اجبــار المديــن على التنفيــذ العيني مع بقاء استمرار العقد

كتب: محمد الشيمي المحامي ماجستير القانون الخاص جامعة عين شمس

 

خطة البحث

مقدمـــــــــة :-

الفرع الأول :- القوة الملزمة للعقد.

الفرع الثاني:- الحق في التنفيذ العيني.

الفرع الثالث :- شروط التنفيذ العيني.

الشرط الاول:- أن يكون التنفيذ العيني ممكنناً.

الشرط الثاني:- أن يطلب الدائن التنفيذ العيني أو يقوم به المدين.

الشرط الثالث:- ألا يكون في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين.

الشرط الرابع:- أعذار المدين.

الشرط الخامس: ألا يكون في التنفيذ العيني جبراً على المدين أو مساساً بحريته الشخصية.

مقدمـــــة

– الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ التزام مدينه عيناً إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء تقضى به المادة ٢ / ٢٠٣ من القانون المدني أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين ، ويتبع ذلك أن طرفا العقد يقع على عاتقيهما التزاماً بتنفيذ ما اتفقا وتعاقدا عليه بمجرد تمام العقد , ويستمد العقد قوته الملزمة من القانون فيسبغ عليه حمايته.

– ولا يحق لأي طرف من طرفيه أن يتحلل من التزامه متى كان تنفيذ الالتزام ممكناً وغير مرهق للمدين وليس فيه ضرراً للدائن.

– فإذا ما أخل المدين بإلزامه وأراد أن يتحلل منه فإن ذلك لا يعفيه من طلب الدائن التنفيذ جبراً وقسراً مع التعويض إن كان له مقتضاً مع بقاء استمرار العقد.

ويتطلب ذلك منا معرفة القوة الملزمة للعقد (الفرع الأول)والحق التنفيذ العيني (الفرع الثاني) وشروط التنفيذ العيني (الفرع الثالث).

الفرع الأول: القوة الملزمة للعقد.

– يقصد بالالتزام كل ما يفرضه القانون لشخص ما في مواجهة آخر، ويطلق على كل رابطة عقدية أو قانونية بين شخص أو عدة أشخاص (المدين- المدينون) في مواجهة شخص آخر (الدائن- الدائنون) تسمح للثاني بأن يقتص من الأول أداءً أو امتناعاً.

– ويتجلى دور القانون في إسباغ حمايته على هذه الرابطة، ويلتزم من يتحلل عنها بأن يؤديها جبراً مفاد قانونية الرابطة هو التزام المدين بالقيام بما تتطلبه من أداء أو امتناع طواعيةً واختياراً، فإذ ما أخل بذلك أتاح المشرع للدائن اللجوء إلى السلطة العامة لتمكينه من الحصول على حقه الثابت في ذمة مدينه جبراً وقسراً.

– وقد حسم المشرع أمره وعرف الالتزام بأنه “حالة قانونية بمقتضاها يجب على الشخص أن ينقل حقاً عينياً أو أن يقوم بعمل أو أن يمتنع عن عمل.”

– ويترتب على ما سبق بأن الأثر الواجب الذي يتصور أنه يترتب على الالتزام هو وجوب تنفيذه اختيارياً وبرضاء أو قهراً وإجباراً.

الأصل أن ينفذ المدين التزامه عينياً، والتعويض عن الإخلال والتأخير فضلاً عن بقاء الالتزام بالتنفيذ عيناً وقائماً.

1) جرى قضاء محكمة النقض على أن الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ التزام مدينه عيناً متى كان ذلك ممكناً، ولا يصار إلى التنفيذ بطريق التعويض إلا إذا استحال التنفيذ العيني بخطأ المدينأو كان التنفيذ مرهقاً له دون أن يكون العدول عنه ضاراً بالدائن ضرراً جسياً.

2) فإذا ما تأخر المدين عن تنفيذ التزامه عيناً، فإن ذلك لا يخل بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عما يلحقه من أضرار بسبب هذا التأخير، فضلاً عن التنفيذ العيني.

الفرع الثاني

“الحق في التنفيذ العيني.”

– الأصل أن ينفذ المدين التزامه عيناً، وهذا الأصل مأخوذ من نص المادة 203 “1- ” يجبر المدين…….” وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي:

“الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ الالتزام عيناً وللمدين عرض القيام بذلك ما بقى هذا التنفيذ ممكناً.”

– ومن المقرر أيضاً في قضاء محكمة النقض “أنه عملاً بنص المادة (203) من القانون المدني فإن المدين يجبر على تنفيذ التزامه عينياً، واستثناءً من الأصل والقاعدة العامة بوجوب وإجبار المدين على التنفيذ العيني أورد المشرع في الفقرة الثانية من نص المادة (203):

“2- على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً.”

– ويقصد بالإرهاق وعلى ما ورد بمحضر الأعمال التحضيرية للتقنين المدني “العنت الشديد” فلا يكفي مجرد العسر وارتفاع الكلفة، خاصةً إذا ما كان بسوء نية لعرقلة التنفيذ العيني، وتقدير ذلك كله يدخل في سلطة محكمة الموضوع، مادامت أقامت قضائها على أسباب سائغة.

– ويستخلص مما سبق بيانه أنه يجب على المدين التنفيذ عيناً مادام ممكناً،فإذا ما أخل بالتزامه تجاه الدائن وجب عليه التعويض عن الإخلال والتأخير مع بقاء الالتزام قائماً، فإذا ما استحال التنفيذ أو كان مرهقاً للمدين, دون الإضرار بالدائن جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي “التنفيذ بمقابل”.

– ويتعين توافر خمسة شروط في التنفيذ العيني وهما:

1) أن يكون التنفيذ العيني ممكناً.

2) أن يطلب الدائن التنفيذ العيني، أو يقوم به المدين.

3) أن لا يكون في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين.

4) أن يعذر المدين.

5) أن لا يكون في التنفيذ العيني جبراً على المدين -مساساً بحريته الشخصية، وهو ما نوضحه فيما يلي:

الشرط الأول

أن يكون التنفيذ العيني ممكناً:ـ

– الأصل أن كل تنفيذ لالتزام بدفع مبلغ نقدي يعتبر ممكناً دائماً، مفاد ذلك وجوب تحري القاضي استيفاء الدين لشرط الوفاء به، أي أن يكون مؤكداً لا منازعة فيه وحال الأداء، ولا أثر لإعسار المدين على التنفيذ العيني عليه بقيمة هذا الالتزام، وليس من حق الدائن ثمة تعويض إلا عن التأخير في التنفيذ.

– فإذا كنا بصدد تنفيذ التزام غير نقدي فيجوز التنفيذ العيني إن كان ممكناً وهو ما ينظر فيه إلى طبيعة الالتزام ومداه والوسائل المادية لهذا التنفيذ.

– ويعتبر التنفيذ العيني غير ممكن إذا كان إجراءه يقتضي تدخل المدين الشخصي ويأبى المدين أن يقوم بتنفيذ التزامه ويتحقق ذلك في عمل الرسام والممثل…..، فإذا لم يلجأ القاضيإلى طريق التهديد المالي أو لجأ إليه ولم ينتج، لم يبق إلا اعتبار التنفيذ العيني غير ممكن، ولا مناص إذن من مجاوزته والالتجاء إلى طريق التعويض.

– وإن كان الغالب هو رجوع الاستحالة إلى ميعاد التنفيذ فإن الاستحالة التي لا يجوز معها التنفيذ هي الاستحالة الراجعة إلى سبب أجنبي عن المدين لا يد له فيه، فيقتضي الالتزام -دون وفاء- بالنسبة للمدين ومن هذا قضى بـ “أن القوة القاهرة التي تمثل مانعاً مؤقتاً من التنفيذ العيني -احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء على أثر حرب 1967- يقتصر أثرها على وقف تنفيذ الالتزام طوال فترة قيام الحادث وتعود قوتها التنفيذية بزواله.

– وتتعدد صور الاستحالة بفعل المدين في غير الالتزام بدفع مبلغ نقدي ومثال ذلك:-

1) الالتزام بنقل حق عيني أو إنشائه على شيء يستحيل التنفيذ إذا ما قام المدين بإهلاك الشيء أو نقل ملكيته لآخر.

2) الالتزام بعمل يستحيل التنفيذ إذا أضاع المدين ما هو لازم من وسائل القيام بالعمل كأن يكون قد أهلك المستندات التي تقع على أساسها المحاسبة، أو فوات مدة تنفيذ الالتزام الواجب تنفيذه في وقت محدد.

3) الالتزام بالامتناع عن عمل يستحيل التنفيذ العيني كلما لحقت الاستحالة بإزالة ما وقع مخالفاً للالتزام في الماضي.

– خلاصة القول أن شرط الإمكان هو تطبيق المدين لقاعدة أصولية مفادها “لا تكليف بمستحيل.”

الشرط الثاني

أن يطلب الدائن التنفيذ العيني أو يتقدم به المدين:ـ

– ليس للدائن أو المدين أن يستبدل بالتنفيذ العيني التنفيذ عن طريق التعويض إلا إذا تعذر تنفيذ ذات الالتزامات بكافة الشروط التي نشأ بها.

– ولا يجوز للدائن ما دام التنفيذ ممكناً أن يعرض عن التنفيذ العيني ويطالب بالتنفيذ بمقابل، ولا يجوز للمدين أن يمتنع عن تنفيذ عين ما التزم به وذلك كله ما لم يتراض الطرفان على غيره ويكون ذلك بطلب المدين التعويض وعدم عرض المدين للتنفيذ العيني.

– يتضح من ذلك أن التعويض ليس التزاماً تخييري أو التزاماً بديلاً بجانب التنفيذ العيني، فليس للالتزام إلا محل واحد هو عين ما التزم به المدين -أي التنفيذ العيني-.

– ولا يملك الدائن وحده أو المدين وحده أن يختار التعويض دون التنفيذ العيني، ولكن باتفاقهما معاً إذا ما بقي التنفيذ ممكناً أو بحكم القانون إذا ما أصبح مستحيلاً بخطأ المدين.

الشرط الثالث

ألا يكون في التنفيذ العيني إرهاقاً للمدين.

“عنصران”

العنصر الأول:- عدم إرهاق المدين. ويقصد بالإرهاق الواجب تفاديه للأخذ بالتنفيذ العيني الصعوبة الشديدة والعنت الشديد ولا يكفي مجرد العسر والكلفة والضيق بل يجب أن يكون التنفيذ العيني من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة، مفاد ذلك أن الإرهاق ليس هو الصعوبة المجردة بل الصعوبة الموصوفة بأحد وجهين أولهما الشدة وثانيهما هو “غير عادية”.

– تطبيقاً لذلك:- نقضت محكمة النقض حكم استند إلى انتفاء الإرهاق في تنفيذ مالكه الالتزامات بتركيب مصعد بحجة أنه سوف يعود عليها بالفائدة بإضافته إلى ملكها والانتفاع بأجرته الشهرية المتفق عليها.

العنصر الثاني: عدم الإضرار الجسيم بالدائن:- لا يكتفي بالإرهاق الموصوف على التفصيل السابق حيث يتعين -تطبيقاً لمبدأ عدم جواز التعسف في استعمال الحق-(م5/د) مدني ألا يلحق الدائن ضرراً جسيماً من جراء عدول مدينه عن التنفيذ إلى التنفيذ بمقابل، ولا مجال لقياس هذا الضرر إلى بالموازنة بين مصالح المدين ومصالح الدائن ويترك لقاضي الموضوع في كل حالة على حدة أن يقدر مدى توافر هذين العنصرين.

– وإذا كان لابد من إرهاق المدين أو تحميل الدائن ضرراً جسيماً فالأولى بالرعاية هو الدائن لأنه يطالب بحقه في غير تعسف.

– تطبيقاً لذلك:- قضت محكمة النقض بأن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلى التعويض النقدي هو رخصة لقاضي الموضوع تعاطيها كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقاً ويشترط ألا يلحق ذلك ضرراً جسيماً بالدائن”.

(نقض مدني 14/4/1995 مجموعة أحكام النقض س6 رقم 126 ص969.)

– ويستخلص مما تقدم أن التعويض يحل محل التنفيذ العيني إذا كان هذا مستحيلاً، أو كان ممكناً واتفق الطرفان على التعويض, أو لم يتفقا وكان التنفيذ العيني مرهقاً للمدين ولا يلحق العدول عنه ضرراً جسيماً بالدائن.

الشرط الرابع

أعذار المدين:ـ

أعذار المدين واجب في التنفيذ العيني إذا كان المقصود أن يكون هذا التنفيذ قهرياً بطريق الإجبار، ومع ذلك يجوز للمدين التنازل عنه باعتباره شرع لمصلحته.

الشرط الخامس

ألا يكون في التنفيذ العيني جبراً على المدين أو مساساً بحريته الشخصية:ـ

– لا يتصور التنفيذ العيني ولو استوفى الشروط الأربعة سالفة الذكر إذا كان تدخل المدين شخصياً واجباً ليستوفي الدائن حقه مثال ذلك التزام الرسام برسم لوحة أو مطرب بغناء، فلا سبيل أمام الدائن إلا إجبار المدين على الوفاء بعين ما التزم به رغماً عن إرادته إلا بطريق غير مباشر بالحصول على حكم قضائي بفرض غرامة تهديده على المدين بهدف كسر عناده للتنفيذ العيني الطوعي, فإذا استمر العناد فليس في وسع الدائن إلا طلب التعويض.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى