في دوحة الإسلام (78)
في دوحة الإسلام (78)
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 4 / 8 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
الأدب في الإسلام
يقول الله عز وجل لنبيه المصطفي عليه الصلاة والسلام ـ في كتابه المبين:
« وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » ( القلم 4 )
وخاطبه سبحانه وتعالى فقال له:
« فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ » (آل عمران 159).
سئل عليه الصلاة والسلام، كيف كان ذلك قال:
« أدبني ربي فأحسن تأديبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق ».
والأدب: تهذيب الظاهر والباطن، فإذا تَهَذَّبَ ظاهرُ العبد وباطنه صار عبدًا ربانيًّا متأدبًا.
ولا يتكامل الأدب في العبد، إلاَّ بتكامل مكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق مجموعها من تحسين الخلق، فالخَلْق صورةُ الإنسان والخُلُق معناه.
روى عن الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام، أنه كان يحث المسلمين على تحسين أخلاقهم، ويقول لهم: « حسّنوا أخلاقكم ». ذلك أن الله تعالى خلق الإنسان وهيأه لقبول الصلاح، وجعله أهلاً للأدب ومكارم الأخلاق، وجعل الخيار له ولإرادته في تأديب نفسه، ونبهه بقوله تعالى:
« قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا » ( الشمس 9، 10 )
فإذا تزكت النفس تدبرت بالعقل، واستقامت أحوالها الظاهرة والباطنة..
قال بعض العارفين:
بالأدب يُفهم العلم، وبالعلم يصلح العمل، وبالعمل تُنال الحكمة، وبالحكمة يُقام الزهد، وبالزهد تُترك مغريات وشهوات الدنيا، ويُرْغب في ثواب الآخرة، وبهذه الرغبة مع صدق العمل تُنال الرتبة عند الله تعالى. بهذا الأدب يصل العبد بطاعته إلى الجنة، وبأدبه في طاعته إلى الله تعالى. ونعم بالله.
في ذم الغيبة والنميمة
أراد الإسلام للمسلمين أن يتحلّوا بمكارم الأخلاق، وأن يتزيّنوا بالمناقب، وأن تصفو قلوبهم، ويستقيم سلوكهم، وتحلو صحبتهم ومؤاخاتهم..
وليس أكثر عداءً وتقويضًا لهذه المناقب ؛ من الغيبة والنميمة.. باغتياب الغائب في غيابه، أو بالوشاية بين الناس لإيقاع الشر والفتنة..
يقول لنا الله عز وجل في كتابه العزيز:
« وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ » ( الحجرات 12 )
روى بإسناده عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن رجلاً من المسلمين سأله: ما الغيبة ؟
قال عليه السلام: أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع. قال: يا رسول الله، وإِنْ كان حقًّا ؟ قال عليه الصلاة والسلام: « إذا قلت باطلاً فذلك هو البهتان ».. والبهتان أمرّ وأشد، وزره أكبر، وعقابه أعظم وأشد !!
دخل الصحابي الجليل أبو الدرداء يومًا على بعض صحبه، فوجدهم يغتابون واحدًا، ويتناولون سوء عمله، فنهاهم، فقالوا له متسائلين: ألا تكرهه يا أبا الدرداء ؟
قال: إنما أكره عمله، فإذا تركه فهو أخي.
عظ أخاك وكن له، ولا تغتبه وتُشْمت فيه عدوًّا فتكون مثله..
غدًا يأتي الموت فيكفيك فقده.
فكيف تنعاه بعد الموت، وفي الحياة ما أديت حقه ؟!
في الحديث الشريف:
« من رد عن عرض أخيه بالغيب، كان حقًّا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة ».
صدق رسول الله
ويقول عليه الصلاة والسلام:
« كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه ».
وقد روى أن امرأة قصيرة القامة، دخلت على النبي عليه الصلاة والسلام في بعض حاجاتها، فلما خرجت قالت عائشة: ما أقصرها ! فقال لها النبي: اغتبتها يا عائشة..
وكان ينهي عليه السلام دومًا عن الغيبة، ويقول للمسلمين: « إياكم والغيبة، فإن فيها ثلاثَ آفات: لا يُستجاب لصاحبها دعاء، ولا تُقبل له حسنة، وتتراكـم عليـه السيئات !»
وصف بعض العارفين شأن المغتاب، فقالوا إنَّ مَثَلَه كَمثَلِ من نصب منجنيقًا، فهو يرمى بها يمينًا ويسارًا، فهو يرمى بحسناته كذلك..
ولشر الغيبة وما تحدثه، كان الهادي البشير عليه الصلاة والسلام يذكّر المسلمين بأن الله تعالى يتوب عمّن يتوب عن الكبائر، بيد أن صاحب الغيبة لا يُغفر له حتى يعفو له المغتاب..
في خطابه تبارك وتعالى إلى نبيه المصطفي عليه الصلاة والسـلام، قـال له سبحانه كما يروى لنا القرآن الكريم: « وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّـاء بِنَمِيـمٍ » (القلم 10، 11).
وقال الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام ـ قال في ذمّ النميمة ومحدثاتها من الشرور والفتن:
« شرُّ الناس يوم القيامة ذو الوجهين، النَّمَّام الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. من كان ذا وجهين في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار ».
دعا الإسلام إلى المحبة والصفاء والتساند، مقابلاً لآفات وشرور الغيبة والنميمة، والبغض والحسد.. فالمؤمن لا يشبع من فعل الخير حتى يكون منتهاه الجنة..
بذلك يأمرنا الله عز وجل، فيقول لنا في كتابه العزيز:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (الحج 77).
فضيلة الإقبال على الخير، شيمة المؤمن وشميلته وفضله.. يدفعه إليها إيمانه وعقيدته، وهو مدعو إليها مأمور بها وموعود بالثواب والأجر عنها.. قال تعالى في وصف المؤمنين: « أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ » ( المؤمنون 61 )
وصدق العزيز الحكيم إذْ يقول في كتابه المجيد:
« وَمَا تُقَدِّمُوا لأنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا » ( المزمل 20 ).
المحبة بين الصحابة
مكة المكرمة.. صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينصرفون عن عبادتهم وتحنثهم.. عن سجودهم وقيامهم وعن قنوتهم وقراءتهم القرآن.. أبو بكر وعلى، وعمر وعثمان، وصهيب بن سنان وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وغيرهم.. لا تثنيهم ترهـات قريش عـن إيمانهـم، ولا يشغلهم شيء عن عبادتهم وقنوتهم وطول سجودهم وقيامهم آناء الليل وأطراف النهار.. يتزينون بطاعة الله، وعين المصطفي عليه السلام قريرة بهم..
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم، في خلوته يتهجد.. يوافيه جبريل عليه السلام، فيلقنه من كلمات ربه.
« أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ » ( الزمر 9 )
(ويرتفع الوحي)
وفي مكة.. يحف من حول النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الأبرار.. كم أنار الإسلام العقول والقلوب، وكم نزع الخلافات والعداوات ؟! أين ذهب الخلف الذي كان في الجاهلية بين بنى تيم وبنى عدى وبنى هاشم.. ما بال أبى بكر التيمي وعمر من بني عدي وعلي بن أبي طالب الهاشمي قد اجتمعت قلوبهم على الحب، وتلاقت أفئدتهم في نور الإسلام.. هؤلاء الذين أسلموا فاتقوا.. ما بال علىّ حين أخـذت الخاصـرة أبـا بكـر ( أصابها البرد )، يسخن يده فيجعلها دفئا يكمد بها أبا بكر ؟!!.. عمرت قلوبهم بالمحبة، فتحابوا وباقي الصحابة في الله، وامتد بينهم حبل الوداد.. أترى هذه المحبة مقصورة على الدنيا الفانية، أم هي مصاحبة لهؤلاء الصحابة الأخيار الأبرار المتقين في جنات النعيم ؟!
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في تعبده وتهجده وتحنثه، يتنزل عليه جبريل عليه السلام بكلمات ربه..
« إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ » ( الحجر 45 ـ 48 )
صدق الله العظيم