حول «الأنا» ما بداخلها وما حولها (2)

من تراب الطريق (1037)

حول «الأنا» ما بداخلها وما حولها (2)

نشر بجريدة المال الأربعاء 10/2/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لم يخطُ ابن آدم في الحياة حتى اليوم ـ إلاّ بإحساسه بالأنا وحرصه على التمسك بها وإعلانها والتمجد فيها، أو الإعلان عن نفسه بها في كل مناسبة، أو الشكاية من آلامه أو أحزانه.. لأن الأنا هي نفسه.. ونفسه هي أناه وذاته.. إن اختفت يختفي وجوده الحالي حتمًا لأنه يزول بزوالها ولا يبقى أثره إلاّ من خلال الباقين من بعده على قيد الحياة وما يذكرونه عنه بخير أو بشر !

والكائن الحىّ، آدمي وغير آدمي، يتكون دائمًا من اجتماع جرثومتين مجهريتين وحيدتي الخلية، كل منهما بها 23جينًا، يصبحان بالتلاقي 46جينًا. هذه الكائنات الدقيقة المجهرية، وظيفتها الأساسية هي السهر والجهد لا التكوين والتشكيل والحياة .

فالتكوين والتشكيل واكتمال الحياة الأساسية للجنين.. كل هذا لا شأن فيه لا للفارس ولا للحامل ولا للساهر من المخلوقات الحية التي تسعى لغذائها لتستديم حياتها الزمن المقدر لها.. وكثير منها ترعى صغارها في أوائلها في الغذاء والإيواء إلى أن تقوى على تغذية وإيواء نفسها .

فلم تخلقنا أمهاتنا وآباؤنا قط.. ولن يقدروا على ذلك في أي زمن.. فالخالق هو الله سبحانه وتعالى، والكائنات لا تملك إلاّ رغبتها في التناسل والتكاثر.. وقد تكاثر الآدميون الآن وتجاوزوا في تكاثرهم كل حدود الاعتدال والتوازن في التعامل والتعايش الهادئ وفي الأخذ والعطاء وفي المعاشرة.. فكان من أثر هذا التكاثر اللا متوازن أن غالى الناس في الاحتشاد والتزاحم في الطرق والميادين والسير بلا ضرورة أو غاية، مع قلة العناية بالأسرة والأهل والجيرة، وكثرة الإقبال الممكن وغير الممكن على السفر والارتياد والسياحة، وعدم المبالاة بفروق السن والمعرفة والعلم والخبرة، وقلة المراعاة للتقاليد والأخلاق والواجبات العائلية.. فشاعت فيهم الحدة والاستخفاف بكبار السن وخشونة المعاملة مع الغرباء والأقارب، وصاحب هذا حتمًا ضيق الصدر والسرعة في الغضب واليأس والتعجل في الاعتراض والمقاومة ثم في الخصومة والعداوة السافرة !

وهذا واضح ظاهر من بداية السبعينيات من القرن الماضي.. وتزايد ويزداد وضوحًا كل يوم.. إلى اليوم والغد.. وهي زيادة بلا نظير مسبوق.. في الماضي كانوا يعالجون انفجارات الكثرة الكاثرة من الآدميين بخشونة وقسوة.. كالاضطرابات والثورات والغزوات والحروب بين الآدميين بعضهم وبعض، بينما انتشرت بينهم الآن مواد وأدوات وأسلحة الدمار الشامل التي أنهت في بدايات استخدامها الحرب العالمية الثانية تمامًا بقنبلتى هيروشيما ونجازاكي.. فماذا ينتظر البشرية الآن من دمار إذا قامت الحرب مع ما بلغته أسلحة الدمار الشامل من تطور مخيف كفيل بتدمير الأرض ومن وما عليها !

ليس أمام الجنس البشرى لدوام وجوده، سوى أن يجد طريقًا عاقلاً سالمًا نافعًا إلى غير حد ينسيهم كلية ولعهم الحالي باقتناء أسلحة الدمار الشامل والتنافس على تطويرها وتشديد آثار فواجعها في البر والبحر والجو . اعتيادنا الآن على دوام الأمان بعامة في كل جماعة.. وَهْمٌ محض هائل.. سوف يضيعه يقينًا وجود ذلك البلاء حقيقة بين أيدينا.. أسلحة الدمار تحوزها الآن الدول والجماعات والجمعيات بل والأفراد، وفوق ذلك لدى صناعها وتجارها وموزعيها.. فاللهو والهزل واللغو ـــ في جو الدمار الشامل القريب فعلاً والبعيد وَهْماً ـــ هو ما يملأ الصحف والقنوات والإذاعات والنشرات.. ويملأ التقارير والنشرات والكتب عن الانشغال التام إما بالسياسات، وإما بالصحة أو بالاقتصاد أو الزراعة أو الصناعة أو التجارة، وإما بالعلوم والمعارف الوضعية من كل نوع وصنف، وإما بالعقائد والملل والنحل والأخلاق

والآداب.. كأن كل عالمنا لم يعلم قط بتلال ما تحوزه بعض الدول من أسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك يتوهم الحالمون أن العالم في أمان كامل شامل.. بينما صناع أسلحة الدمار مشغولون بها صباح مساء بتلك الشواغل العديدة الدائمة الترديد والتعقيد والتجويد لمزيد من القدرة على التدمير والإهلاك !!!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى