القانون الجنائي في عالم متغير.. شراء مدة العقوبة

الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

مقدمة

ينعقد إجماع التشريعات الجنائية العربية والأجنبية على تقنين نظام «الإكراه البدني» أو ما تطلق عليه بعض التشريعات «الإكراه القضائي» أو «التنفيذ بطريق الحبس». فعلى سبيل المثال، يجيز المشرع المصري اللجوء إلى «الإكراه البدني لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة، ويكون هذا الإكراه بالحبس البسيط، وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل خمسة جنيهات أو أقل، ومع ذلك ففي مواد المخالفات لا تزيد مدة الإكراه على سبعة أيام للغرامة ولا على سبعة أيام للمصاريف وما يجب رده والتعويضات. وفي مواد الجنح والجنايات لا تزيد مدة الإكراه على ثلاثة أشهر للغرامة وثلاثة أشهر للمصاريف وما يجب رده والتعويضات» (المادة 511 من قانون الإجراءات الجنائية).

 

كذلك، تجيز بعض التشريعات الإجرائية المدنية العربية اللجوء إلى حبس المدين المماطل لإكراهه على السداد. فعلى سبيل المثال، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تخول المادة 319 من قانون الإجراءات المدنية الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 42 لسنة 2022م «لقاضي التنفيذ أن يصدر أمراً بناء على طلب يقدم من المحكوم له، بحبس المدين إذا امتنع عن تنفيذ أي سند تنفيذي، ما لم يثبت عدم قدرته على الوفاء، ولا يعتبر المدين مقتدراً على الوفاء إذا ثبتت ملاءته كلياً على أموال لا يجوز الحجز عليها أو بيعها».

 

وفي المقابل، تجدر الإشارة إلى أن بعض التشريعات الجنائية الإجرائية العربية اتجهت مؤخراً إلى إقرار نظام التصالح في جرائم المال العام، وبحيث يقوم المتهم بارتكاب إحدى أو بعض هذه الجرائم بعمل تسوية مع الحكومة، يترتب عليها انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح أو وقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها. بيان ذلك أنه، وبالنظر لخطورة هذه الجرائم وتحقيقاً للردع المطلوب، فقد شدد المشرع العقاب على هذه الجرائم، وكان الاتجاه السائد هو عدم التصالح في هذه الجرائم. وإزاء ما مرت به الدولة المصرية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م وثورة الثلاثين من يونيو 2013م، وفي ضوء ما أثبتته الوقائع والأحداث من صعوبة استرداد الأموال العامة المسلوبة بالطريق الجنائي التقليدي من خلال المحاكمات وصولاً لإدانة المتهمين وإصدار الأحكام الرادعة عليهم، وجد المشرع نفسه مضطراً إلى إصدار القانون رقم 16 لسنة 2015م بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، والذي أجاز لأول مرة التصالح في جرائم العدوان على المال العام، المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات (راجع بالتفصيل في هذا الشأن: د. خالد موسى توني، التصالح في جرائم العدوان على المال العام، دراسة تحليلية نقدية للقانون رقم 16 لسنة 2015م، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، العدد الحادي والثلاثون، الجزء الثالث، ص 974 وما بعدها).

 

وتجدر الإشارة كذلك إلى «نظام الإفراج بكفالة» أو «الإفراج المؤقت المشروط بتقديم كفالة مالية»، المعروف في الإجراءات الجنائية. إذ يجوز تعليق الإفراج المؤقت الجوازي عن المتهم على شرط تقديم كفالة، ويخصص في الأمر الصادر بتقدير مبلغ الكفالة جزء منها ليكون جزاءً كافياً لتخلف المتهم عن الحضور في أي إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم والقيام بكافة الواجبات الأخرى التي تفرض عليه، ويخصص الجزء الآخر لدفع المصاريف التي صرفتها الحكومة، والعقوبات المالية التي قد يحكم بها على المتهم. وإذا قدرت الكفالة بغير تخصيص، اعتبرت ضماناً لقيام المتهم بواجب الحضور والواجبات الأخرى التي قد تفرض عليه وعدم التهرب من التنفيذ (المادة 146 من قانون الإجراءات الجنائية المصري).

 

ولكن، من النادر أن نسمع عن نظام شراء مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها أو شراء مدة الحبس، ونعني به أن يقوم أحد المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية في جريمة جنائية بدفع بدلاً نقدياً لأداء مدة العقوبة المحكوم بها ضده. ورغم غرابة الطرح، فقد وجدت إشارة لهذا النظام في أحد المراجع الفقهية المعتبرة في القانون الجنائي. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن معظم القراء لم يعيروا انتباهاً أو اهتماماً لهذه الإشارة على الرغم من أهميتها. وربما يرجع ذلك إلى أن هذه الإشارة قد وردت في بضعة أسطر قليلة لا يزيد عددها على أربعة. وربما يعود ذلك أيضاً إلى أن هذه الإشارة قد وردت تحت عنوان «القيمة العقابية للغرامة». فتحت هذا العنوان، يذكر الفقيه القانوني الكبير أستاذنا الدكتور محمود نجيب حسني العبارة الآتية: «قيل بنظام “الإفراج المالي”، وبمقتضاه يحق للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة أن يطلب إعفاءه من تنفيذها أو الإفراج عنه قبل استيفائه كل مدتها نظير مبلغ يدفعه يكون بمثابة غرامة تحل محل سلب الحرية» (راجع: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السابعة، سنة 2012م، رقم 825، ص 850). ولعل مما يسترعي الانتباه في هذا الصدد أن الفقيه القانوني المصري والعربي الكبير لم يعلق على نظام «الإفراج المالي»، ولو بكلمة واحدة. ومما يجدر الإشارة إليه أيضاً استخدامه الفعل «قيل» في صيغة المبني للمجهول، دون أن يحاول الوقوف على نسبة القول بهذا النظام إلى فقيه معين أو البحث عن أسباب ومبررات القول به.

 

والواقع أن «نظام الإفراج المالي» أو شراء مدة العقوبة الحبسية المحكوم بها من شأن الأخذ به وإقراره من قبل المشرع الجنائي الإجرائي أن يثير الجدل بين مؤيد ومعارض. وأياً كان وجه الرأي في هذا الشأن، وبالنظر لأن علم القانون هو علم قاعدي في المقام الأول، لذا يبدو من المناسب دائماً الوقوف على موقف المشرع بشأن أي مسألة محل للبحث. ومن ثم، وفيما يتعلق بالموضوع الذي نحن بصدده، ولإثراء البحث، وللوقوف على الاتجاهات المختلفة بشأنه، يبدو من الضروري استقراء موقف التشريعات الجنائية العربية في شأن نظام الإفراج المالي.

 

خطة الدراسة

لإلقاء الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده، وللإلمام به من مختلف جوانبه، نرى من الملائم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة مباحث، كما يلي:

المبحث الأول: شراء الحبس في خطة التشريعات العربية.

المبحث الثاني: أسباب ومبررات نظام الإفراج المالي.

المبحث الثالث: الاعتراضات الموجهة إلى نظام الإفراج المالي.

 

المبحث الأول

شراء الحبس في خطة التشريعات العربية

تمهيد وتقسيم:

باستقراء خطة التشريعات الجنائية العربية في شأن نظام الإفراج المالي أو شراء مدة العقوبة الحبسية المحكوم بها، يبدو مستساغاً التمييز بين ثلاث طوائف من التشريعات؛ أولها، يرفض بشكل واضح وصريح نظام الإفراج المالي. وثانيها، يقنن نظام الإفراج المالي، مبيناً نطاق سريانه وحالات تطبيقه. أما ثالثها، فقد ورد خلواً من نص خاص بهذا الشأن. وسنحاول إلقاء الضوء على الاتجاهات الثلاثة سالفة الذكر، وذلك في مطالب ثلاثة، كما يلي:

المطلب الأول: الاتجاه الرافض لنظام الإفراج المالي.

المطلب الثاني: الاتجاه المقنن لنظام الإفراج المالي.

المطلب الثالث: اتجاه التشريعات الخالية من نص خاص بشأن نظام الإفراج المالي.

 

المطلب الأول

الاتجاه الرافض لنظام الإفراج المالي

 

ذهب المشرع السعودي بشكل واضح وصريح إلى رفض نظام الإفراج المالي. بيان ذلك أنه، وفي يوم السبت 25 ربيع الأول 1380 هجرية الموافق الخامس عشر من شهر أكتوبر 1960م، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 128 بتاريخ 25/ 4/ 1380 بشأن نظام استبدال الغرامة بالحبس، متضمناً النص – في مادته الأولى – على أن «لا يجوز في تنفيذ الأحكام أن يستبدل الحبس بالغرامة، ويجوز أن تستبدل الغرامة بالحبس بالشروط والقيود التي يبينها هذا النظام. ويسمى الحبس الذي يعوض عن الغرامة بـ “الحبس التعويضي” في أحكام هذا النظام. ولمجلس الوزراء إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك أن يستبدل التشغيل بالغرامة على أن يصدر قرار ينظم به أحوال هذا الاستبدال وشروطه وأحكامه».

 

والواقع أن ثمة خطاً لغوي في هذه المادة يتمثل في الاستخدام غير الصحيح للفعل «يستبدل». فمن المعروف لغة أن حرف الباء المقترن باستخدام هذا الفعل يدخل على المتروك. والدليل على ذلك هو قوله تعالى في سورة البقرة: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)(. وبقراءة المادة الأولى من نظام استبدال الغرامة، نجد أنها تتضمن شقين أو حكمين ناظمين لتنفيذ الأحكام؛ أولهما، عدم جواز استبدال الحبس بالغرامة. أما ثانيهما، فهو جواز استبدال الغرامة بالحبس. وقد دخلت الباء في الحكم الأول على لفظ الغرامة. ولما كانت الباء المستخدمة مع الفعل «يستبدل» تدخل على المتروك، فإن مؤدى ذلك هو أن المتروك في الشق الأول من المادة هو «الغرامة»، والذي يحل محلها هو الحبس. والحكم المقرر في هذه الحالة هو الحظر. أما الباء في الشق الثاني من المادة فقد دخلت على لفظ الحبس، بما مؤداه أن المتروك هنا هو الحبس، وأن الذي يحل محله هو الغرامة، والحكم المقرر في هذه الحالة هو الجواز.

 

والواقع أن هذا الفهم ليس هو المقصود من النظام. بيان ذلك أن المادة الثانية قد استخدمت مصطلح الحبس التعويضي، بما معناه أن الحبس في هذه المادة يأتي تعويضاً لعقوبة الغرامة التي يتعذر تنفيذها. إذ تنص هذه المادة على أن «يصدر قرار استبدال الغرامة بالحبس التعويضي من وزير الداخلية إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك بشرط أن يثبت شرعا إعسار المحكوم عليه بالغرامة. ويكون استبدال الغرامة بالحبس بواقع عشرة ريالات لليوم الواحد من أيام الحبس المحكوم به على ألا تزيد مدة الحبس في مجموعها على سنة واحدة بالنسبة للغرامة الواحدة يسقط بعدها التزام المحكوم عليه بدفع أي مبلغ متبقي من تلك الغرامة. وإذا دفع المحكوم عليه – المحبوس حبسا تعويضيا – مبلغ الغرامة بعد حسم ما يعادل الأيام التي قضاها في الحبس وجب إطلاق سراحه».

 

ويتأكد هذا الفهم أيضاً بقراءة المادتين الثالثة والرابعة من النظام ذاته. إذ تنص المادة الثالثة على أنه «إذا أصدر الحاكم الشرعي حكما بالغرامة والحبس بمقتضى سلطة التعزير فإن حق إصدار قرار استبدال الغرامة بالحبس التعويضي يكون لرئاسة مجلس الوزراء في حدود الأسس التي تبينها أحكام هذا النظام. أما إذا صدر حكم الحاكم الشرعي بمقتضى سلطة التعزير بالغرامة فقط، فيكون استبدالها بالحبس بقرار من وزير الداخلية». أما المادة الرابعة من النظام ذاته، فتنص على أنه «إذا تعددت الغرامات المحكوم بها على الشخص في مدة سنة واحدة فيمكن استبدال أكبرها مبلغا فقط طبقا لأحكام هذا النظام، ويلزم المحكوم عليه بدفع بقية الغرامات، على أنه إذا كانت أكبرها تقل عن المبلغ الذي يوفيه الحبس التعويضي لمدة سنة يجوز أن تجمع إليها غرامة أو أكثر من تلك الغرامات حتى يبلغ الحبس التعويضي سنة واحدة، وكل غرامة دخلت كلها أو بعضها في مدة الحبس التعويضي تسقط عن المحكوم عليه، أما باقي الغرامات فيلزم بدفعها».

 

ويؤكد الفهم السابق أيضاً ما ورد في ديباجة المرسوم الملكي حول أسباب صدور النظام، حيث تضمنت الديباجة الإشارة إلى الاطلاع على «خطاب ديوان الرئاسة رقم 17185 وتاريخ 21/ 8/ 1379 المتضمن أن أمير المنطقة الشرقية رفع في برقيته رقم 4542 في 15/ 8/ 1379 بأن المدعو ……. كان قد حكم عليه بالسجن لمدة سنتين ونصف ودفع غرامة مالية قدرها خمسة آلاف ريال وذلك لثبوت تعاطيه بيع المخدرات بموجب قرار شرعي وستنتهي محكوميته في 22/ 8/ 79 غير أنه عاجز عن دفع الغرامة، وبمراجعة النظام تبين أنه لم يشتمل على مادة توضح ما ينبغي أن يتبع في حالة عجز شخص عن الغرامة، ولذلك فإن المقام السامي يطلب وضع قاعدة للسير عليها في مثل هذه الحالة».

 

وانطلاقاً مما سبق، نرى أن مقصود المشرع السعودي من نظام استبدال الغرامة بالحبس هو تقرير حكمين، هما:

أولاً: حظر الاستعاضة عن الحبس بالغرامة، وبحيث لا يجوز للمحكوم عليه بالحبس أن يدفع بدلاً مالياً مقابل عدم تنفيذ عقوبة الحبس المحكوم بها ضده.

ثانياً: جواز حبس المحكوم عليه بالغرامة حال عجزه عن دفع الغرامة.

 

وإذا كان الحكم الثاني له نظير في كل التشريعات الجنائية العربية والمقارنة، فإن الحكم الأول والمتعلق بحظر الاستعاضة عن الحبس بالغرامة لم يرد له نظير في القوانين العربية الأخرى، وإن كان يمكن القول به استخلاصاً من المبادئ العامة للقانون الجنائي والنظام القانوني ككل.

 

وعلى هذا النحو، يمكن القول إن المشرع السعودي قد عبر صراحة عن رفضه نظام الإفراج المالي عن المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية.

 

المطلب الثاني

الاتجاه المقنن لنظام الإفراج المالي

 

خلافاً للاتجاه سالف الذكر، تبنت بعض التشريعات الجنائية العربية نظام الإفراج المالي، وذلك تحت مسمى «نظام الغرامة النقدية». ففي المملكة الأردنية الهاشمية، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة السابعة والعشرين البند الثاني من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960م، معدلة بموجب القانون رقم 8 لسنة 2011م، «إذا حكم على شخص بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، يجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم أن تحول مدة الحبس إلى الغرامة على أساس دينارين عن كل يوم، وذلك إذا اقتنعت بأن الغرامة عقوبة كافية للجريمة التي أدين بها ذلك الشخص». وفيما يتعلق بجرائم الشيك بدون رصيد، ووفقاً للمادة 421 البند الثاني من قانون العقوبات الأردني، «مع مراعاة ما ورد في الفقرة (3) من هذه المادة، لا يجوز للمحكمة عند أخذها بالأسباب المخففة في أي حالة من الحالات المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة تخفيض عقوبة الحبس عن ثلاثة أشهر والغرامة عن خمسين ديناراً ولا يجوز استبدال الحبس بالغرامة في هذه الحالات». وبالرجوع إلى الفقرة (3) المشار إليها في هذا النص، نجدها تنص على أنه «أ. على الرغم مما ورد في الفقرة (2) من هذه المادة، وفي حالة استيفاء قيمة الشيك أو إسقاط المشتكي حقه الشخصي، تستوفى غرامة تعادل (5%) من قيمة الشيك مهما بلغ عدد المحكوم عليهم على أن لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار حتى بعد صدور الحكم أو اكتسابه الدرجة القطعية. ب. لغايات البند (أ) من هذه الفقرة، تحتسب الغرامة في حال تعدد الشيكات على أساس مجموع قيمتها». ومنعاً لأي سبب قد يثور في شأن نطاق تطبيق الأحكام سالفة الذكر، تؤكد الفقرة الرابعة من المادة 421 من قانون العقوبات الأردني أنه «تسري أحكام الفقرة (3) من هذه المادة على الأحكام التي اكتسبت الدرجة القطعية قبل نفاذ أحكام هذا القانون ويصدر القرار بذلك في هذه الحالة من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم». ولكن، وفيما يتعلق بنطاق تطبيق الحكم من حيث الموضوع، ووفقاً للفقرة الخامسة من المادة ذاتها، «ينحصر نطاق تطبيق الفقرة (1) من هذه المادة بالشيك الذي يتحقق فيه الشرطان التاليان: أ. أن يكون محرراً باستخدام النموذج الصادر من البنك المسحوب عليه. ب. أن يكون مقدماً إلى البنك المسحوب عليه للوفاء في التاريخ المبين فيه أو خلال ستة أشهر تلي ذلك التاريخ».

 

وفي المملكة المغربية، وفي جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 2023م، صادق مجلس النواب على مشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة، متضمناً إضافة فصول جديدة إلى مجموعة القانون الجنائي، ويتعلق أحد هذه الفصول أو المواد بالغرامة اليومية. فوفقاً للفصل 14- 35، «يمكن للمحكمة أن تحكم بعقوبة الغرامة اليومية بديلاً للعقوبة الحبسية النافذة. تتمثل الغرامة اليومية في مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها. يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية على الأحداث في حالة موافقة وليهم أو من يمثلهم. لا يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة». وينص الفصل 15- 35 على أن «يحدد مبلغ الغرامة اليومية بين 100 و20000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها. تراعي المحكمة في تحديد الغرامة اليومية الإمكانيات المادية للمحكوم عليه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتكبة والضرر المترتب عنها. يلتزم المحكوم عليه بأداء المبلغ المحدد له في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي المشار إليه في الفصل 2- 647 من هذا القانون. ويمكن تمديد هذا الأجل لمدة مماثلة مرة واحدة بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات بناء على طلب من المحكوم عليه، أو من له مصلحة في ذلك».

 

ويبدو أن التشريعات سالفة الذكر قد اقتبست هذا الحكم المتعلق بالغرامة اليومية من المشرع الفرنسي، والذي تبنى نظام الغرامة اليومية (Jour-amende) كبديل لعقوبة الحبس على نحو ضيق، وذلك بموجب القانون رقم 83- 466 الصادر في العاشر من شهر يونيو سنة 1983م. راجع في ذلك:

  1. Bouloc, Droit pénal general, Dalloz, Paris, 22e éd., 2011, № 560, p. 452.

 

ولعل مما يثير الدهشة والاستغراب في هذا الشأن أن المؤلف القانوني المشار إليه لم يتضمن أدنى تعليق على تبني المشرع الفرنسي نظام الغرامة اليومية كبديل لعقوبة الحبس، سواء بالتأييد أو الرفض.

 

المطلب الثالث

اتجاه التشريعات الخالية من نص خاص بشأن نظام الإفراج المالي

 

على حد علمنا، وفيما عدا قوانين الأردن والمغرب والسعودية، وردت تشريعات الدول العربية الأخرى خلواً من نص خاص بشأن نظام الإفراج المالي. ومع ذلك، وفيما يتعلق بالقانون المصري، على سبيل المثال، فإن نظام التصالح المقرر في بعض الجرائم يمكن أن يؤدي إلى النتيجة ذاتها. فوفقاً للمادة الثامنة عشرة مكرراً ب من قانون الإجراءات الجنائية المصري، مضافة بموجب القانون رقم 16 لسنة 2015م، «يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء ويحرر محضر يوقعه أطرافه ويعرض على مجلس الوزراء لاعتماده ولا يكون التصالح نافذاً إلا بهذا الاعتماد ويعد اعتماد مجلس الوزراء توثيقاً له وبدون رسوم ويكون لمحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي، ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى ما زالت قيد التحقيق أو المحاكمة ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين في الواقعة إذا تم الصلح قبل صيرورة الحكم باتاً، فإذا تم التصالح بعد صيرورة الحكم باتاً وكان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم جاز له أو وكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له، ويرفع النائب العام الطلب إلى محكمة النقض مشفوعاً بهذه المستندات ومذكرة برأي النيابة العامة وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمه، ويعرض على إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة منعقدة في غرفة المشورة لنظره لتأمر بقرار مسبب بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً إذا تحققت من إتمام التصالح واستيفائه كافة الشروط والإجراءات المنصوص عليها في هذه المادة ويكون الفصل في الطلب خلال خمسة عشر يوماً منذ تاريخ عرضه وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمحكوم عليه. وفي جميع الأحوال، يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم دون المساس بمسئوليتهم التأديبية ويقدم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليهم أو وكيله الخاص ويجوز للأخير اتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بإعادة إجراءات المحاكمة في غيبة المحكوم عليه في الأحكام الصادرة غيابياً».

 

ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن سلطة العفو عن العقوبة المقررة لرئيس الدولة قد تكون بإسقاط العقوبة المحكوم بها كلها أو بعضها أو إبدال عقوبة أخرى بها (المادة 74 من قانون العقوبات المصري). وإذا كانت المادة 155 من الدستور المصري لعام 2014م قد نصت فقط على سلطة رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء في العفو عن العقوبة أو تخفيفها، بما قد يفهم معه البعض بأن رئيس الجمهورية يستطيع فحسب إسقاط العقوبة كلية أو تخفيض مدتها، دون إبدال عقوبة أخرى بها متى كانت هذه العقوبة أخف من العقوبة المحكوم بها، فإن هذا الفهم لن يكون له ما يسوغه ويتناقض مع المنطق القانوني السليم. والعفو عن العقوبة منحة تبررها مصلحة المجتمع، وليس حقاً للمحكوم عليه. والأصل أن يكون العفو مجانياً، دون أداء أي مقابل من جانب المحكوم عليه. ولكن، يثور التساؤل عما إذا كان جائزاً أن يكون استخدام رئيس الجمهورية سلطته في العفو الخاص من خلال إبدال عقوبة الغرامة بعقوبة الحبس أو عقوبة السجن المحكوم بها، منظوراً في ذلك إلى أن عقوبة الغرامة أخف بطبيعة الحال من العقوبات السالبة للحرية. والغالب في العفو أن يصدر دونما طلب من المحكوم عليه، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يصدر العفو بناء على طلب من المحكوم عليه. ولا يوجد ما يمنع أيضاً أن يعرض المحكوم عليه في طلب العفو أن يقوم بإصلاح أضرار الجريمة وتعويض المجتمع نقدياً عما تسبب فيه من أضرار للمصلحة العامة.

 

المبحث الثاني

أسباب ومبررات نظام الإفراج المالي

 

يتم طرح نظام الإفراج المالي في إطار البحث عن بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، منطلقين في ذلك من المساوئ والمشاكل العقابية التي يثيرها تنفيذ هذه الطائفة من العقوبات على أرض الواقع. وتجمل هذه المشاكل في أن المدة القصيرة لا تكفي غالباً لتنفيذ برنامج تهذيبي أو علاجي يتحقق به تأهيل المحكوم عليه، فيكون معنى ذلك ألا تدرك العقوبة السالبة للحرية غرضها وأن تستحيل الجهود التي تبذل في تنفيذها إلى عبث لا جدوى للمجتمع منه. بل إن الإصرار على تنفيذ عقوبة لا جدوى منها على هذا النحو قد يأتي بأضرار، هي الأضرار المرتبطة عادة بسلب الحرية، ويزيد منها ألا يقابلها تطبيق عادي للنظم العقابية التأهيلية. وتجمل سبل مواجهة هذه المشاكل في محاولة إخضاع تنفيذ هذه العقوبات لقواعد من شأنها الحد من هذه الأضرار، فإن كانت هذه القواعد غير مجدية، فلا مناص من البحث عن صور من المعاملة العقابية لا تفترض سلب الحرية لتحل محل هذه العقوبات، فيتيح ذلك تجنب ضررها أو تحقيق نفع يرتبط بهذه الصور خاصة (راجع: د. محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1973م، رقم 456، ص 530).

 

ومن ناحية أخرى، يمكن تبرير اللجوء إلى «نظام الإفراج المالي» في ضوء نشوء ظاهرة تكدس المنشآت العقابية في المجتمعات المعاصرة، والرغبة في الحد من هذا التكدس من خلال البحث عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة. وقد وردت الإشارة إلى هذا الاعتبار، وذلك في كلمة وزير العدل المغربي بمناسبة تقديم مشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، والتي ألقاها يوم الثلاثاء الموافق الثاني عشر من شهر سبتمبر 2023م، حيث ذكر فيها أن أحد أهداف هذا القانون هو «المساهمة في الحد من حالات الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية والتي وصل عدد نزلائها حتى نهاية شهر مايو 2023م ما مجموعه 98 ألفاً وتسعمائة وأحد عشر سجيناً، أي مائة ألف تقريباً، ونصف هذا العدد هم من المحكوم عليهم بعقوبات قصيرة المدة لا تتجاوز في أغلبيتها ثلاث سنوات، الأمر الذي من شأنه – على حد قوله – التأثير على العديد من البرامج والخدمات المعدة من قبل الإدارة المكلفة بالسجون. بل إن عدد السجناء قد بلغ – حسب بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون في المملكة المغربية – قد بلغ ما يفوق مائة ألف سجين، وذلك حسب الإحصاءات الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون في المملكة المغربية، بتاريخ السابع من شهر أغسطس 2023م. ووفقاً للمندوبية، فإن هذا العدد يتجاوز بكثير الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية الكائنة، والتي لا تتجاوز آنذاك 64 ألفاً و600 سرير.

 

ومن ناحية ثالثة، يمكن تبرير هذا النظام بالرغبة في الحد من إثقال كاهل الميزانية العامة من خلال الحد من النفقات التي يتحملها دافعوا الضرائب مقابل كل يوم يقضيه السجين وراء القضبان. إذ يقدر البعض هذه النفقات في بعض الدول بما يزيد على مائة دولار يومياً. ومن شأن تطبيق نظام الإفراج المالي أو الغرامة اليومية الحد من هذه النفقات، وزيادة الإيرادات العامة من خلال تحصيل قيمة الغرامة. وقد وردت الإشارة إلى هذا الدافع من دوافع اعتماد نظام الغرامة اليومية كبديل لعقوبة الحبس، وذلك في مناقشات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي لمشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة، حيث أكدت مداخلات بعض النواب على أن «التوجه الدولي قائم نحو التضريب المالي في مجال العقوبات البديلة، وهو إجراء من شأنه أيضاً القطع مع الممارسات المشبوهة التي يقوم بها المتهمون وذويهم من أجل الحصول على عقوبات أخرى».

 

وتأييداً لهذا النظام، يرى البعض أن «نظام الإفراج المالي أو الغرامة اليومية كبديل من بدائل الحبس قصير المدة يعد أحد وسائل تطوير العدالة الجنائية التي يتعين علينا أن نبادر إليها متي رأينا عجز عقوبة الحبس عن تحقيق الهدف منها، وكان فيها مصلحة شرعية منضبطة بضوابطها الشرعية. وفي تاريخ المسلمين أن أحد الأمراء أفسد صومه في نهار مضان بالجماع، فأفتاه بأن الواجب في إفساده الصوم صيام شهرين متتابعين باعتبار أنه يحقق الردع الخاص له وليس عتق الرقبة، وكان ذلك قبل تحريم الرق دولياً، فرد عليه بعض العلماء بأن الواجب فيه عتق الرقبة لأن الشرع متشوف للعتق، ومصلحة الرقيق في العتق عند الشارع مقدمة على تهذيب نفس من أفسد صومه وردعها. وعليه أقول إن فلسفة العقوبة تغيرت ولم يعد هدفها الوحيد هو الردع بل لها أهداف أخري باعتبار رابطة التضامن بين أفراد المجتمع، من بينها نفع المجتمع، وإصلاح الضرر الذي أفسده الجاني بجنايته من غير ضرر أشد» (الأستاذ أحمد جلال، تعليق منشور على صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بتاريخ السبت الموافق 20 يناير 2024م، تعليقاً على منشور على الصفحة عبارة عن دعوة للحوار حول فكرة شراء مدة العقوبة).

 

وعلى هذا النحو، يبدو مستساغاً ومقبولاً كذلك القول إن هذا النظام يشكل انعكاساً لما يمكن أن نطلق عليه زحف الفلسفة النفعية على النظام العقابي الحديث في العديد من الدول.

 

 

 

 

المبحث الثالث

الاعتراضات الموجهة إلى نظام الإفراج المالي

 

على الرغم من كل المبررات سالفة الذكر، قد يرى البعض في هذا النظام إهداراً للشعور بالعدالة لدى عموم المواطنين، وتمييزاً غير مبرر بين الأغنياء والفقراء، وبحيث يستطيع الغني أن يشتري ثمن حريته، بينما يقبع المعدومون والفقراء خلف أسوار السجون بسبب عدم قدرتهم على سداد مقابل الإفراج عنهم.

 

والواقع أنه، ولدى مناقشة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب المغربي مشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة، وتحديداً موضوع الغرامة اليومية، أثارت بعض المداخلات الإشكال الثقافي الذي يصعب معه تقبل فكرة شراء العقوبة السجنية تأسيساً على أن البلاد غير مؤهلة لهذا النوع من الغرامة اليومية بالنظر للإشكالات الواقعية المعروفة، وما يشكله هذا الإجراء من تكريس الانطباع العام من كون الميسورين هم من سيتمكن من شراء العقوبة السجنية.

 

ويمكن القول إن العقوبات البديلة بوجه عام ونظام الإفراج المالي على وجه الخصوص تكتنفه بعض الإشكالات المرتبطة بما هو ثقافي، وتحديداً تصورات المجتمع لمفهوم الجريمة والعقاب، إلى جانب التحدي المالي، وما يتطلبه إنجاح سياسة الحد من الحبس قصير المدة من تعبئة هامة للموارد البشرية والمالية واللوجستية، وقبل ذلك وبعده، التعبئة المجتمعية للنأي بهذه السياسة العقابية الجديدة عن كل فهم مغلوط، والتأسيس للعقوبات البديلة كجزء من منظومة العقاب، وليس كوسيلة للإفلات منه (راجع: تقرير لجنة العدالة والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي حول مشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة، السنة التشريعية الثانية، 2022- 2023، الولاية التشريعية الحادية عشرة، 2021- 2026م، 12 سبتمبر 2023م).

 

وللرد على هذه الاعتراضات، وللتقليل من أهميتها، يتم عادة النص على بعض القيود والشروط والضوابط التي يتم من خلالها تطبيق نظام الإفراج المالي، ومنها النص على حرمان العائد من العقوبات البديلة بوجه عام وتطبيق نظام الإفراج المالي على وجه الخصوص، الأمر الذي يكفل الحيلولة دون انحراف هذا النظام عن المقاصد النبيلة التي شرع من أجلها. كذلك، فإن التشريعات المقارنة تقصر في الغالب الاستفادة من هذا النظام على الجرائم قليلة الأهمية، مستبعدة من نطاق تطبيقه الجرائم الجسيمة أو شديدة الخطورة. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للفصل 3- 35، «لا يحكم بالعقوبات البديلة في الجنح المتعلقة بالجرائم التالية:

– الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب؛

– الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية؛

– غسل الأموال؛

– الجرائم العسكرية؛

– الاتجار غير المشروع في المخدرات؛

– الاتجار في المؤثرات العقلية؛

– الاتجار في الأعضاء البشرية؛

– الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة».

 

وفي إطار الرد على هذه الاعتراضات أيضاً، وبمناسبة مناقشة مشروع القانون رقم 22. 43 يتعلق بالعقوبات البديلة في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أجاب وزير العدل المغربي، قائلاً إن الغرامة اليومية ليست إجراءً مفتوحاً على مصراعيه، أو مبني على الفوضى، وإنما يستلزم الأمر الحصول على تنازل الضحية، والقيام بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن الجريمة، إضافة إلى أن هذا الإجراء يستفيد منه الشخص مرة واحدة، وفي حالة العود لا يمكنه الاستفادة مرة أخرى من هذا الإجراء.

 

خاتمة

تناولنا في هذه الدراسة موضوع شراء مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها أو ما يطلق عليه في بعض التشريعات نظام الغرامة اليومية كبديل لعقوبة الحبس أو نظام الإفراج المالي. وقد تبين لنا عبر صفحات هذه الدراسة مدى الأهمية التي يحظى بها البحث في هذا الموضوع، منظوراً في ذلك إلى ندرة الدراسات المتعلقة به وتعدد الإشكاليات ذات الصلة به.

 

وقد تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن بعض التشريعات الجنائية تبنت مؤخراً نظام الإفراج المالي أو نظام الغرامة اليومية كبديل لعقوبة الحبس المحكوم بها. وفي اعتقادنا أن ذلك يأتي في إطار الزحف المتزايد للفلسفة النفعية على التشريعات الجنائية المعاصرة.

 

 

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى