أزمة الزعامة السياسية (16)

من تراب الطريق ( 1286 )

نشر بجريدة المال الأربعاء 23/3/2022

ـــــــــــــــــ

بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين

 

     من الشخصيات التى عانقت الاستبداد ، والإنفراد بالرأى والقرار ، منذ بداية رحلة صعوده حتى توبئه سدة الحكم دكتاتورًا لا رأى ولا قرار إلاَّ له الزعيم التركى : مصطفى كمال أتاتورك . ومن المفارقات أنه معشوق الأتراك ، ولقبوه « أتاتورك » ، أى أبو الأتراك ، ورغم أرصدة إيجابية وإصلاحات تحسب له ، إلاَّ أن دكتاتوريته المستبدة وكثرة ضحاياها ، تستوجب الوقوف عندها .

    ومن الغريب اللافت أنه إذْ ألغى الخلافة فى مارس 1924 ، وكان مقتضى ذلك أن يفارق ما درجت عليه سلاطين الدولة العثمانية من استبداد وعنف وإراقة الدماء ، إلاَّ أنه لم يفعل ذلك ، ودعونا نرى أولاً ماذا كانت عليه تلك الخلافة التركية العثمانية ، من استبداد وسفك للدماء بعامة ، ولإخوة السلطان بخاصة ولو كانوا أطفالاً !

    بداهة لن أعرض تاريخ الخلافة وسلاطينها ، وإنما نستقطر بلاياها بالقدر اللازم لبيان ما نسعى إليه ، من بيان أزمة الحكم وأسبابها واتجاهاتها ونتائجها .

      استمرت الإمبراطورية التركية العثمانية نيفًا وسبعة قرون ، منذ القرن الرابع عشر الميلادى حتى عشرينيات القرن الماضى ، حققت فيها انتصارات غير منكورة ، ولكنها كانت مغموسة بالدماء ، ليس فقط فى غزوها وحروبها العدوانية ، وإنما على جدار السلطة داخل دولة كانت عنايتها بالدماء والفتوحات ، لا بالإدارة والعلم والإصلاح .

      واكتوت مصر بنيران الاحتلال العثمانى نيفًا وخمسة قرون ، منذ شنق السلطان طومان باى على باب زويلة ، واستمرت هذه الحقبة المظلمة من عام 1517م حتى سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك فى 3 مارس 1924م .

      فى هذه القرون ارتكبت الخلافة التركية العثمانية كبائر فى حق مصر ، وأريقت الدماء أنهارًا على جدار هذه السلطة الدموية التى قتل فيها السلاطين آباءهم ، وقتلوا أولادهم وأحفادهم ، وأعملوا القتل فى إخوتهم حتى الرضع ، مخافة أن يطالبوا بالحكم إذا شبوا !!!

   وكعادة المتشحين كذبًا بالإسلام ، حرص السلطان سليم الأول الغازى الذى شنق طومان باى على باب زويلة ـ حرص على الستار الدينى لدولة غارقة فى الدماء من عشرات السنين!!

      وقد روى الزعيم محمد بك فريد ، شهيد الوطنية ، فى كتابه المميّز عن « الدولة العلية العثمانية » ، روى أن سليم الأول وهو التاسع فى سلسلة سلاطين الدولة العثمانية ـ حرص لدى نجاحه فى فتح مصر على أن يصطحب للآستانة الخليفة العباسى المتوكل على الله ( الثالث ) آخر ذرية الدولة العباسية الذى حضر أجداده لمصر بعد سقوط بغداد ، وأن هذا الخليفة « تنازل عن حقه فى الخلافة الإسلامية إلى السلطان سليم الأول العثمانى وسلمه الآثار النبوية الشريفة وهى البيرق والسيف والبردة وسلمه أيضًا مفاتيح الحرمين الشريفين » ، وكأن محمدًا عليه الصلاة والسلام لم يترك إلاَّ هذه المتعلقات المادية ، ولم يترك دينًا عظيمًا يهتدى به من يروم الهداية والصواب ، ويضيف الأستاذ محمد فريد أنه « منذ ذلك التاريخ صار كل سلطان عثمانى أميرًا للمؤمنين وخليفة لرسول رب العالمين.

      جعل هؤلاء السلاطين من الخلفاء العباسيين الملتحف بهم ، جعلوهم كخيال المآتة ، لا عمل لهم سوى الظهور فى المراسم لمباركة القوى الجديد الفائز بالسلطة .

    سطر الزعيم محمد بك فريد ، شهيد الوطنيه ، معلومات مدققة عن كبائر هذه الدولة فى إراقة دماء الإخوة والأبناء ، منذ أن دانت لهم السلطة ، بانحلال الدولة السلجوقية بموت السلطان « ملك شاه » فى 15 شوال 485 هـ / 18 نوفمبر 1092 م .

      آلت مقاليد السلطة إلى « أرطغول » والد « عثمان » ـ رأس الدولة العثمانية ، وظلت السلطة تورث حتى آلت إلى السلطان « مراد خان الأول » ـ لتبدأ مع ولايته أنهار الدماء ، حين تمرد « صاووجى » أحد أبناء السلطان على أبيـه بالاتحـاد مـع « أندرونيكـوس » ابن إمبراطور الروم ، احتجاجًا على تجاوز والده له والتوصية بالملك بعده إلى ابنه الأصغر ، بيد أن السلطان الأب لم يدع للشفقة الأبوية سبيلاً ، وأرسل لمحاربة ولده المتمرد ـ مَنْ قَهَرَهُ ومن معه ، ثم قتله ! ولم يكتف السلطان العثمانى بقتل ابنه ، وإنما طلب من ملك الروم قتل إبن ابنه ، ففقأ عينيه ونفاه حتى مات !

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى