الخلافة وأصول الحكم! (1)

الخلافة وأصول الحكم! (1)

نشر بجريدة الأهرام الاثنين 18/1/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

أمضيت معظم حياتي دارسًا متأملاً في التاريخ الإسلامي، أو بالأحرى تاريخ المسلمين، لأن هناك من تاريخ المسلمين ما لا يجوز نسبته إلى الإسلام لذلك فإن الأدق أن يقال “تاريخ المسلمين”، ولا يقال “التاريخ الإسلامي” ومن باب الدقة فيما تنصرف إليه هذه السطور أن يقال: “التاريخ السياسي للمسلمين”، ووجه هذا أنه يوجد على الطرف المقابل: “التاريخ الثقافي والعلمي والمعرفي للمسلمين”، وشتان بين التاريخين مع أن التعبيرين ينصرفان إلى ذات السنين، ما بين السنة الأولى للهجرة، وحتى الآن.

وقد عاينت هذا الفارق الكبير حيث عالجت التاريخ السياسي للمسلمين، وهالني ما أريق فيه من دماء، وأزهقت فيه من أرواح، بعيدًا عن قيم ومبادئ وأحكام الإسلام، فأفرغت هذا في كتاب “دماء على جدار السلطة”!!

غريبٌ ولا يزال، الدماء التي أريقت على جدار السلطة، في ظل شريعة سمحاء، تحرِّم القتل وإزهاق الأرواح، وتنذر بأشد أنواع العقاب في الدنيا والآخرة من يقارف هذا الوزر الشنيع، وتعلم الناس أن من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، وأن جزاء القاتل عمدًا جهنم خالدًا فيها يبوء بغضب الله تعالى عليه وبما أُعِدَّ له من عذاب عظيم .

لذلك كان غريبًا ولا يزال أن تتعدد وتكثر حوادث القتل عبر تاريخ للأسف طويل ـــ من أناس يحسبون أن أعمالهم من الإسلام، دفعهم حب السلطة والحرص عليها إلى إسالة الدماء وقتل الآباء والإخوة والأبناء، فامتلأ التاريخ، وهو ليس من الإسلام، بوقائع قتل جرت على جدار السلطة، مخيفة ومفزعة!

كان اغتيال الفاروق عمر بن الخطاب، أول حادثة قتل للخليفة في الإسلام، فقد قتل غيلة وهو يقيم الصلاة، بيد أن مقتل الفاروق على الفجيعة المفجعة فيه، لم يكن صدمة في العقيدة، لأن القاتل كان غلامًا دخيلاً على الإسلام، ومن ورائه عصابة تدين بغير دين الإسلام، وتكره من عمر بن الخطاب عليه الرضوان، ما بذلة ويبذله لإقامة هذا الدين، ولذلك فلم تكن لواقعة القتل أي مرجعية تمس العقيدة أو تصطدم بها، وإن بقيت الفاجعة التي فجعت المسلمين بقتل الفاروق أمير المؤمنين!

على أن قتل ذي النورين، عثمان بن عفان، كان صدمة مؤلمة في تاريخ العقيدة، لأن القتلة تأولوا قتله، وحسبوا تأويلهم من الإسلام، فقتلوا الخليفة قتلة بشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين، وحال قيامه بتلاوة القرآن، كذلك كان اغتيال الإمام على بن أبى طالب وهو يتقدم لأداء الصلاة، وبدأت بذلك أحداث الفتنة الكبرى، وانفتحت بجرثومة طلب الحكم والطمع فيه والسعي إليه أبواب لم تنغلق، لحادثات قتل شنيعة، وعنف دموي امتد إلى اليوم!

لم تكن من الإسلام ـــ حادثات العنف والقتل والاغتيال في طلب الحكم، ولكنها حملت إساءات بالغة إلى الإسلام، وتركت ندوبًا غائرة في تاريخ المسلمين.

ولم يكن صوابًا خروج معاوية بن أبى سفيان، على الإمام على بن أبى طالب الذي بويع بيعة صحيحة، جاءت في محلها.. ومن ثم لم يكن خروج معاوية عليه من الإسلام، ولم يستند إلى أي مرجعية إسلامية، وإنما كان بدافع السياسة وطلب الحكم، وإذكاءً في الواقع للتنافس القديم من قبل الإسلام بين البيت الهاشمي والبيت الأموي، وكذلك كان الأمر بل أشد خروجًا على الإسلام تنصيب ابنه يزيد جبرًا رغم أنف المسلمين!!

ولم يكن رفع “قميص عثمان” والمطالبة بدمه أو بدفع قتلته، لم يكن إلاَّ ذريعة أو تعلة كاذبة للخروج على البيعة، وكان الإمام على آخر من يمكن أن يُتهم في دم عثمان، فقد كان الوحيد من الأربعة الباقين من الستة الذين عهد إليهم عمر بالشورى ـ كان الوحيد من الأربعة الذي كان ينصح له ويخذل الناس عن الثورة والفتنة ما وجد إلى تخذيلهم عنهما من سبيل، ولم يكن عثمان يلجأ في طلب النصح أو طلب النجدة إلاَّ إليه.

وكما كان الإمام على آخر من يُتهم في دم عثمان، أو يُطَالب بدفع قتلته الذين شاع أمرهم وصعب التعرف اليقيني عليهم في زحمة الحادث وكثرة المشاركين فيه، بينما المدينة كلها تحت رحمة الثائرين ـ فإن معاوية آخر من كان يحق له المطالبة بدم عثمان، وقد تخلف في الواقع عنه رغم الاستنجاد به، مع أنه كان يملك الجند والمال والتأثير بالشام، ويستطيع لو أراد أن ينجد الخليفة الذي طال حصاره وحصار الصحابة معه بالمدينة ما يكفي لنجدته!

وقد كان الإمام على أجدر المستحقين للخلافة، وأقواهم على القيام بالأمر وحمل الناس على الجادة , كما قال فيه عمر الذي كان يرى أنه أشبه الناس به في شدته في الحق.

وأعود فأقول إن خروج معاوية على الإمام على لم يكن صوابًا، ولا كان من الإسلام، وإنما كان طلبًا للحكم في صراعٍ وصفه العقاد وطه حسين أبلغ وصف حينما قررا أنه كان صراعًا بين “المُلْك” الدنيوي الذي يمثله معاوية، و”الخلافة” الحقة التي مثلها الإمام على أبلغ تمثيل، بينما كانت الرياح مع “الملك” لا مع “الخلافة” التي ولت مبادئها بانتهاء عهد الراشدين.

أما كيف سار تاريخ المسلمين في العلم والمعرفة والحضارة، فإلى المقال القادم إن شاء الله!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى