ضمانات فاعلية حق المتهم فى الإستعانة بمحام

بقلم: الأستاذ/ علـــي سيد أبوصديــره

إن فلسفة إستعانة المتهم بمدافع فى مراحل الدعوى الجنائية تكمن بصفة أساسية كما قالت محكمة النقض فى أنه :” تطمين للمتهم وصون لحرية الدفاع عن نفسه “بالإضافة إلى أن الإستعانة بمحام سواء فى مرحلة الإستدلال أوالتحقيق الإبتدائى أو المحاكمة فيه ضمانة حقيقية من تعسف أحد أفراد هذه السلطات الثلاثة ضد المتهم . وفى تعبيرأوضح فإن حضور المحامى إلى جانب المتهم أثناء إستجوابه يبعث فى نفسية المتهم الهدوء والإطمئنان على نفسه وما يتخذ فى مواجهته من إجراءات فتحمله هذه الطمأنينة وهذا الهدوء على حسن الرد على الأسئلة التى توجه إليه ومناقشتها مع المحقق أو المحكمة .

إذا استعانة المتهم بمدافع بات أمراً ضرورياً وحقاً أصيلا للمتهم لا يسقط عنه حتى لو تناساه هو أو تنازل عنه فهو متعلق بالنظام العام وليس مرهونا بمشيئة المتهم يستعمله أم لا . فالمتهم حتى ولو كان أحد رجال القانون وحتى لوكان قاضياً وقدرأن أحيل إلى محكمة الجنايات فواجب على المحكمة أن تعين له مدافع ضماناً لصحة إجراءات المحاكمة ، وهذا لايسلبه حقه فى أن  على القاضى أن يسمح له بالدفاع عن نفسه بما يعن له من أوجه الدفاع والدفوع والطلبات مايرى فيها مصلحته فى القضية إذا طلب أن يكون آخرمن يتكلم  وفيما يلى نستعرض فى العنصرالأول أهم الضمانات التى تكفل فاعلية حق المتهم فى الإستعانة بمدافع كما تغياها الشارع الدستورى والقانونى ، ثم فى العنصرالثانى نبين المركز القانونى للمحامى المنتدب – هذا وقد جعلت لموضوعنا خاتمة  ذكرت فيها أهم النتائج التى قد توصل إليها البحث –  والله الموفق والمستعان .

أولاً : ضمانات فاعلية حق المتهم فى الإستعانة بمحام

لا ريب أن حق المتهم فى الإستعانة بمدافع أمام المحاكم لهو أعظم ضمانة لمحاكمة جنائية عادلة كما تطلبها الدستوروالقانون الإجرائى بيد أن حق الدفاع سواء أكان بالأصالة أوبالوكالة حتى يؤتى ثمرته وتتحقق به حكمة تقريره التى قصدها الشارع من إيجاب حضور محام مع كل متهم بجناية يحال إلى محكمة الجنايات لابد من توافربعض الضمانات الفعالة لحق الدفاع والتى لا مناص عنها فمن هذه الضمانات تمثيلاً لا حصراٌ :

1- يجب أن يكون المدافع عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات على علم كاف وخبرة قانونية عالية :

ويبرر ذلك ما للعقوبات الصادرة فى قضايا الجنايات بالأخص من خطر جسيم على المتهم والتى قد تصل به إحياناً إلى حد الحكم بالإعدام  لذلك تحوط الشارع لذلك فأشترط أن يتولى مهمة الدفاع عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أحد المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الإبتدائية على الأقل وما يعلوها من باب أولى ، حيث نصت المادة (377إ/ج) على أن : ” المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الإستئناف أو المحاكم الإبتدائية يكونون مختصين دون غيرهم بالمرافعة أمام محاكم الجنايات “0 ومخالفة هذا القيد يبطل إجراءات المحاكمة للإخلال بحق الدفاع – وهذا الشرط من المبادىء التى أرستها محكمة النقض وأصدرت فيها من الأحكام عدة تطبيقاً لذلك مالايتسع المقال لسردها .

2- كذلك فإن حق المتهم فى إختيارمن يتولى الدفاع عنه مقدم على حق المحكمة فى الندب :

هذه القاعدة العامة ولكن قد يرد عليها بعض الإستثناءات التى بتوافرها يجوز للقاضى أن يعين محامياً للمتهم بجناية بالرغم من توكيله محام للدفاع عنه أمام المحاكم 1- ألا يظهر من المحامى الموكل ما يعد تعطيلا أوعرقلة لسير الدعاوى 2- ألايبدى المتهم إعتراضاً على المحامى المنتدب من قبل المحكمة وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن :” تقديم حق المتهم فى إختيارمحاميه على حق المحكمة فى تعيينه مشروط بعدم التعارض مع ما للمحكمة من المحافظة على عدم تعطيل سير الدعاوى ، فإذا ما تبينت المحكمة أن المقصود من طلب التأجيل عرقلة سيرالقضية دون أية مصلحة حقيقية للدفاع – وهو الحال فى هذه الدعوى – كان لها الحرية التامة للتصرف بشرط ألا يترك المتهم بلامدافع ، فإن المحكمة فى إلتفاتها عن طلب التأجيل الذى أبدى دون إبداء عذر مانع للمحامى الأصيل من المثول أمام المحكمة ، مع ندبها محامياً مكنته من الإطلاع والإستعداد وقد ترافع مرافعة حقيقية دون إعتراض من الطاعن ، تكون قد وفرت للطاعن دفاعاً جٍدياً لا شكلياً “.

(الطعن رقم / 32 لسنة 83 قضائية – جلسة 3/2/2014م).

3- كذا يجب أن يكون دفاع المحامى الموكل أو المنتدب دفاعاً جدياً لا مبتورا ولا شكلياً :

وعلة ذلك هى تحقيق غرض الشارع من إيجاب حضور مدافع مع كل متهم بجناية أحيلت إلى محكمة الجنايات ، وحتى تؤتى ثمرة ذلك يجب أن يكون دفاع المحامى عن المتهم سواء أكان موكلاً منه أو ندبته المحكمة للدفاع عنه دفاعاً جاداً حقيقياً لامبتوراً ولا شكلياً تقديراً لما للتهمة الجنائية من خطورة ، ولا يتحقق ذلك إلا بحضور محام أثناء المحاكمة ليشهد إجراءاتها من أولها إلى آخرها ، حتى يتاح له مساعدة المتهم مساعدة إيجابية تحقق مصلحته فى القضية ببلوغ أعظم درجة فيها بالحصول على حكم قاض بالبراءة أو بالخروج من الإتهام الجنائى  بأقل خسارة أوعقوبة ممكنة فيتاح للدفاع فيها تقديم ما يعن له من كل أوجه الطلبات والدفوع الجوهرية حتى ينعت دفاعه بالجدية وفقاً لما يمليه عليه ضميره الشخصى حتى يبربقسم المهنة الذى حلفه قبل أن يشتغل بالمحاماة فيلتزم بمبادىء الشرف والنزاهة ويسلك فى دفاعه طريقاً قويماً يتفق وتقاليد وأصول ومبادىء وعرف مهنة المحاماة ، أما غير ذلك فهوالدفاع السطحى أوالشكلى ” غيرجدى” وغير مقبول وهو ما عناه الشارع الإجرائى ورتب عليه جزاء البطلان لإجراءات المحاكمة لأنها مشوبة بالإخلال بحق الدفاع ووجه النعى هذا تكتفى به محكمة النقض فى إعادة المحاكمة دون بحث لأوجه ومناعى الطاعن الأخرى وعلى هذا جرى وأستقرقضاء النقض الجنائى .

4- أيضاً ليس للمحكمة أن تستند فى أسباب حكمها بإدانة المتهم لجزء من دفاع المتهم الشفهى أو الكتابى :

لأنه ولئن كان الدفاع حر فى إختيارخطة دفاعه التى تحقق مصلحة القضية إلا أنه لا يتأتى فى منطق العقل أن يتخذ الحكم من دفاع المتهم دليلاٌ عليه – وصراحة إن وجهة هذا المبدأ القضائى وجيهة للغاية – ذلك لأنه ربما قد تأتى إلى المحكمة أقوال المحامى سواء فى دفاعه الشفهى أم التحريرى مخالفة لأقوال المتهم أو لرأيه الحقيقى أو لموقفه فى الدعوى فإنها تتضمن فى واقع الدعوى خروجاٌ عن حدود الوكالة من المتهم إلى المحامى ، وهذا الخروج سواء أكان مقصوداً من الدفاع أم سهواً منه رأى الشارع الحكيم أن من العدالة ألا يؤاخذه بجريرة غيره حتى وإن كان دفاعه الذى سدرأ عنه التهمة بحسب الأصل – فلا يجب بحال من الأحوال وتحت أى ظروف أن ينقلب دفاع المتهم وبالاً على المتهم بأن يتحمل تبعة عواقبه السيئة بدون ذنب وهذا ما تأباه العدالة الجنائية التى لا يضيرها إفلات مجرم بقدر ما يؤذيها ويؤذى المجتمع إدانة برىء وهوالذى قد يتعلق فى (ثغرة قانونية) قشة للنجاة من محيط الإتهام الجنائى إلى مرسى المجتمع مرة أخرى .

وعلى ذلك فإن كل مايرد من أقوال على لسان الدفاع سواء أكان ذلك فى مرافعته الشفهية أم التحريرية وبالجملة فكل ما يخطه فى مذكراته أو صحف الدعاوى أوأى ورقة تقدم إلى المحاكم من شأنها أن تسىء إلى مركزالمتهم القانونى فى القضية على نحو لا يحقق مصلحته المرجوة فى القضية لا يسوغ فى أصول الإستدلال أن يتخذ منها دليلاً على ثبوت التهمة ، إذ أن هذه الأقوال فى حقيقتها لا تعبرإلا عن رأى المحامى الشخصى دون المتهم فلا يصح فى منطق البداهة أن يضار بها المتهم بأن تؤخذ حجة عليه – ومثال ذلك إذا أنكر المتهم طوال التحقيق وفى المحاكمة دليلاً معيناً فسلم به محاميه أثناء المرافعة رغم إنكار موكله على النحو الآنف فأستدل الحكم بالإدانة على هذا التسليم كدليل من أدلة ثبوت التهمة عليه 0( نقض13/2/1951- المحاماة س33 – عدد2 – رقم1114 – ص202 ).

5- كذا يجب أن يحضر المحامى الموكل أو المنتدب  جميع إجراءات المحاكمة من أولها إلى آخرها :

حتى تتحقق الغاية التى تغياها المشرع من وجوب حضور مدافع عن كل متهم بجناية أمام محاكم الجنايات ويتاح له أداء دفاع حقيقى لا شكلى كان لزاما علي المحكمة أن تمكنه من حضور جميع إجراءات المحاكمة من أولها إلى آخرها – أما غير ذلك فيعرب عن المحاكمة الباطلة للإخلال بحق الدفاع – وتطبيقاً لهذه الضمانة الجوهرية قضت محكمة النقض : ”  ذلك بأن الغرض من إيجاب حضورمدافع عن كل متهم بجناية لا يمكن تحقيقه على الوجه الأكمل إلا إذا كان المدافع متتبعاً إجراءات المحاكمة بالجلسة من أولها إلى آخرها بما يكفل له حرية مناقشة الشهود والتعقيب على أقوالهم فى حدود مصلحة موكله الخاصة وهو مالا يتحقق فى خصوص هذه الدعوى بما يعيب الحكم بالبطلان فى الإجراءات ” 0

(الطعن رقم 957 س43ق جلسة 2/12/1973م) وقضت :”إذا ندبت محكمة محامياً للدفاع عن المتهم بجناية بعد سماع الشهود مبطل لإجراءات المحاكمة لأنها بذلك تكون قد لم تتح له الفرصة فى مناقشة أقوالهم فضلاً عن الإستماع إليها بنفسه حتى ولو كان الشهود قد سمعوا فى حضور محام آخرهوالمحامى الأصيل ولم يعد سماعهم فى حضورالمحامى المنتدب “(نقض4/2/1954أحكام النقض س3 رقم 254 ص684).

6- كذلك من حق الدفاع الحاضر عن المتهم أن يكون آخرمن يتكلم :

نصت المادة (275 إجراءات/ج) على هذه الضمانة أوالقاعدة فى قولها : ” وفى كل الأحوال يكون المتهم آخرمن يتكلم) . إلاأن شرط إعمالها أن يطلب الدفاع صراحة من المحكمة بأن يكون آخر من يتكلم  ، كما لو طلب التعقيب على مرافعة النيابة العامة أو على رد المدعى بالحق المدنى فرفضت المحكمة ولم تمكنه من ذلك ولم تجبه فإن حكمها فى هذه الحالة يصدرمعيباً بعيب الإخلال بحق الدفاع ، وتطبيقاً لذلك قضى بأن : ” إذا طلب المتهم أن يكون آخر من يتكلم تعقيباً على إستيضاح المحكمة لأحد الشهود وبعد إنتهاء مرافعته رفضت المحكمة هذا الطلب فإن حكمها يكون معيباً للإخلال بحق الدفاع ” 0 ( نقض 28/11/1947م – القواعد القانونية ج7 رقم 762 ص717 ).

وقضى بأنه :” لماكان ذلك وكانت المادة 275 من قانون الإجراءات الجنائية وإن أوجبت أن يكون المتهم آخر من يتكلم ، فإن الثابت بمحاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن بعد أن أبدى محاميه دفاعه قد سمعت المحكمة مرافعة للنيابة العامة ، إلا أن ذلك لا يبطل المحاكمة مادام الطاعن لا يدعى فى طعنه أنه طلب من المحكمة أن تسمعه بعد مرافعة النيابة العامة فرفضت ذلك ، مما يعتبر أنه قد تنازل عن حقه فى أن يكون آخرمن يتكلم بإعتبار أنه لم يكن عنده أو لم يبق لديه ما يقوله فى ختام المحاكمة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص بدعوى البطلان أو الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد ” 0 ( نقض 50614 لسنة 74 ق – جلسة 7/12/2005م ) .

7- ثم ألا يتم إستجواب المتهم بغير رضاه وبموافقة محاميه :

حيث نصت المادة (274 إ/ج) على حظرإستجواب المتهم فى قولها : ” لا يجوز إستجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك …”0 ومن يستقرىء أحكام محكمة النقض فى هذا الصدد يبين له بوضوح تام أنه يشترط قانوناً لصحة الإستجواب بمعرفة المحكمة  أن يتم بعد موافقة المتهم ومحاميه معاً وأن عدم موافقة أحدهما أوكلاهما على الإستجواب بأن أرغمته المحكمة عليه يكون ذلك موجبا للبطلان وبالتالى يبطل ما أسفرعنه هذا الإستجواب الباطل من أدلة كما لو أعترف المتهم بالتهمة عند إستجواب المحكمة له 0 والإستجواب المحظورعلى المحكمة يختلف تماماً عما للمحكمة من حق فى سؤال المتهم عن إرتكابه للجريمة من عدمه ؟ أوإستيضاح أمرما منه ففارق بين هذا وذاك .

على أنه يتعين إبداء الإعتراض على الإستجواب من قبل المتهم نفسه أو من محاميه الحاضر معه قبل حصوله من المحكمة ، فإن حصل الإستجواب ولم يبدى إعتراض منه أو من محاميه كان صحيحاً ولا بطلان فيه لأن فى سكوته رضائه الضمنى به والرضا إسقاط فليس له من بعد أن يتمسك بدعوى البطلان 0 وقضى تطبيقاً لذلك بأنه : ” من المقرر أن حق المتهم فى الدفع ببطلان الإجراءات المبنى على أن المحكمة استجوبته يسقط وفقاً للمادة 333 فقرة (1) إجراءات جنائية إذا حصل الإستجواب بحضور محاميه ولم يبدى إعتراضاً عليه لأن ذلك يدل على أن مصلحته لم تُضار بالإستجواب وبالتالى لا يجوز له أن يدعى ببطلان الإجراءات ” (طعن 7/3/1966م – أحكام النقض س17 ق54 ص273).

8 –  وأخيراً يجب ألا تتعارض مصالح المتهمين مع بعضهم البعض عند الدفاع :

ليس فى القانون نص يمنع من أن يتولى مدافع واحد مهمة الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة طالما بدا ظاهراً من ظروفها وملابساتها مالا يؤدى إلى القول بقيام تعارض فى المصالح أو المراكز القانونية بين هؤلاء المتهمين 0 أما إذا حصل ووجد مثل هذا التعارض بين مصالحهم ومع ذلك أستكملت المحاكمة دون أن يكون لكل متهم محام مستقل فإن الإجراءات تكون مشوبة بالبطلان للإخلال بحق الدفاع 0 ومناط قيام هذا التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع قد يقع فى أكثر من صورة ونورد أشهر صورالتعارض فى مصالح المتهمين عندالدفاع  :

1- شيوع التهمة وهوأعظم صورة للتعارض غى المصالح ويحدث ذلك بصورة عملية حين يكون القضاء بإدانة أحد المتهمين من شأنه أن يجعل إسناد التهمة بينهم شائعاً سوا أكان شيوعاً صريحا أم ضمنياً – وهذا التعارض وحده هو الذى يبرر بل ويوجب على المحكمة إفراد كل متهم بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسة الواقع ولا يبنى على إحتمال .

(نقض 2/2/ 1993- ط8542 – س61ق) .

وتعارض المصلحة فى الدفاع يقتضى أن يكون لكل منهم من الدفاع ما يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر بحيث يتعذر على محام واحد أن يدافع عنهما معاً – فإذا تبادل متهمان إسناد نفس التهمة تبادلاً صريحاً حتى أصبحت التهمة بينهما شائعة فإن هذه أقوى صورالتعارض بين مصالح المتهمين فى الدفاع الموجب أن يكون لكل منهم محام مستقل 0 أما إذا أعتصم كل منهما بالإنكار ولم يتبادلا الإتهام بأن يلقي بالتهمة أحدهما على الآخر فلا محل هنا للقول بقيام تعارض فى المصالح ويحق معه أن يتولى محام واحد الدفاع فى قضية واحدة عن أكثرمن متهم ولا إخلال فى ذلك بحق الدفاع المبطل لإجراءات المحاكمة الجنائية .

(نقض 10/8/1984  أحكام النقض س35 ق140 ص 636).

2- القضاء بإدانة أحد المتهمين يترتب عليه القضاء ببراءة الآخرين أو يجعل التهمة شائعة فيما بينهم شيوعاً صريحاُ أو ضمنياً .

(نقض 6/12/1971 – أحكام النقض س22 ق175 ص 712).

3- أن يكون لأحد المتهمين دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر بحيث يتعذر على محام واحد أن يترافع عنهما .

(نقض 22/6/1970 أحكام النقض س21 ق 217 ص 918).

4- إذا كانت مرافعة الدفاع عن متهم معين على واقعة لوصحت لأثرت فى مركز المتهم الآخر كما لو نفت عنه ما يكون قد تمسك به من توافرسبب إباحة الدفاع الشرعى أو سبب إمتناع مسئولية فى حالة الضرورة.

5- يتحقق التعارض إذا مادارت وقائع الدفاع عن متهم معين حول وقائع لو صحت لأحدثت أثرها فى تقديرالعقوبة بالنسبة إلى المتهم الآخر.

ثانياً : المركز القانونى للمحامى المنتدب

ماهية ندب المحامي :

فى تعبيربسيط يعنى مصطلح ندب المحامى : طلب جهة التحقيق أوالمحكمة  شفاهة أو كتابة من أحد السادة المحامين أو من نقابة المحامين تكليف أحد السادة المحامين المعينين الحضورمع المتهم إجراءات التحقيق الإبتدائى أو الدفاع  أمام المحكمة فى بعض القضايا المنصوص عليها قانونا على أن تتحمل خزانة الدولة أتعابه وفقاً للقانون .

نصت الفقرة الأخيرة من المادة (124إ/ج) المعدل بالقانون رقم145 لسنة 2006م  على وجوب ندب محام للحضورمع المتهم  أثناء إستجوابه فى التحقيق الإبتدائى فى جرائم الجنايات وفى الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوباً إذا لم يكن للمتهم محام أو لم يحضر محاميه بعد دعوته بقولها : ” وإذا لم يكن للمتهم محام ، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته ، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محاميا ، وللمحامى أن يثبت فى المحضرما يعن له من ملاحظات أو طلبات أو دفوع “.

فبهذا النص يوجب المشرع على القائم بالتحقيق سواء أكانت النيابة العامة بصفة أصلية أم قاضى التحقيق فى الأحوال الإستثنائية قبل أن يشرع فى التحقيق مع المتهم فى الجنايات وفى الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوباً أن يدعو محامى المتهم للحضور معه إجراءات التحقيق الإبتدائى إن كان محاميه قد حضر معه فإن كان غائباً وجب عليه إعلانه بتقرير فى قلم المحضرين أوندب محام له . ويستثنى من ذلك وفقاً لصراحة المادة المشار إليها حالتى التلبس والسرعة أو الضرورة الإجرائية فهنا فقط أجاز المشرع لسلطة التحقيق أن تباشره مع المتهم دون أن يحضر محام ولا تثريب عليها فى ذلك شريطة أن يثبت ذلك فى محضرالتحقيق ، ومثال ذلك غلق نقابة المحامين مساء ً.

ب – ندب المحامى عند المحاكمة :

تقول محكمة النقض فى أحد أحكامها : إن المحكمة هى الملاذ الأخير للمتهم الذى يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح ، وإلا أنتفت الجدية فى المحاكمة وأنغلق باب الدفاع فى وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإيباء وقد قام على هدى هذه المبادىء حق المتهم فى الدفاع عن نفسه أصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الإجتماعية التى لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذى العدالة معاً إدانة برىء .

وحضور محام إجراءات المحاكمة هى أعظم ضمانة قانونية لمحاكمة المتهم محاكمة جنائية عادلة بإعتبار الأصل فيه البراءة – من أجل ذلك أوجب المشرع الدستورى والإجرائى تعيين مدافع لكل متهم بجناية تحال إلى محكمة الجنايات إذا لم يكن المتهم قد أختار من يتولى مهمة الدفاع عنه وهذا ما نصت عليه المادة (67دستور1971م) . وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب المادة (54 من دستور2014الحالى).

     الإحالة مع الندب :

يندب المحامى العام من تلقاء نفسه محامياً لكل متهم بجناية صدر أمر بإحالته إلى محكمة الجنايات إذا لم يكن قد وكل محامياً للدفاع عنه المادة (214إ/ج) . ومخالفة ذلك يترتب عليه بطلان إجراءات المحاكمة للإخلال بحق من حقوقه المقدسة والمكفولة بالدستور والقانون ألا وهو حق المتهم فى الإستعانة بمحام وهذا البطلان متعلق بالنظام العام .

     الندب أثناء المحاكمة :

جدير بالإشارة أن شرط إستعانة المتهم بمدافع أثناء المحاكمة فى ضوء المادة 67 من دستورمصرلعام 1971السابق  كان قاصر الوجوب على نوع معين من الجرائم ألا وهى (جرائم الجنايات) .أما جرائم الجنح فحضور محام مع المتهم ليس بلازم إلا ما أستثناه الشارع بنص خاص . ومن ثم فإغفاله كان لا يترتب عليه البطلان . كذلك كان لا يسرى هذا الوجوب على الجنح التى تحال إلى محكمة الجنايات أياً كان سبب الإحالة . سواء أكان سبب الإحالة لإرتباط الجناية بجنحة مطروحة أمامها أو لخطأ فى الإجراءات أم لنزاع حام حول  وصف الواقعة أوالإختصاص .

حتى إذا صدردستورجمهورية مصرالعربية الحالى فى عام2014م أنتبه المشرع المصرى ولاحظ هذا القصورالتشريعى وأستطاع أن يستدركه فى المادة (54دستورى 2014) والتى نصت على أنه : ” وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب”.

ومن هنا وبهذا النص يكون المشرع قد أوجد به ضمانة جديدة للمتهم بأن أستحدث قيداُ إجرائياً واجب الإتباع لصحة إجراءات المحاكمة ألا وهو ضرورة حضور محام مع كل متهم يحال إلى محكمة الجنح أومحكمة الجنح المستأنفة أومحكمة الجنايات من باب أولى كما هو معلوم وذلك بأن جعل معيار هذه الضمانة (العقوبة) وهى : كافة الجرائم التى يجوز الحبس فيها . وهذا مالم يكن موجوداُ فى الدستور السابق لعام 1971م .

لطفاً المرجع : ص12 – الجزء الأول  – المرجع العملى فى النقض الجنائى (ضمانات المحاكمة الجنائية) ط2 2015- لمؤلفه : المستشار/ بهاء أبوشقة .

أتعاب المحامى المنتدب

نصت المادة (376 إ/ج) على أتعاب المحامى المنتدب فى قولها :” للمحامى المنتدب من قبل قاضى التحقيق أو النيابة العامة أو رئيس محكمة الجنايات أوالمستشارالفرد أن يطلب تقدير أتعاب له على الخزانة العامة إذا كان المتهم فقيراَوتقدرالمحكمة هذه الأتعاب فى حكمها فى الدعوى ولا يجوز الطعن فى هذا التقدير بأى وجه.ويجوزللخزانة العامة متى زالت حالة فقر المتهم أن تستصدر عليه أمرتقدير بأداء الأتعاب المذكورة “.

تأديب المحامى المنتدب

تأديب المحامى المنتدب لايختلف فى شىء عن تأديب المحامى الموكل فقد رصد المشرع عقوبة الغرامة التى لاتتجاوز خمسين جنيها لكل منهما فى حالة الإخلال بإلتزامه بالدفاع عن المتهم أو عدم توكيل من ينوب عنه فى الدفاع ، هذا مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية إذا لزم الأمر، حيث نصت المادة ( 375 إ/ج) على ذلك بقولها : ” فيما عدا حالة العذرأو المانع الذى تثبت صحته يجب على المحامى سواء أكان منتدبا من قبل قاضى التحقيق أو النيابة العامة أورئيس محكمة الجنايات أو المستشار الفرد أم كان موكلا من قبل المتهم أن يدافع عن المتهم فى الجلسة أو يعين من يقوم مقامه وإلا حكم عليه من محكمة الجنايات بغرامة لاتتجاوزخمسين جنيها ، مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية إذا إقتضتها الحال . وللمحكمة إعفاؤه من الغرامة إذا ثبت لها أنه كان من المستحيل عليه أن يحضر فى الجلسة بنفسه أو أن ينيب عنه غيره “.

وفى كلمة جامعة:

قد بان مما سبق أنه لا ميزة للمحامى الموكل عن المحامى المنتدب من حيث الوضع القانونى لكل منهما ،  فالمركزالقانونى للدفاع المنتدب أيا كان مصدرالندب من قبل المحقق أم قاضى الموضوع لايختلف فى شىء عن ذلك المحامى الموكل من المتهم . فكل منهما فى نفس الوضع القانونى . وإن كان ثمة إختلاف بينهما يتمثل فى إقتضاء الأتعاب فكل ما يميز الأول عن الثانى هو المقابل المالى أو فى تعبيرأوضح (دفع مقابل أتعاب المحامى) فالمحامى الذى أختاره المتهم بداهة هو الذى يكلف بدفع أتعابه التى تم الإتفاق عليها عند توكيله بالدفاع عنه ، أما المحامى الذى ندبته جهة التحقيق أو سلطة الحكم فهى التى تقدرله الرسوم القضائية وهى دائماُ ما تكون مبلغ مالى رمزى لايعادل خمسة فى المائة من قيمة أتعابه الحقيقية والفعلية كما لوكان محاميه الموكل0 مع ملاحظة أنه يحق للخزانة العامة للدولة أن تتقاضى من المتهم هذه الأتعاب التى سبق وتحملتها عنه بأن دفعتها إلى محاميه المنتدب  متى زالت عنه حالة الفقر بأن تستصدر عليه أمر تقدير بأداء الأتعاب المذكورة وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (376 إ/ج) .

كذلك فإن كل ما أشترطه القانون فى المحامى الموكل يجب توافره فى حق المحامى المنتدب . فعلى القاضى عند ندب أحد السادة المحامين أن يتحرى ويتثبت من درجة قيده بأن يطلع على بطاقة عضويته (كارنيه المحاماة) فيتأكد من أنه محام مقبول للمرافعة أمام المحاكم الإبتدائية وإلاترتب على مخالفة هذا الإجراء الجوهرى بطلان يستطيل إلى كافة إجراءات المحاكمة ويكون الحكم الصادرفى القضية محل طعن للإخلال بحق الدفاع وعلى هذا المبدأ أستقرت أحكام محكمتنا العيا يضيق المقام بإيرادها . كما أنه يجب على مجالس نقابات المحامين الفرعيات أن يتثبت من هذا الأمر فى حالة ندب المحامى صاحب الدورللدفاع عن المتهمين فى قضايا الجنايات خاصة وإن كانت غيرمختصة بذلك قانوناُ فمحل ذلك جلسة المحاكمة والمختص بذلك قاضى الموضوع إلا أن هذا الشأن يفرضه النظام الداخلى لنقابة المحامين ويكون ذلك بالإطلاع على بطاقة العضوية الخاصة بالسيد المحامى صاحب الدورفإن هى أغفلت ذلك فلا يصح أن يمرهذا الأمر على قاضى الموضوع ولا يجوز التعذربالجهل أو السهو فى ذلك . سيما وفى أحد أحكام محكمة النقض أرست فيه مبدأ قضائياً مفاده : أنه ليس فى القانون ما يلزم القاضى بأن يدون قيد المحامى فى محضرجلسات المحاكمة 0 وأخيراً فتأديب المحامى الموكل والمنتدب سواء فى عقوبة الغرامة التى نصت عليها المادة (375إجراءات ).

مزايا نظام إنتداب المحامى

1- بالنسبة للمتهم :

تعد الميزة الأساسية التى يحققها المحامى المنتدب بالنسبة للمتهم هى أن أتعابه تتحملها عنه خزانة الدولة ، وحتى إن طلبت منه أدائها عند التحقق من ميسرته فهى زاهدة بالمقارنة بأتعاب المحامى الموكل فضلا عن أن إقتضائها يكون بعد فترة من الزمن ومشروطة بزوال حالة فقهره كما نصت المادة 376 من قانون الإجراءات الجنائية فهذه هى الميزة التى قد يضعها المتهم فى عين الإعتبار.

2-  بالنسبة للعدالة :

فإن نظام ندب المحامين لا شك فى أنه يحقق العدالة الناجزة بسرعة فصل المحاكم فى القضايا التى دخلت حوزتها وفى ذلك ميزة للمجنى عليه وللمدعين بالحقوق المدنية وللمجتمع قاطبة فى محاسبة الجناة فى وقت قليل وضمانة أساسية لحسن سيرالعدالة وسداً لذريعة عرقلة سيرالدعاوى التى يتخذها بعض الدفاع بما لا يحقق مصلحة المتهم 0فندب القاضى محامياً للمتهم يحول دون أن يتخذ دفاع المتهمين فى الجنايات من تأجيل نظرالقضايا ذريعة تتعطل بها المسيرة العاجلة للعدالة التى ينتظرها المتقاضون فى أحكامهم التى تثلج صدورهم كلما كانون مظلومين.

3- بالنسبة للمحامى :

فإنتداب المحامى فى قضية ما يعد مورداً من موارد دخل مكتبه الثابتة وإن كان مقابل أتعاب ما يندب فيه من أقضية زهيد وبعيد الأمد فى الحصول عليه إلا أنه لاينكرأحد أن ذلك الإنتداب مصدردخل لبعض مكاتب السادة المحامين .

4- بالنسبة لنقابة المحامين :

إن كفالة حق الدفاع للمواطنين وتقديم المساعدات القضائية لغير القادرين منهم لهو أحد أهم وأعظم الأهداف التى تسعى وتسهرعلى تحقيقها نقابة المحامين المصرية فهى (قلعة الدفاع عن الحريات) وخير مثال على ذلك وجود (نظام ندب المحامين) ونحن نعتبرأن نظام ندب المحامين يحقق المساعدات القضائية لغيرالقادرين مالياً على توكيل محام ودفع أتعابه الكافية – كذلك فالندب يعاون المحاكم فى أداء وظيفتهم على أكمل وجه وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (121) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983م بإعتباره أحد أهم الأهداف التى تسهر على تحقيقها نقابة المحامين المصرية بكل فرعياتها المختلفة فى جمهورية مصر العربية وهو (كفالة حق الدفاع للمواطنين وتقديم المساعدات القضائية لغير القادرين منهم) .

ولا يفهم بالخطأ من هذا أن نظام ندب المحامين هو البديل لتوكيل محامى للدفاع عن المتهم ، وإنما ندب المحامى هو الوجه الآخر لعملة حق الدفاع فحق الدفاع ذو وجهين الأول هو المحامى الموكل والثانى هو المحامى المنتدب وكلاهما وجهان لعملة واحدة تسعى إلى تحقيق هدف واحد هو كفالة حق الدفاع فهما صنوان واحد لاينفكان ولاتمييز لأحدهما على الآخر فى شىء إلا فى إختلاف لفظى فى المسمى فكلاهما واحد إلا أن الأول موكل والثانى منتدب ولم يفرق القانون بينهما فى أدنى حق أو واجب 0 فمتى حضرالمتهم بمحاميه كفى وإلا فلا بديل عن ندب محام له فغاية ما هناك ألا يواجه المتهم سلطتى التحقيق أو الحكم بمفرده من غيرأن يصطحب محاميه وفقاً لما نص عليه القانون .

عيوب نظام إنتداب المحامى

بإعتبار أننى أنتمى إلى عائلة المشتغلين بالمحاماة يمكن أن أجمل عيوب ندب المحامى فى أمرين رئيسيين :

1- سرعة الندب للدفاع لا تحقق دفاعاً جدياً للمتهم .

2- أتعاب المحامى المنتدب غيرعادلة .

قد لايروق للبعض الرأى بأن المحامى المنتدب للدفاع عن المتهم سواء أكان مصدرالندب جهة التحقيق الإبتدائى أو المحاكمة لايوفق فى دفاعه عن المتهم فهو لايعد أن يكون إجراء تتخذه سلطتى التحقيق والمحاكمة كإجراء شكلى حتى لاتكون إجراءات تحقيق الدعوى أو المحاكمة  مشوبة بعيب البطلان النسبى أو البطلان المطلق . فالنيابة العامة يهمها فى المقام الأول سرعة إنجازمايقع تحت يدها من تحقيقات فتعمد إلى توكيل أحد المحامين للحضور مع المتهم أثناء إستجوابه بهدف إنهاء التحقيق وإرساله إلى الرئاسة للتفضل بالنظروالتصرف . وقاضى الموضوع يهمه فى المقام الأول أن ينهى المرافعة فى كل الأقضية المعروضة عليه فى أسرع وقت ممكن لكثرة ما عجت به ساحات المحاكم من جنايات جنح لذلك قد تجد فى أول جلسة للمحاكمة محامياً منتدباً فى بعض القضايا بحجة عدم تعطيل أو عرقلة سيرالدعاوى 0وهذا أمرلاغبارعليه إلا أن العيب كل عيب يحدث عندما تندب المحكمة أحد المحامين للدفاع عن متهم بجناية ولا تمكنه من الإطلاع أو الإستعداد للدفاع غيرساعات معدودة فى الجلسة وهذا ما يحصل غالباً فى جرائم الجلسات التى توجه فيها المحكمة للمتهم التهمة وتندب على وجه السرعة محامياً للدفاع عنه !؟ فهذه السرعة فى الندب وفى الدفاع لا تنتظرمن ورائها أن يثمرالدفاع عن المتهم بجناية بثمرة الجدية التى تحدثت عنها محكمة النقض – فكان ذلك أعظم مثالب أو عيوب ندب المحامى فى الجلسة مع عدم تمكينه من الدفاع والإستعداد له والإطلاع .

ومن جانبى أرى أن ندب المحامى خاصة على وجه السرعة تصرفاً معيباً فى كل أحواله سواء أكان مصدرالندب النيابة العامة أم قاضى التحقيق أم قاضى الحكم – كما أن سرعة ندب المحامى للدفاع عن المتهم فى مرحلة التحقيق الإبتدائى أو فى مرحلة المحاكمة لهو أعظم أسباب (شكلية الدفاع) ذلك أن الدفاع المنتدب المتعجل فى الحضور مع المتهم والذى لم يتاح له فرصة الإطلاع على التحقيقات أولم يسعفه الوقت للإستعداد للمرافعة خاصة مع ما نراه فى الواقع العملى فى النيابات وجلسات المحاكمة التى قد يندب القاضى فيها محام للدفاع عن المتهم فى جناية ويترافع فى نفس يوم الندب أوفى اليوم التالى أحياناً أخرى . فهل هذا المحامى المنتدب يكون فى نفس مستوى المحامى الموكل الذى تريث وأطلع على الأوراق وحضرإلى الجلسة على هيئة وإستعداد تام للقيام بمأوريته !؟ فأيهما سوف يؤدى مهمة الدفاع على أتم وجه ويأتى دفاعه جدى؟ فالذى يؤخذ على عجلة من الأمرلا يتساوى والمحامى الموكل الذى يحضرإلى النيابة العامة أوإلى جلسة المحاكمة مهيأ وعلى كامل الإستعداد للدفاع عن موكله وقد قرأ ملف القضية بتروى وتركيز- ثم فحص ومحص  وبحث وأطلع ثم قلب الأوراق على جانبيها حتى ظهرت الحقيقة أمام أعينه فراح يحملها كأمانة يؤديها عنه .

ولا شك أن محام أنتدب فى مثل هذه الظروف المتعجلة وقد يكون محامياً متميزاً أو شيخاً محامياً كبيراً إلا أنه بسبب السرعة والإستعجال فى الحضور مع المتهم أفقدته توازنه وتركيزه وحادت به عن المسلك القويم حتى ضل الطريق فى تحقيق دفاع جدى تقربه عين العدالة ومن قبلها المتهم . ويضاف إلى ذلك أن قلة مقابل الأتعاب التى تقدرللسيد المحامى المنتدب فضلاً عن صعوبة تحصيلها قد تكون مدعاة للبعض فى أن يقصرفى دفاعه عن المتهم كما لوكان محامياً موكلاً وتقاضى منه أتعاباً مجزية ومرضية .

ولكنا إذا ما قارنا مزايا الندب بمثالبه تبينا أن مزاياه العديدة تفوق بكثيرمثالبه القليلة – ويمكن القضاء على هذه المثالب بكل سهولة إذا ما أتيح للمحامى المنتدب للدفاع عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات أو المحاكم الأخرى الوقت الكافى كى يتمكن من الإطلاع على أوراق القضية المنتدب فيها ويستعد للدفاع فى أجل كاف لقراءة القضية وتمحيصها التمحيص الكافى الذى يحقق به دفاعا جديا كما تغياه المشرع الدستورى والإجرائى – سيما ونحن نرى فى واقع عمل المحاكم أن المحكمة حين تعين محامياً منتدباً للمتهم بجناية تختاره بعناية وحكمة من بين كبارالسادة المحامين ومشايخهم فهو على قدركبيرمن العلم والدربة والخبرة القانونية ما يجعله يؤدى دفاعاً جدياً جوهرياً يقرع به سمع المحكمة ويحقق به مصلحة المتهم  0 كما أن مشكلة ضألة أتعاب المحامى المنتدب فى قضايا الجنايات خاصة يمكن للمشرع القضاء عليها عن طريق إصدار تعليمات وزيرالعدل إلى السادة رؤساء المحاكم بزيادة هذه الرسوم كمقابل مجزى وعادل نوعاً ما لما يتحمله المحامى المنتدب من عناء الدفاع .

بعض الإشكاليات التى قديثيرها إنتداب المحامى

1- إعتراض المتهم على ندب المحكمة للدفاع .

2- عدم إحاطة المحامى المنتدب بظروف الدعوى وملابساتها بسبب السرعة والإستعجال فى الدفاع .

3 – حضورالمحامى الموكل والمحامى المنتدب للدفاع عن المتهم بالجلسة .

4- ندب المحكمة للدفاع دون طلب من نقابة المحامين .

وقد عالجت محكمة النقض المصرية هذه الإشكاليات وغيرها فى كثير من أحكامها حسبنا الإشارة إليها  مخافة السأمة :

كان هذا عرض لبعض الإشكاليات الشائعة التى قد يثيرها إنتداب المحكمة لمحام أثناء مرحلة المحاكمة، والحق أن نظرة ثاقبة محايدة فيها لا يرى فيها أى إشكالية لأن قضاء النقض الجنائى قد حسم فيها النزاع بكثيرمن الأحكام حتى أضحت مبادئه مستقرة واضحة كل الوضوح وباتت فى قوة النص القانونى الاًمرواجب الإحترام  والقضاء على هديه وفيما يلى نورد أمثلة لتلك الأحكام الذهبية : –

1- حق المتهم فى إختيارمحاميه مقدم على حق المحكمة فى تعيينه – عرقلة سيرالقضية دون مصلحة حقيقية للدفاع .

أنظر(الطعن رقم 3506 لسنة 78 ق – 17/12/2008م).

2- ليس فى القانون نص يوجب بيان درجة قيد المحامى فى محضرالجلسة . (لم أتوصل إلى رقم الطعن) .

3- نعى الطاعن عدم إلمام المحامى المنتدب بوقائع الدعوى رغم ترافعه وإبدائه أوجه دفاعه – غير مقبول .

أنظر(الطعن رقم 757لسنة75 ق – جلسة 19/12/2012م) .

4- وجوب الإستعانة بمحام لكل متهم بجناية – جدية الدفاع – عقوبة الغرامة للمحامى المنتدب أو الموكل إذا لم يترافع عن المتهم أو يعين من يقوم مقامه .

أنظر(الطعن رقم 28947 لسنة 68ق – جلسة 20/10/ 2001م).

5- حضور محام للدفاع عن المتهم الحدث فى الجنايات واجب.

أنظر(الطعن رقم 47522 لسنة 59 ق – جلسة 23/12/1996م).

6-  ندب المحكمة محامياً عن المتهم لغياب محاميه الموكل وعد إعتراضه وتمسكه بالتأجيل لحضور محاميه لا إخلال فيه بحق الدفاع –

إستعداد المحامى  وعدمه .

أنظر(الطعن رقم 3672 لسنة 59 ق – جلسة 8/11/1989م).

7 – قانون المحاماة الذى نص على أن ندب المحامى يكون عن طريق نقابة المحامين لا يسلب المحكمة حقها فى ندب من يقبل الدفاع عن المتهم من المحامين فى الجلسة .

أنظر(الطعن رقم 289 لسنة 49 ق – جلسة 11/6/1979م).

8 – مجلس نقابة المحامين يعاون المحاكم فى تعيين من يلزم ندبه من المحامين ولا يسلبها الخيار بين ندبها من يقبل الدفاع عن المتهم منهم أو ندبها المحامى صاحب الدور عن طريق النقابة .

أنظر(الطعن رقم 22204 لسنة 66 ق – جلسة 12/10/1998م).

جديربالإشارة أنه إذا حضرالمتهم ومعه محاميه الموكل وكانت قد ندبت المحكمة محامياً له بسبب غياب محاميه الموكل لأى عذرفليس فى القانون ما يمنع المحامى المنتدب من الإنضمام فى الدفاع والمرافعة إلى جانب المحامى الموكل ويثبت ذلك فى محضرالجلسة . أما إذا كان ندب المحكمة للمحامى بسبب راجع إلى التسويف بغية تعطيل أو عرقلة سيرالدعوى فهذا يسلبه حق التأجيل مرة أخرى ويخول للمحكمة سلطة الفصل فى الموضوع بعد أن تسمع دفاع المحامى الذى أنتدبته لإستئناف سيرإجراءات الدعوى تحقيقاً للعدالة الناجزة . أما إذا كان قد وكل المتهم محامياً وحضرمعه بالجلسة الأولى أو حضرعنه وكيل محام وطلب التأجيل للإستعداد والمرافعة أولحضور المحامى الأصيل ومع ذلك ندبت المحكمة له محامياً بالرغم من تمسكه بمحاميه الموكل وإبداء إعتراض صريح على المحامى المنتدب ومع ذلك ترافع المحامى المنتدب وفصلت فى الدعوى على هذا الأساس فإن حكمها فى تلك الحالة يكون مشوباً بالبطلان المطلق ويتعين نقضه وإعادة المحاكمة للإخلال بحق المتهم فى الدفاع .

الخاتمة

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية المطاف وبلغنا نهاية القصد من بيان ضمانات فاعلية حق المتهم فى الإستعانة بمحام ، ثم إظهار المركزالقانونى للمحامى المنتدب وبعد هذا الإبحارالعميق ترسو بنا سفينة بحثنا إلى المرسى محملة إلى القارىء ببعض النتائج والتوصيات والمقترحات من وجهة نظرى المتواضعة  على أن أكون قد وفقت فيما شرعت وبيان ذلك كمايلى :-

 أولاً : النتائج :-

1- أن حق المتهم فى الإستعانة بمدافع وجوبى فى مرحلة التحقيق الإبتدائى فى قضايا الجنايات عموماً وفى قضايا الجنح خاصة المعاقب عليها بالحبس وجوباً وما عدا ذلك فلم يتطلب القانون حضور محام إلى جانب المتهم فى هذه المرحلة –  بخلاف مرحلة المحاكمة فيشترط ذلك .

2- أن حق المتهم فى الإستعانة بمحام وجوبى فى مرحلة المحاكمة أمام محكمة الجنايات . وأصبح وجوبى فى جميع الجرائم التى يجوز فيها الحبس وفقاً للمادة (54) من دستور مصرالحالى لعام 2014م . بعدما كان جوازياً فى ظل دستورسنة1971م . ومن ثم فإستعانة المتهم بمحام أصبح واجباً على المحكمة وحق للمتهم بجنحة منظورة أمام محاكم الجنح الجزئية أومحاكم الجنح المستأنفة وفقاً لدستورمصرالحالى الصادرفى عام2014م  وهذه وبحق لأعظم ميزة للمتهم ضماناً لفاعلية حقه فى الإستعانة بمحام أمام جميع المحاكم بعدما كان الوجوب قاصرا على المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات .

3- أن المحامى المنتدب والموكل كلاهما وجهان لعملة واحدة تمثل حق الدفاع فلم يميز القانون أحدهما على الآخر فكلاهما فى نفس المركز القانونى فكل منهما يتمتع بكافة الحقوق والضمانات القانونية التى تتيح له القيام بمهة الدفاع عن المتهم على نحوما تغياه الشارع الدستورى والإجرائى . لافرق بينهما إلا فى التسمية فالأول موكل من المتهم والثانى تندبه سلطة التحقيق أو المحاكمة كفالة لحق الدفاع وضمانة لمحاكمته محاكمة عادلة وفقاً للدستوروالقانون . كما أنهما قد يفترقان فى شىء واحد قد بيناه وهو ( أداء مقابل أتعاب المحاماة) .

4- أن الإستعانة بمحام لم يشرع إرضاء للمتهم أو تطمينا له فحسب ، وإنما قبل كل ذلك تحقيقاً لهدف المشرع من محاكمة المتهم محاكمة عادلة تكفل له فيها حقوق الدفاع عن نفسه وفقاً للدستور والقانون . ومن ثم فهذا الحق ليس مرهوناً بمشيئة المتهم فيستعين بمحام أم لا يستعين ، وإنما هو حق له وواجب على المحقق أن يلفت إنتباهه إليه إن كان يجهله أو نسيه . ولزاماً على المحكمة أن تندب له محامياً إن لم يكن قد أختارمن يدافع عنه حتى تسلم إجراءات محاكمته من قالة البطلان للإخلال بحق الدفاع . وهوما تأباه العدالة أشد الإيباء .

5 – أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً لندب المحامى فقد يكون شفاهة فى الجلسة أو كتابة إلى نقابة المحامين فمصدر الندب يختارما يعن لها ويراه محققا مصلحة المتهم .

6- ليس فى القانون نص يوجب بيان درجة قيد المحامى فى محضرالجلسة 0ولايترتب على إغفاله البطلان فالأصل فى الإجراءات أنها قد روعيت وعلى من يدعى خلاف ذلك أن يقدم الدليل عليه ويثبته .

7- وجوب الإستعانة بمحام لكل متهم بجناية أمام مححكمة الجنايات أو بجنحة أمام محكمة الجنح والجنح المستأنفة وفقاٌ للمادة 54من دستورمصرالجديد الصادر فى عام 2014م .

8- مجلس نقابة المحامين يعاون المحاكم فى تعيين من يلزم ندبه من المحامين ولا يسلبها الخيار بين ندبها من يقبل الدفاع عن المتهم منهم أو ندبها المحامى صاحب الدور عن طريق النقابة .

9- يسقط حق المتهم  فى إختيارمحامي يدافع عنه إذا لم يبدى إعتراضاً على الندب صريحاً فى الجلسة تسمعه المحكمة.

10 – لا يقبل مدافعاً عن المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات إلا أن يكون محامياً مقبولاًعلى الأقل أمام المحاكم الإبتدائية (377إ/ج).

11- عرقلة سيرالدعاوى بغيرفائدة لمصلحة المتهم يخول للمحكمة أن تندب دفاعاً للمتهم بدلا من محاميه الموكل “الأصيل”.

12- لا سلطان على المحامى غيرضميره والقانون فهوحر فى رسم خطة دفاعه بما يوحيه إليه ضميره ومبادىء وأصول وتقاليد مهنة المحاماة .

 ثانياً : التوصيات :-

1- نوصى كل شخص وقف موقف الإتهام أن يسارع إلى إعلان إسم محاميه للحضور معه أثناء التحقيق الإبتدائى وبأن يتمسك بذلك أمام النيابة العامة وهى بدورها العظيم الهمام تندب له محامياً من تلقاء نفسها قبل أن تستجوبه فى التهمة .

2- السادة القضاء السادة أعضاء النيابة العامة نناشدكم بحسن إختيارالمحامى المنتدب للدفاع عن المتهم وخاصة أمام محاكم الجنايات بالتحرى والتثبت من درجة قيد المحامى وفقاً للمادة (377إ/ج) بألا يكون من صغارالمحامين تحت التمرين حتى لا يترتب على مخالفة ذلك البطلان .

3- نناشد نقابة المحامين المصرية بأن تجعل معيارقبول قيد السادة المحامين فى سجل المساعدات القضائية أو ندبهم فى قضايا الجنايات على أساس من الخبرة الكافية وسابقة حسن المرافعة أمام المحاكم الجنائية وليس معيارمجرد القيد فى جدول المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الإبتدائية أومحاكم الإستئناف 0 فبذلك يكون معيار الندب فى قضايا الجنايات هومعيار موضوعى لا شخصى . فليس كل من يحمل كارنيها يجيد المرافعة الجنائية .

ثالثاُ : المقترحات :-

نناشد المشرع سرعة التحرك نحو إصدارنص قانونى خاص للمحامى المنتدب يضمن له فيه أتعاباً مجزية وعادلة نظيرمايقوم به من عناء الدفاع عن المتهم  سيما والمحامى المنتدب يؤدى نفس الدورالذى يؤديه المحامى الموكل” الأصيل” فى غير تقصير منه ولا إخلال بحق الدفاع ومع ذلك لا زال الشارع الإجرائى لا يعيره إنتباه فيتجاهله  فى زيادة مقابل أتعابه فيما يندب فيه من أقضية  وسيما كذلك فى ظل الظروف الإقتصادية الراهنة التى تتزايد فيها كل يوم الرسوم القضائية والأعباء الإقتصادية فوق المحامين والمتقاضين فهو فرد فى المجتمع يعيش فيه ويتأثر بظروفه الإقتصادية كأى فرد آخر- ولا شك فى أن المحامى المنتدب إذا ما دفعت له الخزانة العامة مقابلاً عادلاً نظيرإنتدابه سينعكس ذلك بشكل إيجابى على سلوكه المهنى فيحسن الأداء ويجيد الطرح ولا أطالب أن تكون أتعابه متساوية مع المحامى الموكل فلم أعنى ذلك وما أتغياه هو أن تزاد هذه القيمة المالية زيادة عادلة تحقق التوازن بين مصلحة الدولة العامة ومصلحة المحامى المنتدب الخاصة ومصلحة المتهم فى مجانية القضاء وفى حقه فى المساعدة القضائية إن كان غيرقادر لفقره . وأجزم أن ذلك سوف ينعكس  بصورة إيجابية فيبذل أضعاف الجهد فى الدفاع كما لو كان موكلاً فيها –  وهذا ما تفرضه المبادىء والقيم الإنسانية فى أى مجتمع متحضركمصرنا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

abdo

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى