أثر براءات الاختراع في مجال الأدوية 

اعداد/ شهاب الدين محمد 

منذ قيام الثورة الصناعية فى نهاية القرن التاسع عشر بدأ الإهتمام بالأفكار العلمية ووجهت الأنظار نحو الملكية الصناعية لما تلعبه من دور حيوى ومؤثر فى دفع التقدم العلمى والتكنولوجى إلى الأمام خاصة أن قوة الدول أصبحت تقاس بما وصلت إليه من تقدم وما تحتكره من تكنولوجيا . فمنذ ذلك الوقت بدأ إهتمام كافة الدول بوضع تنظيم يكفل الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية بشقيها الصناعى والأدبى أو الفنى إلا أن هذا التنظيم لم يكفل الحماية التى نشدتها الدول المتقدمة لمثل هذه الحقوق ولم يوفر الوسيلة التى تضمن لأصحابها عدم التعدى عليها من الغير لهذا حاولت تلك الدول جاهدة إيجاد الأداة التى تكفل لتلك الحقوق الفاعلية وتوفر لأصحابها الحماية وهو الأمر الذى لن يتأتى من خلال المنظمة العالمية للملكية الفكرة  الوايبو فلقد أدركت الدول المتقدمة وعلى  رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن الحماية الفعالة لحقوق الملكية الفكرية حسبما يتراءى لها لابد وأن تتم خارج هذه المنظمة نظرا ً لأهتمامها بقضايا الملكية الفكرية فى الدول النامية ودعمها الدائم لمواقفها فى مواجهة الدول المتقدمة فأمام هذه الحقيقة وإزاء التكتل الذى شكلته الدول النامية داخل تلك المنظمة العالمية وضعت الولايات المتحددة فى ذهنها أن تدعيم حقوق الملكية الفكرية على النحو الذى تريد تحقيقه أمر عسير المنال تحت مظلة الوايبوا وأن من الأيسر تحقيق هذا الهدف فى إطار مفاوضات الجات وخاصة أن المفاوضات تجرى فى الجات على أساس المزايا المتبادلة مما يتيح للدول النامية فرصة الحصول على مزايا مقابل التنازلات التى ستقدمها فى مجال الملكية الفكرية .

وفى سبيل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف وجعل تلك الغاية واقعا ً ملموسا ً لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إستعمال وسائل ضغط على الدول التى لا توفر حماية ملائمة لحقوق الملكية خولها إياها التعديل الذى أدخله الكونجرس على قانون التجارة الأمريكى والذى سمح لها بفرض عقوبات إقتصادية أو منع المعونات التى تقدمها إلى الدول النامية من ثم لم يكن أمام هذه الأخيرة من سبيل سوى التسليم لأمانى ورغبات الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فقبلت إجراء مفاوضات خاصة بالجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية فى إطار الجات والتى أسفرت عن التواصل إلى إتفاقية التريبس .ولقد فرضت هذه الإتفاقية على الدول الأعضاء معايير للحماية خاصة بأهم فروع الملكية الفكرية وأكثرها تأثيرا ً على إقتصاديات الدول النامية نظرا ً لإرتباطها إرتباطا ً وثيقا ً بعملية التنمية وهو براءة الإختراع كذلك داخل هذا المجال إمتد نطاق الحماية إلى كافة السلع والمنتجات فشمل سلع لم يتطرق إلى الذهن إمتدادها إليها نظرا ً لكونها ضرورية ولا يمكن أن يستغنى عنها الأفراد فى الدول المتقدمة أو النامية كسلعة الدواء فنظر لكون هذا الأخير يعد سلعة ذات أهمية بالغة ورواج دائم عمدت الدول المتقدمة إلى مد نطاق البراءة إليها وهو الأمر الذى سيؤثر بالسلب على اقتصاديات الدول النامية وعلى مستوى الرعاية الصحية لمواطنيها على  نحو يقتضى منها القيام ببعض الإجراءات وإتخاذ السبل التى تحد أو تخفف من الآثار السلبية لهذا الإمتداد .

مما لا شك أن منظمة التجارة العالمية وما إنبثق عنها من إتفاقيات  دولية تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية مصالح الدول المتقدمة والمحافظة على الفجوة الكبيرة بينها وبين الدول النامية .

وتعد إتفاقية التريبس إحدى الأدوات التى تكرس هذا الهدف وتحكم القبضة على الدول النامية وما ينتمى إليها من شركات خاصة فى ظل هذا الوضع المتردى فى الإمكانيات المادية والفكرية بل فى ظل هذا الإستحواذ المتنامى لفكر مواطنى الدول النامية وعلمائها .

فهذه الإتفاقية قد قطعت كل السبل وأغلقت كافة الأبواب بل سدت أى متنفس يمكن لهذه الدول أن تسلكه فىسبيل النهوض بإقتصادياتها أو تحسين أوضاعها خاصة بعد تلك التجربة الحميدة والرائدة لدول شرق آسيا أو النمور الآسيوية .

ولقد ازداد الأمر صعوبة بعد تجاوز نطاق الحماية للقطاعات الصناعية والتجارية وإمتدادها إلى القطاعات الحيوية التى تمس حياة الإنسان وترتبط إرتباطا ً وثيقا ً ومباشرا ً بصحته وهو قطاع الدواء .

وهو الأمر الذى تحقق بمد نطاق براءات الإختراع إلى هذا المجال على العكس ما كان متبعا ً قبل العمل بأحكام تلك الإتفاقية  فقبل هذا الوقت كانت قوانين براءات الإختراع فى غالبية الدول النامية لا تمنح البراءة عن الإختراعات الدوائية نظرا ً لما يؤدى إليه هذا المنح من سماح بوجود إحتكارات قد تؤدى إلى إستغلال للمرضى . وهو الأمر الذى أتاح للشركات الوطنية الفرصة لتحضير الأدوية  الجديدة وتوفيرها بأسعار مناسبة لدخول الأفراد فيها نظرا ً لعدم دفع تلك الشركات أى مبالغ مالية لمبتكرى تلك الأدوية .

وهو ما فطنت إليه الدول المتقدمة وما ينتمى إليها من شركات فأوجبت على الدول الاعضاء حماية الإختراعات الدوائية سواء إنصب الإختراع على الدواء ذاته أو على طريقته تصنيعه .

ولا شك أن التبنى سوف يؤدى إلى إرتفاع هائل فى سعر الدواء فضلا ً عما  يحدثه من آثار  إقتصادية سيئة على قطاع الصناعات الدوائية فى الدول النامية .

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى