«النقض»: العبرة في الإثبات تكون باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه

 

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 38328 لسنة 73 القضائية، أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع قاضي الدعوى بناء على الأدلة المطروحة عليه فيها وهو يحكم بما يطمئن إليه من أى عنصر من عناصرها وظروفها المطروحة على بساط البحث ولا يصح مطالبته بدليل بعينه ولا بقرينة بذاتها ينص عليها، وإذ كانت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية عند قضائها بالبراءة لم تطمئن إلى تقرير فحص المقذوفات المستخرجة من أجساد المجنى عليهم وكذا تقرير خبراء الأدلة الجنائية وما أثبت بمعاينة النيابة العامة بشأنها، فإنه لا يجوز للنيابة الطاعنة – من بعد – المجادلة فى شيء من ذلك أمام محكمة النقض.

المحكمة

أولا: – عن الطعن المقدم من المدعين بالحقوق المدنية: –

من حيث إن الطاعنين – بصفاتهم – قد ادعوا مدنيا قبل المتهمين – المطعون ضدهم….. و….. و….. و….. و….. بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت بالتضامن فيما بينهم وآخرين، ومحكمة الجنايات قضت ببراءة الخمسة عن تهم القتل العمد مناط طلب التعويض بالنسبة لهم، وبرفض الدعوى المدنية المقامة ضدهم عنها، فطعن المدعون بالحقوق المدنية على هذا الحكم بطريق النقض.

لما كان ذلك، وكانت المادة 266 من قانون الإجراءات الجنائية تقضى بأن يتبع فى الفصل فى الدعاوى المدنية التى ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة فى قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن الدعاوى المدنية تخضع أمام القضاء الجنائى للقواعد المقررة فى مجموعة الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة والأحكام وطرق الطعن فيها، وكانت المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه: “.. تتبع أمام محكمة الجنايات جميع الأحكام المقررة فى الجنح والمخالفات ما لم ينص على خلاف ذلك”.

ولما كانت المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت للمدعى بالحقوق المدنية أن يستأنف الحكم الصادر فى الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية للدعوى الجنائية فيما يختص بحقوقه المدنية وحدها إذا كانت التعويضات المطالب بها تزيد على النصاب الذى يحكم فيه القاضى الجزئى انتهائيا، وكانت هذه القاعدة تسرى ولو وصف التعويض المطالب به بأنه مؤقت فلا يجوز للمدعى المدنى أن يستأنف الحكم الصادر ضده من المحكمة الجزئية متى كان التعويض المطالب به لا يزيد عن النصاب الانتهائى للقاضى الجزئى وبالتالى لا يكون له حق الطعن فى هذه الحالة بطريق النقض.

لما كان ذلك، وكان البين من استقراء النصوص المتقدمة – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن مراد المشرع بما نص عليه فى المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية فى باب الاستئناف من أن شرط جواز الطعن فى الأحكام الصادرة فى الدعوى المدنية من المدعى بالحقوق المدنية هو تجاوز التعويض المطالب به حد النصاب النهائى للقاضى الجزئى ولو وصف هذا التعويض بأنه مؤقت – قد انصرف إلى وضع قاعدة تسرى على كافة طرق الطعن فيمتد أثرها إلى الطعن بالنقض.

إذ لا يقبل أن يكون فى الوقت الذى أُوصد فيه باب الطعن بالاستئناف فى هذه الأحكام الصادرة من محكمة الجنح لقلة النصاب أن يترك الباب مفتوحًا للطعن فيها بالنقض، وسوى فى ذلك بين الأحكام الصادرة من محكمة الجنح ومحكمة الجنايات، إذ القول بغير ذلك يؤدى إلى مغايرة فى الحكم فى ذات المسألة الواحدة بغير مبرر وهو ما يتنزه عنه المشرع ويخرج عن مقصده، فلا يتصور أن يكون الحكم فى الدعوى المدنية الصادر من محكمة الجنح غير جائز الطعن فيه بالنقض لقلة النصاب، ويكون فى ذات الوقت قابلاً لهذا الطعن لمجرد صدوره من محكمة الجنايات رغم أن ضمان العدالة فيها أكثر توافرًا.

لما كان ذلك، وكان الطاعنون فى دعواهم المدنية أمام محكمة الجنايات قد طالبوا بتعويض قدره خمسمائة وواحد جنيه وهو بهذه المثابة لا يجاوز النصاب الانتهائى للقاضى الجزئى الذى أصبح طبقًا للقانون رقم 18 لسنة 1999 ألفى جنيه فإن طعنهم فى هذا الحكم بطريق النقض لا يكون جائزًا.

هذا فضلاً عن أن المدعين بالحقوق المدنية – الطاعنون – قد طلبوا القضاء لهم بتعويض مؤقت قدره خمسمائة وواحد جنيه قبل المتهمين وقد قضى لهم الحكم المطعون فيه بإلزام المتهمين – المقضى بإدانتهم عن جريمة القتل العمد المنسوبة إليهم – بأن يؤدوا لكل منهم هذا المبلغ كاملاً. لما كان ذلك، وكان ليس ثمة ما يمنع قانونًا من إلزام متهم واحد بتعويض كل الضرر الناشئ عن ارتكابه جريمة ولو ارتكبها مع غيره، ومن ثم فلا يجوز للطاعنين الطعن على الحكم لانتفاء المصلحة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن ومصادرة الكفالة.

ثانيًا: عن الطعن المقدم من النيابة العامة: بالنسبة للمحكوم عليهما غيابيًا….. و…..

حيث إن الحكم المطعون فيه وإن صدر غيابيًا ببراءة المتهمين العاشر والحادى عشر – مطعون ضدهما – إلا أنه لما كانت المادة 33 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد أجازت للنيابة العامة فيما يختص بالدعوى الجنائية الطعن بطريق النقض فى الحكم الصادر من محكمة الجنايات فى غيبة المتهم بجناية، فإن طعنها يكون جائزًا.

وحيث إن طعن النيابة العامة فى أحكام البراءة – كلية وجزئية – بالنسبة لجميع المتهمين – المطعون ضدهم – قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.

وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم – كليًا أو جزئيًا – مما أسند إليهم قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه لم يحط بالدعوى عن بصر وبصيرة إذ اطرح أقوال شهود السيارة الفورد بأسباب لا تكفى ولا تسوغ استنادًا لتأخرهم فى الإبلاغ عن الواقعة وتناقضهم فى شأن كيفية استدعائهم ولتعارض أقوال الضابطين…..، و…. فى هذا الخصوص، واستند فى براءة المتهمين…..،…..، و….. – كلية عما أسند إليهم – على اطراحه للتحريات لجهالة مصدرها ولكونها ترديدًا لشهادة شهود السيارة الفورد وهو ما لا يكفى لاطراحها، ولم يطمئن لأقوال الشهود التى تفيد أن….. هو المحرض والمخطط للحادث بما يدل على أنه لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها.

واعتنق تصويرًا للواقعة يخالف الثابت بالأوراق بشأن كيفية التخطيط لها وإعداد الأكمنة وعلم الجناة بمرور المجنى عليهم، واجتزأ من اعتراف المتهم….. بارتكابه للواقعة إقراره باشتراك كل من…. و…. و…. و….. و….. فى الإجهاز على ركاب السيارة البيجو، وأهدر ما أثبت بمعاينة النيابة وبتقرير خبراء الأدلة الجنائية من العثور على فوارغ لطلقات بمكان الحادث ثبت أن بعضها قد أطلق من الأسلحة المنسوبة للمتهمين المقضى ببراءتهم من تهم القتل العمد والشروع فيه والإتلاف العمدى.

وأغفل الحكم دلالة ما ورد بتقرير فحص المقذوفات الذى انتهى إلى أن المقذوف المستخرج من جثة المجنى عليه….. أطلق من سلاح المتهم….. وأن المقذوف المستخرج من جثة المجنى عليه….. أطلق من سلاح…..، واطرح الحكم الدليل الفنى المستمد من تقارير المعمل الجنائى القاطع بمشاركة المتهمين المقضى ببراءتهم بما لا يسوغ به اطراحه، واستند فى قضائه ببراءة….. إلى أنه غادر القرية عندما عجز عن كبح جماح المتهمين وإثنائهم عن عزمهم اقتراف الواقعة وهو ما يخالف الثابت بالأوراق، ونقل عن شهادة العميد….. ما يخالف الثابت بها بشأن إحصائه لعدد مطلقى الأعيرة النارية صوب كل سيارة. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن عرض لواقعة الدعوى كما صورها الاتهام وأشار إلى أدلته فيها ومن بينها أقوال الشهود قدم لما قضى به من براءة المطعون ضدهم على أسباب حاصلها عدم اطمئنانه لأقوال شهود الواقعة الثلاثة الأول وركاب السيارة الفورد لعدم إدلائهم بها فى بداية سؤالهم ولتأخرهم فى الإبلاغ ولاختلاف شهادتهم.

ولعدم اطمئنانه لأقوال وشهادة الضباط…. و…. و…. لأن مصدرها الشهود المشار إليهم والتى تشككت المحكمة فى صدق شهادتهم فاستبعدتها، وإلى أنه لم يثبت أن المتهم….. هو المخطط والمدبر للحادث، وإطراحه أقوال الشهود والتحريات فى هذا الشأن، ولعدم اطمئنانه لتقارير المعامل الجنائية الخاصة بفحص الأسلحة لتعارضها مع مذكرة وكيل مصلحة الأدلة الجنائية.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى فى المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى تقضى بالبراءة ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفى فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة فى صحة عناصر الاتهام.

ولم تطمئن إلى أدلة الثبوت التى قدمتها النيابة فى الدعوى ولم تقتنع بها ورأتها غير صالحة للاستدلال بها على ثبوت الاتهام، وكانت المحكمة قد خلصت فى أسباب سائغة إلى ارتيابها فى أقوال الشهود وعدم الاطمئنان إليها – ورجحت دفاع المطعون ضدهم – على النحو المبين بمدونات الحكم – وهو ما يدخل فى سلطتها بغير معقب عليها من محكمة النقض، فإن ما تثيره الطاعنة فى هذا الخصوص ينحل فى حقيقته إلى جدل موضوعى لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أطرحت التحريات تأسيسًا على أنها مجهلة المصدر ولكونها مجرد قول لقائلها ولم يرد بالتحريات الأولى ذكر للمتهم….. بأنه المخطط والمدبر للواقعة وهو استنتاج سائغ تملكه محكمة الموضوع، لما هو مقرر من أن تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها لمحكمة الموضوع بغير معقب، فإن ما تثيره الطاعنة فى هذا الصدد يكون غير سديد.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من سائر العناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – ومن ثم لا يقبل من الطاعنة المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت ما تثيره الطاعنة من أن الحكم المطعون فيه قد اجتزأ من اعتراف المتهم…. إقراره باشتراك المطعون ضدهم…. و…. و….. و…. و…. فى الإجهاز على ركاب السيارة البيجو فإن ذلك لا يعيبه لما هو مقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة أى دليل ولو كان اعترافًا فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ومن ثم فإن ما تنعاه الطاعنة فى هذا الشأن لا يكون سديدًا.

لما كان ذلك، وكانت العبرة فى الإثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع قاضى الدعوى بناء على الأدلة المطروحة عليه فيها وهو يحكم بما يطمئن إليه من أى عنصر من عناصرها وظروفها المطروحة على بساط البحث ولا يصح مطالبته بدليل بعينه ولا بقرينة بذاتها ينص عليها، وإذ كانت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية عند قضائها بالبراءة لم تطمئن إلى تقرير فحص المقذوفات المستخرجة من أجساد المجنى عليهم وكذا تقرير خبراء الأدلة الجنائية وما أثبت بمعاينة النيابة العامة بشأنها، فإنه لا يجوز للنيابة الطاعنة – من بعد – المجادلة فى شيء من ذلك أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان من المقرر قانونًا أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه فى ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الطب الشرعى لفحص الأسلحة ولم تطمئن إلى تقارير المعمل الجنائى للأسباب السائغة التى أوردتها فى حكمها فأطرحتها فى حدود سلطتها التقديرية، فإن ما تثيره الطاعنة فى هذا الصدد لا يكون مقبولا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت إليها وكان ما تثيره الطاعنة فى أسباب طعنها بشأن أقوال تنسبها إلى الشهود خلافًا لما أثبته الحكم المطعون فيه، فإنه بفرض تردى الحكم فى هذا الخطأ – فإنه لا يمس جوهر الواقعة ولا أثر له فى منطقه أو النتيجة التى خلص إليها.

إذ من المقرر أنه لا يشترط فى شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع العناصر الأخرى المطروحة أمامها – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن النعى على الحكم بالخطأ فى الإسناد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.

محكمة النقض: الحق في الطعن جائز لكل من كان خصماً حقيقياً في النزاع

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى