المعقولية بين آدم وحواء
من تراب الطريق (1102)
المعقولية بين آدم وحواء
نشر بجريدة المال الخميس 20/5/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
المعقولية أقوى وأظهر في عموم الرجال منها عند عموم النساء ـــ وهذا لم يمنع ولا يمنع من تفوق نساء في المعقولية على عموم الرجال، ولا من هبوط رجال في المعقولية عن عمـوم النسـاء ! فاختلاف المستويات الفردية لا يتوقف هنا أو هناك، ويفرز على الدوام نماذج متباينة تخترق العمومية وتـورى بأن إبداع وتفـوق الآدمـي الفرد لا يقف عند حد، ولا تحده قواعد عامة أو نواميس مفترضة !
فالناس لا تقيد ـــ هنا ــــ بالتفوق أو الهبوط، لأن التفوق موهبة والهبوط نقص في الخلقة، والمعتنقون للفوارق يعزون ذلك الفارق بين عموم النساء وعموم الرجال إلى أنه أنسب لدورهن الحيوي من حيث الحمل والولادة والإرضاع ورعاية الصغار والبيت والأطفال والأولاد، وهو دور طويل لـم يغمطـه الرجـال حقـه وفيه قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق.. وهذا الدور الطويل العريق جداً ملئ بمهام سلبية وإيجابية لها قيمة كونية كبرى تستدعى طول الصبر ــــ معقولاً أو غير معقول، وتستدعى الاعتياد على التكرار واحتمـال الأملال وعربدة غير العقلاء، فضلا عن تحمل مخاطر غير متوقعة يبرر تحملها أن تقع بآخرين !
هذا بينما قيمة تلك الأعمال بسالبها وموجبها، قيمة محدودة من حيث المعقولية والاعتياد على تنميتها، فضلاً عن أن طول العهد بتلك المهام وقوالبها بغير انقطاع منذ خلق الآدمـي إلـى الآن ـــ قد غرس في الإناث بعمق، اهتمامات لا تبالى بالمعقولية وصارت تميز جنسهن وينفردن بها أو كدن ينفردن عن عموم الرجال، كالالتفات والاهتمام المبالـغ فيه بجسـم الأنثى وقوامـه وأجزائـه وحركاته والتلويح بجماله أو بمفاتنه، والاهتمام بالزينة الخارجية فيه وفي إيقاعه وحركته، وفي درجات الصوت ومخارج الأصوات، وكالاندفـاع في الرضا وفي الغضب وكل ما يحتمل أن يسر أو يحزن، وكخلط السوابق والعواقب في الإحسان والإساءة، وكالإسـراع في الحكـم تعجـلاً بغير تثبت بل والاندفاع إلى تنفيذه، مع قدر ملحوظ من الميل إلى التقليد والمحاكاة، وإلى الغيرة التي لم تفلح تراكمات العلم والثقافة والحضارة في نزعها من صفحة وجدان معظم بنات حواء !
والمعقوليـة التي تقصدهـا وتومئ إليهـا هـذه الكلمـات، هـي « الفطنة » التي يلتزم بهـا البالـغ الرشيد التزامـاً أخلاقياً في كل ما يفعله أو يتركه وهو حر مختار، وإلاّ تعرض للملامـة أو المساءلة.. هذه « الفطنة » شيء غير الذكاء الذي يقصد به توقد جانب أو أكثر من جوانب الذهـن، وقد يكون الذكاء في الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والرشيد وغير الرشيد ـ ومـع ذلك لا نجـد في هذا الذكي أو ذاك وزناً أخلاقياً.. وقد يكون الذكي فطناً وقد لا يكون فطناً على الإطلاق !..
والمدارس والمعاهد الحالية قد تنمى الذكاء وتوسع المعلومات وتعطى على أساس ذلك الدرجات والشهادات، ولكن لا شأن لها بالفطنة أو بالمعقوليـة التي تعنيهـا هـذه الكلمـات.. بـل قد لا تلاحظ الفطنة أو المعقولية في المتفوقين، لأن الغايات مـن التعليم غايات نفعية بالدرجة الأولى في الغالب، تستهدف تحسين المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسعـي إلى الترقي بين الطبقات أو الفئات، ولا يقترن بالضرورة السعي للتعلم بالعناية بالتفطن وعناصره وغاياته !
وحين تضعف الفطنة، سـواء كـان هـذا الضعف في الإناث أو الرجـال، تميل بصاحبهـا إلـى استسهـال الخديعـة مـع النفس ومـع الغير، وتخفي ما تفكـر فيه وما تفعلـه مما يحرص الآدمي على ألاّ يعرفه الآخرون لأتفه الدواعي، بل لمجرد الأحلام والأوهام والخيال !..
لا تدرى الفطنة الضعيفة دور ووزن الواقع، ولا أبعاد الخيال في قيادة الحياة المشوشة الخالية من أي تماسك لخلوها من كل الارتباطات الثابتة الوثيقة ! تقفز إلى أبعد النتائج وأخطـرها قفـز العصافير بلا أي ترددٍ أو تـروِّ أو تحرِّ، ولا تتحقق في قفزها من وجـود أساس صلب لمـا طـارت إليه بدافع النزق أو لفت الأنظار أو الغيرة أو الحسد أو الغضب أو مجرد إساءة الظن والرغبة في الاتهام !
تندفـع الفطنة القاصـرة أو الضعيفة إلـى تصديـق ما تستقر به النفس أو تشتهيه، وما تردده الألسن أو تطالعه الأبصار أو القراءات بغير تمحيص ولا تدقيق !.. لا تبالى بترديده أو إعادته مع إضافة ما تتصور النفس ضعيفة الفطنة أنه يزيده قبولاً لدى السامعين، أو يزيد الإعجاب بسعـة الإحاطـة والاطـلاع الذي تعرض به الروايات المرددة.. وفيما يبدو فإن هؤلاء أكثر ولعاً بالكلام والترديد والإسهاب فيه من غالبية الرجال، مع ميل إلى الحكايات والشائعات والسير والوصفات والروايات، لأن هـذا كلـه نحـل خيال الآدمي في أحلامـه منذ الدهـر الأول.. هـذه المادة كانت ولا تزال « الحاضنة » غير الظاهرة ـ لمعتقدات ومصدقات وعادات الإنسان في حياته وأساطيره وبدعه ومراسمه ومواسمه !.. عبر تاريخ البشر منذ بداية الخليقة إلى اليوم !!
