من تراب الطريق (1214).. الإمام الطيب والقول الطيب (47)

استأنف الإمام الطيب حديثه عن هذه الوشيجة بين الأزهر والزيتونة , والإشادة بما أفاض فى تأصيله « ابن عاشور » , عن جوهر العلاقة بين الزيتونة والأزهر من القرن الرابع إلى القرن الخامس عشر االهجرى . ونعود الآن إلى المحاور الثلاثة التى يتحدث فيها الدكتور الطيب عما بينهما من وشائج القربى .

ثانيًا : التواصل العلمى

تمثل هذا التواصل الثقافى والمعرفى , فى تبادل ارتحال العلماء وطلاب العلم بين الأزهر والزيتونة , فى رحلات علمية استمرت أكثر من عشرة قرون , لدرجة أنه إذا تظاهر طلاب الأزهر استجاب لهم طلاب الزيتونة , وإذا أصاب الزيتونة ضرَّ سهرت عين الأزهر قلقًا عليه .

ويكفى برهانًا على عمق هذه الوشائج , أن الأزهر احتضن من الأئمة الأعلام وشيخًا من شيوخ الزيتونة العظام , هو « الشيخ محمد الخضر حسين » , ففى مصر أحرز شهادة العالمية فى الأزهر , وسمى أستاذًا فى قسم التخصص , وعُيّن فى هيئة كبار العلماء , وما لبث أن سُمّى شيخُا للأزهر الشريف سنة 1374 هـ / 1954 م , ليكون شاهدًا على عمق الوشائج ومتانة الأواصر , حتى يكون أحد العلماء التونسيين من نبت الزيتونة فى تونس , شيخًا للأزهر الشريف فى مصر .

يقول الإمام الطيب : ـ

وقد ساهم الخضر حسين فى الحركة الثقافية فى مصر , وحرّك مجلة الأزهر لتكون فى عهد رئاسته لها منبرًا يصعدُه كل عالم له من خصوبة الفكر وثراء العطاء نصيب , وشارك فى المعارك الثقافية مثل معركة الشعر الجاهلى , والإسلام وأصول الحكم , وله فيهما كتب وأبحاث ضافية محل تقدير واحترام .

واللَّافت للنظر أن معارك التشريع والفكر والثقافة فى مصر كان صداها يتردّدُ على الفور فى « الزيتونة » , وقد شارك شيخ الزيتونة الطاهر بن عاشور قى هذه المعارك كَّلها , شارك فى معركة « الوقف » بكتاب , وشارك فى معركة « الإسلام وأصول الحكم » بكتاب , وفى معارك « إصلاح مناهج التعليم » بكتب ومؤلفات , إضافة إلى حضوره المستمر على صفحات مجلة الهداية الإسلامية , ومجلة المنار , ولعل ذلك يُفسر الحفاوة الشديدة التى قوبل بها الطاهر بن عاشور فى القاهرة وهو فى طريق العودة من رحلة الحج , حيث أقامت جمعية الهداية الإسلامية التى يرأسها الشيخ محمد الخضر حسين حفل تكريم كان بمن حضره وبما قيل فيه من كلمات ــ خير تعبير عن الصلات التى تربط بين علماء مصر وعلماء تونس عامة وبين الأزهر والزيتونة على وجه الخصوص .

وآن الأوان أن نتابع حديث الإمام الطيب , عن المحور الثالث لوشيجة القربى بين الأزهر والزيتونة , التى تمثلت فى الأزهر جامعًا وجامعة : وهو ما سنبدأ به حديثنا القادم بإذن الله .