حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٤ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٦٤ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٩ – ٠٢ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية المادة ٢١ من القانون رقم ٤٥٣ لسنة ١٩٥٤ في شأن المحال التجارية والصناعية وغيرها من المال المقلقة للراحة و المضرة بالصحة و الخطرة

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٧ فبراير سنة ١٩٩٨ الموافق ١٠ شوال سنة ١٤١٨ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٦٤ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

١ – السيدة / نعمات محمد عبد الباري
٢ – السيد / معتوق على معتوق
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد المستشار / وزير العدل
٤ – السيد / رئيس مجلس الشعب
الإجراءات

بتاريخ ٢٥ / ١٠ / ١٩٩٥، أودع المدعى ان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة ٢١ من القانون رقم ٤٥٣ لسنة ١٩٥٤ فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة ، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الطعن على الأحكام الصادرة فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بطريق المعارضة
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا برفضها
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعية الأولى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم ٥٤٤٩ لسنة ١٩٩٣ جنح شبرا، والمدعى الثانى فى القضية رقم ٤٠٢٣ لسنة ١٩٩٣ جنح شبرا متهمة كلا منهما بأنه أدار محلا سبق غلقه، وطلبت عقابهما بمقتضى المادتين ١ و ٢٠ من القانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة
وإذ قضت المحكمة غيابيا بحبس المدعية الأولى شهرا مع الشغل وإعادة الغلق • وبحبس المدعى الثانى ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائة جنيه والغلق، فقد طعنت المدعية الأولى على الحكم الصادر ضدها بالاستئناف رقم ٥٨٩٥ لسنة ١٩٩٤ جنح مستأنف شمال القاهرة ، كما طعن المدعى الثانى أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم ٧٥٨٢ لسنة ١٩٩٤، ودفع كل منهما أثناء نظر استئنافه بعدم دستورية نص المادة ٢١ من القانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعهما فقد صرحت لهما برفع الدعوى الدستورية ، فأقاما الدعوى الماثلة
وحيث إن المادة ٢١ من القانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تنص على ما يأتى لا يجوز الطعن فى الأحكام الصادرة فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بطريق المعارضة
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه مخالفته للدستور، مستندين فى ذلك إلى عدة وجوه : أولها : أنه أقام تفرقة لا أساس لها بين المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال التى تتماثل ظروفها والقوانين التى تحكمها ثانيها : أن الأصل فى المتهم – وعملا بنص المادة ٦٧ من الدستور – أن يكون بريئا حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه • ولا كذلك النص المطعون فيه إذ جعل أصحاب المحال التجارية والصناعية فى مركز أسوأ من غيرهم من خلال تجريدهم من ضمانة الدفاع التى كفلتها المادة ٦٩ من الدستور ثالثها : أن النص المطعون عليه جاء مخالفا لنص المادة الثانية من الدستور بخروجه على أصل شرعى مؤداه أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وأولى بالاعتبار
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة رابطة منطقية يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها• متى كان ذلك، وكانت المادة ٢١ المطعون عليها هى التى تحول بذاتها دون المدعيين واستعمال حقهما فى المعارضة فى الحكم الغيابى الصادر ضد كل منهما، وكان الحكم بإبطالها مؤداه زوال وجودها والرجوع إلى القواعد العامة التى يتضمنها قانون
الإجراءات
الجنائية فى هذا الشأن، فإن طلبهما الحكم بعدم دستوريتها، يكون كافلا مصلحتهما الشخصية المباشرة
وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه امتناع الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية سواء فى ذلك تلك التى أصدرتها المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى ، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التى يدعونها، ولا فى اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا فى طرق الطعن التى تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها
وحيث إن من المقرر كذلك، أن طرق الطعن فى الأحكام لا تعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم إعوجاجها، بل هى فى واقعها أوثق اتصالا بالحقوق التى تتناولها سواء فى مجال إثباتها أو نفيها، ليكون مصيرها عائدا أصلا إلى انغلاق هذه الطرق أو انفتاحها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين الذين تتماثل مراكزهم القانونية فى مجال النفاذ إلى فرصها
وحيث إن الوسائل الإجرائية التى تملكها سلطة الاتهام فى مجال إثباتها للجريمة ، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة مقرونا بدفاع مقتدر لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها
ولايجوز بالتالى إسباغ الشرعية الدستورية على نصوص عقابية لا تتكافأ معها وسائل الدفاع التى أتاحتها لكل من سلطة الاتهام ومتهمها، فلاتتعادل اسلحتهم بشأن إثباتها ونفيها وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة ٦٨، من ضمان حق الدفاع – سواء من خلال الأصلاء فيه، أو عن طريق موكليهم – يفترض ألا يكون دور المحامين شكليا أو رمزيا، بل فاعلا فلايعاق، وعلى الأخص من خلال نصوص قانونية يتدخل بها المشرع لإهداره فى مرحلة بعينها من التقاضى
وحيث إن الدستور كفل الحرية الشخصية بنص المادة ٤١، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها من خلال تنظيمها، وكانت القوانين الجزائية هى التى تفرض على هذه الحرية أخطر القيود وأبعدها أثرا، وكانت القواعد الإجرائية التى يقررها المشرع فى المجال الجنائى ، وإن كان تباينها فيما بينها متصورا بالنظر إلى تغاير وقائعها والمراكز التى تواجهها والأشخاص المخاطبين بها، إلا أن دستورية هذه القواعد تفترض ألا يقيم المشرع بينهم تمييزا غير مبرر، وألا تحول الفوارق بينها دون تساويهم فى الانتفاع بضماناتهم، وعلى الأخص ما يتصل منها بحقوق الدفاع Le législateur, competent pour fixer les régles de la procédure pénale en vertu de larticle ٤٣ de la Constitution, peut prévoir des régles de procédure différentes selon les faits, les situations et les personnes auxquelles elles sappliquent, pourvu que ces différences ne procédent pas de discriminations injustifiées et que soient assurées aux justiciables des garanties égales, notamment quant au respect du principe des droits de la défense . ( ٨٦ – ٢١٣ DC, ٣ septembre ٦٨٩١, cons. ٢١ et ٣٢ Rec. p ١٢٢ ) ( cf. ٦٨ – ٢١٥ DC, ٣ septembre ٦٨٩١ , Rec . p . ١٣٠ )
وحيث إن ما تنص عليه المادة ٦٧ من الدستور، من افتراض براءة المتهم إلى أن يدان عن الجريمة المتهم بارتكابها وفق قواعد من صفة لا تخل بحقه فى الدفاع، مؤداه أن القواعد الإجرائية التى ينظم بها المشرع الفصل فى هذا الاتهام، ينبغى أن تؤمن لكل متهم ما يتصل بها من الحقوق الموضوعية ، فلا تنال منها أو تؤثر فى جريانها، أو تقيد من تكاملها، باعتبار أن غايتها ضمان أن يتحرر الفرد من طغيان السلطة أو إساءة استعمالها فى إطار من الحرية المنظمة وليس ثمة قاعدة أكثر ثباتا وأعمق نفاذا من ضرورة أن يكون الاتهام متضمنا تعريفا كافيا بالتهمة ، محددا لأدلتها، ومقرونا بفرصة كافية يمكن على ضوئها أن يعرض المتهم وجهة نظره بشأنها وإذا كان من غير المقبول أن يدان شخص عن جريمة لم يتهم بارتكابها، فإن هذا المبدأ يعمل بالقوة ذاتها فى شأن كل اتهام بلادفاع
ولا يتصور أن يكون الدفاع فعالا بغير مهلة معقولة لإعداده، ولا بغير إنباء المتهم بالشهود الذين أعدتهم سلطة الاتهام إثباتا لدعواها، لإمكان مواجهتهم وتجريحهم، ولا بحرمانه من الوسائل الإلزامية التى يؤمن بها مثول شهود لمصلحته ينتقيهم وفق اختياره ودون قيد أيا كان موقعهم من الجهة التى يرأسونها أو يقومون بعمل فيها، ولا أن يكون فقره سببا لإنكار هذا الحق عليه، ولا أن يُرَد َّعن الاطلاع على الوثائق التى قدمتها سلطة الاتهام ومناقشتها، ولا أن يعزل عن الاتصال بمحاميه بطريق مباشر أو غير مباشر، وسواء كان ذلك فى مرحلة الفصل قضائيا فى الاتهام، أو قبلها، أو عند الطعن فى محصلتها النهائية ، وإلا صار حق الدفاع محدود القيمة Of little worth
وحيث إن حق الدفاع وثيق الصلة بالدعوى الجنائية من زاوية تجلية جوانبها، وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها، وعرض المسائل الواقعية والقانونية التى تؤيد مركز المتهم بما يكفل ترابطها، والرد على مايناهضها، وبيان وجه الحق فيما يكون هاما من نقاطها، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحا لأعمقها اتصالا بها، وأقواها احتمالا فى مجال كسبها، مع دعمها بما يكون لازما من الأوراق التى توثقها • ولن يكون بلوغ العدل ميسرا أو يصل إلى منتهاه، فى إطار اتهام جنائى يتسم بالتعقيد أو بتداخل العناصر التى يقوم عليها إذا كان الحق فى الدفاع غائبا، أو مقصورا على مرحلة الاتهام أو كيفية الفصل فيه، دون مراحل التحقيق التى يكون التركيز فيها – لا على جريمة لا زال أمر وقائعها وبواعثها مشوبا بالغموض – وإنما على شخص محدد مشتبه فيه بارتكابها، محاطا من الجهة التى تتولاه بأسئلتها، وتحفظها عليه
وحيث إن الحق فى محاكمة من صفة يتضمن – بين مايشمل عليه – الحق فى محاكمة لا يكتنفها بطء ملحوظ A speedy trial باعتباره من الحقوق الجوهرية التى لا يجوز أن يكون الاتهام معها متراخيا دون مسوغ، معلقا أمدا طويلا بما يثير قلق المتهم، ويعوق بالضرورة مباشرته للحقوق والحريات التى كفلها الدستور، وعلى الأخص ما تعلق منها بحرية التعبير وحق الاجتماع، والإسهام فى مظاهر الحياة العامة ، وقد يلحق به احتقارا فيما بين مواطنيه أو يفقده عمله
كذلك فإن محاكمته بطريقة متأنية تمتد إجراءاتها زمنا مديدا، يعرقل خطاه، ويقترن بمخاطر تتهدد بها فرص الاتصال بشهوده، ويرجح معها كذلك احتمال اختفائهم، ووهن معلوماتهم فى شأن الجريمة حتى مع وجودهم، وهو كذلك يثير داخل كل متهم اضطرابا نفسيا عميقا ومتصلا، إذ يظل ملاحقا بجريمة لا تبدو لدائرة شرورها من نهاية ، وقد يكون سببها أن الاتهام ضده كان متسرعا مفتقرا إلى دليل
وحيث إن الحق فى محاكمة لاتتقاعس إجراءاتها، من الحقوق النسبية التى ينظر فى تحديد وقتها المعقول إلى ظروفها وملابساتها، وعلى الأخص من جهة تعقد الجريمة وخطورتها، وتنوع أدلتها وتعدد شهودها، وبمراعاة أن الأضرار الناجمة عن تأخر الفصل فى الاتهام تفترض، فلايكون إثباتها مطلوبا، وبوجه خاص كلما كان التأخير متعمدا أو جسيما لا عرضيا أو محدود الأثر، إلا أن الحق فى محاكمة لا يكون تسويفها معطلا لها، لا يعنى تقويض بنيانها من خلال اختصارها واختزال إجراءاتها، بما يفقدها ضماناتها، ويحيل الحكم الصادر فيها إلى قضاء مبتسر A summary Trial.
وحيث إن المشرع أغلق بنص المادة ٢١ المطعون عليها، طريق الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ المشار إليه، أو لقراراته التنفيذية ، مستندا فى ذلك – وعلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية – إلى أن أصحاب المحال التى يشملها هذا القانون، يعمدون إلى إطالة إجراءات محاكمتهم من خلال تخلفهم عن حضور جلساتها
وحيث إن المشرع عبر بالنص المطعون فيه، عن اتجاه انفرد به قانون المحال التجارية والصناعية ، دون غيرها من المحال العامة التى نظمها القانون رقم ١٧٣ سنة ١٩٥٦ • كذلك خلا كل من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٢٧٣ سنة ١٩٥٦ فى شأن الملاهى ، وكذلك القانون رقم ١ سنة ١٩٧٣ فى شأن المنشآت الفندقية والسياحية ، من نص مماثل للنص المطعون فيه ومن ثم ظل غير مغلق طريق الطعن بالمعارضة فى الأحكام الصادرة فى الجرائم المنصوص عليها فى هذه القوانين جميعها بل إن النص المطعون فيه خرج كذلك على حكم الفقرة الأولى من المادة ٨٩٣ من قانون
الإجراءات
الجنائية التى تقبل الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة فى أية مخالفة أو جنحة ، وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية
وحيث إن مؤدى نص المادة ٢١ المطعون عليها – وقد صار طريق الطعن بالمعارضة بموجبها منغلقا – أن كل حكم يصدر فى شأن الجرائم المنصوص عليها فى قانون المحال التجارية والصناعية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة ، يعامل باعتباره حكما حضوريا يستنفد به المتهمون مرحلة التقاضى التى صدر فيها، سواء أكان هذا الحكم ابتدائيا أو استئنافيا • وما تتذرع به المذكرة الإيضاحية للنص المطعون فيه، من أن المتهمين يعمدون إلى تمديد إجراءات محاكمتهم من خلال تخلفهم عن حضور جلساتها مردود، أولا : بأن المتهم حتى بعد أن يعلن إعلانا صحيحا، قد يقوم به عذر يحول دون حضوره ، فلايكون حرمانه من أوجه الدفاع التى يدحض بها الاتهام، موافقا للدستور • وينبغى كذلك أن يكون الفصل فى الدعوى الجنائية محيطا بوقائعها، وأن يكون قاضيها مدركا لأبعادها عن بصر وبصيرة • ولا كذلك أن يكون الحكم الصادر فيها غيابيا، إذ يكون بعده عن الحق مظنونا، وسعيه للحقيقة متكلفا، ورجحان عناصرها فيما فصل فيه متوهما، ومن ثم كان الأصل هو أن يعاد عرض الدعوى عليه من خلال المعارضة التى يتيحها المشرع فى الحكم الصادر غيابيا فيها
ومردود ثانيا : بأن الأحكام الجنائية تقارنها مخاطر تتعاظم وطأتها لاتصالها بالحق فى الحياة والحرية والملكية ، وقد تنال منها جميعا أو من بعضها فى آن واحد، فإذا كان الطعن بالمعارضة فيها غير مقبول ، كان ذلك تفويتا للحق فى التقاضى فى المرحلة التى صدر فيها الحكم الغيابى
ومردود ثالثا : بأن قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها على درجة واحدة ، وإن كان يدخل فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع، وبالقدر وفى الحدود الضيقة التى تقتضيها مصلحة عامة لها ثقلها، إلا أن المشرع إذا اختار التقاضى على درجتين، فإن كلا منها ينبغى أن تستكمل ملامحها، وأن يكون استنفادها بعد الانتفاع من ضماناتها دون نقصان، ذلك أن التقاضى على درجتين – وكلما كان مقررا بنصوص آمرة – يعتبر أصلا فى اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، ومؤداه أن الخصومة القضائية لا تبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل استئنافيا فيها ويقتضى ذلك بالضرورة أن يكون حق الدفاع منسحبا إليهما معا، وأن يكون بصره بهما حديدا، إذ هما حلقتان متكاملتان، ومحددتان معا للخصومة القضائية محصلتها النهائية ، فلا يكون لحقائق العدل من سواء إذا انغلق طريق إحداهما
وحيث إن انفتاح طرق الطعن فى الأحكام أو انغلاقها، إنما يتحدد وفق أسس موضوعية لا يندرج تحتها مجرد سرعة الفصل فى القضايا بما يناقض طبيعتها، وعلى الأخص فى مجال إعمال قوانين جزائية تنال بعقوباتها من الحق فى الحياة أو الحرية أو الملكية
وحيث إن من المقرر أن النصوص القانونية – وأيا كان مضمونها – تعتبر مجرد وسائل تدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد ومن خلال ربطها بأغراضها – وبافتراض مشروعيتها – واتصالها عقلا بها، تتحدد دستوريتها، وكانت المادة ٢١ المطعون عليها، تفيد بالضرورة معاملتها حكما قضائيا صدر بلادفاع، باعتباره سويا منتجا لآثاره ، وكان لكل حق دائرة يعمل فيها تمثل مجالا حيويا لوجوده، فلا يجوز اقتحامها، شأن حق الدفاع فى ذلك شأن غيره من الحقوق، وكانت هذه الدائرة هى التى تفصل بين ما يعد تنظيما للحق لا ينال من مضمونه، وما يعتبر إهدارا لمقاصده بما يعطل جدواه، وكان النص المطعون فيه – وفى مجال حظره الطعن بالمعارضة – قد مايز دون مسوغ بين المحال التى شملها بالتنظيم وغيرها من المحال التى تتماثل ظروفها معها، وأخل كذلك بالحرية الشخصية للمتهمين، وبتساويهم أمام القانون، وبضمانة الدفاع التى لا ينفصل حق التقاضى عنها فى إطار من محاكمتهم انصافا، فإنه يكون بذلك مخالفا لأحكام المواد ٤٠ و١٤ و ٦٧ و ٦٨ و ٦٩ من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة ٢١ من القانون رقم ٤٥٣ لسنة ١٩٥٤ فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب محاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى