حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٩ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٩ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ١٢ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض دعوى طلب الحكم بعدم دستورية نص المادتين ٩ و ١٧ من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦ ديسمبر سنة ١٩٩٧ الموافق ٦ شعبان سنة ١٤١٨ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وماهر البحيرى
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٥٩ لسنة ١٧ قضائية دستورية •
المقامة من

الآنسة / نديمة محمد خليل
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد المستشار / وزير العدل
٤ – السيد / وكيل وزارة العدل لشئون الشهر العقارى شمال القاهرة
٥ – السيد / مدير إدارة الشهر العقارى والتوثيق شمال القاهرة
٦ – السيد / رئيس مأمورية الشهر العقارى بمصر الجديدة
ورثة المرحوم / كمال محمد خليل وهم
٧ – السيد / أشرف خليل كمال خليل
٨ – السيد / أسامه خليل كمال خليل
٩ – السيدة / نادية خليل كمال خليل
١٠ – السيدة / كاميليا كمال خليل
الإجراءات

بتاريخ ٥ أكتوبر سنة ١٩٩٥، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادتين (٩، ١٧) من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى .
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت ضد ورثة المرحوم / كمال محمد خليل، الدعوى رقم ١٥١٢ لسنة ١٩٨٧ مدنى كلى شمال القاهرة ، بطلب الحكم بإنعدام ميراثهم فى العقار رقم ١٣ شارع البحرين [شامبليون سابقاً] المقام على القطعة ٥ من المربع رقم ٤٠ تقسيم مصر الجديدة ، وكذلك ببطلان وشطب إشهار حق الإرث رقم ٢٨٩٣ فى ٢ / ١٠ / ١٩٨٦ وما يترتب على ذلك من آثار؛ وكان سندها فى ذلك تملكها من والدتها / زهيرة حسنين كامل أرض وبناء هذا العقار، وذلك بناء على العقد المؤرخ ٣ / ١ / ١٩٦١ المحكوم بصحته ونفاذه فى الدعوى رقم ٧٧٣ لسنة ٦٣ مدنى كلى القاهرة المشهرة صحيفتها. كما صدرت شهادة الإفراج عن تركة المرحومة / زهيرة حسنين، ثابت بها إخراج العقار المتنازع عليه من تركتها، وأنه صار مملوكاً لابنتها المدعية . هذا فضلاً عن أنها – أى المدعية – تضع يدها منذ وفاة والدتها على كامل أرض وبناء ذلك العقار.
وبجلسة ٣١ / ٥ / ١٩٩٤ قضت محكمة شمال القاهرة الإبتدائية برفض طلب المدعية فى الدعوى رقم ١٥١٢ لسنة ١٩٨٧ الحكم بانعدام إرث المدعى عليهم فيها، فاستأنفت حكمها أمام محكمة استئناف القاهرة تحت رقم ١٥٤٤١ لسنة ١١١ قضائية ، طالبة الحكم مجدداً بطلباتها السابق إبداؤها أمام محكمة أول درجة . ثم دفعت أثناء – نظر استئنافها وقبل الفصل فيه – بعدم دستورية المادتين (٩، ١٧) من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى ، فقررت المحكمة تأجيل نظره إلى أن تتخذ إجراءات الطعن بعدم دستورية هاتين المادتين، فأقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (٩) من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى تقضى بأن جميع التصرفات التى من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشئ من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل.
وتنص المادة (١٥) من هذا القانون على ما يأتى يجب التأشير فى هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التى يكون الغرض منها الطعن فى التصرف الذى يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أونفاذاً كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلى لم يشهر تسجل تلك الدعاوى .
ويجب كذلك تسجيل دعاوى استحقاق أى حق من الحقوق العينية العقارية أو التأشير بها على حسب الأحوال كما يجب تسجيل دعاوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية .
وتحصل التأشيرات والتسجيلات المشار إليها بعد إعلان صحيفة الدعوى وقيدها بجدول المحكمة .
كذلك تنص المادة (١٧) من ذلك القانون بأن يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة (١٥) أو التأشير بها، أن حق المدعى إذا ما تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون، يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير بها.
ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذى كسب حقه بحسن نية قبل التأشير أو التسجيل المنصوص عليهما فى الفقرة السابقة .
ولا يسرى حكم الفقرة الأولى من هذه المادة على الأحكام التى يتم التأشير بها بعد مضى خمس سنوات من تاريخ صيرورتها نهائية ، أو من تاريخ العمل بهذا القانون أيهما أطول.
وحيث إن المدعية تنعى على المادتين (٩، ١٧) المشار إليهما، ترتيبهما الملكية على أساس أسبقية الشهر، ومخالفتهما بالتالى لأحكام المادتين (٣٢، ٣٤) من الدستور اللتين تحميان الملكية الخاصة التى لا يتعارض استخدامها مع الخير العام للشعب. وسندها فى ذلك أن المادة (١٣٥) من القانون المدنى تقضى بأنه إذا كان محل الإلتزام مخالفاً للنظام العام كان العقد باطلاً. ومن ثم لا يصحح التسجيل عقداً باطلاً، ولايبطل عقداً صحيحاً. والقاعدة أنه لا ميراث لغير وراث، ولا ميراث إلا بعد سداد الديون، ولا توريث إلا فيما يخلفه المورث وقت وفاته. وإذ كانت المادة (٤٩) من القانون المدنى تلزم البائع وخلفه العام والخاص كليهما بضمان التعرض؛ وكان هذا الضمان أبدياً يتولد عن عقد البيع ولو لم يشهر، فقد صار محتوماً ألا يقبل ادعاء الوارث ملكية المبيع الذى باعه مورثه، بناء على مجرد تراخى المشترى فى التسجيل، ذلك أن من يضمن نقل الملكية لغيره، لايجوز له أن يدعيها لنفسه. وما يجرى على البائع يجرى على خلفه، فلا يجوز للوراث التمسك ضد المشترى بعدم تسجيل العقد الصادر من المورث. بل يجب أن يقوم ب
الإجراءات
اللازمة لنقل ملكية المبيع، ولو كان التصرف اللا حق مسجلاً، صونا للنظام العام، خاصة إذا اقترن البيع بوضع اليد المكسب للملكية .
وأضافت المدعية أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود والقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة فى الأصل على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزه إلى الإنطلاق والتقدم؛ وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعتبر مصدراً من مصادر الثروة القومية التى لايجوز التفريط فيها؛ فإن نقل الملكية لايجوز أن يكون مرتبطاً بالسبق إلى التسجيل. وإذ جرت المادتان (٩، ١٧) من القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى على غير هذا النظر، فإنهما ينحلان إخلا لاً بالنظام العام، وإهداراً للمادتين (٣٢، ٣٤) من الدستور.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ؛ وكانت المدعية تطلب إنفاذ عقد البيع الإبتدائى المؤرخ ٣ / ١ / ١٩٦١ المعقود بين المدعية ووالدتها فى شأن عقار النزاع، تأسيساً على أن عدم تأشيرها بالحكم الصادر فى دعوى صحة التعاقد على هامش صحيفتها لايجوز أن يسقط سند ملكيتها ولو لم يسجل، فإن مصلحتها الشخصية تنحصر فى النصوص القانونية التى تنظم الآثار التى رتبها قانون الشهر العقارى فى شأن تسجيل الأعمال القانونية أو التأشير بالأحكام الصادرة فى شأنها.
وحيث إن الملكية وإن كفلها الدستور، إلا أن تنظيمها بما لا يعطل فحواها، أو يهدر أصلها أو يفرق أجزاءها، أو يعطل الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، إنما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، تقديراً بأن الأصل هو إطلاقها إلا إذا قيدها الدستور بضوابط تحد منها.
وحيث إن الملكية وغيرها من الحقوق العينية الأصلية ، كانت فى ظل القانون المدنى القديم تنتقل فيما بين العاقدين بالعقد دون ما ضرورة للتسجيل؛ وكان التسجيل فى هذا القانون شأن التسجيل وفقاً لقانون الشهر العقارى القائم، لايبطل عقد صحيحا ولا يصحح عقداً باطلاً؛ وكان كثير من المتعاقدين فى ظل القانون المدنى القديم، قد عزفوا عن شهر تصرفاتهم باعتبار أن العقد غير المسجل قد نقل إليهم الملكية فيما بينهم وبين المتعاملين معهم مما زعزع أسس نظام الشهر ذاتها، ومكن كثيراً من البائعين من التعامل فى العقار الواحد أكثر من مرة بعد تصرفهم الأول فيه؛ وكانت الأموال التى يخلفها الشخص إرثاً وكذلك وصاياه، لا تعتبر فى ظل القانون المدنى القديم تصرفاً قانونياً فيما بين الأحياء، فلا يجب شهرها، إلا أن المشرع أدخل بعدئذ تطوراً ملحوظاً فى قواعد الشهر التى نظمها بالقانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ الصادر فى ١١ / ٨ / ١٩٤٦، والمعمول به ابتداء من أول يناير ١٩٤٧.
وحيث إن تطور قواعد الشهر وفقاً للقانون القائم، تمثل فى النصوص التى تضمنها محدداً بها المحررات التى أخضعها فى شهرها لنظام التسجيل، وكذلك تلك التى ألزمها بالخضوع لنظام القيد. ومن ثم نص فى المادة (٩) على إخضاع الحقوق العينية العقارية الأصلية سواء فى مجال إنشائها أو نقلها أو تغييرها أو زوالها لنظام التسجيل. وكذلك الأحكام النهائية التى أثبتتها، فإذا لم تسجل، فإن إنشاءها أو انتقالها أو تغييرها أو زوالها لا يتم، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى غيرهم، وإنما تنحصر آثارها فى مجرد إلتزامات شخصية ترتبها فيما بين ذوى الشأن فيها. ثم ألحق قانون تنظيم الشهر العقارى واقعة انتقال الأموال إرثاً – وهى واقعة مادية – بالحقوق العينية العقارية الأصلية التى ينقلها أصحابها إلى غيرهم من خلال تصرفاتهم القانونية ، محتماً تسجيل ذوى الشأن لسنداتهم التى يثبتون بها إرثهم، فإذا ماباشر أحدهم قبل هذا التسجيل، تصرفاً قانونياً فى شأن حق من الحقوق التى خلفها المتوفى ، فإن شهره لايكون جائزاً }مادة (١٣) من قانون تنظيم الشهر العقارى {.
وحيث إن هذا القانون أفرد لدعوى صحة التعاقد – وكلما كان محلها أحد الحقوق العينية العقارية الأصلية – أحكاماً اختصها بها، وذلك بأن جعل تسجيل صحيفتها لازماً، فإذا ما تقرر حق المدعى بحكم، وأشُر به عليها طبقاً للقانون، صار هذا الحق حجة على كل من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد }المادتان (١٥، ١٦) من ذلك القانون{.
وحيث إن ماتقدم مؤداه: أن قانون تنظيم الشهر العقارى القائم، توخى حمل المتعاملين فى الحقوق العينية العقارية الأصلية على تسجيل عقودهم، فجرد البيوع التى لا يتم تسجيلها من كل أثر فى مجال نقل الملكية ، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الأغيار. ومن ثم أصبح نقلها فيما بين المتعاقدين متراخياً إلى ما بعد التسجيل بعد أن كان نتيجة لازمة للبيوع الصحيحة بمجرد عقدها، وصار الاحتجاج بها فى مواجهة الغير كذلك متوقفاً على تسجيلها، متى كان ذلك؛ وكانت المدعية لم تؤشر بالحكم الصادر لصالحها على صحيفة دعوى صحة التعاقد التى أقامتها ضد خصومها؛ وكان تسجيلها لهذه الصحيفة ليس كافياً وحده لأن ينقل إليها الحقوق التى تدعيها فى شأن العقار المتنازع عليه؛ وكان قيام ورثة المرحوم / كمال محمد خليل بشهر حق إرثهم قبل أن تؤشر هى على صحيفة دعوى صحة التعاقد التى أقامتها ضدهم بالحكم الصادر لصالحها فيها، فإن سبقهم إلى شهر هذا الحق، يكون ناقلاً من دونها للأموال التى ورثوها.
وحيث إن انتقال الملكية إلى الأسبق إلى تسجيل الحقوق التى يطلبها أو التأشير بها، لا يعدو أن يكون ترتيباً فيما بين المتزاحمين عليها لتقرير أولاهم وأحقهم فى مجال طلبها واقتضائها.
ولا مخالفة فى ذلك للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها فى المادتين (٣٢، ٣٤) منه، ذلك أن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق – فى الأعم من الأحوال – إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلايكون لها من سواء. ولا كذلك الأمر فى شأن الحقوق العينية العقارية الأصلية التى تقاعس أصحابها عن شهرها مع علمهم بالآثار التى رتبها المشرع على تخلفهم هذا؛ ولأن المشرع ما قرر نظم الشهر المطعون فيها إلا ضماناً للائتمان فى مجال التعامل فى العقار فى شأن حقوق عينية نافذة بطبيعتها فى حق الكافة ؛ وكان لازماً بالتالى أن ييسر المشرع على من يتعاملون فيها العلم بوجودها من خلال شهر الأعمال القانونية التى تعتبر مصدراً لها، إثباتاً لحقائقها وبياناتها الجوهرية ، فلايكون أمرها خافياً؛ وبمراعاة أن شهر هذه الأعمال وإن كان لازماً، إلا أن هذا الشهر لايحيل العقود الصادرة فى شأنها إلى عقود شكلية تفقد طبيعتها الرضائية ، وإنما تظل لهذه العقود خصائصها ونواتجها، فلا تنحسر آثارها – وفيما عدا نقل الملكية – عنها.
وحيث إن النصوص المطعون عليها لا تتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى