هل يعرف القانون المصري الحديث عقوبة النفي؟

بقلم/ أحمد مصطفى قاعود

كانت عقوبة النفي موجودة في قانون العقوبات المصري القديم الملغي، والمعمول به عام 1883 ميلادي، ولكن هل انتهت تلك العقوبة في القانون المصري الحديث؟ ام ما زالت موجوده؟
تعتبر عقوبة النفي من اقدم العقوبات في التشريع العقابي منذ اقدم العصور ، فكانت توجد في القانون الفرعوني والروماني ،وأيضا في التشريع الإسلامي لبعض الجرائم مثل جريمة زنى الغير محصن ، ولكن اختفت تلك العقوبة مع بداية التقدم في العصر الحديث بفضل التشريعات الدولية والمواثيق والمعاهدات التي اقرتها الأمم المتحدة ومن المبادئ المهمة لحقوق الإنسان المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عدم الاعتراف بعقوبة النفي فالمادة 13 من الإعلان المذكور تنص على أنه( يحق لكل فرد أن يغادر أية بلد، بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليها). ويُقنن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث ينص في المادة 14 على أنه ( لا يجوز حرمان أي شخص بصورة تعسفية من حق الدخول إلى بلاده)
اما عن قانون العقوبات القديم والذى كان يعرف تلك العقوبة حيث كانت تلك العقوبة جزاء لبعض الجرائم ، فكانت عقوبة النفي في هذا القانون نوعان :-
1- النفي المؤبد :- وقد عرفت المادة 38 من هذا القانون النفي المؤبد هو إرسال المحكوم عليه إلى المحل الذي تعينه الحكومة لذلك ليقيم فيه مدة حياته ، وكان يحق له ان يطلب نقل أولاده الى منفاه بشرط رضاهم .
2- النفي المؤقت :- وقد عرفت المادة46 العقوبة بالنفي المؤقت هي إبعاد المحكوم عليه عن محل إقامته ونقله للجهة التي تعينها الحكومة لذلك ليقيم بها وتكون مدتها من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنين وتبتدئ مدة هذه العقوبة من يوم القبض على المحكوم عليه لإرساله للجهة المعينة لنفيه إن لم يكن محبوسا احتياطيا.

وكانت تلك العقوبة بنوعيها هي جزاء لبعض الجرائم فكانت عقوبة النفي المؤبد مخصصة للمتهمين أصحاب المراكز العليا اذا ارتكبوا جُرم يعاقب عليه، وعلى سبيل المثال ما نصت علية المادة) 82 يعاقب بالنفي المؤبد كل شخص مرخص له بالتصرف في عساكر الجيش أو عساكر الضبط والربط فطلب منهم أو أمرهم بعدم جمع العساكر اللازم جمعهم بحسب أمر الحكومة…..)
اما عقوبة النفي المؤقت فكانت جزاء لجرائم المال مثل الرشوة والاختلاس التي تقع من الموظفين ومثال ذلك ما نصت علية المواد 105 (كل من كان من أرباب الوظائف الميرية ينتفع من الأشغال المحالة عليه إدارتها وملاحظتها سواء كان الانتفاع مباشرة أو بواسطة وكذلك كل من كلف نفسه منهم من غير مأمورية بشراء أشياء أو تشغيلها على ذمة الحكومة أو اشترك مع بائع الأشياء المذكورة أو مع المكلف بصنعها يعزل من وظيفته ويعاقب بالنفي من سنة إلى سنتين وأما في حالة ما إذا أخذ أحد هؤلاء الموظفين عمولة أو تسبب في إعطائها لغيره على المعاملات الميرية التي من هذا القبيل أو اكتسب أرباحا فيما يتعلق بصرف النقود أو أباح لغيره اكتساب ذلك فيعاقب فضلا عن عزله من الخدمة بالحبس من سنة إلى سنتين أو بالنفي من سنتين إلى ثلاث سنين(
والمادة 106 الموظفون في الخدمات الملكية الذين أدخلوا في ذمتهم بأي وجه كان نقودا للميري أو سهلوا لغيرهم فعل جنحة من هذا القبيل يعزلون من وظائفهم ويعاقبون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بالنفي من ستة أشهر إلى ثلاث سنين فضلا عن العقوبة المقررة للتزوير إن وجد )
اما قانون العقوبات الحديث رقم 58 لسنة 1937 والمعمول به حاليا لم يعرف تلك العقوبة وطهر نفسه من بعض العقوبات البدنية التي كانت تطبق في قانون العقوبات الأهلي القديم مثل الضرب ولم يعرف من العقوبات البدنية سوى عقوبة الإعدام فقط وكان ذلك بسبب كما ذكرت مسبقا القوانين والمعاهدات الدولية التي أصبحت مصر جزء منها
ولكن يسئل سائل : هل انتهت تلك العقوبة نهائيا من القانون المصري ؟
الإجابة : لا
يستغرب البعض من تلك الإجابة لكن هذا الاستغراب سيزول في السطور التالية
ان القانون المصري لم يعرف عقوبة النفي وهى اخراج الفرد من موطنه وعدم رجوعه اليه ، ولكن توجد حالة واحده فقط ذكرها قانون الإجراءات الجنائية تفيد بأن لا يحق لبعض الافراد ان يقيم في مكان موطنه ، واذا خالف ذلك تكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد عن عام .
فما هي هذه الأسباب التي تمنع الافراد ان يقيموا في موطنهم ؟
اذا ارتكب شخص ما جريمة قتل او شروع في قتل او ضرب افضى الى موت وحكم علية بالإعدام او السجن المؤبد او السجن المشدد وسقطت عنه العقوبة بمضي المدة لكونه هاربا ، هنا تدخل القانون . فان كان هذا المتهم كان قد سقط حق المجتمع في عقابه بسبب سقوط العقوبة بالتقادم فان المجتمع هنا لم ينسى ان هذا المتهم اذا مارس حياته الطبيعية في ذلك المكان الذى ارتكب فيه جريمته والتي أدت الى قتل انسان او الشروع في قتله فهذا حتما سيثير مشاعر اهل المقتول الذين يشاهدون قاتل ذويهم حرا دون عقاب ولا شك ان ذلك سيزيد شعورهم بالانتقام . لذا كان القانون مصيبا عندما نص على ان من اتركب تلك الجرائم السابقة وحكم عليه بالعقوبات السابقة وسقطت عقوبته بمضي المدة ” اي انه ظل هاربا طوال المدة التي تسقط فيها العقوبة ” انه لا يجوز له ان يقيم في المكان الذى ارتكب فيه جريمته وان ينفى خارجها للإقامة الدائمة وهذا ما نصت علية المادة 533 إجراءات جنائية .ولا يحق له الإقامة فيه في موطنه الذى ارتكب فيه تلك الجريمة او المكان الذى ارتكب فيه الجريمة دون اذن من مدير المديرية او المحافظ .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى