الدوبلير

من تراب الطريق (1142)

الدوبلير

نشر بجريدة المال الأحد 18 / 7 / 2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

من المحال عقلاً ومنطقاً وواقعاً أن يحل الدوبلير محل الأصيل في تمثيل الدور دون تراضٍ واتفاق بين الدوبلير والأصيـل، لأن حلول الدوبلير وأداءه الدور لا يمكن أن يتـم إلاّ بتنحى الأصيل ليحل الدوبلير محله ! فإن لم يتنح الأصيل ويخلى مكانه للدوبلير ـ يستحيل على الدوبلير أن يؤدى الدور لأنه مشغول بأداء الأصيل !

منتحل الصفة في الامتحانات، هو كشأن « دوبلير » التمثيل .. من المحال عقلاً ومنطقاً وواقعاً أن يحل محل الطالب المطالب بأداء الامتحان دون تراضٍ واتفاق بين « دوبلير » أداء الامتحان وبين الطالب الممتحن، لأن تقدم الدوبلير وجلوسه على منضدة الطالب المرقمة برقمه واسمه، من المحال أن يتم دون أن يتنحى الطالب الممتحن عن مقعده ومنضدته ليجلس إليها الدوبلير ويحل محله في أداء الامتحان ! إن لم يتنح الطالب الممتحـن عن مقعده ومنضدته استحال على « دوبلير » أن يؤدى الامتحان لأن صاحبه الأصيل جالس يؤديه !

مسألة أخرى يستدعيها العقل والمنطق . لا مجال « للعبثية » في دوبلير التمثيل أو دوبلير الامتحان . العبثية قد توجد في الاتجاهات والحركات العامة، وقد توجد في الفنون والآداب، ولكن من المحال أن توجـد في دور ومهمـة « دوبلير ». من المحال أن يحل الدوبلير عبثاً بلا اتفاق محـل الممثل الأصيل في تلقى الضربات واللكمات والتعرض بدلاً عنه للأوجـاع والآلام والأخطار، وتعريـض نفسـه وبدنه وحياته لما قد لا تحمد عقباه !

أما دوبلير الامتحانات، فمن محال المحال أن ينتحل الشخصية ويتقمص الدور عبثاً ! فأداء الدور ـــ أقصد الامتحان ـــ ليس محض جلوس إلى « منضدة » الامتحان لساعات،

ولا هو مجرد إمساك بقلم وتسويد ورقة الإجابة، وإنما يسبق ذلك استعداد مرهق وطويل لا يؤديه دوبلير التمثيل !

فدوبلير الامتحان عليه أولاً ـ قبل أداء الدور ـ أن يعرف ماهية مادة الامتحان الذى سوف يجلس لأدائه، وعليه أن ينفق الساعات والأيام والليالى والأسابيع وربما الشهـور في مذاكرتهـا وحفظهـا حتى لو كان قـد تخرج سالفاً من عشـرة أو خمسة عشر عاماً من المدرسة أو المعهد أو الكلية التي تُدَرس فيها . ففضلاً عن تغير المناهج كيفاً وتبويباً وضيقاً واتساعاً، فإن خطوط ومنعطفات المواد الدراسية تتماحى من ذاكرة المتخرج بمرور الزمـن، ومن المحال على أى خريج لمدرسة أو معهد أو كلية أن يمتحن بعد سنوات في مادة دراسية دون أن يعاود معاودة جادة دراستها ومذاكرتها وحفظها ليستطيع أن يؤدى الامتحان فيها بل ولينجح النجاح الذى ينشده من وظفه لأداء الامتحان بدلاً منه، وإلاّ صارت العملية كلها عبثاً في عبث يؤدى إلى عبث !

لذلك فدوبلير الامتحان يكون بمواصفات خاصة، وبمهام خاصة وباختيار وضوابط خاصة، بل خاصة جداً، لا يصلح الطالب الأصيل لوزنها وتقديرها وتحمل تكاليفها والقيام بأعبائها، فهو أولاً عاطل من العلم والمعرفة وإلاّ لأدى الامتحان بنفسه ولم ينشد ويكلف « دوبليرًا » لأدائه بدلاً منه، وهو ثانياً لا يملك بذاته وسائل التعرف على الخريجين الذين سبق تخرجهم في المدرسة أو المعهد أو الكلية، ولا المهنيين الذين سلكوا هذه المهنة أو تلك من بين الخريجين، ولا هو من جيل أو مهنة الدوبلير المنشـود الذى يسبقـه عمـراً ولا ينتمى إلـى جيله أو محيطه الخاص أو مجتمعه المدرسى !

اختيار وتكليف « الدوبلير » يضطلع به من يملك عناصر ومقادير وتكاليف وأعباء الاختيار والتكليف، مثلما يحدث في عالم السينما والتمثيل . فتكاليف وأعباء وأجر الدوبلير يلتزم بها ويؤديها « المنتج » الذى يتحمل كل تكلفة العمل التمثيلى !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى