الحراسة القضائية (ماهيتها أسبابها)

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى

تعد الحراسة من أهم الوسائل التي تم صياغتها من أجل المحافظة على المال المتنازع عليه فعندما يختلف الشركاء جول ملكية أو إدارة المال يرجح هلاك هذا المال بسبب تلك النزاعات التي تعرض حفظه وإدارته للخطر لذلك عنى المشرع بصياغة نصوص تحاول الحفاظ على المال المتنازع عليه ومنها أحكام الحراسة.

يمكن تعريف الحراسة بأنها وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر عاجل في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته ورده مع تقديم حساب عنه إلى من يثبت له الحق فيه ويوضع المال تحت الحراسة إما باتفاق بين الطرفين المتنازعين فتكون حراسة اتفاقية وإما بحكم من القضاء فتكون حراسة قضائية. (د/ عبدالرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – الجزء السابع- المجلد الأول- طبعة منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت- فقرة 394- ص 781.)

يتضح من التعريف السابق أن للحراسة في القانون المدني المصري أركاناً ثلاثة: الأول: المال الموضوع تحت الحراسة، الثاني: الاتفاق على الحراسة أو صدور حكم قضائي بها، الثالث: تعييّن الحارس رضاءً أو قضاءً.

يقتصر المقال على توضيح فكرة الحراسة القضائية وعلى ذلك فمفهوم الحراسة القضائية هو قيام نزاع على مال واختلاف أطرافه سواء في إدارته أو وضعه في يد أمين لإدارته فيقوم أحد الأطراف بطلب تعييّن حارس قضائي تكون مهمته إدارة المال موضوع النزاع لحين انتهاء النزاع رضاءً أو قضاءً .

يجب لقيام الحراسة القضائية في القانون المدني المصري والكويتي على حد سواء أن يكون هناك خطراً عاجلاً يتهدد المال المتنازل عليه، وهو ما ورد في نص المادة (730) من القانون المدني المصري بعبارة (خطراً عاجلاً) كذلك جاء النص في قانون المرافعات لتوضيح الخطر العاجل بأنه ( المسائل المستعجلة التي يخشي عليها من فوات الوقت).

كما أكدت النصوص في القانون المدني الكويتي ذات المعني فجاء نص المادة (723) من القانون المدني والمادة (32) من قانون المرافعات بذات المعني، وأكدت أحكام محكمة التمييز أن الحراسة القضائية مشروطة بالخطر الحال العاجل قضت بأن (من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن الحراسة وضع مال متنازع فيه بيد أمين إذا كان بقاءه في يد حائزه من شأنه أن يهدد بالخطر من يدعى لنفسه حقا فيه ، وتقدير أوجه النزاع وتوافر الخطر الموجب للحراسة من المسائل الموضوعية التي تقدرها محكمة الموضوع وحسبها أن تقيم  قضاءها على أسباب سائغة تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام  قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من فرض الحراسة القضائية على الأعيان محل الشركة على ما خلص إليه من أن مؤدى القضاء برفض طلب فسخ  العقد المؤرخ 14/4/1998 أن يصبح استمرار الحراسة القضائية لاستمرار ذلك العقد صحيحا نافذا بين طرفيه معبرا عن إرادتهما ودون نزاع حول ما تضمنه من حقوق والتزامات خاصة وأن أساس طلب الفسخ كان إخلال المطعون ضده الأول بالوفاء بالمقابل المادي الوارد بالعقد وهو 1900 د.ك شهريا وقد ادعى الأخير بما قضى به الحكم المستأنف وزيادة بما ينتفي معه ثمة تهديد بالخطر يلحق بالطاعن فضلا عن خلو الأوراق من أي تهديد بالخطر ببقاء الأعيان المبيّنة بالعقد في يد حائزها وهى أسباب سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم وتدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فى تقدير توافر الخطر الموجب للحراسة من عدمه ومن ثم يضحى النعي بهذا الوجه جدلا موضوعيا لا تجوز إثارته أمام محكمة التمييز. (الطعن رقم 1319 لسنة 2004 – جلسة 12/10/2005- الدائرة التجارية).

وأكدت محكمة النقض المصرية أنه (إذا كان تقدير الخطر الموجب لفرض الحراسة والنزاع الجدي بشأن المال موضوع الدعوى والضرورة الداعية لها من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون رقابة عليها من محكمة النقض طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدى إلى النتيجة التي انتهت إليها  لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد قضى برفض طلب الطاعن فرض الحراسة على أعيان النزاع موضوع الدعوى لعدم توافر شروطها سالفة البيان وأن إجراءات التقاضي العادية كافية للفصل في النزاع المطروح على المحكمة وخلص إلى انتفاء ركن الخطر العاجل الموجب لفرض الحراسة وهى أسباب سائغة لها معينها من الأوراق وتكفى لحمل قضائه في هذا الشق). (الطعن رقم (37 لسنة 78 ق ) – جلسة 10/1/2012- مكتب فني السنة 63 قاعدة 14 صفحة 106 .)

نصل مما سبق إلى أن الحراسة في طبيعتها دعوى مستعجلة أو ترفع كطلب عاجل في دعوى موضوعية فالأصل فيها الاستعجال والخطر الحال الداهم، وعلى ذلك نجد أن من أهم شروط بحث الحراسة في التشريع المصري ما ورد بنص المادة (45) من قانون المرافعات والتي بينت اختصاص القاضي المستعجل بتوافر الخطر الحال العاجل فتقوم المحكمة ببحث هذا الخطر وتقدير مدى توافره من عدمه حتى تقضي بفرض الحراسة.

فالقاضي المستعجل يختص بفرض الحراسة القضائية على منقول أو عقار أو مجموع من المال قام بشأنه نزاع أو كان الحق فيه غير ثابت، إن تجمع لدى صاحب المال من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد الحائز، ومفاد ذلك إنه يُشترط لاختصاص القضاء المستعجل بفرض الحراسة القضائية أن تتوافر أمامه أركان الحراسة من (نزاع) و (خطر) و (قابلية محل الحراسة لأن يعهد بإدارته للغير)، فضلاً عن توافر شرطا اختصاصه من: (استعجال) و (عدم مساس بأصل الحق) والمقصود بالنزاع في هذا الصدد النزاع بمعناه الواسع فهو يشمل النزاع المنصب على المنقول أو العقار أو مجموع الأموال المراد وضعها تحت الحراسة أو النزاع الذي يتصل بهذا المال اتصالاً يقتضى عدم بقاءه تحت يد حائزه، والنزاع الموجب للحراسة كما ينصب على الملكية أو على الحيازة قد ينصب على الريع وكيفية توزيعه على أصحاب النصيب أو على الإدارة، ويشترط فيه أن يكون جدياً وعلى أساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات وظروف الحال، ويجب أيضاً لاختصاص القضاء المستعجل بنظر دعوى الحراسة أن يتوافر في الدعوى شرط “الخطر العاجل” الذي لا يكفى لردعه إجراءات التقاضي العادية، ويجب أن يكون هذا الخطر جدياً قائماً على سند من الجد يكشف عنه ظاهر أوراق الدعوى وظروفها، ويجب أن يتوفر في الدعوى أيضاً ركن الاستعجال وهو الخطر الحقيقي المحدق بالمال المراد المحافظة عليه والذي يلزم مواجهته بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده وهو ينشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته والظروف المحيطة به لا من فعل الخصوم أو اتفاقهم، كما يُشترط لفرض الحراسة القضائية من القاضي المستعجل عدم المساس بأصل الحق، وأخيراً يشترط أن يكون المال محل الحراسة قابلاً لأن يعهد بإدارته للغير. (الاستاذ/ محمد علي راتب- قضاء الأمور المستعجلة – طبعة 1985- ص 474).

كما قضت محكمة التمييز في ذلك بأن (من المقرر قانوناً وفقاً لنص المادتين 31، 32 من قانون المرافعات أن الاختصاص بفرض الحراسة أو إنهائها مقرر بصفة أصلية لمحكمة الأمور المستعجلة إذا توافرت شروط اختصاصها، ولمحكمة الموضوع إذا طرح تابعاً لدعوى الحراسة القضائية التابعة للطلب الموضوعي، فإذا ما رفعت دعوى الحراسة على استقلال أمام محكمة الموضوع التي لا تختص- بحسب الأصل- بنظر المسائل المستعجلة بصفة مستقلة، فإن ذلك يشكل مخالفة لقواعد الاختصاص النوعي المتعلقة بالنظام العام. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، وقضى بعدم اختصاص محكمة أول درجة نوعياً بنظر دعوى الحراسة التي رفعت إليها استقلالاً عن الدعوى الموضوعية بطلب قسمة العقار المرفوعة من الطاعنة، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.). (الطعن رقم 112 لسنة 2003 – جلسة 9/2/2004- الدائرة المدنية).

الحراسة إجراء تحفظي وعليه لا يصح أن تكون الحراسة تهديداً للمدين أو إجراءً تنفيذياً لكونها إجراء تحفظي وقتي فلا تمس أصل الحق المتنازع عليه وكنتيجة طبيعية لما سبق جميعه ورد النص على اختصاص القضاء المستعجل اختصاصاً نوعياً بنظر دعوى الحراسة.

بمجرد الحكم بالحراسة يتسلم الحارس القضائي والمعيّن من قبل المحكمة إدارة المال موضوع الحراسة ويلتزم بحفظه وصيانته وتقديم كشف حساب حسبما تقضي المحكمة سواء بشكل سنوي أو نص سنوي أو شهري وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن (المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن فرض الحراسة القضائية على مال من الأموال يقتضى غل يد المالك عن إدارة هذا المال فلا يجوز له بمجرد تعيين الحارس القضائي أن يباشر أعمال الحفظ والصيانة أو أعمال الإدارة المتعلقة به ، ذلك أن الحراسة إجراء تحفظي والحكم الصادر فيها هو تقرير بتوافر صفة قانونية للحارس لأداء المهمة التي تناط به في الحدود التي نص عليها الحكم الصادر بتعيينه ويستمد الحارس سلطته من الحكم الذى صدر له وتثبت له هذه الصفة في التقاضي عن الأعمال التي تتعلق بالمال محل الحراسة ).(الطعن رقم (451 لسنة 88 ق ) – جلسة 14/4/2019- الدائرة المدنية).

والحارس القضائي نائب عن صاحب المال في إدارته وحفظه ومن ثم فهو ملتزم بما يلتزم به النائب من التزامات وكذلك يحدد حكم الحراسة حقوق والتزامات الحارس ويبيّن كيفية إدارته للمال الموضوع تحت الحراسة كما يمكن أن يحدد له أجراً عن تلك الحراسة وفي  ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن (المقرر في قضاء محكمة النقض أن الحارس القضائي يصبح بمجرد تعيينه نائباً عن صاحب الحق في المال الموضوع تحت الحراسة وهو بهذه المثابة ملزم بالمحافظة على الأعيان التى تحت يده الخاضعة للحراسة والقيام بإدارتها وهو صاحب الصفة في التقاضى فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات باعتباره نائباً عن ملاكها ، وكان الأصل وفقاً لنص المادة ١٠٥ من القانون المدنى أن ما يبرمه النائب في حدود نيابته ينصرف إلى الأصيل ، إلا أن هذه النيابة تقف عند حد الغش فإذا تواطأ الحارس مع الغير للإضرار بحقوق صاحب الحق في المال الموضوع تحت الحراسة ، فإن التصرف على هذا النحو لا ينصرف أثره إلى هذا الأخير (الطعن رقم (1924 لسنة 74 ق) – جلسة 8/1/2017- دوائر الإيجارات).

تنتهي الحراسة رضاءً أو قضاءً فحال انتهاء النزاع حول المال الموضوع تحت الحراسة فلا يكون هناك ثمة مبرر لاستمرار الحراسة القضائية فيكون للأطراف أن يطلبوا انتهاء الحراسة ويكون ذلك بالتوافق فيما بينهم أو بحكم المحكمة ويلتزم الحارس كما تسلم المال محل الحراسة بتسليمه وتقديم كشف حساب عن إدارته وحفظه كما يلتزم الأطراف بأجر الحارس.

خلاصة القول:

الحراسة القضائية حماية للمال من الإهمال الذي قد يصيبه حال نشوب نزاع بين الشركاء أو أصحاب الحقوق عليه والغاية التشريعية التي تغياها المشرع من الحراسة هي المحافظة على المال وإدارته بشكل يضمن حمايته طوال فترة النزاع وهي غاية نبيلة لذلك حرص المشرع على إبعاد الحراسة عن فكرة القضاء الموضوعي لطول فترات التقاضي وأراد إبقاء الأمر عاجلاً واعتبر النزاع في حد ذاته خطراً على المال يبيح الحراسة ونوصي بتعديل أحكام الحراسة بزيادة سلطات الحارس فقد تنشأ أمور عاجلة قد تشكل خطراً على المال محل الحراسة توجب التدخل بتصرف من التصرفات التي تخرج عن حدود أعمال الإدارة فنجد الحارس وهو مغلول اليد لا يستطيع التصرف ولكن مع منحه سلطة استثنائية بعمليات إدارة غير معتادة حماية للمال محل الحراسة سوف تزيد قوة الحراسة كوسيلة للمحافظة على المال وبالتالي نضمن تفعيل أكثر قوة لدور الحارس سواءً كان قضائياً أو تم تعيينه بالاتفاق.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى