الرموز التعبيرية ” الإيموجي” وخطر التعاقد غير الرسمي

المستشار الدكتور/ معتز عفيفي

نائب رئيس هيئة قضايا الدولة بجمهورية مصر العربية

الخبير القانوني بحكومة دبي الإمارت العربية المتحدة

عضو اللجنة الاستشارية لمركز الإمارات للتحكيم الرياضي

 

بدأت الحياة العصرية تتجه بسرعة فائقة نحو عمل أكثر مرونة خالي من البيرواقراطية القديمة المعقدة، وبدأت الحكومات والشركات تفكر في سياسات عمل مرنة[1]، وهذا التفكير نتج عن التغيرات الهائلة في المجتمع، تطورات تكنولوجيا وذكاء اصطناعي فائق للعقل البشري،  وكذلك انتشار الأوبئة والكوارث، وكانت جائحة كورونا “كوفيد 19” هى القشة التي قصمت ظهر البعير ، حيث وجد العالم نفسه حبيس المنازل منعزل عن العالم الخارجي، ففكر الإنسان أين المفر؟! فظهرت أفكار العمل عن بعد من المنزل أو مواقع معينة،عقد الاجتماعات أونلاين والتي اثبتت نجاحها وكفاءتها في زيادة انتاجية العمل.

ونتيجة لهذه التطورات المتغيرة في المجتمع، وكذلك تطورات ومتطلبات الصناعة سريعة الخطى والمتغيرة باستمرار، أظهر هذا السياق التجاري الديناميكي إلى زيادة “الطابع غير الرسمي” في الطريقة التي تتم بها الأعمال التجارية في كثير من الأحيان، حيث يتم إعطاء الأولوية لإنجاز الصفقة بسرعة عن توثيقها رسمياً.

ونتيجة للطابع غير الرسمي في التعاملات التجارية وظهور التكنولوجيات الجديدة، ظهر ما يسمى” التعاقد غير الرسمي”، حيث باستثناء بعض الحالات المحدودة، لا يشترط وجود شكليات أو مستند مكتوب لإبرام العقود التجارية، حيث يمكن إبرام العقد شفهياً، والذي يتضمن المناقشات وجهاً لوجه، أو عبر الهاتف أو عبر مكالمة الفيديو، ومع ذلك إذا انهارت العلاقة وحدث نزاع، فقد يكون من الصعب إثبات وجود العقد أو تحديد شروطه.

على الرغم من أنه من الممكن الاتفاق على عقد بطريقة غير رسمية وفي إطار غير رسمي، يجب على الأطراف أن تدرك أنه كلما كثُر الطابع غير الرسمي في العلاقة التعاقدية، كلما زادت المخاطر المتعلقة بإيرام العقد أو تحديد حقوق وواجبات الاطراف.

إن عدم وجود أي حاجة محددة للشكليات و/أو التوثيق يعني أنه يمكن أيضاً إبرام العقود عن طريق أي سلوك يصدر من الاطراف، وهنا نلاحظ أن التعاقد في إطار غير رسمي ومناقشة الاطراف بخلاف النوايا التعاقدية التي قررتها الشركة أو الجهة الحكومية عن طريق مديرها، قد يخلق اشكالات لممثلين الجهة الإدارية أو الشركة في مفاوضات التعاقد، حيث قد يؤدي مناقشة العقد بخلاف النية التعاقدية للشركة أو الجهة الحكومية إلى دخول العقد حيز التنفيذ عن غير قصد أو قبل الأوان أو بشروط غير مناسبة، هنا تظهر المخاطر والارتباك في الجهة الحكومية أو الشركة عندما يكون هناك عدم تأكيد بشأن ما إذا كان العقد قد تم انعقاده أم لا أو في حالة انعقاده فبأي شروط انعقد هذا العقد الذي تم في إطار غير رسمي؟!.

تشير السوابق القضائية الحديثة إلى مجال جديد من مخاطر الطابع غير الرسمي ، وهو استخدام الرموز التعبيرية ” الإيموجي” في المراسلات المرتبطة بالمفاوضات التعاقدية والممارسات التجارية اليومية يحيث يمكن أن تُثبت نية إنشاء علاقات قانونية ويمكن أن تُشكل قبولاً لعرض أو إيجاب تعاقدي.

تعتبر الإيموجي من السلوكيات التي تظهر الانفعالات أو الأحاسيس أو الإرادات ذات الآثار القانونية من خلال المراسلات التي تتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي (الواتساب أو الفيسبوك أو الانستا) أو من خلال البريد الإلكتروني، حيث قد يتم ارسال ايجاب عقدي عن طريق رسالة واتساب ويتم الرد عليها من خلال الواتساب برمز تعبيري (وجه مبتسم أو رمز الإبهام) فهنا يشكل قبول عقدي على الايجاب المرسل عبر الواتساب، حيث سلوك الرجل العادي عند استخدامه لرمز وجه مبستم أو رمز الابهام يدل على قبوله للشئ، ومن ثم ينعقد العقد ويتُفق على الشروط في هذه الحالة بسلوك جديد وهو الإيموجي دون قصد وفي إطار غير رسمي.

لذا يمكن أن نقول أنه ظهرت لغة غير رسمية في التعاقدت نحظر منها المسؤولين عن التعاقدات في الجهات الحكومية والشركات ، وهي مختصرات النصوص والرموز التعبيرية، حيث يمكن أن تؤدي إلى انعقاد العقود، والاتفاق على الشروط، عن غير قصد من ممثلين الجهات الحكومية أو الشركات أو الاطراف عموماً.

يعتبر الحكم الصادرمن المحاكم الكندية بتاريخ 8 يونيو 2023 في القضية بين شركة South West Terminal Ltd ضد [2]Achter Land، تطبيق حديث لممارسات تجارية وعقدية حديثة لاستخدامات الايموجي في التعاقدات، حيث رأت المحكمة أن الرمز التعبيري “الإبهام” 👍يمثل قبولاً صالحاً للعرض التعاقدي.

وتخلص وقائع القضية أن أدعت شركة  SWT (شركة صناعية تعمل في مجال الحبوب والمحاصيل)سبق وأنها قد أبرمت عقد شراء مؤجل التسليم (عقد الكتان) بتاريخ 26 مارس 2021 حيث وافقت SWT (شركة زراعية يديريها كريس أختر)على شراء الكتان  وكذلك وافقت Achter على تسليم 87 طناً من الكتان مقابل 669.26 دولاراً للطن، مع التسليم بين 1 نوفمبر 2021 و30 نوفمبر 2021، لم تقم Achter  بتسليم أي كتان في الموعد المتفق عليه ، قامت الشركة SWT برفع دعوى تعويض لعدم تنفيذ الالتزامات العقدية والتعويض عن الأضرار البالغة 82,200.21 دولاراً أمريكياً بالإضافة إلى الفوائد القانونية وكافة التكاليف والمصاريف، نفت Achter  الدخول في أي تعاقدات مع الشركة واستند إلى النظام القانوني الواجب التطبيق في العقد في المادة 6(1) من قانون بيع البضائع، RSS 1978، c S-1 [SGA]  والتي نصت على أن يعتبر العقد غير قابل للتنفيذ لعدم وجود مستندات تم إبرامها أو التوقيع عليها من قبل الأطراف.

واتضح للمحكمة من خلال الاطلاع على المستندات أن السيد كينت ميكلبورو هو ممثل التسويق في شركة SWT المدعية، حيث قام بمناقشة شروط عقد توريد الكتان عبر الهاتف مع السيد بوب أختر وهو ممثل شركة  Achter  ، وحيث بعد انتهاء التفاوض بينهما والموافقة على الشروط حرر السيد كينت ميكلبورو العقد والتقط صورة منه وارسالها من هاتفه الشخصي الى السيد بوب اختر ، وكانت رسالة صورة العقد تحتوي على عبارة “يرجى تأكيد عقد الكتان”، استجاب المشتري(بوب اختر) برمز تعبيري “الإبهام” 👍.

وفي مرحلة لاحقة، عندما نشأ نزاع، ادعى السيد بوب أختر أنه لا يوجد عقد نافذ وكانت علامة الإبهام مجرد إقرار فقط باستلام الرسالة النصية، وليس للإشارة إلى قبول العرض لإبرام عقد ملزم للطرفين، وأن الشروط والأحكام الكاملة لعقد الكتان لم يتم إرسالها له، واستطرد قائلاً  أنه فهم أن كامل العقد بتوقيع السيد ميكلبورو سيتم إرساله لاحقاً له عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني لمراجعته.

نظرت المحكمة في المسار السابق للتعاملات بين الطرفين، والذي تم من خلاله عرض العقود وقبولها وإدارتها على أساس غير رسمي للغاية عدة مرات من قبل، بما في ذلك عبر الرسائل النصية، فالطرفين كان لهما تاريخ سابق في التعاقد باستخدام لغة غير رسمية، مثل “ ” yup وهي تعني “نعم أو موافق” ولاحظت المحكمة أن منذ ارسال السيد بوب أختر للرمز التعبيري “👍” لم يتصل نهائياً بممثل الشركة أو أي شخص في SWT لمناقشة عقد الكتان بشكل مفصل كما يدعي باستثناء مناقشة مختصرة حول فشل محتمل لتسليم المحصول في سبتمبر 2021.

طبقت المحكمة المعيار الموضوعي وخلصت إلى أن الشخص العاقل سيعتقد أن الرموز التعبيرية للإبهام هي تأكيد أو قبول للعقد وفقاً للشروط المعروضة، وليس مجرد إقرار بالاستلام فقط ومن ثم تعتبر شركة أختر مسؤولة عن العقد وعن الإخلال في توريد محصول الكتان ومن ثم تتحمل التعويضات عن الأضرار ودفع مبلغ 82,200.21 دولاراً مستحق الدفع لـ SWT بالإضافة إلى الفائدة على المبلغ المذكور وقدرها 82,200.21 دولاراً أمريكياً.

النصائح العملية التي يمكن أن أقدمها لممثلي العقود التجارية في الجهات الحكومية والشركات؟

قبل القيام بأي عمل تعاقدي أو توريد أي سلع أو خدمات أو تحمل أي نفقات أو التزامات كبيرة، يجب عليك أن تأخذ في الاعتبار ما يلي:-

         يجب دراسة ومراجعة الممارسات التفاوضية للطرف الآخر ، فإذا كانت شركة يجب أن أقوم بدراستها جيداً وأعرف كافة الممارسات السابقة لها في مسائل التفاوض العقدي، وهل تفضل تلك الشركة الإطار غير الرسمي في التعاقد.

         يجب أن تكون على دراية بالمخاطر المرتبطة بالعمل غير الرسمي لا سيما فيما يتعلق بمراسلات التفاوض، حيث تعتبر حقل إلغام قابل للإنفجار في أي لحظة وإلزام شركتك أو جهتك الحكومية بما لم تقرره لك، فأحذر كل الحذر من مرحلة المفاوضات التي تتم في الإطارات غير الرسمية.

         يجب أن يتم تثقيف العاملين في إدارات العقود بمخاطر إبرام العقود “دون قصد” بواسطة اللغة غير الرسمية مثل الرموز التعبيرية أو الاختصارات النصية أو غيرها من السلوكيات الالكترونية الحديثة.

         تجنب قدر الإمكان التواصل(الإيجاب والقبول) “غير الرسمي” مثل الرموز التعبيرية وغيرها من الاختصارات النصية عند التعامل مع العقود والمفاوضات.

         ضرورة إضافة ملاحظة مبدئية أسفل توقيعات البريد الإلكتروني لإخلاء المسؤولية عن احتمال أن يكون التذييل بمثابة توقيع للأغراض التعاقدية، أو الكتابة بوضوح أسفل البريد الإلكتروني أن دلالة الرمز التعبيري لا تعني الموافقة على التعاقد ولكن فقط تفيد أنه تم استلام الإيجاب التعاقدي من المتعاقد.

         سجل لديك وأخطر المسؤول في الجهة الحكومية أو الشركة، عما إذا كان المقصود من أي اتفاق تم التوصل إليه أن يكون له أثر قانوني من عدمه، أو ما إذا كان الطرفان يطلبان توثيق أي اتفاق من هذا القبيل وتوقيعه رسمياً من قبلهما قبل أن يصبح له قوة تعاقدية.

         يجب معرفة هل تم الاتفاق على جميع الشروط التعاقدية، بمعنى أخر هل التفاوض شمل جميع الاشتراطات التي قررتها الشركة أو الجهة الحكومية، وذلك قبل أن ترد بالقبول بالرمز التعبيري، حتى لا تضع الشركة أو الجهة الحكومية في موقف خطر من خلال قبولك بالرمز التعبيري.

         لا ترسل الرمز التعبيري في تجديد العقود، حيث قد لا ترغب الشركة أو الجهة الحكومية في التجديد أو ترغب في التجديد ولكن بشروط جديدة، حيث إرسال رمز الإبهام على طلب تجديد العقد يعني الموافقة بذات الشروط السابقة.

 

 

 



[1] راجع مؤلفنا المرونة والقانون ، دار النهضة العربية ، طبعة 2023.

[2] – KING’S BENCH FOR SASKATCHEWAN, 2023 SKKB 116, 2023 06 08 QBG-SC-00046-2022 Swift Current.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى