الخطاب القانوني ولغة القانون وعلاقتهما بترسيخ الأمن المجتمعي وتعزيز الازدهار الاقتصادي (1)

بقلم: د. محمد عبد الكريم أحمد الحسيني

لدينا خماسية قانونية متقاربة إلى حد الاشتباه … تترابط فيما بينها وتجتمع في آثارها وتأثيرها  الأمني والاقتصادي داخليا وخارجيا ، كما أنها تتمايز في استخدامها ، وتتنوع في أساليبها …وقد تتباين في سياقاتها… وتتباعد في مستهدفها وجمهورها.. وهي ذات علاقة وثيقة ومباشرة بتحقق الأمن المجتمعي وتعزيز وتعظيم الأثر الاقتصادي على ما سيأتي تفصيله وبيانه .

وينبغي لنا الوقوف على تلك الخماسية القانونية والتعرف على مضامينها والكشف عن عناصرها  فهي من الأهمية بمكان للفصل ما بين مخلفاتها والتمييز ما بين ثوابتها ومتغيراتها ، وتكشيف محظوراتها  للنأي عنها وبيان مباحاتها  لتعظيمها وتعزيزها.

ولا يخفى أنَّ البحث العلمي والسلوك المنهجي  هو ما يجمع بين المتشابهات ويؤلف ما بين المتناظرات … … وهذا وحده سبيل تطوير الخطاب القانوني ودرب تفعيل أدواره المعطلة في تثقيف المجتمع وتوعيته وإشرابه للقيم والمعاني القانوني الوقائية ، وما يتبعها من  تحقيق المنع من الاحترام  والحدِّ من الخُطورة الإجرامية  ، وما يتبع هذا من تعزيز الأمن المجتمعي وتهيئة البيئة للازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، وهي غاية غايات الأوطان في أن تنعم بالأمن وترغد بناعم العيش  .

وكذلك فإن البحث العلمي والتناول المنهجي للغة القانون على تنوعها وللخطاب القانوني على أهميته، هي السبيل الصحيح لتكشيف أزمة هذا الخطاب ، وللوقوف على  حقيقة قصوره وشدة عوزه للتصحيح والتطوير والتجديد … !!!!

تمهيدا لقيامه بأدواره الغائية في صالح تعزيز دولة القانون بدعم وحدة الوطن والعمل على تماسك بنيانه الاجتماعي وجبهته الداخلية ، وفي تعظيم الأمنين المجتمعي والقومي  وإحداث الازدهار الاقتصادي على نحو ما سبق وما سيأتي تفصيلا.

ولأنه من خصائص العلم أنه جزئي يتناول الأجزاء استقراءا أو يتناول مجموعها استنباطا  فهو في سياقه الاستقرائي  يبنى على الجزئيات خلافا للفلسفة التي تبنى -ابتداء وانتهاء – على الكليات وتميل لوضع النسقيات العامة … وبناء على هذا يمكننا استصحاب تلك المنهجية في ملاحظة تعداد ما يلي من المستويات اللغوية القانونية- لغة وخطابا شكلا وموضوعا مقصودا ومستهدفا- في المستويات الخمسة التالية:

 المستوى الأول : مستوى لغة النص القانوني

وقوامها ” النص القانوني ذاته ” وهو نص صارم في لغته ، متميز في أسلوبه ، متكامل في بنيانه ، ذو خصائص وسمات في مفرداته وفي تراكيبه وفي روابطه بداية من وحداته الصغرى إلى وحداته الكبرى انتهاء بروابط تلك الوحدات ….

 المستوى الثاني:   لغة فقه القانون

وهي لغة تتعلق بالنص القانوني السابق أيا كان ذلك النص من حيث مدلولاته ودلالاته ومقاصده ومراماته المباشرة  والضمنية واللزومية … وهي مَعنيّة  بشرح  ذلك النص وتفسيره وتأويله وتوجيهه والتعليق عليه واستخراج مؤداه والوقوف على مغزاه وسائر متعلقات ذلك …. ومن ثم فهي لغة مرنة تعتمد على التقريب والتمثيل والتوضيح والجمع ما بين الإنشاء والتقرير وما بين دقة الربط وقوة الإقناع وشمول التأصيل والإحاطة ….

المستوى الثالث :  لغة الحكم  

وهي تلك اللغة الحاسمة ، لغة الفصل والقضاء ، وهي الموقِّعةُ عن العدالة ، وهي لسانها الناطق ، وهي لغة في جملتها تعنى بمطابقة النص  لوقائعه وإسقاطه على متعلقه  والوقوف على نماذجه من حيث إثبات التأثيم والتجريم ( النموذج القانوني للجريمة) أو رفع ذلك التجريم ورد الفرع إلى أصله في الإباحة والبراءة لأنها قرينة أصلية لا تثبت بشك ولا تقوم بريبة ولا تَحِيق بمظنَّة ، إلا أن يقطع ذلك علمٌ قائمٌ   ودليلٌ ثابتٌ  يتبينُ للقاضي بيانا لا يقبل الرِّيبةَ ولا يظاهره شكٌ ….  ولغة الحكم هي عنوان الحقيقة ما استوفت شروطها واستتمت أركانها .

المستوى الرابع : لغة الدَّفع والدِّفاع

وهي لغة قانونية تتسم بالمرونة وتمتاز بالليونة والتوسع،  فهي تجمع ما بين لغة الحسم في دقتها وما بين لغة النص  في صرامتها وما بين التمثيل والتشبيه والتفريع بهدف التقرير والإحاطة بعناصر الدفاع ، ثم التأثير وهي من غاياتها أن تحدث تأثيرا في التصورات وفي المدركات ، انتهاء إلى التغيير ، حيث تغيير القناعات وتوجيه المسارات في صالح الدفع والدفاع بما يستهدفه المدافع وما يتوخى تحقيقه في قضيته .

المستوى الخامس : الخطاب القانوني

وهي بيت القصيد، وغاية المريد  في سلسلة تلك  المقالات ،

  • فما (هو ) الخطاب القانوني ؟
  • وما فائدة تناوله ..وما علاقته بالأمنين المجتمعي والقومي؟
  • ما علاقته بالازدهار الاقتصادي والرفاه المعيشي ؟
  • وما علاقته بلغات القانون الأربعة السابقة ؟
  • وما علاقته على وجه الخصوص بلغة النص القانوني ؟

وهنا يقع الخلط ويحيق الاشتتباه …ما بين لغة النص القانوني وما بين الخطاب القانوني !!!!

فإذا كان القانون هو القانون:  نصٌّ عظيمُ الشأن ، عظيمُ الأثر ، معياريٌّ مطلق لا استثناء فيه ولا تمييز لديه ، فهو قواعد عامة مجردة مطلقة في شمولها ، ثم إنه علم اجتماعي معياري الأصل( كعلم الأخلاق النظرية )  تتسم قواعده بأنها معيارية تقويمية تستهدف تقويم وتنظيم سلوك الفرد وضبط المجتمع ، ومن ثم فإن قواعده يترتب عليها المساءلة لمنتهكها والعقاب جزاء مخالفتها والتجريم حال ارتكاب محظوراتها :

  • فهل ما ينطبق عليه ماينطبق على الخطاب القانوني ؟
  • وهل يتسم الخطاب القانوني بأنه جامد مطلق جمودَ لغةِ النصِ القانونيِّ ..؟؟؟!!
  • وهل لا يقبل ذلك الخطاب القانوني المرونة ولا يحتمل النسبية …؟؟؟
  • وهل يلزم عنه عدم مراعاة حال المخاطبين وظروفهم وسياقاتهم وانتماءاتهم وثقافاتهم ….. كما هو الحال مع لغة النص القانوني ؟!!!
  • أم إنه خطاب مرن يحمل معلومات وقيم ومعان وإن كانت قانونية في أساسها إلا أنها ذات سياق اجتماعي وذات مرمى إنساني … ؟؟؟
  • وهل لغة الخطاب القانوني هي رسائل آمرة من مؤسسات القانون ورجالاته لجموع المخاطبين بالقانون ….أم هو خطاب يقوم على الشرح والتحليل والتفسير القانوني  الاجتماعي بمعناه العام  بما يناسب واقع المخاطب وسياقاته …؟؟!!!
  • وهل لغة الخطاب القانوني هي تلك اللغة القانونية الصارمة ، والتي تقوم على التركيب والدقة وترابط الجمل وتماسك المعاني بما لا يمكن التصرف فيها ولا الخروج عنها ؟
  • وهل لغة الخطاب القانوني تلك لغة تقريرية وصفية صِرفة تقوم على الوصف والتحديد والجمع والمنع والربط ما بين الأصل والفرع فحسب ……..؟؟!!!
  • أم هي لغة متوسعة ما بين الخبرية المباشرة ذات غاية الإقناع مع كونها لغة فنية تخاطب النفوس وتناغي الوجدان بإيناس وإمتاع… ؟!!!

وهل مناهج الخطاب القانوني هي نفس مناهج لغة النص القانوني  تلك المناهج الصارمة المعيارية ؟؟؟؟

هل وهل وهل …. وهي جملة هلات وتساؤلات تعبر عن مشكلة البحث وعن مفاصله  ستنتاول الإجابة عنها وبسطها في المقالات التالية … بإذن الله .

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى