الإنسان والدول بين الأصل والطبيعة والأحوال ! (3)

من تراب الطريق (987)

الإنسان والدول بين الأصل والطبيعة والأحوال ! (3)

نشر بجريدة المال الاثنين 30/11/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

قد يرجى تحاشى وقوع الأفراد في وهدة « الحالة » التي تتلبسهم للثأر أو الانتقام، أو للجنوح وارتكاب الجرائم ومسايرة الشهوات، وذلك بمزيد من العناية بالتربية والتعليم والتثقيف والوعظ والإرشاد وهو ما يواجهه إتباع سياسة واعية في تربية الفرد ورعايته وكفالة بنائه البدني والنفسي والأخلاقي وتأهيله في مراحل السنية المختلفة منذ النشأة حتى اكتمال النضج، واتساع الثقافة والمعرفة، وفهم دقائق الحياة، وأقوم السبل للتعامل معها ومع معطياتها وظروفها المختلفة، وجدوى وأهمية تغليب العقل على العاطفة، وسيطرته على الغرائز وكبح جماح الشطط الذي قد يعترى أحوال الفرد ويزج به إلى الخطأ أو المجهول، وذلك كله يستوجب التفاتًا دائمًا وعناية موصولة بتأديب وتهذيب النفس، مما يقوى سقفها الأخلاقي والسلوكي، مع تقوية السقف الديني، مع كفالة الفرص المتكافئة للعمل والخدمات التي تقى الأفراد شرور الجنوح أو الجموح بفعل اليأس أو السخط أو الإحباط، وقد يؤمل ترويض جموحات سياسات الدول بدعم وتكريس النظام الدولي وإقامة التوازن بين المصالح، وتوافق المجتمع الدولي على رعاية  ما ارتضته الجماعة الدولية من نظم وضوابط تحكم مسارات وسياسات الدول بعيدًا عن هيمنة وغلو وسيطرة وغطرسة من دانت لهم القوة وانفردوا أو كادوا بحكم العالم !

الحالة الوحيدة التي لا رجاء ولا أمل فيها، هي « الحالة » الإسرائيلية .. عن الصهيونية أتحدث لا عن الديانة اليهودية التي كرم القرآن المجيد أنبياءها .. أما الصهيونية فشيء آخر .. هي حالة لا رجاء فيها، لأنها ليست ناجمة عن ظرف أو ظروف طارئة تصب فتخرج الطبيعي إلى « حالة » غير طبيعية، وإنما المأساة أن « الحالة » هي الطبيعة والأصل في الصهيونية، لأن الدولة الإسرائيلية الصهيونية قائـمة بأسرها على « عقيدة » « صهيونية» « عرقية » « عنصرية » وفلسفة للتخديم عليها تجد في السلام الحقيقي بعثرة وانفراطًا لعقدها القائم تلاحمه على تكريس هذه العقيدة والتأكيد عليها وإقناع الأجيال تباعًا بأنها الضمان الوحيد لبقاء واستمـرار إسرائيل ! ماذا يمكن للعالم ـ ولا أقول العرب فقد فعلوا ما عليهم وزيادة ! ـ لإخراج صهيونية إسرائيل من هذه « الحالة » وإقناعها بأن العالم يتسع للجميع على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم وفلسفاتهم وعقائدهم . يجرى وراء سراب من يظن أن إسرائيل جادة أو يمكن أن تكون جادة في السلام راغبة فيه، وإنما هي تناور لتماطل وتهضم الحقوق العربية وتطمرها في زوايا النسيان، طموحًا إلى إسرائيل الكبرى الحافظة لنقائها العرقي وفلسفتها الصهيونية ! هذه الفلسفة التي نراها تجرى كل يوم وراء التوسع والاستيلاء على ما حولها من أراضي ومدن الغير .. رأيناه ونراه في إصرارها وسعيها الدءوب على تهويد القدس، والتسلح للولايات المتحدة لإجبار الفلسطينيين والعرب والعالم على قبول اغتيالها لها واتخاذه كما تدعى ويناصرها القرار الرئاسي الأمريكي بأن تكون عاصمة أبدية ـ هكذا ـ لإسرائيل حتى تغلق الأبواب نهائيًا في وجه أي محاولة لاستردادها لأصحابها ومواطنيها، ورأينا كيف تغولت على الجولان السورية، ولم يكفها  احتلالها والهيمنة عليها لأكثر من خمسين عامًا، وإنما تقضمها بدعم وتأييد أمريكي لا يراعى قيم الحق والعدل، ويشجعها أيضًا على اغتيال ما تبقى من الضفة الغربية للأردن .. فهل التفتت الصهيونية وأشياعها إلى أن الطموح إلى إسرائيل الكبرى بالاستيلاء على ما حولها وتفريغه، سوف يرتد عليها، وأن الدم يقابله دم، كذلك الظلم والقهر .. يومًا ما سوف تنفجر عناقيد الغضب، فالشعوب قد تهدأ وتسترخى، ولكنها لا تموت !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى