جريمة تزوير إيصال الأمانة.. قراءة قانونية فى ضوء أحكام جريمة التزوير في قانون العقوبات المصري

بقلم الأستاذ: علاء العيلي المحامي بالنقض

إيصالات الأمانه هى أحد صور المُحررات العرفية التي تتضمن تمسكات مالية بين أطرافها، ويحكمها نص المادة ٣٤٠ من قانون العقوبات المصري، فهو عبارة عن ورقة عرفية، يكتبها أشخاص عاديين من الناس، وليسوا موظفين رسميين معينين من الدولة لكتابتها.

وإيصال الأمانة قد يتخذ صورتين :

الصورة الأولى :

اتفاق بين ثلاثة أشخاص، يلتزم فيه الشخص الأول: {المُستلم } المُوقع على إيصال الأمانة أن يستلم مبلغ معين من النقود من الشخص الثاني: صاحب الإيصال ، ثم يوصله إلى الشخص الثالث: الموصل إليه المبلغ.

وهذه هى الصورة الأساسية والمتدوالة التي نص عليها المُشرع في المادة ٣٤٠ من قانون العقوبات المصري وهي ما تسمى “بإيصال الأمانة ثلاثي الأطراف” .

الصورة الثانية

اتفاق بين شخصين فقط ، يلتزم فيها الشخص الأول: {المُستلم} المُوقع على إيصال الأمانة أن يستلم مبلغ معين من الشخص الثانى على سبيل الأمانة ليعيده إليه عند الطلب.
وهذه الصورة ظهرت مؤخرًا والتي أوجدتها طبيعة التعامل بين الأفراد من خلال تعاملهم الكثير بهذه الصورة ، فأصبحت من الحالات المطروحه أمام منصة القضاء وهي ما تسمى بـ “إيصال الأمانة بين شخصين ” .

وبسبب سهولة وشيوع استخدام إيصالات الأمانة بين الناس بإعتبارها من اسهل النماذج التى تضمن التعاملات المالية بين الأشخاص لما يضفية المُشرع على إيصال الأمانة من قوة جنائية فى إثبات الدين وبالمقارنة فى صعوبة استخدام الشيك لعدم توافر الشيكات البنكية تحت يد أغلب الناس ..فقد شاع استخدام إيصال الأمانة فى التعاملات اليومية بين الأفراد لسهوله تحريرة غير أن الواقع العملى لتداول إيصال الأمانة أفرز العديد من المشكلات العملية وأبرزها استخدام هذه الوسيلة القانونية من قبل بعض الأفراد إستخدام سىء بقصد الكيد والتنكيل بأناس آخرين عن طريق اصطناع إيصالات غير حقيقة {مزورة} وقد يفاجىء الشخص بصدور حكم ضده فى غيبته فى جنحة إيصال أمانه لم يحررة ولم يصدر عن يده لا صُلباً ولا توقيعاً.

فى هذه المقالة سوف نتناول جريمة تزوير إيصال الأمانة وذلك على النحو التالي:

وفقاً لنص المادة ٢١٥ من قانون العقوبات والتي جرى نصها على {كُل شخص ارتكب تزويراً فى مُحررات أحد الناس بواسطة احدى الطرق السابق بيانها واستعمل ورقة مزوره وهو عالم بتزويرها يعاقب بالحبس مع الشغل} .

وقد عرفت محكمة النقض التزوير لأنه {كُل إضافة على صك عرفي من شأنها تغيير مركز الطرفين هي تزوير يستوجب العقاب}
( الطعن رقم ٢٣٢ لسنة ٧٢ قضائية جلسة ٣٥٢٠٠٣)

تعريف المحرر العرفى :

هو كل مُحرر لايُـعد وفقا للقانون محرراً رسمياً والتزوير فى المُحررات العرفيه هو أبسط انواع التزوير اذ يقوم على الاركان العامة للتزوير

ولقد أورد المُشرع المصرى طرق التزوير حصراً بالنص عليهافي المادتين ٢١١ و ٢١٣ من قانون العقوبات وطرق التزوير في المحررات العرفية هي بعينها طرق التزوير في المحررات الرسمية فقد احال المُشرع في المادة ٢١٥ إلي المادتين٢١١ و ٢١٣ الموضحتين لطرق التزوير في المحررات الرسمية وتضاف اليهم طريقتا التقليد والاصطناع طبقاً لما ورد بالمواد ٢٠٦ و ٢٠٨ و ٢٠١٧ من قانون العقوبات المصرى

وينقسم التزوير إلى قسم مادي وقسم معنوي :

التزوير المادي هو ما يشير إلى ثبوت اثرًا ماديًا يدل على العبث بالمحرر …. أما التزوير المعنوي فيتحقق بتشويه المعاني التي يجب أن يُـعبر عنها المُحرر وفقًا لإرادة من يُنسب إليه ولا فرق من حيث العقاب بين التزوير المادي والتزوير المعنوي ولكل من قسمي التزوير طُرق يتم إقتراف جريمة التزوير بها .

كما قضت محكمة النقض أيضاً بأنه {من المقرر أن مجرد تغيير الحقيقة في محرر عرفي بإحدى الطرق المنصوص عليها فى القانون يكفي لتوافر جريمة التزوير متى كان من الممكن أن يترتب عليه فى الوقت الذي وقع فيه تغيير الحقيقة ضرر للغير سواء كان المزور عليه أم أي شخص وكان هذا الضرر محتملا.

( الطعن رقم١٣٢٦ لسنة ٧٢ قضائية جلسة ٥١٢_٢٠٠٢ )

طُـرق التزوير المادي

١_وضع إمضاءات أو أختام و بصمات مزورة

٢_ تغيير المُحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات

٣_ وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مُزورة

٤_التقليد

٥_ الإصطناع

طُرق التزوير المعنوي

١_ تغير إقرار أُولي الشأن

٢_ جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو واقعة غير مُـعترف بها في صورة واقعة معترف بها .

وبالترتيب على ذلك فإن جريمة التزوير كما حددتها المادة ٢١٥ عقوبات تقوم على أربعة أركان على النحو التالى :

الرُكن الأول _الركن المادى : تغيير الحقيقة باحدى الطرق التي نص عليها القانون.

الرُكن الثانى _ الموضوع : وهو المُحرر محل التزوير

الركن الثالث : أن يكون هذا التغيير من شانه إحداث ضرراً بالمجنى عليه .

الرُكن الرابع _ الرُكن المعنوى : القصد الجنائى

والسائد فى الفقه القانونى المصرى أنه إذا تناول مركز الغير أو حقوقه أو صفاته فإن كل تغيير للحقيقة يعتبر من قبيل التزوير المُعاقب عليه

(الدكتور/ عبد المهيمن بكر _ القسم الخاص فى قانون العقوبات _ص ٤٦١ وما بعدها)

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن {لما كان القانون الجنائى لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض ومنها مجتمعه تكون عقيدة المحكمة فلا تنظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة بل يكف أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة وإطمئنانها إلى ما انتهت إليه } .

(الطعن رقم١٠٠٦٧ لسنة ٦٤ قضائية جلسة ١٧٤_١٩٩٦ )

كما قضت محكمة النقض بأن جريمة التزوير فى المُحرر العرفى توافرهما بمجرد تغيير الحقيقة فى المُحرر باحدى الطرق القانونية متى كان من الممكن أن يترتب عليها فى الوقت الذى وقعت فيه ضرراً للغير سواء كان المُزوَّر عليه أو خلافه ولو كان الضرر مُحتملاً .
( الطعن رقم ٦٩٣٢ لسنة٥٢ ق جلسة ١٦١٩٨٣)

وفى شأن توافر القصد الجنائى فقد قضت محكمة النقض : ( أن القصد الجنائى فى جريمة التزوير من المسائل المُتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع فى ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم ان يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى إستقلال مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ) .

(الطعن رقم ١٧٧٧ لسنة ٣٨ قضائية جلسة ١٣١١٩٦٩ }

وفى شأن إثبات التزوير قضت محكمة النقض انه { لم يُـعين القانون للمحاكم الجنائية طُـرقا مخصوصه للإستدلال لابد منه ـ فلم يُوجب عليها تعيين خُبراء لكشف أمر واضح لديها بل جعل للقاضى مُطلق الحرية فى أن يُـقرر بنفسه الحقيقة التى يقتنع بها إستمداداً من الأدلة المُقدمة فى الدعوى ما دام لقضاء وجه محتمل).

(نقض جلسة ٢١٣١٩٦٩ المكتب الفنى س ١٩ رقم ٢١١ص١٠٤٢)

ومما أورده الفقه الجنائى عن الإشتراك فى جريمة التزوير

{ فإذا كان الشارع المصرى قد فصل جريمة التزوير عن الإستعمال فجعل لكل منهما جريمة قائمة بذاتها ويترتب على هذا الفصل بين التزوير والإستعمال أن مرتكب التزوير يُعاقب ولو لم يستعمل الورقه المزورة وأن من يستعمل الورقه المزوره يعاقب على فعله ولو لم يرتكب تزويراً أو يشترك فيه ـ فإذا كان من ساهم فى التزوير هو الذى إستعمل الورقه المزورة فإنه يكون مسئولاً عن الجريمتين وتوقع عليه عقوبه واحدة تطبيقاً لنص المادة 32 من قانون العقوبات هذه العقوبة هى عقوبة التزوير فيه أن لم تكن أشد من عقوبة الإستعمال فى بعض الصور فإنها تتساوى معها }

{الدكتور محمد مصطفى _قانون العقوبات القسم الخاص ص ١٧٧}

فقد اتجهت ارادته إلى تقديم مُحرر مُزور ودفع به إلى التعامل وذلك عن عِلم منه بان المحرر مزوراً على غير الحقيقة على أصحابه فضلاً عن توافر نيته إلى إستعماله وهو الذى يُشكل القصد الجنائى وفقاً لتعبير محكمة النقض .

فقد قضت محكمة النقض بأن { إثبات الحكم مقارفة المتهم لجريمة التزوير بالمحرر يفيد حتماً توافر علمه بتزوير هذا المُحرر الذي اُسند إليه استعماله.

( الطعن رقم١٧٤٤ لسنة ٣٧ قضائيةجلسة ١٢١٣_١٩٦٧ )

كما قضت محكمة النقض بأنه {تحدث الحكم صراحة عن كل ركن من أركان جريمة التزوير . غير لازم . مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه}

( الطعن رقم١١٥٦٢ لسنة ٦ ق- جلسة ٢٥٣١٩٩٨)

كما قضت محكمة النقض فى شأن الرُكن المعنوى وهو القصد الجنائى فى جريمة التزوير بأن القصد الجنائى فى جريمة التزوير . رهن بتعمد الجنائى التداخل بنشاطه فى نشاط الفاعل . التحدث صراحة وإستقلالاً عن القصد الجنائى فى جريمة التزوير . غير لازم

القاعدة:
لما كان ما أورده الحكم أن الطاعن ساهم بالإتفاق والمساعدة فى تزوير بيانات المحرر الرسمى بأن إتفق مع الفاعل وأمده بالبيانات وإستعمل المحرر فيما زور من أجله بأن قدمه محاميه فى حضورة بالجلسة فإنه لا يكون ملزماً بالتدليل على إستقلال على توافر القصد الجنائى لدى الطاعن مادام أن إثبات وقوع الإشتراك فى التزوير منه يلزم عنه أن يتوافر فى حقه ركن العلم بتزوير المحرر الذى أسند إليه الإشتراك فى تزويره وإستعماله ومع ذلك فإن الحكم قد أفاض فى الحديث عن توافر القصد الجنائى فى حق الطاعن ودلل عليه تدليلاً سائغاً ومقبولاً والمحكمة غير ملزمة من بعد بتعقب الطاعن فى كل جزئية يثيرها فى مناحى دفاعه الموضوعى إذ فى إطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الإعتبارات التى ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها ويضحى النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد .
(المادتان 211 ، 215 عقوبات)
( الطعن رقم ١٨٩ لسنة٦٥ ق-جلسة٢٣١١٩٩٧ )

كما قضت محكمة النقض بأنه {إن القانون لم يرسم لجريمة التزوير أو إستعمال المحرر المزور طريقة إثبات خاصة يتعين على المحاكم الجنائية انتهاجها وانما العبرة فى اثباتها بما تطمئن إليه المحكمة من الادلة السائغة .
( المواد ٢١٢ و٢١٤ و٢١٥ عقوبات )
( الطعن رقم ٥٦٧٣ لسنة ٥٩ قضائية جلسة ١٢ ٤١٩٩٢ )

وقد تحدثت محكمة النقض عن الباعث على جريمة التزوير وقد هدمت النعي بإنتفاء الباعث على إرتكاب الجريمة بما لا يؤثر على قيامها فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن
الباعث علي الجريمة ليس من أركانها . ولا عبرة به في المسئولية حيث جرى قضاء النقض على أن

{لما كان ما ذهب اليه الطاعن من أن أحدا من الشهود لم يقل بتزوير الأوراق التي قدمت لاستخراج جوازي السفر ، ومن ثم فينتفي الباعث علي ارتكاب الجريمة مردود بأن الباعث علي الجريمة لا يؤثر في قيامها وليس ركنا من أركانها ولا عبرة به في المسئولية ، ومن ثم فان النعي في هذا الشأن . يكون غير سديد _ المادة ٢١٥ عقوبات }
( الطعن رقم٨٢٥٠ لسنة ٥٨ قضائية جلسة ١٤١١٩٩٠ )
( الطعن رقم٧١٢١ لسنة ٥٨ قضائية جلسة ٢٢٢١٩٩٠ )
( الطعن رقم ٧٨٩٥ لسنة ٦٠ قضائية جلسة ٣١١١٩٩١ )

فى شأن الإشتراك فى جريمة التزوير والتدليل عليه فقد أشارت محكمة النقض إلى ذلك بأن الإشتراك فى التزوير . التدليل عليه بأدلة مادية محسوسة . غير لازم . كفاية استخلاصه من ظروف الدعوى وملابساتها.

فقد أوردت محكمة النقض فى قضائها أن { لما كان الاشتراك فى التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم فإنه يكفى أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم }.

( المادة ٣٠٢ من قانون الاجراءات الجنائية )
{ الطعن رقم١٤٦٠٦٠ لسنة ٦٦ قضائية جلسة ٢٠٧_١٩٩٨ }

كما قضت محكمة النقض أيضاً فى شأن الإشتراك بانة ( والاشتراك فى التزوير يفيد علم التهم بالاشتراك بان الورقة التي يستعملها مزورة ومن ثم فلا يعيب الحكم عدم تحدثه عن ركن العلم فى جريمة استعمال الورقة المزورة بالنسبة للمشترك فى تزويرها}

( الطعن رقم١٨٤ لسنة ٣٩ قضائية_ جلسة ٨١٢١٩٦٩ )

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى