عُدَّة المحامي

المحاماة بعظمتها قدمت للوطن الكثير من الخدمات ، روادها أصحاب قيم وعلم رفيعين ، نبغوا ونبعوا في البلاد.

 المحامون أصحاب تاريخ عريض ، تولوا كافة الحقائب في الدولة ؛ حتى أن منهم كان رئيسًا في فصل من الزمن ، فالراحل محمد نجيب كان حاصلًا على إجازة الحقوق.

رسالة المحاماة ، وآداءها ، وتقاليدها ، والعلوم والثقافات والمعارف ، واللغة ، ومهارات الإلقاء .. وغيرها ؛ أسلحة المحامي في آداء رسالته .

المذكرة تبذل ولا تقدم إلى المحكمة عارية من نسيج يحيط بها من الأدب والعبارات والفنون والحجج والبراهين .

هذه الأدوات تجعل للمحامي في عالم المحاماة القيمة الواجبة ، والقدرة على آداء الرسالة .  

 فن الإلقاء (علم كبير وفن عظيم)

وصف الراحل النقيب رجائي عطية، فن الإلقاء بأنه علم كبير وفن عظيم ، وقال : إن المرافعة إذا كات شفوية ؛ فلا غنى عن فنون الإلقاء ، فيجب أن يعلم المحامي متى يعلو بصوته ؟ ومتى ينخفض ؟ متى يقترب من المنصة؟ ومتى يبتعد عنها؟ .

يجب أن يعير المحامي إهتمامًا لنطقه ، فيعرف كيف تنطق الكلمة من أطراف الأنف أو من أطراف اللسان ، أو من الجوف ، فكل هذه مبادئ في فنون الإلقاء ؛ يحب أن يتعلمها المحامي .

أوصى الراحل بكتاب البيان والتبيين للجاحظ ، ولكن لأنه قد يعز الحصول عليه الآن لندرته ، ولكنه موجود في المكتبات القديمة ، ولكن ربما أيسر أن يطلع المحامون على كتاب من أجمل ما قرأ ـ كما وصف رحمت الله عليه ـ في حياته في فنون الإلقاء وهو كتاب فن الإلقاء للممثل الأستاذ القدير عبدالوراث عسر .

المحاماة والإلقاء المسرحي

يرجح الراحل أن الآداء في المحاماة أقرب إلى الإلقاء المسرحي ، ولكن ليس الإلقاء المسرحي على إطلاقه ، وإنما الإلقاء المسرحي الذي يتفق مع الجلسة ومع الأحوال أو الأجواء المحيطة بالمحامي وبالقاضي أو القضاة الذين يتلقون المرافعة .

وأكد أنه من المهم جدًا أن يعرف المحامي متى يعلو بصوته ، ومتى يخفضه ، ومتى قد يهمس بصوته ، ومتى يقترب من المنصة ، وكيف يبتعد ومتى يبتعد.

عماد المحاماة (3 أسرار)

أوضح الدكتور أحمد فتحي سرور المحامي بالنقض، وأستاذ القانون الجنائي، ورئيس مجلس الشعب الأسبق، أن المحاماة تتطلب قدرات خاصة لممارستها، مشيرًا إلى أن هناك أسرار في مهنة المحاماة تكون فارقة في مسيرة المحامي، ومنها الآتي:

أولًا: القدرة على الإلقاء؛ والمحامي يجب أن يجيد الإلقاء لأنه هو كيفية التعبير والتعبير هو وسيلته لنقل الفكرة وإذ لم يجد هذا فلن يستطيع أن ينقل فكرته إلى المحكمة ولا إلى النيابة.

ثانيًا: البلاغة والقدرة على التفكير وانتقاء العبارات الملائمة للموقف؛ فهذه نقطة مهمة جدًا .

ثالثًا: الإحاطة بالمعارف القانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهذه من البديهيات التي يجب أن يُلم بها المحامي، ولم أقل يُجيدها كل الإجادة، فقط يلم بها، فكل ذلك عماد المحاماة.

الاطلاع (موسوعية المحامي)

  يقول الدكتور «سرور» في نصائحه لشباب المحامين حول ضرورة الاطلاع ، أنه يجب الاطلاع على جميع ما يُتاح من الكتب وخاصة القانون الدستوري، وما به مما يتعلق بالحقوق والحريات، ولقد ألفتُ رسالة الدكتوراه في «نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية»، هذا الكتاب طُبع أخيرًا والدار التي استأذنتني في طبعه كتبت عليه من أمهات كتب التراث القانوني، ولا يزال يُطبع؛ لأن بطلان الإجراءات أول مفتاحٍ يلجأ إليه المحامي في القضاء الجنائي.

فيما يأكد الراحل الأستاذ رجائي عطية ، أن المحاماة ليست مجرد وظيفة أو مهنة وإنما رسالة ويستحيل أن يقوم المحامي بالرسالة وبدور الرسل إلا ذا كان متجردًا لهذه الرسالة، محبًا وعاشقًا لها .

يشير نقيب المحامين الراحل، إلى أن عشق المحاماة هو الذي يمكن المحامي من أن يجمع العلوم والمعارف، فالحجة التي تقدم إلى القاضي قد تكون في أي من العلوم ؛ «الفلك ـ الطب ـ الآدب أـ اللغة العربية»، فالمحامي متنوع موسوعي المعارف مبهوم الآداء.

الإقناع (مشروعية المحامي)

يقول الراحل رجائي عطية أن من يظن أن المحاماة ظاهرة صوتيه ، وأن كل من اتخذ المحاماة خطًا قادرًا على أن يقدم مرافعة تليق به ، وبالقضاة ، وتليق بالمحاماة ، فظنه غير صحيح ، وعليه أن يفهم أن مهمته الاقناعية هي أساس مشروعيته ، وأنه مالم يتمكن من أن يحوذ مجموعة متباينه من المُكنات والعلوم والمعارف إضافة إلى الموهبة التي تنمى بالمران والتدريب ، فلن يستطيع أن يؤدي رسالته.

ويؤكد أن رحلة المحامي يقطعها بالعرق والقراءة والمشاهدة والتجربة ، فالفرق بين المحامي المتفطن وبين آحاد الناس؛ أنه يتحرك في الحياة، ولديه شوق للمعرفة، يتعلم من كل ما يلاقيه .

وتابع: «لابد من السعى لزيادة المعرفة، فجيب أن تكون القراءة بتأمل ، فلا قيم لقراءة خالية من الفهم ، فالعبارات تولد أفكار ومعاني، وفي المحاماة نسعى جميعًا ولا نعرف ما سوف نواجه ، فالقدرة الناجمة عن المعلومات والثقافات والمعارف قيمة أساسية تساعدنا على الإقناع وتناصرنا فيما يعترضنا في المحاكم .

معارضة التخصص

يعارض الدكتور أحمد فتحي سرور، المحامي بالنقض، فكرة إدخال التخصص في مجال القانون، فيرى أن التخصص مسألة لا تأتي في البداية أبدًا ، فيرى أن المحامي كشكول، فلا يقال أن المحامي جنائي إلا بعد أن يكون محاميًا عامًا، بعدها يتخصص لإجادة فرع معين، لكن قبل ذلك كل المعارف القانونية يجب أن تكون في ذهنه، ويحيط بها، والتخصص العاجل هو تدمير لمهنة المحاماة، وكذلك القاضي يسري عليه ما يسري على المحامي، فالقدرة الإقناعية التي يكونها القاضي يجب أن تكون عامة في البداية.

يستكمل..

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى