أقدم التشريعات المدونة على مر التاريخ (قانون أورنمو)

بقلم الأستاذ/ محمد جمال عبد المقصود

قانون أورنمو هو أقدم قانون مدون تم اكتشافه على مر التاريخ حتى الآن، والذي سبق في وجوده قانون حمورابي الشهير بثلاثة قرون، وجد تشريع حموراربي بالقرن الثامن عشر قبل الميلاد، وسبق أيضا قوانين أخري مثل ( قانون اوروكجينا و قانون ليبيت عشتار ) ، يرجع وجود تشريع اورنمو للقرن الحادي و العشرون قبل الميلاد و ظهر بالعراق، وأطلق عليه ذلك الاسم نسبة إلى الملك السومري ( أورنمو ) الذي قام بوضعه، وأسس أيضا سلالة ( أور ) الثالثة، استلم الملك أورنمو حكمه بعد القضاء على ملك السومرين (اتوحيكال) وتأسست بعد ذلك سلالة سومرية جديدة، استمر أورنو في حكمه طيلة 17 عامًا في الفترة ما بين (2095 و 2112 قبل الميلاد ).

تم اكتشاف أول نسخة من ذلك القانون الذي كان مدون على الواح الطين، بقيت ألواح الطين التي دوّنت عليها قوانين أورنمو مطمورة تحت الرمال، حتى أن تم اكتشاف أجزاء منها عن طريق الصدفة وكان الاكتشاف الأول لجزئين وجدا في نفر أو نيبور التي تقع بمنطقة الفرات الأوسط بمحافظة القادسية بالعراق، وقد قام صموئيل كريمر ( خبير أمريكي بتاريخ السومري ) بترجمتها عام 1952، وهي محفوظة اليوم في متحف إسطنبول الأثري، وبسبب حالتها السيئة نتيجة لحالة الحفظ التي سبقت الاكتشاف فلم يتمكن من ترجمة غير المقدمة وخمسة قوانين فقط لعدم قابلية المتبقي للتمييز، ثم اكتشفت ألواح أخرى بعد ذلك في قرب منطقة أور الأثرية، وقد تمت ترجمتها عام 1965 مما سمح بإعادة صياغة حوالي 31 قانون من أصل 57، و لكن وجدت نسخة أخرى لتلك الألواح في سيبار فيها القليل من الاختلافات.

تم تدوين تشريع أورنمو باللغة السومرية والذي يتكون من مقدمة متضمنة مدحًا للملك وحصوله على تفويض إلاهي للحكم وشيّدت بإنجازاته في إقامة العدل وقمع الظلم والقضاء على الفساد الاقتصادي المتمثل في تعرض الحقول والأغنام والمواشي للسرقة، وحددت نفقات المعبد الشهرية لتجنب التحيّل والتبذير والسرقة.

كما أكدت على المساواة بين الجميع وحفظ حقوق الضعفاء واستطاع الملك أن يحقق العدل والحرية في بلاد سومر وأكد أن اليتيم لم يعد يسلم إلى الرجل الغني ولم يعد الرجل ذو الشيقل يسلم إلى الرجل ذي المنا، وأنشأ الملك نظام لتثبيت المكاييل والموازين.

أما فيما يخص مواد قانون أورنمو فهو يتضمن ( 57 ) مادة لم يصلنا منه إلا ( 31 ) مادة حيث جزءًا كبيرًا من الألواح التي كتب عليها جائنا متآكل وممسوح، ومن القدر القليل الذي تم التعرف عليه كان يعالج بعض المسائل الاجتماعية كالطلاق وخلافه ووضع أيضا عقوبات لعدد من المسائل الجنائية كالقتل والسرقة والزنا والاغتصاب.

ومن بعض ما جاء بقانون أورنمو و من تلك المواضيع: –

1 – حقوق المرأة المطلقة اذا كان زواجها بدون عقد
2 – أتهام رجل زوجة رجل أخر بالزنا
3 – عبور امة خارج السور
4 – عقوبة الأمة التي تساوي نفسها بسيدتها
5 – عقوبة الشهادة الكاذبة
6 – عقوبة من يغرق حقلاً مزروعاً يعود لشخص أخر
7 – أهمال زراعة الأرض المستأجرة .

أولًا : يجب علينا توضيح تلك المصلحات :

تعريف منا: هو معيار قديم للكيل و الوزن
تعريف الشيكل: هو الوزن الذي يعتمد علي الشعير و الذي ظهر في بلاد العراق قبل 3000 سنة قبل الميلاد .

من أمثلة المواد التي تم التعرف عليها :-
جاءت المواد من 4 إلى 12 تعالج مسائل الأحوال الشخصية كالطلاق والخيانة الزوجية والخطوبة.
1 – اذا أقدمت امرأة ما على خيانة زوجها مع رجل آخر، فسيتم ذبح هذه الزوجة الخائنة بينما لن يتم المساس بعشيقها (المادة الرابعة).
2 – اذا أقدم رجل ما على اغتصاب إحدى العبيد المملوكة لرجل آخر، فعليه أن يدفع له تعويضا بـ 5 شيكل من الفضة (المادة الخامسة).
3 – المواد السادسة والسابعة والثامنة كانت تحدد شروط الطلاق و منها
اذا طلق رجل ما زوجته الأولى فعليه أن يدفع لها 1 منا من الفضة (1 منا = 60 شيكل).
4 – اتهام شخص لأي من الزوجين بالخيانة الزوجية ووسيلة إثبات ذلك الاتهام وكذلك عقوبة الاتهام الكاذب (المادة الحادية عشر).
5 – حق الخاطب الذي تقدم بهدايا إلى خطيبته ووالدها وعدل الأخير عن الخطبة وقام بتزويجها إلى شخص آخر فكان للخطيب الأول الحق في تعويض يقدر بضعف ما قد دفعه من هدايا. (المادة الثانية عشر).

جاءت المواد من 13 إلى 23 لتتناول حالات إيذاء الأشخاص الاعتيادين أو الرقيق وحالات اعتداء الرقيق على أسيادهم.

1 – هروب الرقيق ( المادة الثالثة عشر و الرابعة عشر ).
2 – فاذا ارتكب رجل ما جريمة قتل فيجب أن يعاقب بالموت (الإعدام).
3 – اذا ارتكب رجل ما سرقة فيجب أن يعاقب بالموت (الإعدام).
4 – اذا ارتكب رجل ما عملية خطف فسيتم سجنه و سيجبر على دفع 15 شيكل من الفضة .
5 – اذا تزوج أحد العبيد امرأة من العبيد ونالت الأخيرة حريتها، فإن زوجها لا ينال حريته.
6 – اذا أقدم شخص ما على اغتصاب زوجة رجل آخر فيجب أن يعاقب بالموت (الإعدام).
7 – اذا حطم رجل متعمدا طرف رجل اخر بهراوة ، عليه ان يدفع منا واحد من الفضة .( المادة السادسة عشر ).
8 – اذا قطع رجل بسكين انف رجل اخر ، عليه ان يدفع ثلثي المن من الفضة ( المادة السابعة عشر ).
7 – اذا كسر رجل سن رجل آخر ، فعليه ان يدفع كغرامة شيقلين من الفضة لكل سن ( المادة التاسعة عشر ).

 المواد الخامسة و العشرون و السادسة و العشرون تتعلق بجريمة الشهادة الزور.

عقوبة جريمة الشهادة الزور هي تغريم الشاهد خمسة عشرة شيقلا من الفضة أما إذا أدلى الشخص في قضية ورفض أن يؤدي اليمين على هذه الشهادة التزم بدفع غرامة تساوي قيمة الحق المتنازع عليه
أما بقية المواد فكانت تتعلق بالاعتداءات على الأراضي الزراعية وبعض الأمور المتعلقة بالزراعة.
اعتمد تشريع اورنمو علي تطبيق مبدأ انزال العقومات المالية ( التعويض ) علي الجاني و الزامه بتعويض المجني عليه اكثر من مبدأ انزال العقوبات ( سالبة الحرية ) علي الجاني و هذا علي خلاف ما فعله تشريع حمورابي مثال علي ذلك :-
المادة ( 200 ) من قانون حمورابي : اذا قلع رجل سن رجل من طبقته ، فعليهم ان يقلعوا سنّه .
المادة ( 19 ) من قانون اورنمو : اذا كسر رجل سن رجل آخر ، فعليه ان يدفع كغرامة شيقلين من الفضة لكل سن .
مختصر عن بعض القوانين و التشريعات الاخري التي ظهرت بعد تشريع اورنموالذي يعتبر اقدم التشريعات المدونة التي تم العصور عليها حتي الان .

قانون حمورابي :-

 يرجع اكتشاف هذا القانون لعام 1901 – 1902 اثناء حفريات البعثة التنقيبية الفرنسية و الذي عثر عليه في مدينة سوسة عاصمة بلاد عيلام بالعراق ، نقش قانون حمورابي علي حجر الديوريت الاسود وبارتفاع مترين و ربع و الذي يوجد الان في متحف اللوفر بباريس ، أما فيما يخص ذلك التشريع فانه يتكون من مقدمة و عدد (282) مادة دونت علي 51 عمودا و خاتمة . عالجت مسائل قانونية متفرقة في موضوعاتها المختلفة.

و من تلك المواضيع :-

1 – جرائم الأدارة القضائية ( كالأتهام الكاذب أو شهادة زور).
2 – الجرائم المرتكبة ضد الملكية (كالسرقة ، أو أخفاء الأموال المسروقة).
3 – أحكام الأراضي والدور .
4- أحكام التجارة .
5 – احكام الزواج
6 – الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص .
7 – أحكام الزراعة والري .
8– أحكام الرقيق.

بعض أحكام قانون حمورابي :-

1 – اذا شبت النار في بيت رجل وذهب رجل لاطفائها ، فحط عينه على حاجة بيتية تعود لصاحب البيت ، ثم اخذ الحاجة البيتية العائدة لصاحب البيت ، فان هذا الرجل يلقى في تلك النار ( مادة 25 ).
2 – اذا ضرب ابن أباه ، فعليهم ان يقطعوا يده ( مادة 195 ).
3 – اذا فقأ رجل عين رجل آخر فعليهم ان يفقأوا عينه ( العين بالعين والسن بالسن ( مادة 196 )..
4 – اذا كسر رجل عظم رجل آخر ، فعليهم ان يكسروا عظمه ( مادة 197 ).
5 – اذا صفع عبد رجل خد احد الاشخاص ، فتقطع اذنه ( مادة 205).
6 – اذا غيّر حلاق حلاقة عبد بحيث يصعب تميزه وكان ذلك بلا معرفه صاحبه ، فعليهم ان يقطعوا يدي الحلاق ( مادة 226 ).
7 – اذا قال عبد لسيده انت لست سيدي وثبت انه عبده ، فعلى سيده ان يقطع اذنه ( مادة 282 ).

– اصلاحات اوركاجينا:

يرجع وجود تلك الاصلاحات لعام 2300 قبل الميلاد التي تم اكتشافها عام 1878 م و ينسب وجودها الى اوركاجينا و هو أحد ملوك سلالة لكش الأولى،الواقعة في الجنوب ، و التي كان من اهمها :-

1- ألغاء الضرائب التي كانت مفروضة على الشعب والمخالفة للقانون .

2 – أعادة العدل والحرية للمواطنين وأزال الظلم والأستغلال عنهم .

– قانون لبت عشتار

يرجع وجود هذا القانون المدون بالغة السومرية للعهد البابلي القديم الذي كان يطلق عليه بعض العلماء ( ايسن – لارسا ) و الذي ظهر بالقرن التاسع عشر قبل الميلاد و ينسب وجوده الى خامس ملوك اسرة ايسن ( الملك لبت عشتار ) الذي تولي الحكم في الفترة ما بين 1924 – 1934 قبل الميلاد ، يتكون ذلك القانون من مقدمة تتمثل فيها نظرية التفويض الألهي كما هو حال قانون اورنمو أما فيما يخص مواده فيتكون من (37) مادة . عالجت مسائل قانونية متفرقة ،أهمها (تأجير القوارب – ايجار الاراضي الزراعية و البساتين – بعض العقوبات – الملكية العقارية – العبيد – التخلف عن دفع الضريبة – احكام الميراث – احكام الزواج ) ، و لذلك القانون دور مؤثر في احكام تشريع حمورابي .
من مواد ذلك القانون فقد نصت المادة الرابعة عشر علي : اذا اشتكي عبد علي سيده بسوء معاملته و ثبت علي سيده اساءة عبوديته مرتين فسوف يحرر العبد .

4 – قانون أشنونا (بلالاما) :

 يرجع وجود هذا القانون لعام 1930 قبل الميلاد الذي عثر علي لوحتين من الطين في حفريات اثار بمنطقة تل حرمل (قرب بغداد) و ينسب وجوده الى أحد ملوك ممكلة أشنونا وأسمه بلالاما ، أما فيما يخص مواده فيتكون من (61) مادة . عالجت مسائل قانونية متفرقة ،أهمها (تحديد أسعار بعض السلع، والأيجار والقرض والوديعة والزواج والطلاق والتبني والأعتداء على أموال الغير والأضرار المتسببة عن الحيوانات والأشياء) ، و هو يسبق شريعة حمورابي بحوالي نصف قرن.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى