أزمة الزعامة السياسية (3)

من تراب الطريق ( 1273 )

نشر بجريدة المال الخميس 3/3/2022

ـــــــــــــــــ

بقلم: الأستاذ/  رجائى عطية نقيب المحامين

      ظنى أن التطرف فى الطعن ، يعكس احتكامًا مطلقًا إلى الذات ، وتهوينًا من شأن وآراء الآخرين ، ويأخذ صورة الاستبداد وهو الآفة التى أدت فى كل العهود إلى ظاهرة الإقصاء ، والانفراد بالسلطة !

      وبانتقال قيادة الوفد إلى مصطفى النحاس ، ما لبث أن بدت ذات الظاهرة التى أعيت الحياة السياسية فى مصر وفى غيرها كالثورة الفرنسية وما أسفرت عنه فى النهاية .

       حمل عاما 1931 ، 1932 ــ انشقاقًا خطيرًا فى الوفد قيادة مصطفى النحاس باشا ، فقد اختلف الوفديون حول قبول فكرة الحكومة الائتلافية ، وعقدت لجنة الوفد اجتماعًا لبحث هذه المسألة ، توافقت الأغلبية على فكرة الحكومة الائتلافية فالظروف آنئذ تستوجبها ، إلاَّ أن الأقلية وفيهم مصطفى النحاس رئيس الحزب رفضت رأى الأغلبية ، وبالغ النحاس باشا فاتهمهم بالاعتماد على المساندة البريطانية اعتمادًا مبالغًا فيه ، وهذه تهمة خطيرة لأقطاب من وزن فتح الله بركات وحمد الباسل وفخرى عبد النور وعلى الشمسى وجورج خياط وعلوى الجزار ومراد الشريعى ومحمد نجيب الغرابلى . ولكنه داء الانفراد بالرأى ، والطعن فيما سواه .

      ووصف فتح الله بركات فى مذكراته كيف أن مصطفى النحاس باشا قد فقد أعصابه فى إحدى اجتماعات لجنة الوفد ، لرفض أغلبية أعضائه طلبه بإصدار نداء إلى الشعب يحثه على النهوض فى وجه الاحتلال البريطانى ، وهدد بأنه سيصدره بمفرده إذا لم تقره الأغلبية ، إنه داء الانفراد بالرأى ، ورفض ما عداه .

    ونشأ الخلاف بين أعضاء الوفد ، عندما تقدم واحدٌ من فريق الأغلبية المؤيدين لفكرة الوزارة الائتلافية  وهو « نجيب الغرابلى » بطلب استقالة من الوفد فى أغسطس 1932 لخلاف شخصى بينه وبين « مكرم عبيد » سكرتير الوفد ، ورغم أن «الغرابلى» سحب استقالته ، إلاَّ أن « النحاس » قبلها وأعلن استقالته فى أكتوبر 1932 ، فاعترض على هذا الإعلان من أعضاء الوفد : فتح الله بركات ، وحمد الباسل ، ومراد الشريعى ، وعلوى الجزار ، وفخرى عبد النور ، وعطا عفيفى ، وراغب إسكندر ، وسلامة ميخائيل ، وجميعهم يمثلون فريق الأغلبية ، ولم يبال مصطفى النحاس باعتراضهم ، فنشر الأعضاء الثمانية بيانًا أعلنوا فيه تضامنهم مع الغرابلى ، وانقطعوا مؤقتًا عن حضور جلسات الوفد ، واعترضوا على قيام النحاس والأقلية بفرض إرادتهم على الأغلبية ، ولتتحكم الأقلية فى الأغلبية وهو ما يرفضه المنطق ، ولا يستقيم مع مطالبة الوفد بالدستور الذى ينص على حكم الأغلبية ، وتسقط بالتالى الحجة فى محاربة وزارة « إسماعيل صدقى » لكونها أقلية تتحكم فى الوفد وهو الأغلبية .

       بيد أن رد مصطفى النحاس جاء عنيفًا ، لا احتكام فيه للعقل وحق إبداء الرأى ، فأصدر فى 20 نوفمبر 1932 بيانًا اعتبر فيه مسلك هؤلاء الأعضاء خروجًا على الوفد ومن ثم قرر فصلهم عدا فتح الله بركات الذى أمهله لتحديد موقفه بعد شفائه من مرضه ، ولم يلبث « على الشمسى » أن أعلن تأييده للأعضاء السبعة المفصولين من الوفد ، فلم يتوان النحاس فى فصله من الوفد ، ونسى فى هذا الفصل الفردى المتكرر ، ما نص عليه البند السابع من قانون الوفد من أنه لا يجوز فصل أحد أعضاء الوفد إلاَّ بموافقة ثلاثة أرباع أعضاء الوفد .

     وهكذا بلغ عدد المنفصلين سنة 1932 ثمانية أعضاء ، أطلقوا علـى أنفسهـم « الوفد السعدى » ، بينما أطلقت عليهم صحافة الوفد « السبعة والنصف »  لمزًا على « على الشمسى » الذى كان قصير القامة .

      ولاشك أنه كان لكل من الأجنحة المختلفة حجته وأسانيده فيما يراه ، إلاَّ أن الاستبداد بالرأى حال دون التعامل بسلام وسعة حين تتباين الآراء ، وسرعان ما يأخذ الاختلاف فى الرأى شكل الصراع ، الذى دائمًا ما يحسم لصالح رئيس الحزب ! وقد أدت هذه التداعيات إلى انحصار قيادة الوفد بين أربعة : « مصطفى النحاس ، مكرم عبيد ، أحمد ماهر ، النقراشى » ، ومع أن النحاس باشا كان قد عين اثنى عشر عضوًا جديدًا فى الوفد ، منهم ثمانية من كبار ملاك الأراضى الزراعية ،إلاَّ أن ميزان القوى داخل قيادة الوفد قد استقر بالكامل فى أيدى هؤلاء الأربعة .

       بيد أن دائرة الأربعة ، لم تصمد وحدتها مع الأيام ، للاختلاف فى الراى الـذى لا يطيقه رئيس الوفد ، مع كامل الاحترام لوطنيته واستقامته وإخلاصه ، وهى مزايـا لا تنكر على مصفى النحاس باشا  .

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى