العلاقة الجدلية بين برامج الذكاء الاصطناعي وعلوم القانون

العلاقة الجدلية بين برامج الذكاء الاصطناعي وآلاته وعلوم القانون وصناعاته [1]

بقلم/الدكتور: محمد عبد الكريم أحمد الحسيني ـ أستاذ القانون المساعد بكلية الشريعة القانون والمحامي.

لا تفتأُ التقاريرُ الرسميَّةُ تخبرُ بوضوحٍ وتحذِّرُ في يقين من أنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ Artificial intelligence)‏) بعامة، وممثلا في الروبوت ( (ChatGPT -وما سوف يتلوه من أجيال ذكية- يمثِّلُ تهديدا لصناعات غير قليلة، ويأتي على رأسها “الصِّناعةُ القانونيَّةُ” بل ومفرداتُ هذه الصناعة القانونية العريقة في معظم مستوياتها العليا والدنيا…؟!!!

بما يدفعنا للتساؤل بقوة وفي غير هوادة :

(1) هل حقا بات الذكاءُ الاصطناعيُّ مهدِّدًا للصناعاتِ القانونيَّة ؟!!

(2) ولماذا تأتي الصناعاتُ القانونيَّةُ بعامَّة عرضةً لاستلابِ وظائفها واستبدال كوادرها من قبل الذكاء الاصطناعي ؟!!

العلاقة، وأبتدر إجابة هذين التساؤلين وغيرهما من التساؤلات المطابقة والضمنية واللزومية لهما ببعض ما تصبحنا وتمسينا به عناوينُ وأعمدةُ بعض الصحف والمواقع الرسمية المعتبرة :

أولا: وفق تقرير لموقع cbsnew. وفيه ” يلخص بعض الخبراء عدداً من المهمات والوظائف الأكثر عرضة للزوال وتوليها من قبل ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى على المدى القريب. ويأتي على رأس هذه الوظائف “الوظائف القانونية”، “حيث تُترجم قدرات ChatGPT جيداً إلى مهنة المحاماة، وفقاً لخبراء الذكاء الاصطناعي والمهنيين القانونيين.

[راجع موقع cbsnew نقلا عن موقع الحدث آخر تحديث: الجمعة 12 رجب 1444 هـ – 03 فبراير 2023 KSA 15:15 – GMT 12:15]

 

ثانيا: “نجاح روبوت ChatGPT مؤخراً في اجتياز امتحان كلية الحقوق وحصل على درجة النجاح بعد كتابة مقالات حول موضوعات تتراوح من القانون الدستوري إلى الضرائب والأضرار”.

ويضيف الخبر “تعد النماذج والوثائق القانونية الشائعة بما في ذلك اتفاقيات إيجار المنزل والوصايا واتفاقيات عدم الإفشاء قياسية إلى حد ما ويمكن صياغتها بواسطة روبوت متقدم”[راجع المصدر السابق نفسه]

 

ثالثا:”تشات جي بي تي” يجتاز امتحانات القانون وإدارة الأعمال بجامعتين أميركيتين

[راجع CNN الاقتصادية ترجمة: ياسر محمد، تحديث: 9:28 ص 28 يناير 2023 +02:00]

 ثالثا: قاض كولومبي يستعينُ بروبوت الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” لإصدار حكم

[راجع موقع الجزيرة نت 3-2-2023 م ]

ربعا: غوغل-تخشى منافسة (ChatGPT شات-جي-تي)

[راجع سكاي نيوز 1 فبراير 2023 – 10:21 بتوقيت أبوظبي]

خامسا: الوسطاء العقاريون يستغلون «تشات جي بي تي» في أعمالهم.

[(CNN) 29 يناير 2023 ]

 

واستتباعا لما سلف من تساؤلات يمكننا تعميقها في نظائرها من التساؤلات الآتية :

  1. لماذا تستهدف برامجُ الذكاء الاصطناعيِّ “الصناعاتِ القانونيَّة” ومفرداتها على وجه الخصوص ؟
  2. هل هناك شيء ما في القانون وصناعاته يجذبُ برامج الذكاءَ الاصطناعيَّ حولها؟
  3. ما حدود استلاب الذكاء الاصطناعي للوظائف القانونية ؟
  4. هل يمكنُ القولُ بأن قسمًا كبيرا من هذه الصناعات القانونية التي تعتمد على القانونيين المتخصصين –إن لم يكن كلها- مهددٌ بالزوال ؟
  5. وما تلك الصناعات التي سوف تختفي بالضبط أسرع من غيرها ؟
  6. وكيف يمكن تجاوز هذا الاستلاب الوظيفي واستبداله ببرامج الذكاء الاصطناعي ؟
  7. وكيف يمكن لهذا العلم العريق وصناعاته العريقة التي نشأت بنشأة المجتمع أن تستلبها آلة كما أحدث ذلك روبوت (-ChatGPT تشات جبي بي تي) ؟

 

هذه الأسئلة الرئيسة وغيرها هو ما سوف نتناولها في عدة مقالات على التوالي بإذن الله تعالى

 

الجزء الأول: [هل يمثل الذكاء الاصطناعي التهديد الأكبر للصناعات القانونية ؟

 

يمكن التقديم بين يدي جملة التساؤلات السابقة بجواب عام أو بعنوان كلي على هذا الجواب في قولنا :

(1) نعم (أولى)

القانون باعتباره علما –نسقيا- ومجالا وصناعة –نظامية- من المستهدفات الأساسية لبرامج الذكاء الاصطناعي.!!

 

(2) نعم (ثانية)

 تهدِّدُ برامجُ الذكاءِ الاصطناعيِّ وعلى رأسها روبوت (“-“ChatGPتشات جبي بي تي) كثيرا من الصناعات وعلى رأسها الصناعات القانونية ومفرداتها الوظيفية العليا والدنيا معا..!!

 

أما عن الجواب العلمي التحليلي فإيراده على النحو التالي:

 

الفرع الأول: أسباب تقصُّد برامج الذكاء الاصطناعي للقانون ومجالاته وصناعاته على وجه الخصوص

 

وهنا يمكننا أيضا التقديم بخلاصة جامعة قبل الدخول في التفاصيل وتدور هذه الخلاصة حول الطبيعة التكوينية “للعلم القانوني” من خلال ملاحظة (مادته ونظامه وتنظيماته وطبيعة ممارساته) إذ يبين التحليل عن جاذبية طبيعته لمناشط الذكاء الاصطناعي .

حيث

(1) ينشطُ الذكاءُ الاصطناعيُّ على الأعمال التراتبية ذات النسق الموحد,

(2) يلبي القانون باعتباره علمًا اجتماعيًا هذا المعيار من خلال اتساقه وارتباطه بنظام عام يقفُ الدستورُ على قمته.

(3) تلبي التنظيماتٌ التشريعية (عادية وفرعية) هذا المعيار المستهدف من الذكاء الاصطناعي أيضا حيث إنها تقومً على قواعد الدستور النسقية الحاكمة وتستمدُّ أصولها كافةً من هذه القاعدة الدستورية العامة.

(4) تنحكم جميع الممارسات القانونية بنصوص التقنينات العادية أو الفرعية ذات الصفة التشريعية مع ارتباط هذه الأخيرة بما يعلوها في النظام القانوني الوطني، فهي أيضا ممارسات نظامية نسقية .

(5) يعبر مجموع ما سبق عما يمكن تسميته بالهندسة القانونية العامة، وهذه الهندسة القانونية النظامية النسقية هي الجامع بين العلوم القانونية ومتعلقاتها وبين برامج الذكاء الاصطناعي ومستهدفاتها .

وهذا يعني أن القانون إنما هو نسيج واحد قاعدي ينتمي إلى النظام الدستوري ثم إنه نسيج متكامل مترابط –بل ويتحتم أن يكون هكذا – منطقيا وفلسفيا ونظاميا وأنه يمثل نسقية موضوعية عقلية متكاملة ومترابطة على نحو فريد، وهذه النسقيات الموضوعية المنطقية –مثل نسقية العلوم القانونية- هي ما تستهدفها برمجيات الذكاء الاصطناعي وهي ما تؤثر هذا الأنظمة الاصطناعية التوغل فيها.

وذلك لأنها:

(1) أنظمة متناظرة مع بيئتها النسقية المنطقية.

(2) ولأنها ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ من كل مبدأ فيها أصلا تستجيب بناء عليه لمواقف الممارسة العديدة التي تواجهها وتعرض لها في ممارساتها التي تحاكي ممارسة القانوني الذكي المهني.

وهذا –إضافة إلى ما سبق –  ما يزيد فرص نجاحها في العلوم النسقية وفي صناعاتها المعيارية المنطقية بأكثر من غيرها من الصناعات التي تفتقد النمط أو ليست نسقية في طبيعتها ويأتي على رأس هذه العلوم وتلك الصناعات العلوم والصناعات القانونية .

ومصداق ما سبق يتجلى أيضا في تعريف الذكاء الاصطناعي وفي تعريف برامجه الذكية، حيث عرف كثير من رواد علم الذكاء الاصطناعي هذا الباب المعرفي بأنه:

1-دراسة وتصميم العملاء الأذكياء ” والعميل الذكي هو نظام يستوعب بيئته ويتخذ المواقف التي تزيد من فرصته في النجاح في تحقيق مهمته أو مهمة فريقه.

وهذا التعريف من حيث الأهداف والأفعال والتصور والبيئة يرجع إلى Russell & Norvig (2003) وتشمل أيضا التعريفات الأخرى المعرفة والتعلم كمعايير إضافية..

[راجع موسوعة ويكيبيديا على الشابكة – مادة الذكاء الاصطناعي]

 

وهذا الرائد الفذ “جون مكارثي” أحد صناع عالم الحاسوب يعرف هذا المصطلح عام 1956، بأنه «علم وهندسة صنع الآلات الذكية”، ويعرِّف أندرياس كابلان ومايكل هاينلين الذكاء الاصطناعي بأنه «قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن”

[السابق نفسه – مادة الذكاء الاصطناعي]

 

 وكما يدلُّ عليه هذا العرض المجمل السابق فإن:

(1) التعريفات المتخصصة للذكاء الاصطناعي تركز على (الأنظمة والاتساق والمنطق والهندسة النظامية والترابط) وكلها تتوافر في علوم القانون وفي صناعاته.

 (2) على رغم أنها إحدى ميزات القانون إلا أنها في نقس الوقت أحدى الثغرات بل والأبواب المغرية لعالم البرامج الحاسوبية الذكية المتسلحة بالذكاء الاصطناعي المنطقي والهندسي نحو تطويق هذا العلم القانوني النسقي واستلاب وظائفه وممارساته.

نستكمل في المقالات التالية بإذن الله تعالى.

أهم (100) قاعدة وضابط في “فن التفسير القانوني” [9]

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى