكم جزء من العبارات التي أوردها الحكم في حيثياته.

“حيث أن واقعات الدعوى حسبما ارتسمت في يقين المحكمة، واطمأن لها وجدانها، وارتاح إليها ضميرها، مستخلصة من مطالعة سائر أوراقها، وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة.

ما دفع المتهم إلى بغض وكراهية المجني عليه، فلاحت أفكار كثيرة برأسه، حتى اختمرت الفكرة الرئيسية التي تؤدي إلى التخلص منه، فوسوس له الشيطان طريق الهلاك، وزين له قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولم يكابد المتهم الشيطان العناء في ذلك بعد أن أصر على قطع ما أمر الله به أن يوصل وأن يفسد في الأرض.

وتضامنت نفسه مع الشيطان فأوردته المهالك وأوعرته بخبثها المسالك، وطوعت له نفسه قتل ابن قريته، فعقد العزم وبيت النية على قتل المجني عليه وازهاق روحه للتخلص من الاحساس بالظلم، وغلبة الرجال بدين اعتقد ان المجني عليه لم يكن بمستحقه، فاستجلب لذلك سلاحا ناريا قاتلا بطبيعته وقام بإخفائه بين طيات ملابسة واستدرج المجني عليه إلى مكان غير مطروق ثم قام بإشهار سلاحه الناري وأطلقه على المجني عليه فأرداه قتيلا.

وحيث أنه عن ظرف سبق الإصرار في جريمة القتل العمد الذي هو حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني تستظهره المحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها وكان من المقرر أن البحث في توافر الإصرار من اطلاقات محكمة قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا تتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي المدة بذاته بين التصميم على الجريمة وقوعها – طال الزمن أو قصر – بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير بتروي، مادام الجاني قد انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافرا.

ولا يستساغ من هذه التصرفات وتلك الأفعال غير توافر ظرف سبق الإصرار على القتل كما هو معروف قانونا ويكون ما تساند عليه الدفاع في هذا الصدد غير سديد بعيد عن محجة الصواب متعينا الالتفات عنه ورفضه.

فالمحكمة تأخذ المتهم بهذه الأدلة وتعول عليها في إدانته، فإذا ما كان ذلك فإن المحكمة تصدف عن سائر أوجه الدفاع الأخرى والتي جاءت ضربا من الجدل حول أدلة الدعوى لا ينطوي على ما ينال من عقيدة المحكمة في صحة أدلة الاثبات كما تلتفت عن إنكار المتهم القصد الجنائي فقط بجلسة المحاكمة وتعتبره ضربا من ضروب الدفاع قصد به التخلص من وزر الجريمة.

تلك مقتطفات من حكم صدر بالإعدام شنقا لم تغفل فيه المحكمة المحسنات البديعية والجناس والطباق والاستعارات المكنية بما يؤكد على روعة اللغة العربية وقيمتها ومكانتها وقدرتها على نقل ما وقر في يقين المحكمة التي أصدرت حكما قاسيا ولكنه عادلا.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى