آفة الكسل وأثرها !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 18/9/2021
ـــ
بقلم الأستاذ: رجائى عطية، نقيب المحامين

الكسل فيما يبدو أمر نفسى وعقلى ، وهو خوف وإعراض عن تصور موقف جديد يدفعنا إلى الهرب من تغيير ما هو موجود ، فالكسل ليس مجرد كراهة وإعراض عن بذل المجهود فى ذاته .. ذلك أن الآدمى لا يكف حتى فى نومه عن بذل المجهود بصورة أو بأخرى ، وحياته العضوية والنفسية سلسلة متصلة من الجهود التى لا تتوقف . فالكسل ليس مجرد رفض المجهود ، وإنما يزيد برفض الجديد الذى يحدث تغييرًا فى تصوراتنا أو مواقفنا ، ونحن حين نتخذ موقفًا جديدًا ندخل فيما يشبه المغامرة ، وقد تكون منهكة تدعونا إلى الكف والعودة لالتزام ما ألفناه !
نرى شيئًا من ذلك لو تأملنا حال « الموجة المادية » التى بدأت تظهر بين المسلمين مع الفتوح فى أواخر عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فهذه الموجة المادية التى علت وامتدت بعد ذلك ، كانت فى جوهرها موجة كسل عام بالمعنى المتقدم ، تسربت إلى نفوس كثيرة لم تر الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم تشهد المشاهد معه لتغيير حياتهم التغيير الشامل الجاد الذى يتطلبه تطبيق الإسلام تطبيقا صحيحا كاملا . فلما أطل الرخاء وزاد ، ضاقوا بجسامة التغيير الواسع العميق المطلوب الذى يدعو إليه الإسلام ، وتهيبوا تطبيق الإسلام الكامل ( المُجْهِد ) ، وغلب عليهم الاسترخاء النفسى والعقلى والروحى ، واكتفوا بتطبيق الإسلام تطبيقا فيه مصالحة ومواءمة عند حدود وأجزاء معينة ، وتأبى التغيير الكلى الذى هو هدف الإسلام الأساسى ، ولا يزال هدفه إلى قيام الساعة .
مثل هذا حدث ويحدث فى كل حركة دينية أو اجتماعية تتغيّا إحداث مثل هذا التغيير الكلى فى حياة الناس ، لأنها تصطدم بعد وقت قصير أو طويل ـ بمقاومة الكسل البشرى .. هذا الكسل الذى يفسر قصر عمر العصور المثالية فى تاريخ الإنسانية !
ومن الملاحظ أن حائط الكسل يزداد كثافة كلما ازداد نفوذ الكتل والعامة ، ونفوذها فى العصر الحالى جسيم ، وهو لا يرجع إلى النظر الفكرى ، لأن الفكر مهما تساهل لا يسلم للعوام فى قيادة البشرية إلاّ بدور ثانوى . ويبدو أن مكانة الكتل فى زماننا إنما ترجع أساسا إلى دورهم فى الصناعة والتجارة الحديثتين ، فهما تحتاجان على النطاق الواسع ـ إلى الكتل والعامة . فالصناعة والتجارة هما القوتان الخفيتان اللتان تسوقان الكتل إلى مساواة الخاصة . ولذلك فليس عجيبا ما نشاهده من شدة الروح المادية لدى الكتل ، وظهور الأنانية والغرور ، وضعف الشعور بالواجب ، وقلة ضبط النفس والاتزان !
ولكن ، هل يمكن أن تصبح الأشياء المادية أغلى وأثمن من الآدميين فى مجتمع متحضر ؟ أجل ، وللأسف ـ يحدث ذلك حينما نغفل أمر الآخرين ونسقطهم من تفكيرنا ، وحين نبعدهم عن دائرة اهتمامنا ، وحين لا نرى إلاّ أنفسنا وأغراضنا وما نخططه ونـدبره لتنفيذها أو تحقيقها .. فعندئذ يصبح الآدميون فى نظرنا مجرد عوامل مساعدة نستخدمها فى تحقيق أغراضنا !
لا بد أن يحدث هذا حينما نتصور أن الإنسان سيد مصيره بلا حدود ولا سقوف ، وحين نسقط من رؤيتنا وحساباتنا ـ أنه توجد جهة عليا سامية لا بد أن تخضع لها مشيئتنا .
لا شك أننا جميعا نريد خيراً كثيراً لديننا وإخواننا ، ولكننا نتردد ونحجم عن دفع ثمن هذا الخير الكثير الذى نريده , لأننا لا نحب شيئا قدر حبنا لأنفسنا وأموالنا ومصالحنا ، ولأننا رغم الأقوال والابتهالات لسنا واثقين تماما من وجهتنا ، ولا يخلو معظمنا من استرابة قليلة أو كثيرة فى وعد الحق عز وجل . حين يسأل كل منا نفسه : هل يثق فعلاً فيما عند الله تبارك وتعالى ـ ثقته فى البنك الذى فيه ودائعه ، أو الخزينة التى يكنز فيها أمواله ، أو فى شركة التأمين التى أمَّن لديها على حياته وماله !
يبدو أن العقود والعهود التى نعقدها أمام الله عز وجل معظمها كلام وأحلام ، لأننا نفر فى الواقع من تحمل المشاق والصعاب والتضحيات التى يقتضيها الصدق مع الله ، والوفاء للإنسانية ، واحترام الإنسان من حيث هو إنسان ، مع أن ما نترك هذا من أجله ما هو إلاّ الوهم والباطل وقبض الريح !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى