الموافقة المستنيرة للمريض شرط لصحة العمل الطبي

بقلم الدكتورة / ريهام فتحي – دكتوراه في القانون الجنائي

مما لاشك فيه أن جسد الانسان يتمتع بحرمة نصت عليها الشريعة الإسلامية، كما اهتمت التشريعات الوضعية بحق الانسان فى سلامة جسده بأن جعلت المساس به جريمة يعاقب عليها القانون، وآية ذلك ما أكدته المادة 60 من الدستور المصرى التى نصت على أن “لجسد الانسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أى تجربة طبية أو عملية عليه بغير رضاه، الرضا الحر الموثوق وفقا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية على النحو الذى ينظمه القانون”.

ويتضح مما سبق أنه لإضفاء صفة المشروعية لمزاولة العمل الطبى وإباحته لا يجوز المساس بجسد المريض دون رضاه، فلا يجوز اجبار المريض على تلقى العلاج فى حال رفضه أو إجراء عمليات طبية دون موافقته حتى لو كان ذلك فى صالحه وأمر ضرورى للحفاظ على حياته طالما إنه رفض ذلك.

وتجدر الاشارة إلى أن المشرع لم يكتف باشتراط الرضا لصحة العمل الطبى، ولكنه اشترط الرضا الحر الموثوق وفقا للنحو الذى ينظمه القانون، وقد نظم قانون مزاولة مهنة الطب رقم 415 لسنة 1954 والمعدل فى 29 سبتمبر 2019 وكذلك لائحة مهنة الطب رقم 238 والصادرة فى 5 سبتمبر لسنة 2003 والمعدلة للائحة السابقة الصادرة عام 1974 والتى ألزم المشرع فيها الطبيب أن يوفر لمريضه المعلومات المتعلقة بحالته المرضية بطريقة مبسطة ومفهمومه، وأيضًا ما تضمنته اللائحة المذكورة من ضرورة الحصول على موافقة من المريض أو من ينوب عنه قبل التدخل الجراحى، حيث نص فى المادة (28) منها على أنه”… وفي حالات التدخل الجراحي أو شبه الجراحي يلزم الحصول على موافقة (مبنية على المعرفة ) من المريض أو  من ينوب عنه قانونا كتابة الا في دواعى انقاذ الحياة”

ومن استقراء النصوص السابقة نجد أن المشرع المصرى لم يشترط سوى موافقة المريض المبنية على المعرفة، أى أنه يكفى أن يقوم الطبيب بإحاطة المريض علمًا بالمعلومات المتعلقة بحالته المرضية بطريقة مبسطة دون تحديد أو الزام بمقدار المعلومات التى يتعين على الطبيب الافصاح عنها وطبيعتها.

إلا أن النظم القانونية الحديثة اتجهت إلى ابعد من ذلك، حيث اصبحت الموافقة بمعناها السابق وتوقيع المريض على نموذج الموافقة غير كافى لصحة الرضا الصادر عن المريض، حيث عنيت تلك الانظمة بأن يكون المريض لديه استقلالية فى تقرير مصيره، بأن اشترطت أن تكون الموافقة الصادرة عن المريض “موافقة مستنيرة” بحيث يكون على الطبيب إلتزام بمصارحة المريض أو الافصاح بطبيعة مرضه ومضاعفات امتناعه عن تلقى العلاج او إجراء العملية الجراحية كأحد متطلبات الحصول على الموافقة المستنيرة للمريض.

وهذا ما إتجه إليه المشرع الفرنسى فى المادة 35 من تقنين أخلاقيات مهنة الطب فى فرنسا الصادر بالمرسوم 1000 الصادر عام 1995، وما تضمنه قانون حقوق المرضى وجودة النظام الصحى الصادر فى 4 مارس 2002  وتأكيده على ضرورة تبصير المريض وإعلامه بشأن حالته الصحية، والفحوصات المختلفة، وكذلك إخباره بأعمال الوقاية المقترحة اللازمة والفائدة منها، ومخاطرها المتوقعة، وما إذا كان هناك حلول أخرى ممكنة، ونتائجها المتوقعة، وهو ذاته ما إتجه إليه المشرع الأمريكى حيث نص فى المادة الثانية من اعلان حقوق المرضى الصادر فى 17 نوفمبر 1972 على أن ” للمريض الحق فى أن يحصل من الطبيب على المعلومات الكاملة المتعلقة بالتشخيص والعلاج حتى تكون لديه القدرة على الفهم بشكل معقول، وعندما يجد الأطباء أن حالة المريض لا تسمح بتقديم تلك المعلومات له، يتعين إبلاغ الشخص الذى ينوب عنه”.

فمن البديهى ألا يكون الرضا الصادر عن المريض صحيحًا إلا إذا كان حرًا ومتبصرًا وصادر عن ذى أهلية، فإذا وقع المريض فى غلط أو تدليس أو اكراه فإن رضاؤه يتجرد من القيمة القانونية، وكذلك يجب أن يكون رضاء المريض مبنيًا على اساس من العلم المستنير بطبيعة ونوعية ومخاطر النتائج المحملة للعمل الطبى الذى ينصرف إليه رضاؤه وإلا كان الطبيب مسئولًا. ذلك أنه لايتسنى للمريض قبول أو رفض تحمل مخاطر العلاج إلا بعد تبصيره بحقيقة هذا العلاج ومدى ما ينطوى عليه من مخاطر.

وفى هذا الإطار أيضا، نجد أن من شروط صحة الرضا أن يصدر عمن هو اهل له، فالموافقة المستنيرة تتطلب من المريض القدرة على فهم تلك المعلومات وتقييمها حتى يتمكن من اتخاذ قرار واع مستنير، فمتى كان المريض بالغًا رشيدًا متمتعًا بكامل قواه العقلية، فإن رضاؤه المتبصر بالتدخل العلاجى أو الجراحى لا يثير مشكلة، انما تثور الإشكالية فى حال ما  إذا كان وضع المريض لايسمح له بإبداء ذلك الرضاء لكونه فى غيبوبه أو عديم الأهلية أو ناقصها، فإنه يلزم أن يصدر الرضاء بإجراء التدخل الطبى أو الجراحى ممن ينصبه القانون ممثلا له.

وفضلا على ذلك، فمن الضرورى أن ننوه إلى أن بعض التشريعات المقارنة اتجهت إلى تطوير المجال الطبى بأن تبنت مايسمى بوكيل الرعاية الصحية أو Health Care Proxy  فعلى سبيل المثال يسمح القانون الصادر عن وزارة الصحة بنيويورك بتعيين وكيل رعاية صحية  من خلاله يكون  للمريض الحق فى أن يقوم بتعيين شخص يثق به سواء فرد من العائلة أو شخص مقرب لديه من أجل اتخاذ قرارات الرعاية الصحية نيابة عن المريض إذا ما فقد القدرة على اتخاذ القرارات بنفسه وذلك عن طريق توكيل يسمى توكيل الرعاية الصحية مثل أن يكون المريض في حالة غيبوبة مزمنة، أو مصاب بنوع من الخرف أو مرض يزيله قدرة الشخص على التواصل بشكل فعال، أو أن يكون تحت التخدير عندما يلزم اتخاذ قرار سريع.

ومن هذا المنطلق، فإنه من الضرورة بمكان أن يتم إعادة النظر فى تشريعاتنا العربية فيما يتعلق بتعديل بعض قوانين مزاولة مهنة  الطب والعمل على مواكبة ما جاء بالتشريعات المقارنة والعمل على تنظيم العلاقة فيما بين الطبيب والمريض والنص صراحة على حق المريض فى إحاطته علمًا بحالته المرضية بشكل بسيط وواع ومستنير حتى يتمكن المريض من اتخاذ القرار المناسب وفق حالته الصحية فى ضوء تلك المعلومات، وايضا تبنى فكرة وكيل الرعاية الصحية وتنظيم ذلك الحق بحيث يكون للمريض الحق فى أن يعين شخص مقرب لا يشترط أن يكون من الأهل ولكن يكفى أن يكون جدير بالثقة يمكن له أن يتخذ القرارات نيابة عن المريض فى الحالات الحرجة أو حالة فقدان المريض القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة بسبب تأثير المرض عليه.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى