المحكمة المفتوحة (Open Court)

الدكتور أحمد عبد الظاهر –  أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

مقدمة

شاع مؤخراً لدى المنظمات والمؤسسات السياسية الدولية استخدام مصطلح «الحكومة المفتوحة». وهذا المصطلح هو الترجمة الحرفية للمصطلح الإنجليزي (Open Government). وتُعرّف «الحكومة المفتوحة» على أنها حكومة فعالة وكفؤة في أداء واجباتها وتتسم أعمالها بالشفافية؛ وهي حكومة تستجيب لاحتياجات مواطنيها، وتثمّن مشاركتهم وخبرتهم ومعرفتهم في صنع القرار؛ كما أنها حكومة شاملة ويمكن لجميع المواطنين الوصول إلى خدماتها، وتعتمد على التكنولوجيات المتقدمة لتعزيز الحوكمة وتقديم الخدمات.

 

وفي الحقيقة لا يوجد تعريف واحد للحكومة المفتوحة في الأدبيات والمراجع المتعلقة بالموضوع، إذ إن معنى هذا المصطلح والمفاهيم المرتبطة به غير ثابتة وهي تمرّ بتحوّل مستمر، إلا أننا نلحظ أن جميع تلك التعريفات تُجمع على أن تحسين الشفافية والمساءلة وتفعيل مشاركة المواطنين في صنع القرار هي الأهداف الأساسية للحكومة المفتوحة. تعتمد الحكومة المفتوحة على مبدأَي الانفتاح والتشاركية وعلى حق كل مواطن في الوصول إلى المعلومات، وهو أحد الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويشير المبدأ الأول المتمثل في الانفتاح إلى إتاحة ونشر البيانات المتوفرة لدى الحكومة للمواطنين ولجميع أصحاب المصلحة. أما المبدأ الثاني: التشاركية فيهدف إلى زيادة التفاعل والتعاون بين الحكومة والمواطنين من أجل إشراك المواطنين في صنع القرارات وتحسين الخدمات المقدمة لهم. وفي عصرنا الحالي، تعدّ التقنيات الحديثة فرصة ممتازة تمكّننا من دعم تطبيق الحكومة المفتوحة وفق أُطر عمل ونماذج تعتمد على البيانات المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات التعاونية، والإشراك المفتوح، والابتكار المفتوح.

 

وفيما يتعلق بمرفق القضاء، على وجه الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن المبدأ المقرر في دول العائلة الأنجلوسكسونية أو دول القانون العام هو «العدالة المفتوحة»، وهو مبدأ أعم وأشمل من «علنية الجلسات»، ومفاده أن الإجراءات القضائية يجب أن تكون مفتوحة ومتاحة للجمهور، بما في ذلك محتويات ملفات المحكمة والعرض العام للمحاكمات. ويمكن اعتبار مبدأ «العدالة المفتوحة» أحد تطبيقات مبادرة «الحكومة المفتوحة» (Open Government Partnership) التي تم إطلاقها في العام 2011م كمنصة دولية هادفة إلى جعل الحكومات أكثر شفافية، وأكثر خضوعاً للمساءلة، وأكثر تفاعلية مع المواطنين (راجع: د. أحمد عبد الظاهر، محاكم المستقبل.. العدالة المفتوحة، جريدة الوطن، القاهرة، نافذة رأي، الثلاثاء الموافق 7 مايو 2019م).

 

وادراكاً منا لأهمية وضرورة أن تكون المحاكم مفتوحة، ارتأينا من الملائم أن نحاول الوقوف على مدى تطبيق النظم القضائية العربية لهذا المفهوم، وإبراز المبادرات الرائدة على مستوى الشرق الأوسط والعالم أجمع في هذا الشـأن، وذلك من خلال العرض التالي:

المطلب الأول: مبدأ علانية الجلسات.

المطلب الثاني: البث الصوتي المرئي لجلسات المحاكم.

المطلب الثالث: نشر الأحكام القضائية.

المطلب الرابع: مشاركة المواطنين في صنع القرار.

المطلب الخامس: مشاركة أعوان العدالة في صنع القرار.

المطلب السادس: تعهيد بعض الخدمات والوظائف المعاونة.

 

المطلب الأول

مبدأ علانية الجلسات

 

تعلمنا في سنوات الدراسة بكليات الحقوق أن «علانية الجلسات» هو أحد المبادئ العامة الحاكمة للنظام القضائي. وينال هذا المبدأ قيمة دستورية. فقد ورد النص على هذا المبدأ في المادة 187 من الدستور المصري الحالي لعام 2014م، بنصها على أن «جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النص بالحكم في جلسة علنية». وقد ورد النص على هذا المبدأ في الدساتير المصرية السابقة على 2014م. كذلك، تقرر معظم الدساتير العربية مبدأ علنية الجلسات، كما هو الشأن في الفصل 123 من الدستور المغربي لسنة 2011م والفصل 108 الفقرة الثالثة من الدستور التونسي لعام 2014م. ومن هنا، جاء الحديث عن «الحق في محاكمة علنية» كأحد الحقوق الدستورية.

 

وإذا كانت بعض الدساتير العربية قد وردت خلواً من النص على مبدأ علانية الجلسات، فإن التشريعات المنظمة للسلطة القضائية والتشريعات المنظمة لإجراءات التقاضي وتشريعات الإجراءات الجنائية تحرص على تقرير هذا المبدأ، الأمر الذي يبدو سائغاً معه القول إن مبدأ علانية الجلسات هو أحد المبادئ العامة للقانون المعترف بها من قبل الأمم المتمدينة أو الأمم المتحضرة، على حد وصف النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، ورد النص على مبدأ علانية الجلسات في التشريعات المنظمة للسلطة القضائية وفي التشريعات المنظمة لإجراءات التقاضي والمحاكمات الجنائية. بيان ذلك أنه، وطبقاً للمادة السادسة والعشرين البند الأول من المرسوم بقانون اتحادي رقم (32) لسنة 2022 في شأن السلطة القضائية الاتحادية، «جلسات المحاكم علنية إلا إذا نص القانون أو رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب النيابة العامة أو أحد الخصوم أن تكون سرية بهدف المحافظة على النظام العام أو الآداب العامة أو مراعاة لحرمة الحياة الخاصة، ويكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية». وعلى المستوى المحلي، ووفقاً للمادة الثالثة عشرة من القانون رقم (23) لسنة 2006 بشأن دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي، «جلسات المحاكم علنية، ما لم ينص التشريع على غير ذلك، أو تأمر المحكمة من تلقاء نفسها، أو بناءً على طلب الخصوم بسرية الجلسة للمحافظة على النظام العام، أو مراعاة للآداب العامة، أو لحرمة الأسرة، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية».

 

وفيما يتعلق بالدعاوى المدنية، على وجه الخصوص، وطبقاً للمادة التاسعة والسبعين من قانون الإجراءات المدنية، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022م، «باستثناء دعاوى الأحوال الشخصية والتركات، تكون المرافعة علنية إلا إذا نصت القوانين السارية في الدولة على خلاف ذلك أو رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم إجراءها سرها محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة».

 

وفيما يتعلق بالمحاكمات الجنائية، وتحت عنوان «علنية الجلسات وسريتها»، وطبقاً للمادة (162) من قانون الإجراءات الجزائية، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (38) لسنة 2022م، «1. يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام، أو محافظة على النظام العام، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو أن تمنع فئات معينة من الحضور فيها. 2. تكون الجلسات سرية في الجرائم الواقعة على العرض وفي الأحوال الأخرى التي ينص القانون عليها». وتحت عنوان «علنية الحكم»، ووفقاً للمادة (211) البند الأول من قانون الإجراءات الجزائية، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (38) لسنة 2022م، «يصدر الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسة سرية ويجب إثباته في محضر الجلسة وأن يوقعه رئيس المحكمة والكاتب».

 

وفي القانون المقارن، تجدر الإشارة إلى أنه قد ورد النص على المبدأ ذاته في المادتين 448 و451 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي.

 

وغني عن البيان أنه من خلال علانية الجلسات تتضح لأطراف الخصومة حقوقهم والتزاماتهم في المحاكمة الجارية لاستخدامها لضمان محاكمة قانونية منصفة. فلهذه العلانية قيمة أساسية تسهم في ضمان حياد الذين أناط بهم القانون مهمة القضاء في الدعوى، وتكفل للمواطنين وسيلة التحقق من ضمانات المحاكمة التي بدونها تفقد طابعها القانوني أو المنصف. وبعبارة أخرى، فإن الطابع العلني لإجراءات المحاكمة هو وسيلة الرقابة الحالة لفاعلية العدالة. وفي هذا الصدد، قال أحد الفقهاء الانجليز إن القضاة الانجليز كانوا أفضل قضاة العالم، لأنهم كانوا أفضل الخاضعين للعلانية. وقد قيل كذلك إن علانية الإجراءات القضائية تخول المواطنين وسيلة التحقق مباشرة أو بواسطة الصحافة من توافر الشروط التي تتم فيها مباشرة القضاء باسمهم، وأن هذا الضمان يتجاوز إلى حد كبير الضمانات المخولة لأطراف الدعوى. وقيل أيضاً إن العلانية هي ضمان عدم الشك في حياد القضاة بواسطة الجمهور (راجع: أستاذنا الدكتور أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 1420ه – 2000م، رقم 278، ص 753 و754).

 

ومع ذلك، ورغم الأهمية البالغة لمبدأ علانية الجلسات، ورغم تمتع هذا المبدأ بقيمة دستورية، فإن القوة الدستورية له نسبية غير مطلقة. إذ يجيز المشرع الدستوري والمشرع العادي استبعاد هذا الضمان من ضمانات المحاكمة أو ضمانات التقاضي بوجه عام لحماية قيمة دستورية أخرى تتمثل إما في حماية الحق في الحياة الخاصة أو في حماية النظام العام أو الآداب.

 

ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا المنوط بها الرقابة على دستورية القوانين في مصر قبل إنشاء المحكمة الدستورية العليا قد انتهت إلى أن النص الدستوري على علانية الجلسات ينطبق فحسب على الأحكام التي تصدر من المحاكم بالمعنى الضيق، دون سواها من الهيئات القضائية (راجع: حكم المحكمة العليا، أول أبريل سنة 1978م، القضية رقم 17 لسنة 7 قضائية عليا دستورية). ومن ثم، فلا تسري العلانية على الأوامر الجنائية، ولا على جلسات مجالس التأديب (راجع: أستاذنا الدكتور أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، المرجع السابق، رقم 278، ص 754).

 

المطلب الثاني

البث الصوتي المرئي لجلسات المحاكم

 

يعتبر البث التليفزيوني والإذاعي للمحاكمات أبرز مظاهر العدالة المفتوحة. وإدراكاً لذلك، حرص المشرع الأمريكي على تنظيم هذا الإجراء من خلال «قانون ضوء الشمس في قاعات المحاكم لعام 2017م» (Sunshine in Courtroom Act of 2017)، والذي يشتمل على تسع مواد، ويهدف إلى توفير التغطية الإعلامية لإجراءات المحكمة الفيدرالية. وتخول المادة الثانية من هذا القانون للقاضي رئيس الجلسة في المحكمة الابتدائية الاتحادية أو في محكمة الاستئناف الفيدرالية، حسب تقديره الخاص، أن يسمح بتصوير أي دعوى قضائية يرأسها ذلك القاضي، أو تسجيلها الكترونياً، أو بثها عبر الراديو أو التليفزيون ونشرها للجمهور. ومع ذلك، يجوز للقاضي رئيس الجلسة أو أغلبية القضاة في الدائرة منع التصوير أو التسجيل أو البث إذا كان هذا الإجراء يشكل انتهاكاً لحقوق أي من الأطراف. كذلك، وبناء على طلب أحد الشهود، يجب على المحكمة الأمر بإخفاء وجه الشاهد وصوته وتجهيله بحيث لا يمكن للجمهور التعرف على شخصيته، ما لم يكن في هذا الإجراء انتهاكاً لحقوق أي من الأطراف. ويجب على القاضي تنبيه الشاهد إلى حقه في أن يطلب حجب صورته وصوته أثناء الإدلاء بشهادته. وفيما يتعلق بالتغطية الإعلامية للمحاكمات، تنص المادة السادسة من القانون ذاته على تخويل القاضي رئيس الجلسة السلطة التقديرية لإصدار القواعد والإجراءات التأديبية الخاصة باستخدام قاعة المحكمة بأي شكل من أشكال وسائل الإعلام أو المعدات الإعلامية ومصادرة وتوزيع أي من الصور أو الأحاديث التي تم الحصول عليها في قاعة المحكمة، كما يتمتع القاضي بالسلطة التقديرية لطلب إقرار خطي باتباع القواعد من قبل أي فرد حصل على الإذن بالتصوير أو التسجيل في قاعة المحكمة. وأخيراً، تنص المادة التاسعة على أن هذا القانون لا يتضمن أي نص من شأنه تقييد السلطة الأصيلة للمحكمة في حماية الشهود أو إخلاء قاعة المحكمة للمحافظة على مظهر العملية القضائية وسلامتها أو حماية سلامة الفرد. وهكذا، يمكن القول بأن العدالة المفتوحة ليست مبدأ مطلقاً، وإنما ثمة بعض الاستثناءات المقررة على هذا المبدأ لحماية العدالة أو سلامة الشهود أو حماية الأمن القومي.

 

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالاطلاع على المادة الرابعة البند الأول من قرار رئيس دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية، نجدها تحدد آلية وضوابط النشر، بنصها على أن «يتم النشر على الموقع الالكتروني للدائرة، كما يتم النشر بأي وسيلة أخرى من وسائل النشر المقروءة أو المسموعة أو الالكترونية التي يحددها مجلس القضاء».

 

والبين من النص سالف الذكر أن «النشر المسموع أو الصوتي» هو أحد آليات النشر التي ورد النص عليها في قرار رئيس دائرة القضاء بشأن نشر الأحكام القضائية. ورغم أن القرار لم يشير إلى النشر الصوتي المرئي، ورغم أن عنوان القرار يشير إلى نشر الأحكام القضائية، فإنه لا يوجد في اعتقادنا ما يمنع من البث الصوتي المرئي لجلسات المحاكم.

 

المطلب الثالث

نشر الأحكام القضائية

تمهيد وتقسيم:

نشر الأحكام القضائية وإتاحة الاطلاع عليها والعلم بمضمونها أمام الكافة هو أحد العناصر الأساسية اللازمة لتحقيق مفهوم المحكمة المفتوحة أو المحكمة الشفافة. ولإلقاء الضوء على هذا الإجراء، نرى من الملائم الإشارة إلى إحدى المبادرات الرائدة على مستوى العالم العربي، متمثلة في قرار رئيس دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية، والذي تضمن بياناً لأهمية النشر وأهدافه، ونطاق النشر وحدوده، ووسائل النشر، ومحظورات النشر، وشكل وطريقة النشر، وآلية النشر، وذلك على النحو التالي:

 

أهمية النشر وأهدافه

في الخامس من شهر مايو سنة 2020م، صدر قرار رئيس دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية. ولعل من المفيد في هذا الصدد أن نشير إلى أهداف هذا القرار، كما وردت في المادة الثانية منه، بنصها على أن «يهدف هذا القرار إلى ما يلي:

1. تعزيز فاعلية واستدامة العمليات القضائية.

2. تأكيد النزاهة والشفافية للمبادئ القضائية الصادرة عن محاكم دائرة القضاء بإمارة أبو ظبي.

3. ترسيخ مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

4. نشر الوعي القانوني والمعرفي لدى كافة أفراد المجتمع.

5. الارتقاء بمستوى الرقابة الذاتية في كتابة الأحكام القضائية.

6. تعزيز تنافسية الإمارة ومؤشر سيادة القانون في التقارير والمؤشرات الدولية ذات الصلة».

 

نطاق النشر وحدوده

طبقاً للمادة الثالثة من قرار رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية، وتحت عنوان «نطاق النشر وحدوده»، «1. يتم نشر الأحكام الصادرة عن محاكم الدائرة بكافة درجاتها (ابتدائي، استئناف، نقض)، في المواد المدنية والتجارية والعقارية والعمالية، ويجوز إضافة أي مواد أخرى بقرار من الوكيل. 2. وفي جميع الأحوال، يحظر نشر الأحكام الصادرة في القضايا التي يقرر المشرع نظرها في جلسة سرية».

 

وسائل النشر

تحدد المادة الرابعة من قرار رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية آلية وضوابط النشر، بنصها على أن «1. يتم النشر على الموقع الالكتروني للدائرة، كما يتم النشر بأي وسيلة أخرى من وسائل النشر المقروءة أو المسموعة أو الالكترونية التي يحددها مجلس القضاء. 2. يجب أن يتضمن الحكم المنشور بيان المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه ورقم ونوع القضية وملخص الوقائع والأسباب والمنطوق».

 

محظورات النشر

تحت عنوان «محظورات النشر»، تنص المادة الخامسة من قرار رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية على أن «يحظر نشر أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم أو محل عمله ورقم تسجيل الشركات والمؤسسات التجارية. ولا يتم ذكر جنسية الخصوم إلا إذا كان لذلك ما يبرره كما هو الشأن في تحديد القانون واجب التطبيق على النزاع». وهكذا، يحظر القرار نشر أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم أو محل عمله، وذلك حرصاً على حرمة الحياة الخاصة لكل واحد ومهم ومنعاً للإساءة إليهم أو التشهير بهم، كما يحظر القرار نشر رقم تسجيل الشركات والمؤسسات التجارية.

 

شكل وطريقة النشر

تحدد المادة السادسة البند الأول من قرار رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية شكل وطريقة النشر، بنصها على أن «يعتمد الوكيل شكل وطريقة النشر على الموقع الالكتروني للدائرة، وعلى الوسائل الأخرى التي يحددها المجلس». والمراد بالمجلس هنا بطبيعة الحال هو مجلس القضاء.

 

آلية النشر

بناء على التفويض الوارد في المادة السادسة البند الأول من قرار رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية، أصدر وكيل دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي القرار الإداري رقم (93) لسنة 2020 بشأن آلية نشر الأحكام القضائية على المنصة الالكترونية للدائرة. وطبقاً للمادة الأولى من هذا القرار، وتحت عنوان «اختصاصات إضافية للمكتب الفني لمحكمة النقض»، تم النص على أن «1. يسند للمكتب الفني لمحكمة نقض أبو ظبي مسؤولية التدقيق اللغوي على الأحكام القضائية قبل نشرها على منصة النشر الالكترونية لدائرة القضاء، وبعد التأكد من الالتزام بضوابط نشر الأحكام وفقاً لقرار سمو رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 بشأن نشر الأحكام القضائية والتشريعات النافذة. 2. للمكتب الفني الاستعانة بمن يلزم من موظفي الدائرة ممن لهم دراية وخبرة باللغة العربية والتدقيق، كلما دعت الحاجة لذلك، وله الاستعانة بقسم النشر القانوني ومدققي اللغة العربية في موقع دائرة القضاء، وعلى الجهات المعنية التعاون مع المكتب الفني لمحكمة النقض في هذا الشأن. 3. على المكتب الفني التأكد من نشر الأحكام القضائية بكافة درجاتها (ابتدائي، استئناف، نقض) خلال ثلاثة أيام عمل على الأكثر من تاريخ صدورها». أما الـمادة الثانية من القرار ذاته، فتحدد مهام إدارة تقنية المعلومات في آلية النشر، بنصها على أن «تلتزم إدارة تقنية المعلومات بما يلي: 1. توفير الأحكام القضائية في ذات يوم صدورها، وإتاحتها في منصة النشر الالكترونية الداخلية، لمراجعتها وتدقيقها لغوياً من قبل الفريق المعني، تمهيداً لنشرها على المنصة الالكترونية للدائرة. 2. إعداد دليل توضيحي يبين آلية المراجعة والتدقيق على الأحكام في منصة النشر الالكترونية الداخلية، والتدريب التقني على استخدامها. 3. توفير الصلاحيات والدعم التقني، كلما طلب المكتب الفني لمحكمة النقض ذلك».

 

وضماناً لحوكمة إجراءات النشر بالشكل الأمثل، وحرصاً على بيان مهام واختصاصات ومسؤوليات كافة الجهات المعنية بالنشر، أصدر وكيل دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي القرار الإداري رقم (112) لسنة 2020 بشأن دليل نشر الأحكام القضائية عبر المنصة الالكترونية. إذ تنص المادة الأولى منه على اعتماد دليل نشر الأحكام عبر المنصة الالكترونية المرافق لهذا القرار. أما الـمادة الثانية من القرار، فتوجب «على كافة الجهات المعنية الالتزام بما ورد في هذا الدليل عند إجراء أي عملية أو إجراء يتصل بنشر الأحكام القضائية عبر المنصة الالكترونية». ولضمان متابعة تنفيذ القرار بالشكل المطلوب، تنص الـمادة الثالثة من القرار على أن «يرفع مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي والتطوير المؤسسي تقريراً شهرياً عن نتائج التنفيذ، ومدى التزام جهات النشر بكافة الشروط والضوابط المنصوص عليها في قرار سمو رئيس دائرة القضاء رقم (14) لسنة 2020 المشار إليه وبمراعاة ما ورد في هذا الدليل».

 

وهكذا، وتنفيذاً للأحكام القانونية سالفة الذكر، وطبقاً للإحصائيات الصادرة عن دائرة القضاء في نهاية شهر أكتوبر 2023م، نشرت الدائرة أكثر من 82 ألف حكم قضائي عبر موقعها الإلكتروني، وذلك منذ تنفيذ مشروع نشر الأحكام في سنة 2020م وحتى الربع الثالث لعام 2023، وذلك في إطار جهودها الهادفة إلى رفع مستوى الوعي القانوني والمعرفي لدى أفراد المجتمع، وتأكيد النزاهة والشفافية للمبادئ القانونية الصادرة عن المحاكم، وتعزيز تنافسية إمارة أبو ظبي، ومؤشر سيادة القانون، وترسيخ منظومة قضائية رائدة عالمياً. وتفصيلاً، أظهرت إحصاءات الأحكام القضائية المنشورة على الموقع الإلكتروني لدائرة القضاء في أبو ظبي، للأعوام 2020 و2021 و2022، نشر 74 ألفاً 568 حكماً قضائياً، من بينها 25 ألفاً 536 حكماً خلال عام 2020 و24 ألفاً و639 حكماً خلال عام 2021 و24 ألفاً و393 حكماً في عام 2022، وتوزعت الأحكام المنشورة خلال الأعوام الثلاث المذكورة، حسب درجات التقاضي، على 45 ألفاً 270 حكماً من المحاكم الابتدائية، 24 ألفاً 130 حكماً من محاكم الاستئناف، و5 آلاف و168 حكماً من محكمة النقض. ونشر ثمانية آلاف و171 حكماً قضائياً خلال العام 2023م حتى الربع الثالث من العام ذاته. وتوزعت حسب درجات التقاضي، 5 آلاف 427 حكماً من المحاكم الابتدائية، وألفين و144 حكماً من محاكم الاستئناف، وستمائة حكماً من محكمة النقض. وبلغ إجمالي عدد الاحكام المنشورة في محكمة أبو ظبي التجارية 25 ألفاً 87 حكماً قضائياً. بينما بلغ إجمالي عدد الاحكام المنشورة في محكمة أبو ظبي العمالية 32 ألفاً 663 حكماً قضائياً. بينما بلغ اجمالي عدد الاحكام المنشورة في محكمة أبو ظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية 4 آلاف 554 حكماً قضائياً. وجدير بالذكر أيضاً أن مؤشر نشر الأحكام بغ 99% من إجمالي الأحكام القابلة للنشر.

 

المطلب الرابع

مشاركة المواطنين في صنع القرار

 

طبقاً للمادة (107) من دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971م، «لرئيس الاتحاد أن يعفو عن تنفيذ العقوبة المحكوم بها من جهة قضائية اتحادية، قبل تنفيذ الحكم، أو أثناء التنفيذ، أو أن يخفف هذه العقوبة، وذلك بناء على عرض وزير العدل الاتحادي، وبعد موافقة لجنة مشكلة برئاسة الوزير، من ستة أعضاء يختارهم مجلس وزراء الاتحاد، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، من بين المواطنين ذوي الرأي والكفاية في البلاد. والعضوية في اللجنة مجانية، ومداولاتها سرية، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات». وهكذا، يقرر المشرع الدستوري لدولة الإمارات العربية المتحدة تشكيل لجنة العفو من ستة أعضاء يختارهم مجلس وزراء الاتحاد من بين المواطنين ذوي الرأي والكفاية في البلاد.

 

ومن ناحية أخرى، وطبقاً للمادة الخامسة عشرة من القانون رقم (23) لسنة 2006 بشأن دائرة القضاء في إمارة أبو ظبي، معدلة بموجب القانون رقم (18) لسنة 2020م، «يكون في الدائرة مجلس يسمى (مجلس القضاء)، يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض، وعضوية كل من:

1. أحد قضاة محكمة النقض، نائبًا لرئيس المجلس.

2. وكيل الدائرة.

3. النائب العام.

4. مدير إدارة التفتيش القضائي.

5. أحد رؤساء محاكم الاستئناف.

6. أحد رؤساء المحاكم الابتدائية.

7. أحد رؤساء المحاكم المتخصصة.

8. اثنين من المشتغلين بالقانون.

* يكون اختيار الأعضاء المنصوص عليهم في البنود (1) و(5) و(6) و(7) من الفقرة الأولى من هذه المادة بقرار من الرئيس بناءً على اقتراح رئيس المجلس وأعضائه المعينين بصفتهم بقوة القانون، وبالنسبة للعضوين المنصوص عليهما في البند (8) بقرار من الرئيس».

 

وهكذا، يتضمن تشكيل مجلس القضاء في إمارة أبو ظبي اثنين من المشتغلين بالقانون، من غير أعضاء السلطة القضائية، بما يؤكد انفتاح القضاء على المجتمع ويكفل تطبيق مبدأ العدالة المفتوحة.

 

وطبقاً للمادة السادسة عشرة البند الأول من القانون ذاته، يخول المشرع «للمجلس (أي مجلس القضاء) أن يدعو من يشاء لحضور جلساته دون أن يكون له صوت في اتخاذ القرارات». وطبقاً للمادة العاشرة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (32) لسنة 2022 في شأن السلطة القضائية الاتحادية، «للمجلس (أي مجلس القضاء الاتحادي) أن يدعو من يراه لازمًا لاستيضاح مسألة معينة من الموضوعات المعروضة عليه، وأن يطلب ما يراه لازمًا من البيانات والمعلومات من أي جهة».

 

المطلب الخامس

مشاركة أعوان العدالة في صنع القرار

 

طبقاً للمادة الرابعة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2022 في شأن تنظيم مهنتي المحاماة والاستشارات القانونية، «المحاماة مهنة حرة مستقلة ينظمها هذا المرسوم بقانون، وتشارك في تحقيق رسالة العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة حقوق الدفاع».

 

ومنظوراً إلى المحاماة باعتباره شريكاً في تحقيق رسالة العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة حق الدفاع، ومنظوراً إلى المحامين باعتبارهم أعوان العدالة، كان من الطبيعي أن يتم إشراك ثلاثة من المحامين في عضوية لجنة إعداد قانون تنظيم مهنة المحاماة، المشكلة بموجب قرار وزير العدل بدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (94) لسنة 2020م. وقد كان لي الشرف أن أكون أحد أعضاء هذه اللجنة، والتي انتهت أعمالها إلى إنجاز مشروع القانون الذي صدر بعد ذلك بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2022 في شأن تنظيم مهنتي المحاماة والاستشارات القانونية (راجع: الجريدة الرسمية، السنة الثانية والخمسون، العدد 737 ملحق، 14 ربيع الأول 1444ه – 10 أكتوبر 2022م، ص 9).

 

المطلب السادس

تعهيد بعض الخدمات والوظائف المعاونة

 

تعهيد الإعلانات القضائية

في دولة الإمارات العربية المتحدة، ووفقاً للمادة السادسة البند الثالث من قانون الإجراءات المدنية، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022م، «يجوز الإعلان بوساطة شركة أو مكتب خاص أو أكثر وفق أحكام هذا القانون، ويصدر رئيس مجلس القضاء الاتحادي أو رئيس الجهة القضائية المحلية حسب الأحوال، نظاماً خاصاً بقيام الشركات والمكاتب الخاصة لإجراء الإعلان وفق أحكام هذا القانون، ويعد قائماً بالإعلان كل من كلف بتولي عملية الإعلان في هذا الشأن».

 

وفي الإطار ذاته، طبقاً للمادة السادسة البند الثالث من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني لسنة 1988م، «أ. يجوز إجراء تبليغ الأوراق القضائية بواسطة شركة خاصة واحدة أو أكثر يعتمدها مجلس الوزراء بناء على تنسيب من وزير العدل، ويصدر لهذا الغرض نظام خاص لتمكين تلك الشركة من القيام بأعمالها ومراقبة أدائها وفق أحكام هذا القانون. ب. يعتبر موظف الشركة الذي يتولى عملية التبليغ محضراً بالمعنى المقصود في هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه ويخضع للجزاءات والعقوبات نفسها التي تقع على المحضر في حالة إخلاله بالقيام بالواجبات المنوطة به. ج. يتحمل نفقات التبليغ بواسطة الشركة الخصم الذي يرغب في إجراء التبليغ بهذه الطريقة، ولا تعتبر هذه النفقات من ضمن مصاريف الدعوى».

 

تعهيد إجراءات التنفيذ

فيما يتعلق بإجراءات التنفيذ، وطبقاً للمادة (206) البند الأول من قانون الإجراءات المدنية، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022م، «يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ في مقر كل محكمة ابتدائية أو إدارة أو محكمة التنفيذ – حسب الأحوال – في كل جهة قضائية ويعاونه في ذلك عدد كاف من القائمين ومأموري التنفيذ، أو الشركات والمكاتب الخاصة التي يصدر بها قرار من وزير العدل أو رئيس الجهة القضائية المحلية ولهم بعد مراعاة التشريعات المالية ذات الصلة أن يحددوا الرسوم المستحقة عن أعمال التنفيذ الموكلة للشركات والمكاتب الخاصة».

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى