عصابة هوج بول
الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة- المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
مقدمة
في الرابع من مارس 2023م، تمكنت أجهزة الأمن المصرية من ضبط القائمين على أحد التطبيقات الالكترونية، ويدعى «هوج بول» (Hogg pool)، حيث استولى هؤلاء على أموال طائلة من مواطنين بدعوى استثمارها في تعدين العملات المشفرة. ووفقاً للأخبار المنشورة في وسائل الإعلام عن الواقعة، فإن الأمر يتلخص في قيام بعض الأشخاص بإنشاء شركة بدأت عملها في شهر أغسطس 2022م، بتسجيل تجاري كشركة تجارة إلكترونية، ثم بدأت في دعوة الناس لتحويل أموال لها عبر تطبيق إلكتروني لاستثمارها في تعدين العملات المشفرة، مقابل أرباح خيالية، ثم اختفى التطبيق بعد الاستيلاء على أموال طائلة، بلغت تسعة عشر مليون جنيه. كذلك، قام الجناة بالاستيلاء على أموال المجني عليهم عن طريق عدد من المحافظ الإلكترونية، بلغ عددها 88 محفظة، كان يتم توزيعها على العديد من المحافظ الإلكترونية الأخرى، بلغ عددها 9965 محفظة، وذلك تجنباً للرصد الأمني وتمهيداً لتحويلها للخارج لصالحهم من خلال برامج عبر شبكة الإنترنت لشراء عملات رقمية مشفرة، ولاسيما العملة الرقمية الشهيرة المعروفة تحت اسم «بيتكوين». وبعد تمكنهم من الاستيلاء على الأموال، ولاستكمال نشاطهم الإجرامي في الاستيلاء على أموال المجني عليهم المحتملين، قام الجناة بإغلاق التطبيق، حيث كانوا بصدد إطلاق تطبيق إلكتروني آخر، تحت مسمى (RIOT).
وبإمعان النظر إلى السلوكيات سالفة الذكر، يبدو سائغاً أن تتجه أنظار البحث إلى أربعة جرائم، وهي: جريمة تلقي وتوظيف الأموال، وجريمة النصب والاحتيال المنصوص عليها في قانون العقوبات وفي المادة السابعة والعشرين من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وجريمة الترويج للعملات المشفرة بالمخالفة لقانون البنك المركزي، وجريمة استعمال برامج تقنية بالمخالفة لقانون جرائم تقنية المعلومات. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على النموذج القانوني لكل جريمة من هذه الجرائم، توطئة لبيان مدى انطباق النموذج القانوني لكل جريمة منها على الوقائع الإجرامية المنسوبة إلى عصابة التطبيق القانوني المسمى «هوج بول»، وذلك في أربعة مطالب، كما يلي:
المطلب الأول: جريمة النصب الالكتروني.
المطلب الثاني: جريمة تلقي وتوظيف الأموال.
المطلب الثالث: جريمة إصدار عملات مشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها دون ترخيص.
المطلب الرابع: جريمة استعمال برامج تقنية بالمخالفة لقانون جرائم تقنية المعلومات.
المطلب الأول
جريمة النصب الالكتروني
عند الحديث عن النصب أو الاحتيال الالكتروني، فإن البعض قد يشير إلى المادة الثالثة والعشرين من القانون رقم 175 لسنة 2018 بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي تنص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكترونية. فإن قصد من ذلك استخدامها في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير». والسبب وراء إثارة هذه المادة أن عنوانها هو «جرائم الاحتيال والاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع الإلكتروني». والواقع أن النموذج القانوني الأصلي لهذه الجريمة هو استخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكترونية. ويعاقب المشرع على هذا الفعل مجرداً، ولو لم يكن القصد منه استخدام الأرقام أو البيانات أو بطاقات البنوك وغيرها في الحصول على أموال الغير. فإذا كان القصد من الفعل هو الحصول على أموال الغير، عد ذلك ظرفاً مشدداً. فإذا توصل فعلاً إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على الخدمات أو مال الغير، فإن المشرع يشدد العقوبة بشكل أكبر. وفي جميع الأحوال، ولتوافر النموذج القانوني لهذه الجريمة، سواء في صورتها البسيطة أو في صورتيها المشددتين، ينبغي أن يكون ثمة «استخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكترونية»، الأمر الذي لم يتحقق في الحالة التي نحن بصددها.
عصابة هوج بول
ولكن، ومن ناحية أخرى، وطبقاً للمادة السابعة والعشرين من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، «في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعاً أو حساباً خاصاً على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً». وغني عن البيان أن النصب واستخدام الوسائل الاحتيالية جريمة معاقباً عليها بموجب المادة (336) من قانون العقوبات، بنصها على أن «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، أما من شرع في النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة. ويجوز جعل الجاني في حالة العود تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر».
عصابة هوج بول
ومنظوراً للأمور على هذا النحو، ولما كان هدف الجناة من إنشاء وإدارة التطبيق الالكتروني سالف الذكر هو النصب على المواطنين والاحتيال عليهم بهدف الاستيلاء على أموالهم، مستخدمين في ذلك بعض الوسائل الاحتيالية، لذا فإن نص المادة السابعة والعشرين من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والمادة 336 من قانون العقوبات يبدو واجب التطبيق في الواقعة التي نحن بصددها، بما تتوافر معه أركان جريمة النصب الالكتروني أو النصب باستخدام وسائل تقنية المعلومات. ويمكن أن نستخلص الوسائل الاحتيالية من تداول ورقة على أنها ترخيص للشركة المالكة للتطبيق من وزارة التموين، حيث يتبين من التدقيق في هذه الورقة أنها مجرد سجل تجاري باسم شركة تكنولوجيا، وليست ترخيصاً مستوفياً كامل الشروط والإجراءات، ولا تخول لصاحبها بالتالي أي صفة قانونية قبل اتمام إجراءات الترخيص من جميع الجهات المعنية.
عصابة هوج بول
المطلب الثاني
جريمة تلقي وتوظيف الأموال
طبقاً للمادة الأولى الفقرة الأولى من قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها، الصادر بالقانون رقم 146 لسنة 1988م، «مع عدم الإخلال بأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب العام أو تجميع الأموال، لا يجوز لغير شركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً». وتستطرد الفقرة الثانية من المادة ذاتها، بنصها: «كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوة للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها».
وتقع مخالفة الحظر سالف الذكر تحت طائلة التجريم، وذلك بموجب المادة الحادية والعشرين من القانون ذاته، بنصها على أن «كل من تلقى أموالا على خلاف أحكام هذا القانون، أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مثلى ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها، ويحكم على الجاني برد الأموال المستحقة إلى أصحابها. وتنقضي الدعوى الجنائية إذا بادر المتهم برد المبالغ المستحقة لأصحابها أثناء التحقيق، وللمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى. ويعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذه المادة كل من خالف أحكام المادتين 7 و19 من هذا القانون. ويعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف حكم الفقرة الثانية من المادة (1) من هذا القانون».
عصابة هوج بول
وكما هو واضح من الوقائع المنشورة والمتداولة حول الموضوع، يبدو أن العصابة الإجرامية الالكترونية قد قامت بدعوة الناس لتحويل أموال لها عبر تطبيق إلكتروني لاستثمارها في تعدين العملات المشفرة مقابل أرباح خيالية، الأمر الذي يشكل مخالفة للتشريعات المصرفية السارية، والتي تحصر عملية جمع الأموال في البنوك دون غيرها. ومن ثم، فإن جريمة تلقي وتوظيف الأموال بشكل غير مشروع تكون متوافرة في هذه الحالة، وتكون العقوبة المقررة لها في الحالة التي نحن بصددها هي السجن من ثلاث إلى خمس عشرة سنة والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه.
عصابة هوج بول
المطلب الثالث
جريمة إصدار عملات مشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها دون ترخيص
نظراً لظهور وانتشار العملات المشفرة أو الافتراضية الصادرة بعيداً عن سلطة أو رقابة أي بنك مركزي، سواء على المستوى الوطني أو الأجنبي، ورغبة في مكافحة الاستعمالات غير المشروعة لها في ارتكاب بعض السلوكيات الإجرامية، ولاسيما غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ارتأى المشرع المصري من المناسب أن يدرج نصاً جديداً ليس له مثيل أو نظير سابق في المنظومة القانونية المصرية والعربية، ونعني بذلك المادة (206) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020م، والتي تنص على أن «يحظر إصدار العملات المشفرة أو النقود الالكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها دون الحصول على ترخيص من مجلس الإدارة طبقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها». والبين من هذا النص أن المشرع المصري يحظر إصدار العملات المشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها بدون ترخيص من مجلس إدارة المصرف المركزي.
عصابة هوج بول
وعلى حد علمنا، فإن المصرف المركزي لم يصدر حتى تاريخه أي ترخيص لأي جهة أو شركة بإصدار عملات مشفرة أو الاتجار فيها. بل إن المصرف المركزي حذر أكثر من مرة من التعامل في العملات المشفرة. ففي يوم الثلاثاء الموافق الثالث عشر من شهر سبتمبر 2022م، وفي بيان تحذيري، قال البنك المركزي إنه «في ضوء متابعة البنك المركزي المصري لما تم تداوله مؤخراً من أخبار تتعلق بالعملات الافتراضية المشفرة مثل عملة البيتكوين وغيرها، يكرر البنك المركزي تحذيره من التعامل في كافة أنواع العملات الافتراضية المشفرة وفي مقدمتها عملة البيتكوين، لما ينطوي عليه التعامل في تلك العملات من مخاطر مرتفعة حيث يغلب عليها عدم الاستقرار والتذبذب الشديد في قيمة أسعارها وذلك نتيجة للمضاربات العالمية (غير المراقبة) التي تتم عليها مما يجعل الاستثمار بها محفوفاً بالمخاطر وينذر باحتمالية الخسارة المفاجئة لكل قيمتها. وجدير بالذكر أن تلك العملات الافتراضية المشفرة لا يقوم بإصدارها أي مركزي، أو أي سلطة إصدار مركزية رسمية يمكن الرجوع إليها، فضلاً عن كونها عملات ليس لها أصول مادية ملموسة، ولا تخضع لإشراف أي جهة رقابية على مستوى العالم، وبالتالي تفتقر إلى الضمان والدعم الحكومي الرسمي الذي تتمتع به العملات الرسمية الصادرة عن البنوك المركزية. وفي ذات السياق، يؤكد البنك المركزي المصري على اقتصار التعامل داخل جمهورية مصر العربية على العملات الرسمية المعتمدة لدى البنك المركزي المصري فقط، ويهيب البنك المركزي المصري بالمتعاملين داخل السوق المصري بتوخي الحذر الشديد، وعدم الانخراط في التعامل بتلك العملات مرتفعة المخاطر».
عصابة هوج بول
وبدورها، وفي يوم السبت الموافق الحادي والثلاثين من ديسمبر 2022م، أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية بياناً، حذرت فيه كافة المواطنين من الانسياق وراء دعوات من قبل بعض الأفراد والجهات عبر صفحات ومنصات إلكترونية للاستثمار في أدوات ومنتجات مالية بالمخالفة للقانون المصري، وتعرض المتعاملين فيها لمخاطر جسيمة، وتضعهم تحت طائلة المسائلة القانونية. وذكرت الهيئة في بيانها لها أنه من ضمن الأدوات التي تلاحظ مؤخراً الترويج لها من خلال عدة منصات الكترونية دعوة المواطنين للاستثمار وتلقي أموال بغرض استثمارها، وهو ما دفع الهيئة العامة للرقابة المالية بإطلاق تحذيراً للمواطنين بشأن مخاطر المشاركة في دعوات بعض الجهات غير المرخص لها بتلقي أموال بغرض الاستثمار، لما لذلك من أضرار بالغة جراء حالات نصب أو احتيال قد يتعرضوا لها دون وجود جهة رقابية تحمي وتضمن حقوقهم. وأضافت الهيئة أنه قد تلاحظ مؤخراً قيام العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الإلكتروني بالترويج وتوجيه دعوات للجمهور للاستثمار في مشروعات نظير عائد مقابل ذلك، دون الحصول على ترخيص بممارسة هذا النشاط، وبالمخالفة للقانون رقم 146 لسنة 1988 الصادر بشأن الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها، وعلى وجه الخصوص المادة الأولى والتي تنص على أنه «… لا يجوز لغير الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالا من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحا أو مستترا، كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوة للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها». وأهابت الهيئة بكافة المتعاملين داخل السوق المصري بضرورة توخي الحذر الشديد وعدم الانجراف وراء هذه الدعوات أملاً في ربح سريع، وتؤكد أن من يقوم بالإعلان والترويج لهذا النوع من الاستثمار غير المرخص يضعه تحت طائلة المسئولية القانونية أمام الجهات المختصة.
بالإضافة إلى عدة أدوات أخرى يتم الترويج لها بالمخالفة للقانون المصري وهي كالتالي:
عصابة هوج بول
1-العملات الافتراضية المشفرة
وأكدت الهيئة العامة للرقابة المالية على جموع المتعاملين في السوق المصري بضرورة توخي الحذر الشديد وعدم الانسياق وراء الدعوات التي تم رصدها مؤخراً للتعامل في العملات الافتراضية المشفرة لما يمثله من مخاطر عالية إضافة إلى استخدامها في الجرائم المالية والقرصنة الإلكترونية، وافتقارها أي غطاء مادي يضمن استقرارها وحماية المتعاملين فيها، وتعرض مستخدميها للاحتيال والمسائلة القانونية، لمخالفتها القانون المصري والذى عاقب كل من يتاجر أو يروج أو يقيم أي أنشطة تتعلق بالتعامل في هذا النوع من العملات دون الحصول على ترخيص مسبق من الجهات المعنية بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 10 ملايين جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
عصابة هوج بول
2. تداول العملات الأجنبية (الفوركس)
ففي ضوء رصد الهيئة المستمر للأسواق وتبين وجود دعوات للاستثمار في تداول العملات الأجنبية أو التداول في الفوركس، فإنها تجدد التحذير بشأن عدم قانونية هذه الأدوات داخل جمهورية مصر العربية وأن من يخالف ذلك من قبل المروجين والمسوقين لها يضع نفسه تحت طائلة المسئولية القانونية أمام الجهات المختصة لمخالفته القانون المصري، ومن يقرر التعامل من خلالها معرض لمخاطر جسيمة.
عصابة هوج بول
فالهيئة تهيب بكافة المتعاملين داخل السوق المصري بضرورة توخي الحذر الشديد وعدم الانخراط في التعامل بتلك العملات أو المنتجات المرتبطة بها أو الترويج لها أو تشغيل منصات لتداولها.
وقد أتى هذا الجهد التوعوي من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية في إطار حرصها على رفع مستويات الوعي والمعرفة المالية اللازمة لكافة المواطنين لمساعدتهم في بناء قرار استثماري سليم، وتفعيلاً لأحد أدوراها الرئيسية بالعمل على اتخاذ كل ما يلزم لتوازن حقوق كافة الأطراف المتعاملة في الأسواق المالية غير المصرفية.
عصابة هوج بول
وفي يوم الأربعاء الموافق الثامن من شهر مارس 2023م، وبمناسبة واقعة عصابة الهوج بول، أصدر البنك المركزي المصري بياناً تحذيرياً جديداً، جاء نصه على النحو التالي: «بالإشارة إلى الأخبار المتداولة خلال الأيام الماضية بشأن قيام إحدى المنصات الإلكترونية بالاستيلاء على مبالغ كبيرة من المواطنين بزعم استثمارها في أنشطة متعلقة بالعملات الرقمية المشفرة وتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة؛ فإن البنك المركزي المصري يهيب بالسادة المواطنين عدم الانصياع لمثل هذه الدعوات الاحتيالية والأنشطة المجرمة قانوناً وفقاً لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020. وشدد البنك المركزي على أنه يكرر تحذيراته السابقة من التعامل في كافة أنواع العملات الافتراضية المشفرة سواء مع الأفراد أو الشركات أو التطبيقات والمنصات الإلكترونية، مؤكدا أنه لم تصدر تراخيص لأي من هذه الأنشطة بالعمل في السوق المصري نظرا لما تكتنفه من مخاطر عالية منها على سبيل المثال لا الحصر تذبذب قيمتها بشكل كبير واستخدامها في الجرائم المالية والقرصنة الإلكترونية، بالإضافة إلى أنها لا تصدر من أي بنك مركزي أو أي سلطة إصدار مركزية رسمية يمكن الرجوع إليها وبالتالي فإنها تفتقر لأي غطاء مادي يضمن استقرار العملة وحماية حقوق المتعاملين بها.
أما من الناحية الشرعية، فقد كان لدار الإفتاء المصرية فضل السبق في التحذير من العملات المشفرة، من خلال المبادرة إلى إصدار فتوى شرعية بعدم جواز الاتجار والتعامل في العملات المشفرة. ففي الثامن والعشرين من شهر ديسمبر 2017م، وتحت عنوان «تداول عملة البيتكوين والتعامل بها»، وفي الفتوى رقم (4205)، ورداً على سؤال عن حكم التعامل بيعاً وشراءً في العملة الالكترونية التي تسمى بالبيتكوين، أجاب فضيلة مفتي الجمهورية الأستاذ الدكتور/ شوقي إبراهيم علام بما يلي: بعد البحث والدراسة المستفيضة، وبعد الرجوع لخبراء الاقتصاد والأطراف ذات الصلة بمسألة العملات الإلكترونية خاصة البتكوين “Bitcoin”، ترى أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن تداول هذه العملات والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها حرامٌ شرعًا؛ لآثارها السلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة، ولما فيها من الافتيات على وُلاة الأمور، وسلب بعض اختصاصاتهم في هذا المجال، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، وذلك يدخلُ في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرر أنه “لا ضرر ولا ضرار”.
عصابة هوج بول
وفي تفاصيل هذه الفتوى، أكد فضيلة المفتي أن: عملة البتكوين «Bitcoin» من العملات الافتراضية«Virtual Currency» التي طُرِحت للتداول في الأسواق الماليَّة في سنة 2009م، وهي عبارة عن وحداتٍ رقَمية مُشَفَّرة، ليس لها وجودٌ فيزيائيٌ في الواقع، ويمكن مقارنتها بالعملات التقليديَّة؛ كالدولار، أو اليورو مثلاً.
والصورة الغالبة في إصدار هذه العملة أنها تُستخرج من خلال عمليَّة يُطلق عليها «تعدين البتكوين» “Bitcoin Mining”؛ حيث تعتمد في مراحلها على الحواسب الإلكترونية ذات المعالجات السريعة عن طريق استخدام برامج معينة مرتبطة بالشبكة الدولية للمعلومات “الإنترنت”، وتُجرى من خلالها جملة من الخطوات الرياضية المتسلسلة، والعمليات الحسابية المعقدة والموثقة؛ لمعالجة سلسلة طويلة من الأرقام والحروف، وخَزْنها في مَحَافِظَ “تطبيقات” إلكترونية بعد رقْمَها بأكوادٍ خاص، وكلما قَوِيت المعالجةُ وعَظُمَت، زادت حصَّةُ المستخدم منها وفق سقفٍ مُحَدَّدٍ للعدد المطروح للتداول منها.
وتتم عملياتُ تداول هذه العملة من محفظةٍ إلى أخرى دون وسيطٍ أو مراقِبٍ، من خلال التوقيع الرقَمَيّ عن طريق إرسال رسالة تحويل مُعَرَّف فيها الكود الخاص بهذه العملة وعنوان المُستلم، ثم تُرْسل إلى شبكة البتكوين حتى تكتملَ العمليةُ وتُحْفَظَ فيما يُعرف بسلسلة البلوكات “Block Chain”، من غير اشتراطٍ للإدلاء عن أي بياناتٍ أو معلوماتٍ تُفصح عن هُويَّةِ المتعامل الشَّخصيَّة.
وهذه الوحدات الافتراضية غيرُ مغطَّاةٍ بأصولٍ ملموسةٍ، ولا تحتاج في إصدارها إلى أي شروطٍ أو ضوابطَ، وليس لها اعتمادٌ ماليٌّ لدى أيِّ نظامٍ اقتصادي مركزي، ولا تخضعُ لسلطات الجهات الرِّقابية والهيئات الماليَّة؛ لأنها تعتمدُ على التداول عبر الشبكة العنكبوتية الدولية “الإنترنت” بلا سيطرةٍ ولا رقابة.
عصابة هوج بول
ومن خلال هذا البيان لحقيقة عملة “البتكوين Bitcoin” يتَّضحُ أنها ليست العملةَ الوحيدةَ التي تجري في سوق صرف العملات، بل هذه السوق مجالٌ لاستخدام هذه العملة ونظائرها من عملات أخرى غيرها تندرج تحت مسمى “العملات الإلكترونية”.
وفي هذا السياق لم يَفُتْ أمانةَ الفتوى بدار الإفتاء المصرية الاستعانةُ بالخبراء وأهل الاختصاص من علماء الاقتصاد؛ حيث قابَلَتْهم الأمانةُ، وكانت أهم نتائج النقاش معهم:
1- أنَّ عُمْلَةَ “البتكوين” تحتاجُ إلى دراسةٍ عميقةٍ؛ لتشعُّبها وفنيَّاتِها الدقيقة؛ كشأن صور العملات الإلكترونية المتاحة في سوق الصرف، إضافةً إلى الحاجة الشديدة لضبط شروط هذه المعاملة والتكييف الصَّحيح لها.
2- أنَّ من أهم سمات سوقِ صرفِ هذه العملات الإلكترونية التي تمُيِّزُها عن غيرها من الأسواق الماليَّة أنها أكثرُ هذه الأسواق مخاطرةً على الإطلاق؛ حيث ترتفع نسبةُ المخاطرة في المعاملات التي تجري فيها ارتفاعًا يصعب معه -إن لم يكن مستحيلًا- التنبؤُ بأسعارها وقيمتها؛ حيث إنها متروكةٌ إلى عوامِلَ غيرِ منضبطةٍ ولا مستقِرَّة، كأذواق المستهلكين وأمزجتهم، مما يجعلها سريعةَ التَّقلُّب وشديدةَ الغموضِ ارتفاعًا وهبوطًا.
وهذه التَّقلُّبَاتِ والتَّذَبْذُبَاتِ غير المتوقَّعة في أسعار هذه العملات الإلكترونية تجعلُ هناك سمةً لها هي قرينةُ السِّمَة السَّابقة؛ فعلى الرَّغم من كون هذه السوق هي أكبرَ الأسواقِ الماليَّة مخاطَرَةً، فهي أيضًا أعلاها في معدَّلاتِ الرِّبْحِ، وهذه السِّمَةِ هي التي يستعمِلُها السَّماسرة ووكلاؤهم في جذْب المتعاملين والمستثمرين؛ لاستخدام هذه العملات، مما يؤدي إلى إضعافِ قدرَةِ الدُّول على الحفاظ على عُمْلتِها المحليَّة والسَّيطرة على حركة تداول النَّقد واستقرارها وصلاحيَّتِها في إِحْكَامِ الرِّقابَة، فضلًا عن التأثير سلبًا بشكلٍ كبيرٍ على السِّياسَة الماليَّة بالدول، وحجمِ الإيرادات الضريبية المتوقَّعةِ، مع فتح المجال أمام التهرُّب الضَّريبي.
3- أنَّ التَّعامل بهذه العملة بالبيع أو الشِّراء وحيازتِها يحتاجُ إلى تشفيرٍ عالي الحماية، مع ضرورة عمل نسخٍ احتياطيَّة منها من أجل صيانتها من عمليات القَرصنة والهجمات الإلكترونية لفَكِّ التَّشفير، وحرزِها من الضَّياعِ، والتعرُّض لممارسات السَّرقة، أو إتلافِها من خلال إصابَتِها بالفيروسات الخطيرة، مما يجعلُها غيرَ متاحةِ التداول بين عامَّة النَّاس بسهولةٍ ويُسْرٍ؛ كما هو الشأن في العملات المعتبرة التي يُشترط لها الرَّواج بين العامَّة والخاصَّة.
4- أنَّه لا يُوصَى بها كاستثمارٍ آمنٍ؛ لكونها من نوع الاستثمار عالي المَخاطِر؛ حيثُ يُتعامَلُ فيها على أساس المضاربة التي تهدُف لتحقيق أرباحٍ غير عاديَّة من خلال تداولها بيعًا أو شراءً، مما يجعل بيئتِها تشهدُ تذبذُبات قويَّة غير مبررَّةٍ ارتفاعًا وانخفاضًا، فضلًا عن كون المواقع التي تمثل سِجلات قيد أو دفاتر حسابات لحركة التعامل بهذه العملة بالبيع أو الشراء غير آمنة بَعْدُ؛ لتكرار سقوطِها من قِبَلِ عمليَّات الاختراق وهجمات القرصنة التي تستغل وجود نقاطِ ضعفٍ عديدة في عمليَّات تداولها أو في محافظها الرقمية، مما تسبب في خسائر ماليَّة كبيرة.
5- أنَّ مسؤوليَّة الخطأ يتحملها الشخص نفسه تجاه الآخرين، وربما تؤدِّي إلى خسارة رأس المال بالكامل، بل لا يمكن استرداد شيءٍ من المبالغ المفقودة جرَّاء ذلك غالبًا، بخلاف الأعراف والتقاليد البنكية المتَّبعة في حماية المتعامل بوسائلِ الدفع الإلكتروني التي تجعل البنوك -عند الخلاف مع المستثمر- حريصةً على حلِّ هذا النزاع بصورة تحافظ على سمعتها البنكيَّة.
عصابة هوج بول
6- أنَّ لها أثرًا سلبيًّا كبيرًا على الحماية القانونية للمتعاملين بها من تجاوزِ السَّماسِرة أو تعدِّيهم أو تقصيرِهم في ممارسات الإفصاح عن تفاصيلِ تلك العمليَّات ولا القائمين بها، وتسهيل بيع الممنوعات وغسل الأموال عبر هؤلاء الوسطاء؛ فأغلب الشركات التي تمارس نشاط تداول العملات الإلكترونية تعملُ تحت غطاء أنشطة أخرى؛ لأن هذه المعاملةَ غيرُ مسموحٍ بها في كثير من الدول؛ ولذا لا يمكنُ اعتبارُ هذه العملة الافتراضية وسيطًا يصحُّ الاعتمادُ عليه في معاملات الناس وأمور معايشهم؛ لفقدانها الشروطَ المعتبرةَ في النقود والعملات؛ حيث أصابها الخللُ الذي يمنع اعتبارها سلعةً أو عملةً؛ كعدم رواجها رواجَ النقود، وعدمِ صلاحيتها للاعتماد عليها؛ كجنسٍ من أجناس الأثمان الغالبة التي تُتخَذُ في عملية “التقييس” بالمعنى الاقتصادي المعتبر في ضبط المعاملات والبيوع المختلفة والمدفوعات الآجلة من الديون، وتحديد قِيَمِ السِّلع وحساب القوَّةِ الشِّرائية بِيُسرٍ وسهولةٍ، وعدم إمكانية كَنْزها للثروة واختزانها للطوارئ المحتملة مع عدم طَرَيَانِ التغيير والتَّلف عليها؛ فضلًا عن تحقُّق الصوريَّة فيها بافتراض قيمة اسميَّة لا وجود حقيقي لها، مع اختلالها وكونها من أكثرِ الأسواق مخاطرة على الإطلاق.
عصابة هوج بول
كما يفترق هذا النوع من العملات عن وسائل الدفع الإلكترونية – ككارت الائتمان، وبطاقات الخصم المباشر – بعدم ارتباطه بحسابات بنكيَّةِ دائنة أو مَدِينَة، وأنه يقوم على أساسٍ مُنْفَصلٍ عن النظام النقدي المعتمَد في أغلب دول العالم، وأنه تتحدَّد قيمتُه بناءً على حجمِ المضارَبَاتِ، وإقبال الناس على تداول هذه العملة والتعامل بها فيما بينهم كبديل للنقود العاديَّة؛ التماسًا للاستفادة من مزاياها؛ حيث إنه لا يَغْرَم المتعامل بها أي رسومٍ أو مصروفاتٍ على عمليَّاتِ التَّحويلِ، ولا يخضع لأي قيود أو رقابة، فضلًا عن صعوبة تجميدِها أو مُصادَرَتهِا.
عصابة هوج بول
وعلى هذا: لم تتوفر في عملة “البتكوين” الشروطُ والضوابطُ اللازمةُ في اعتبار العملة وتداولها، وإن كانت مقصودةً للربح أو الاستعمال والتداول في بعض الأحيان، إلا أنها مجهولةٌ غير مرئيةٍ أو معلومةٍ، مع اشتمالها على معاني الغش الخفيِّ والجهالة في معيارها ومَصْرِفها، مما يُفْضي إلى وقوع التلبيس والتغرير في حقيقتها بين المتعاملين؛ فأشبهت بذلك النقودَ المغشوشة ونفاية بيت المال، وبيع تراب الصَّاغة وتراب المعدن، وغير ذلك من المسائلِ التي قرَّر الفقهاءُ حرمةَ إصدارِها وتداولها والإبقاء عليها وكنزها؛ لعدم شيوع معرفتها قدرًا ومعيارًا ومَصْرفًا؛ ولما تشتمل عليه من الجهالة والغش، وذلك يدخلُ في عموم ما أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
هذا، بالإضافة إلى أن التعامُلَ بهذه العملة يترتَّبُ عليه أضرارٌ شديدةٌ ومخاطرُ عاليةٌ؛ لاشتماله على الغرر والضَّرر في أشدِّ صورهما. والغرر – كما عرَّفه العلامة البجيرمي الشافعي في “حاشيته على الإقناع” (3/ 4، ط: دار الفكر)- هو: [مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ أَوْ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا] اهـ.
عصابة هوج بول
وقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن هذه العملة وعقودها حَوَتْ أكبر قدرٍ من الغرر في العملات والعقود المالية الحديثة على الإطلاق، مع أنَّ شيوعَ مثلِ هذا النَّمطِ من العملات والممارسات النَّاتجة عنها يُخِلُّ بمنظومةِ العمل التقليديَّة التي تعتمدُ على الوسائطِ المتعددة في نقل الأموال والتَّعامل فيها؛ كالبنوك، وهو في ذاتِ الوقت لا يُنشِئُ عملة أو منظومة أخرى بديلة منضبطة ومستقرَّة، ويُضيِّق فرصَ العملِ.
كما أنَّها تُشْبِهُ المقامَرَة؛ فهي تؤدِّي – وبشكلٍ مباشرٍ – إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسَّسات؛ من إفسادِ العُملات المتداولة المقبولة، وهبوط أسعارها في السُّوق المحليَّة والدَّوليَّة، وانخفاض القيمة الشِّرائية لهذه العملات، بما يؤثر سلبًا على حركة الإنتاج والتشغيل والتَّصدير والاستيراد.
عصابة هوج بول
ولِمَا تحويه من المخاطرة الكبيرة التي تشتمل عليها هذه العملة في أصلها؛ حيث إنها تعدُّ أشدَّ العملات في الأسواق المالية خطورةً، فإن المقبلين على شراء هذه العملة يستهدفون المضاربةَ فيها عن طريق الاحتفاظ بها مدةً؛ أملًا في ارتفاع سعرها بشكل غير عادي، مما يؤدي إلى تضاعف الأرباح، وهو ما يكذبه تتبع أخبار ومعلومات سوق هذه العملة؛ حيث تكررت سرقة الملايين من هذه العملة، ومن ثَمَّ أدَّى مباشرة لانخفاض سعرها بشكل كبير، ولا يمكن تحمل مثل هذه الخسارة من قِبل أي بنك أو مؤسسة مالية فضلًا عن الأفراد العاديين، وهو ما يؤدي لاستنزاف ثروات الناس وأموالهم وضياعها في شيء غير معلوم.
وأما اشتمال هذه العملة والممارسات الناتجة عنها على الضرر، فيتمثل في جهالة أعيان المتعاملين بها وهوياتهم، وإذعان العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة شديدة المخاطرة مع جهالة أغلب العملاء المستخدمين لهذه العملة للقواعدِ المهنية التي يجبُ اتباعُها لتخفيف احتمالات الخسائر، بل عدم وجود قواعد مهنية أو حماية قانونية كافية يمكن التحاكُم إليها، بما يعني عدمَ قدرةِ العميلِ على مقاضاةِ السمسار إذا خالف أوامر العميل أو ارتكب خطأً مهنيًّا جسيمًا ترتب عليه خسارةُ العميل.
بالإضافة إلى تعدي تأثير التعامل بها اقتصاديًّا حيز التأثير على مدخرات الأفراد المتعاملين بهذه العملة إلى اقتصاديات الدول؛ حيث تقف الدولُ عاجزةً أمام الأضرارِ التي تقعُ على عملاتها من جرَّاء هذه الخسائرِ، بل يؤدي النظام الذي يُنَظِّم ممارسات استخدام هذه العملة حاليًّا إلى اتخاذها وسيلةً سهلةً لضمان موارد مالية مستقرة وآمنة للجماعات الإرهابية والإجرامية، وتيسير تمويل الممارسات المحظورة وإتمام التجارات والصفقات الممنوعة: كبيع السلاح والمخدرات، واستغلال المنحرفين للإضرار بالمجتمعات؛ نظراً لكونه نظاماً مغلقًا يصعبُ خضوعُه للإشراف وعمليات المراقبة التي تخضع لها سائر التحويلات الأخرى من خلال البنوك العادية في العملات المعتمدة لدى الدول، والقاعدة الشرعية تقول: إنه “لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ”.
كما أن التعامُلَ بهذه العملة التي لا تعترف بها أغلب الدول، ولا تخضع لرقابة المؤسسات المصرفية بها والتي على رأسها البنوك المركزية المنوط بها تنظيم السياسة النقدية للدول وبيان ما يقبل التداول من النقود من عدمه -يجعل القائم به مفتئتًا على ولي الأمر الذي جَعلَ له الشرعُ الشريفُ جملةً من الاختصاصات والصلاحيات والتدابير ليستطيع أن يقومَ بما أُنيط به من المهام الخطيرة والمسؤوليات الجسيمة. وجَعَل َكذلك تطاولَ غيرِه إلى سَلْبِه شيئًا من هذه الاختصاصات والصلاحيات أو مزاحمته فيها من جملة المحظورات الشرعية التي يجبُ أن يُضرَب على يَد صاحبِها؛ حتى لا تشيعَ الفوضى، وكي يستقِرَّ النظامُ العامُّ، ويتحقَّقَ الأمنُ المجتمعيُّ المطلوب.
وقد وصف علماء المسلمين من يُنازع ولي الأمر فيما هو له من ذلك بأنه مُفتاتٌ على الإمام؛ والافتيات هو التعدي، أو هو: فعل الشيء بغير ائتمار مَنْ حَقُّه أن يُؤتمر فيه. انظر: “الشرح الكبير” للشيخ الدردير (2/ 228، ط. دار إحياء الكتب العربية، مع “حاشية الدسوقي”)، و”التوقيف على مهمات التعاريف” للإمام المناوي (ص: 57، ط. عالم الكتب).
وضرْبُ العملةِ وإصدارُها حقٌّ خالصٌ لولي الأمر أو من يقوم مقامه من المؤسسات النقدية، بل إنها من أخَصِّ وظائفِ الدولة حتى تكون معلومةً المصْرفِ والمعيارِ؛ ومن ثَمَّ يحصُل اطمئنانُ الناس إلى صلاحيتها وسلامتها من التزييف والتلاعب والتزوير سواء بأوزانها أو بمعيارها.
قال الوزير نظام الملك أبو علي الحسن الطوسي الشافعي في “سير الملوك” (ص: 233، ط. دار الثقافة، بتصرف يسير): [ضَرْب السِّكَّة لم يكن لغير الملوك في كل الأعصار] اهـ.
وقال ابن خلدون في “المقدمة” (1/ 261، ط. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت): [وهي وظيفةٌ ضروريةٌ للملك؛ إذ بها يتميَّز الخالص من المغشوش بين النَّاس في النقود عند المعاملات] اهـ.
وهذا الذي استوعبه الفقهاءُ من الشَّرع الشريف وطبَّقوه في فتاويهم وأحكامهم هو عينُ ما انتهى إليه التنظيمُ القانوني والاقتصادي للدول الحديثة؛ حيث عمدت القوانين إلى إعطاء سلطة إصدار النقد وبيان ما يقبل منه في التداول والتعامل بين مواطنيها ورعاياها تحت اختصاصات البنوك المركزية وتصرفاتها، وفق ضوابطَ مُحْكَمةٍ ومُشدَّدة من: طبْعها في مطابعَ حكوميةٍ، واستخدامِ ورق وحبر ورسومات مخصوصة، وفحصها لمعرفة التالف منها، ورقْمِها بأرقام مُسَلْسَلة.
وهذا التنظيم الحكيم في ضرب العملة وسَكِّها يجعلها تأخذُ القبولَ العام، ويحصلُ التعارف عليها كوسيط للنقد والتبادل بين الناس حسب العرف الغالب، وهو ضابط قرَّره فقهاء الإسلام في اعتبار العملة المقبولة؛ قال الإمام السرخسي في “المبسوط” (14/ 18، ط. دار المعرفة، بيروت): [الْمُتَعَارَفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَإِلَيْهِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّسْمِيَةِ، وَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ.. لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْبُلْدَانِ تَخْتَلِفُ وَتَتَفَاوَتُ فِي الْعِيَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ بِمَا هُوَ النَّقْدُ الْمَعْرُوفُ فِيهَا] اهـ مختصرًا.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في “الأحكام السلطانية” (ص: 198، ط. دار ابن قتيبة، الكويت): [وَإِذَا خَلَصَ الْعَيْنُ وَالْوَرِقُ مِنْ غِشٍّ كَانَ هُوَ الْمُعْتَبَر فِي النُّقُودِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَالْمَطْبُوعِ مِنْهَا بِالسِّكَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمَوْثُوقِ بِسَلَامَةِ طَبْعِهِ، الْمَأْمُونِ مِنْ تَبْدِيلِهِ وَتَلْبِيسِهِ، هُوَ الْمُسْتَحَقُّ دُونَ نِقَارِ الْفِضَّةِ وَسَبَائِكِ الذَّهَبِ -غير المسكوكة-؛ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِمَا إلَّا بِالسَّكِّ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْمَطْبُوعُ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ هُوَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَمِ فِيمَا يُطْلَقُ مِنْ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَطْبُوعَاتُ مُخْتَلِفَةَ الْقِيمَةِ مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي الْجَوْدَةِ، فَطَالَبَ عَامِلُ الْخَرَاجِ بِأَعْلَاهَا قِيمَةً نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرْبِ سُلْطَانِ الْوَقْتِ أُجِيبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُدُولِ عَنْ ضَرْبِهِ مُبَايَنَةً لَهُ فِي الطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرْبِ غَيْرِهِ نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَأْخُوذَ فِي خَرَاجِ مَنْ تَقَدَّمَهُ أُجِيبَ إلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا فِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ غَبْنًا وَحَيْفًا] اهـ.
واستعمال هذه العملة في التداول يمسُّ من سلطة الدولة في الحفاظ على حركة تداول النقد بين الناس وضبط كمية المعروض منه، وينقص من إجراءاتها الرقابية اللازمة على الأنشطة الاقتصادية الداخلية والخارجية، مع فتح أبواب خلفية تسمح بالممارسات المالية الممنوعة، وذلك كلُّه من الافتيات على ولي الأمر الممنوع والمحرم؛ لأنه تَعَدٍّ على حقه بمزاحمته فيما هو له، وتَعَدٍّ على إرادة الأمة التي أنابت حاكمَها عنها في تدبير شؤونها؛ قال الإمام شمس الدين الغرناطي في “بدائع السلك في طبائع الملك” (2/ 45، ط. وزارة الإعلام العراقية) في معرِض ذكر المخالفات التي يجب اتقاؤها في حقِّ وُلاةِ الأمور: [الْمُخَالفَة الثَّالِثَة: الافتيات عَلَيْهِ -أي: ولي الأمر- فِي التَّعْرِيض لكل مَا هُوَ مَنُوط بِهِ.
وَمن أعظمه فَسَادًا تَغْيِير الْمُنكر بِالْقدرِ الَّذِي لَا يَلِيق إِلَّا بالسلطان؛ لما فِي السَّمْح بِهِ والتجاوز بِهِ إِلَى التَّغْيِير عَلَيْهِ، وَقد سبق أَنَّ من السياسة: تَعْجِيل الْأَخْذ على يَد من يتشوق لذَلِك، وَتظهر مِنْهُ مبادئ الِاسْتِظْهَار بِهِ] اهـ.
وبناءً على ذلك: فلا يجوز شرعًا تداول عملة “البتكوين” والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها، بل يُمنع من الاشتراكِ فيها؛ لعدمِ اعتبارِها كوسيطٍ مقبولٍ للتبادلِ من الجهاتِ المخُتصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول.
وهكذا، اشتملت هذه الفتوى الشرعية على بيان واف لأضرار العملات المشفرة، كما تضمنت الموقف الشرعي منها، والذي يتسق مع الموقف القانوني منها.
المطلب الرابع
جريمة استعمال برامج تقنية بالمخالفة لقانون جرائم تقنية المعلومات
تحت عنوان «البرامج والأجهزة والمعدات المستخدمة في ارتكاب جرائم تقنية المعلومات»، تنص المادة (22) من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حاز أو أحرز أو جلب أو باع أو أتاح أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدّر أو تداول بأي صورة من صور التداول، أي أجهزة أو معدات أو أدوات أو برامج مصممة أو مطورة أو محورة أو أكواد أو شفرات أو رموز أو أي بيانات مماثلة، بدون تصريح من الجهاز أو مسوغ من الواقع أو القانون، وثبت أن ذلك السلوك كان بغرض استخدام أي منها في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو إخفاء آثارها أو أدلتها أو ثبت ذلك الاستخدام أو التسهيل أو الإخفاء».