بقلم أشرف إسماعيل

اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر مثار الجدل الاعلامى مؤخراً إنما تحتاج لبحث من زوايا عديدة أولها .. أن أية اتفاقيات تمس السيادة واراضى الدولة لايملك الرئيس وحده التصرف فيها بل لابد من عرض الامر على البرلمان طبقاً للدستور والذى تنص المادة الأولى منه ( جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة, موحدة لا تقبل التجزئة, ولا ينزل عن شيء منها) .. المادة الر ابعة منه (السيادة للشعب وحده, يمارسها ويحميها ) .. كما وتنص المادة 139 (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة, ورئيس السلطة التنفيذية, يرعي مصالح الشعب ويحافظ علي استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها ) .. والمادة 151 ( يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية, ويبرم المعاهدات, ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب, وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور.

ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء علي معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. .. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور, أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.) وكما هو واضح من الفقر ة الأخيرة من تلك المادة ( وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور, أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.) إستحالة إنفاذ التنازل عن مجرد جزء من أراضى الدولة ومن بعد اقرار الدستور من أى ممثل للدولة سواء الرئيس ولاحتى البرلمان ذاته .. ولو عدنا للمادة الأولى أن سيادة الدولة لاتقبل التجزئة ولاينزل عن شىء منه .. وهذا يعنى انه حتى على البرلمان نفسه وهو ممثل الشعب ألا ينزل عن شىء من سيادة الدولة والا كان نزوله غير دستورى .. ومن ثم الشعب هو حامى سيادته بمؤسساته وقوته المسلحة وهكذا قد فوض عنه كل من اعطاهم تفويض امره من رئيس وبرلمان ووزراء فى ان يحترموا جميعهم سيادة الدولة وسلامة اراضيها فى يمين دستورى يقسمون عليه فى لحظة توليهم لمهامهم الرسمية يبات مخالفته خيانة عظمى للأمة والوطن.. لذا من يقول ان الرئيس بمكنته احالة امر كهذا الى البرلمان الذى يمكنه ان يقرر فهذا لغو لايمت للدستور بصلة كون الدستور هو العقد الاجتماعى الاسمى والاعلى من اية اجتهادات حتى ولو شكلت قوانين بعد ذلك اذ تبات فى مجملها غير دستورية .. ومن ثم فحدود البلاد والتى تسلمها الرئيس وتسلمها البرلمان هى امانة دستورية يمتنع مناقشتها الا لدى صاحب السيادة الأصيل وهو الشعب وطبقاً للمادة الرابعة السالفة من الدستور لذا ومنذ اثارة خبر مرسى وانه سيتنازل عن دارفور او حتى جزء من سيناء الاولى للسودان والثانية لاجل حل فلسطين لصالح غزة .. أو حتى اخبار كهكذا من بعدها انا لاأصدقها كون هناك دستور يجعل من الشعب ذاته صاحب السيادة الأصيل ولايمكن لمن فوضهم عنه الشعب دستورياً أن يعبثوا بمضامين الدستور لذا كل تلك الأخبار لاأعطيها واقعياً أدنى إهتمام كون الشعب هو صاحب القول الفصل بالنهاية وهو لايفرط فى سيادته ولا بحبة رمل من ارضه او نقطة مياه من مياهه الاقليمية الا على جثامين أبنائه وهذا كلام نهائى لايقبل الطعن فيه ولا الإجتهاد كون الدستور ميثاق واليمين الدستورية قسَم مخالفتهما خيانة عظمى كما قدمنا ..لذا سأقتصر على مناقشة شائعة عزم الادارة المصرية اعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وهو طلب سعودى قديم تدعى السعودية ان الجزيرتين تيران وصنافير تدخلان فى مياهها الاقليمية والغريب ان اخبارنا الإعلامية تؤكد ان الترسيم بالبحث أثبت وقوعهما فى مياه السعودية الإقليمى وبمنتهى السهولة وكأننا نتناول بحث أحقية أم محمد فى منزل جارتها ام على – لاشك هذا تهريج إعلامى وصخب سياسى غير مقبول كون الأمر أخطر ألف مرة من هذا ولايمكن التسليم به بسهولة بموجب قرار حتى ولو كان رئاسياً بل حتى ولو كان صائباً لايجافيه الصواب ..
لذا ولمناقشة الأمر للجزيرتين لن أتناولهما من زاوية القانون الدستورى كون الأمر فيه مغلق .. وماكان مغلقاً دستورياً هو لابد وأن يكون مغلقاً سياسياً .. لكن سأتماشى جدلاً مع قبول الأمر كى أناقشه ليس من باب القبول الحقيقى للكارثة .. فأتساءل وفى ضوء التكتلات الإقليمية السياسية بين القوى الإقليمية ذوات الإستراتيجيات المناوئة .. فنرى تركيا تتحالف واسرائيل بينما فمصرمع السعودية بينما فدول مجلس التعاون الخليجى كذلك يتحالفون مع الأمريكان .. كل هذا بالمباشر أما بغير المباشر فكل تلك الدول تحالفهم واحد بمفهوم المخالفة إذ مادامت اسرائيل تتحالف مع تركيا واسرائيل إبنة أمريكا المدللة وحليفتها الأقوى فسيكون الأتراك بغير المباشر حلفاء الأمريكان .. ومادام الأمريكان باتوا حلفاء دول مجلس التعاون الخليجى ومن بين دول المجلس السعودية بينما فمصر حليف استراتيجى للسعودية فتبات مصر حليف للأمريكان والسعودية حليف لتركيا واسرائيل بغير مباشر – يعنى من الآخر كله فى كله إخوان – ولايحتاج الامر تكذيب الإستدلال المنطقى هذا حتى ولو تبدَّى المشهد على غير هذا بأن هناك تهديد اسرائيلى لاقامة الجسر بأن اسرائيل تعتبره تهديد عسكرى لها كونه يمثل خرقاً – على حد قولها لاتفاقية كامب دايفيد كون الجزيرتين تيران وصنافير هما ضمن المنطقة ج والتى هى تحت يد قوات حفظ السلام بموجب الإتفاقية المصرية الإسرائيلية ويمثل تمرير جسر عبرهما بين مصر والسعودية تهديداً لمصالح اسرائيل وهو ذات مبررها من قبل إبان عهد مبارك ساعة اعترضت على ذات الفكرة المعروضة على الجانب المصرى من الملك عبدالله بحجة ساعتها أن الجسر من شأنه سيمثل تهديداً لمصالح اسرائيل اذ مثل هذا المشروع سيؤثر بشكل سلبى على الممر البحرى فى مضيق “تيران”. فهل اسرائيل اليوم قد أبدت تفاهمها بخصوصه وماالثمن ؟! .. ولو كانت أبدت تفاهمها فماسر الصياح بالرفض الآن لأن تبدو شاجبة للجسر بينما هى قد تكون فى حقيقتها قد قبلت به والا لما كان الإتفاق على اقامة الجسر قد أخذ وضع القرار غير قابل للمناقشة وقد تم الإعلان عنه رسمياً بل واطلق الرئيسان اسم الملك سالمان عليه وماكان للبلدين مصر والسعودية اعلان مثل هذا المشروع الضخم الا اذا وافقت تل أبيب خاصة وأن كلفته ستتجاوز اربعة مليارات دولار وعلى مدى سبع سنوات ؟!
السؤال الثانى على إفتراض أن مصر وضمن حساباتها هى والمملكة السعودية فى ضوء رؤية استراتيجية واحدة قد قررتا إقامة هذا الجسر وهما تعلمان أن الجزيرتين مادامتا مصريتين فهما سترتبطان بطرف ثالث ورابع هما اسرائيل وراعية الاتفاقية المصرية الإسرائيلية دولة امريكا كونهما ضمن المنطقة ج كما قلنا .. فلماذا وبرغم هذا قد أعلنتا الدولتان عزمهما ومن دون تراجع عن المشروع وكأن الأمر قد بات محسوماً ولا صلة لتل أبيب به ؟! .. هنا فى نظرى لايمكن قبول هذا التصور الا فى حالة واحدة ان ان تعلن مصر أن الجزيرتين هما تقعان فى المياه الإقليمية السعودية وضمن حدودها وبذا لايمكن لاسرائيل التحرش بالجسر من باب اتفاقية كامب دايفيد خاصة وأن الجزيرتين سواء كانتا للسعودية أو لمصر فستكونا محل اقامة الجسر عبرهما لذا لاضرر للبلدين من الإعتراف الإيجابى أو السلبى بملكيتيهما فيهما .. والسؤال لو كان هذا بغير علم إسرائيل وموافقتها هل هو بعيد عن تصور شياطين تل أبيب .. وهل غير وارد ألا تضرب اسرائيل مستقبلاً الجسر .. السؤال الأخطر الوارد هنا .. لماذا الإصرار على أن يكون الجسر علوياً ولا يكون حسب التصور اليابانى فى صورة نفق هو الأقصر مسافة والأقل كلفة ووقت انشاء خاصة أنه لن يستتبعه كل تلك المخاوف من كافة الأطراف على خلاف الجسر العلوى ؟!

أعتقد أن مصلحة السعودية اليوم وفى ظل تغير الأدوات الإقليمية وسط تهديد لباب المندب بات مثار مخاوف من احتمالية تبدل السيطرة على البوغاز البحرى هذا بمايهدد مصالحها مستقبلاً خاصة وقد استشرفت عدم مقدرتها على ضمان التواجد الأقوى باليمن على غير ماكانت تتوقع فقط كان لازماً إختراع المتنفس البديل منها للعالم وعبر مصر وعبر هذا الجسر وحتى لو كان الثمن تغيير الطابع السياحى الهادىء لمدينة شرم الشيخ محل مخاوف مبارك من قبل وقد رفض المشروع ذاته من قبل وعلى ذات الأساس ..

أعتقد أن هناك ألف علامة استفهام سياسية هى غير اضحة الإجابات الا فى ضوء تقارير واضحة لكن تبقى الأسئلة الأعظم فرضاً .. هل تتوازى مصلحة مصر مع مصلحة السعودية من وراء اقامة الجسر ؟! .. وأى المصلحتين أعظم ومامقابل هذا الهامش من المصلحة قد قدمته السعودية لمصر . والسؤال الثانى : ما الثمن الذى سيحققه الرئيس لمصر سيكون أعظم من هامش تحمله ارتباك الثقة الشعبية بادارته فى ظل استغلال مناوئيه السياسيين كالراديكاليين واليسار الثورى وقد بدوا وكأنهم يدافعون عن مصالح مصر وأراضيها بينما الرئيس أبدى موافقته على اعادة ترسيم الحدود ليشككون فى مصداقية الرئيس من بعد وسط حرب مصالح سياسية غير نظيفة قبالته ؟! .. وكيف الرئيس يتحمل فى هذا التوقيت تحديداً المزدحم بالعديد من الأسئلة والألغاز الموازية أن يضع نفسه موضع تناول بالتحليل على وتر السيادة تحديداً وهو الأخطر وقد أسقط مرسى من قبل على أجنحة التخوينات الإعلامية.. ؟!
أعتقد أن السياسة تتعلق بأمر الجسر أكثر منها دستورياً .. فهل الشعب سيميل لأى الرؤى ؟! .. هذا ماسيبين فى الأيام القليلة القادمة !!

 

 

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى