الأزهر ودوره العالمي

من تراب الطريق (1225)
نشر بجريدة المال الأحد 21/11/2021
ـــ
الإمام الطيب
والقول الطيب
(58)
ــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
الأزهر ودوره العالمى
ـــ
لا شك أن للأزهر دورًا عالميًّا يؤديه منذ سنوات بعيدة ، بيد أن كثافة هذا الدور ، وأداؤه ، والحاجة إليه ـ أكثر ما تكون فى العصر الحاضر الذى تفشت فيه ظواهر تسىء إلى الإسلام والمسلمين ، وتحمل الآخرين على سوء الظن به وبمعتنقيه وتمثلت هذه الظواهر فى كيانات التشدد والإرهاب ، التى انحرف فهمها للإسلام عن عمد وغرض ، أو عن جهالة وضحالة مقرونتين بجرأة على الحديث بل والإفتاء فيما تجهل ولا تعرف !
حول هذا الموضوع ، تحدث الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، فى يونيو 2015م /شعبان 1436 هـ ـ إلى مجموعة من السفراء والدبلوماسيين المعتمدين بالمملكة المتحدة ، ما بين مسلمين ومسيحيين ، إلتقى بهم بالسفارة المصرية فى لندن ، ليبسط إليهم ما ينبغى على الأزهر أن يعتنى به ويبذله هذه الأيام .
من واجب الأزهر أن يتحسس ضمير الأمة وطموحاتها ، ولا يغفل أى صوت فيها ـ علاَ أو خَفُت ، إيمانًا بالتعددية والشراكة الوطنية بين كل أبناء الوطن على أساس المساواة الكاملة .
نهض الأزهر بهذه الرسالة خلال تاريخه الطويل ، وليس ببعيد أن معظم من تصدوا للباشا العثمانى المتحكم فى مصير البلاد كانوا من الأزهريين ، وكذلك فى الثورة على الحملة الفرنسية ، كما ليس ببعيد أن عرابى الذى دافع عن الكرامة الوطنية كان مصريًّا أزهريًّا ، وأن زعيم الأمة سعد زغلول ، كان مصريًّا أزهريًّا ، وأن الذى افتداه من الاغتيال أخ له قبطى إيمانًا بوحدة النسيح والكفاح الوطنى .
والأزهر الشريف فى تلك الأحداث وما تبعها حتى ثورة 52 ، كان مثابة الوطنيين ، اعتلى منبره شيوخ الأزهر وزعماء الأمة وآباء الكنيسة ، وحين وقع العدوان الثلاثى على مصر فى 1956م لم يجد الرئيس عبد الناصر سبيلاً إلاّ أن يعتلى هذا المنبر وينادى بمقاومة العدوان .
هذا هو دور الأزهر المعلوم وإن حاول البعض إخفاءه ، أو تناسيه وهو دو يتسق ودور الأزهر نحو العالم الإسلامى والعالم كله ، وقد سجل التاريخ ـ فى اعتزاز بالغ ـ الاستفتاءات الدينية التى كانت ترد على شيوخ الأزهر من وسط أفريقيا وغربها ، ومطالبات علماء اليمن شيوخ الأزهر بالمشاركة فى النضال ضد الحملة الفرنسية ، وما مثله وجود شيوخ الأزهر إلى جانب الرئيس المصرى جمال عبد الناصر فى « باندونج » فى منتصف القرن الماضى ، فقد كانت مكانة الأزهر جزءًا كبيرًا من القوة الناعمة التى أنعم الله بها على مصر .
واليوم يتنامى هذا الدور وذلكم الواجب حيال ما تمر به البلاد العربية والإسلامية من ظروف خاصة وحساسة نعيشها جميعًا ، ويحاول الأزهر ـ فى مواجهة هذه الظروف ـ أن يقوم بواجبه فى الدعوة إلى التوحد والتلاقى والتكامل ، والقضاء على نزعات التشدد والتطرف والتهميش والإقصاء .
وفى الظروف الحاضرة لم يتوان الأزهر فى العمل على استعادة هذا الدور ، وإصلاح البيت من الداخل بالرجوع إلى التربية الأزهرية القائمة على الأصالة والمعاصرة ، مع تطويرها وتجديدها ، والمحافظة على منهج الوسطية والاعتدال ، بما جعل الأزهر الشريف مناط أمل للعالم العربى والإسلامى بل وفى العالم كله .
وحين فاجأتنا الأحداث بما وقع فى كنيسة القديسين ـــ بادر الأزهر إلى إقامة « بيت العائلة المصرية » ليشمل بمظلته كل أبناء مصر ، ويحمى حقوقهم وحرماتهم ، بمشاركة الكنائس المصرية ، وفى مقدمتها الكنيسة الأم الأرثوذكسية ، عملاً على حماية وحدة النسيج الوطنى وتضامن الجماعة الوطنية ، بعيدًا عن التمييز الدينى والفتن الطائفية وسائر التهديدات التى قد تؤثر على هذا النسيج المصرى الواحد .
ثم جاءت وثيقة الحريات عاليةً مُدوّيةً حين مسّت الحاجة فى الساحة المصرية إلى أن يُصدر الأزهر الشريف نصًّا مرجعيًّا يسهم فى حماية مجتمع حُرّ يتطلع المصريون إلى العيش فى ظلاله ، وقد تضمنت هذه الوثيقة التأصيل الشرعى والفلسفى والدستورى لحرية العقيدة وحرية البحث العلمى ، وحرية الإبداع الأدبى والفنى ، وكل ما يحمى ذلك من حرية الرأى والتعبير عنه وهو جوهر الحرية المسئولة بجوانبها المختلفة .
وهذا هو ما أكدته باقى وثائق الأزهر التى صارت عمدة فى إرساء ثقافة الديمقراطية والتعددية والتداول السلمى ، وحق كل المواطنين فى التحاكم إلى شرائعهم الخاصة فى أحوالهم الشخصية ، وعلى المساواة بينهم على أساس من المواطنة وليس على أى اعتبار آخر .
هذا الالتزام هو انتصار للحرية ، وللعدل ، ولقيم العدالة الاجتماعية ، ووفاء بحق جميع المواطنين الذين جمعهم الوطن الواحد .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى