حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٦ لسنة ٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٥٦ لسنة ٦ دستورية
تاريخ النشر : ٢١ – ٠٦ – ١٩٨٦

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الإجتماعي.

الحكم

برياسة محمد على بليغ رئيس المحكمة وحضور محمود حمدى عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ وعوض محمد المر ومحمد ابراهيم أبو العنين أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
أن الحكومة دفعت بعدم إختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعى المطعون عليه صدر بعد إستفتاء شعبى تم إعمالاً لنص المادة ١٥٢ من الدستور ، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة و نظامها السياسى و تحقيق مصلحتها السياسية فى حماية الجبهة الداخلية و السلام الإجتماعى ، و من ثم يعتبر من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح .
و حيث أن هذا مردود بأن ما نصت عليه المادة ١٥٢ من الدستور من أن ” لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل العامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا ” ، لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التى يقدر أهميتها و إتصالها بالمصالح القومية الحيوية ، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية ، و من ثم لا يجوز أن يتخذ هذا الإستفتاء – الذى رخص به الدستور و حدد طبيعته و الغرض منه – ذريعة إلى اهدار أحكامه أو مخالفتها ، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الإستفتاء ، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التى لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها فى المادة ١٨٩ من الدستور ، و بالتالى لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور ، و إنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعى أدنى مرتبة من الدستور ، فتتقيد بأحكامه ، و تخضع بالتالى لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية . هذا فضلاً عن أن النص التشريعى المطعون عليه ، قد صدر فى شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين فى مباشرة الحقوق السياسية التى كفلها الدستور ، و التى ينبغى على سلطة التشريع ألا تنال منها و إلا وقع عملها مخالفاً للدستور و من ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة ، و يكون الدفع المبدى فيها بعدم إختصاص المحكمة بنظر الدعوى – برمته – على غير أساس متعيناً رفضه .

– – – ٢ – – –
الدستور إذ نص فى مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسى فى جمهورية مصر العربية ، و جعل هذا التعدد غير مقيد إلا بإلتزام الأحزاب جميعها – سواء عند تكوينها أو فى مجال ممارستها لعملها – بالمقومات و المبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور ، و هو ما لا يعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل فى ظل الدستور – بمراعاة الأحكام المنصوص عليها ، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسى فى الدولة يكون قد كفل بالضرورة تكوينها فى الاطار الذى رسمه لها ، بما يستتبع حتماً ضمان الإنضمام إليها ، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق ، و به أساساً ، يتشكل البنيان الطبيعى للحزب و تتاكد شرعية وجوده فى واقع الحياة السياسية ، و بالتالى فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور .

– – – ٣ – – –
أن المادة ٦٢ من الدستور . التى وردت فى الباب الثالث منه الخاص بالحريات و الحقوق و الواجبات العامة تنص على أن : ” للمواطن حق الإنتخاب و الترشيح و إبداء الرأى فى الإستفتاء وفقاً لأحكام القانون ، و مساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى ” و مؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها فى هذه المادة ، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التى حرص على كفالتها و تمكين المواطنين من ممارستها ، لضمان أسهامهم فى اختيار قيادتهم و ممثليهم فى إدارة دفة الحكم و رعاية مصالح الجماعة ، و لم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى ممارسة تلك الحقوق و إنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة عن طريق مارسته لها ، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به فى أكثر مجالات الحياة أهمية لإتصالها بالسيادة الشعبية ، و من ثم فأن اهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة فى المادة ٦٢ منه .

– – – ٤ – – –
لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الإجتماعى ، حسبما يبين من عبارتها المطلقة ، حرمان فئة من المواطنين من حقهم فى الإنتماء إلى الأحزاب السياسية ، و من مباشرة الحقوق و الأنشطة السياسية كافة ، حرماناً مطلقاً و مؤبداً بما ينطوى على اهدار لأصل الحقوق ، و يشكل بالتالى اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين ٥ ، ٦٢ من الدستور .

– – – ٥ – – –
الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ، و أن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة اصدارها ، إلا أن هذا لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود و الضوابط التى نص عليها الدستور ، و من ثم فأن تنظيم المشرع لحق المواطنين فى الإنتماء إلى الأحزاب السياسية ، و مباشرتهم لحقوقهم السياسية ، ينبغى الا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه ، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور ، و حرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً و مؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق ، الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .

[الطعن رقم ٥٦ – لسنــة ٦ ق – تاريخ الجلسة ٢١ / ٠٦ / ١٩٨٦ – مكتب فني ٣ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٣٥٣ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم ١٥٤٨ لسنة ٣٨ قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالبين فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين الصادرين من المدعى العام الاشتراكى فى الثانى عشر من يونية سنة ١٩٧٨، المتضمنين اخطارهما بسريان حكم المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى فى حقهما لاشتراكهما فى قيادة حزب الوفد المصرى القديم وإدارته. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإدارى عدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ المشار إليه، فقد قضت فى ١٢ فبراير سنة ١٩٨٤ بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها استناداً إلى ما استظهرته من مخالفتها لأحكام المواد ٥ ، ٤٠، ٤١ ، ٦٢، ١٧٨ من الدستور. وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعى المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبى تم اعمالاً لنص المادة ١٥٢ من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسى وتحقيق مصلحتها السياسية فى حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة ١٥٢ من الدستور من أن ” لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا” لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التى يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لايجوز أن تتخذ هذا الاستفتاء – الذى رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه – ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التى لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها فى المادة ١٨٩ من الدستور وبالتالى لاتصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعى أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالى بما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية هذا فضلاً عن أن النص التشريعى المطعون عليه، قد صدر فى شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين فى مباشرة الحقوق السياسية التى كفلها الدستور، والتى ينبغى على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى – برمته – على غير أساس متعيناً رفضه. وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية. وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى – المطعون عليها – تنص على أنه ” لايجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب فى إفساد الحياة السياسية قبل ثورة يوليو سنة ١٩٥٢ سواء كان ذلك بالاشتراك فى تقليد المناصب الوزارية منتمياً إلى الأحزاب السياسية التى تولت الحكم قبل ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أو بالاشتراك فى قيادة الأحزاب وإدارتها، وذلك كله فيما عدا الحزب الوطنى والحزب الاشتراكى (حزب مصر الفتاه). ويعتبر اشتراكاً فى قيادة الحزب وإدارته، تولى مناصب الرئيس أو نواب الرئيس أو وكلائه أو السكرتير العام أو السكرتير العام المساعد أو أمين الصندوق أو عضوية الهيئة العليا للحزب. ويخطر المدعى العام الاشتراكى مجلس الشعب، وذوى الشأن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون ببيان أسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى ولصاحب الشأن خلال عشرة أيام من تاريخ إبلاغه بذلك، أن يتظلم إلى مجلس الشعب من إدراج اسمه فى هذا البيان إذا لم يكن قد تقلد أحد المناصب المشار إليها بالفقرة الأولى. ويبت المجلس فى التظلم بأغلبية أعضائه مع مراعاة حكم المادة ٩٦ من الدستور “. وحيث إنه مما ينعاه قرار الإحالة على هذه المادة، أنها إذا قضت بحرمان فئة من المواطنين من حق الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية، تكون قد انطوت على مخالفة لحكم كل من المادتين ٥ ، ٦٢ من الدستور. وحيث إن المادة ٥ من الدستور – المعدلة بتاريخ ٢٢ مايو سنة ١٩٨٠ – تنص على أن ” يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية” وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذرى فى إحدى ركائز النظام السياسى فى الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن “الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الذى يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديموقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، وهو أداة هذا التحالف فى تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية وفى متابعة العمل الوطنى فى مختلف مجالاته ودفع هذا العمل إلى أهدافه المرسومه”. وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبى الوحيد ممثلاً فى الأتحاد الاشتراكى العربى، بنظام تعدد الأحزاب وذلك، تعميقاً للنظام الديمقراطى الذى أقام عليه الدستور البنيان السياسى للدولة بما نص عليه فى مادته الأولى من أن “جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكى ديمقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة…..” وبما ردده فى كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التى أرساها، وتشكل معالم المجتمع الذى ينشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهى جوهر الديمقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهى هدفها – أو بالاشتراك فى ممارسة السلطة – وهى وسيلتها – ، كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية، وأنها تتطلب – لضمان انفاذ – محتواها تعدداً حزبياً، بل هى تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً . لما كان ذلك، وكان الدستور إذ نص فى مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسى فى جمهورية مصر العربية، يجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها – سواء عند تكوينها أو فى مجال ممارستها لعملها – بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور، وهو ما لايعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل فى ظل الدستور – بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب عدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسى فى الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها فى الإطار الذى رسمه لها، يما يستتبع حتما ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً ، يتشكل البنيان الطبيعى للحزب وتتأكد شرعية وجوده فى واقع الحياة السياسية، وبالتالى فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور. وحيث إن المادة ٦٢ من الدستور. التى وردت فى الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن ” للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته فى الحياة العامة وواجب وطنى ” ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها فى هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التى حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة عن طريق ممارسته لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به فى أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة فى المادة ٦٢ منه. وحيث إنه لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً، بما ينطوى على إهدار لأصل تلك الحقوق، ويشكل بالتالى اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين ٥ ، ٦٢ من الدستور. وحيث إنه لا يقدح فى هذا النظر، ما ذهبت إليه الحكومة من أن النص المطعون عليه يسانده ما قدره المشرع من استبعاد من أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة من ممارسة أى نشاط سياسى وذلك فى إطار السلطة التقديرية المخولة له اعمالاً للتفويض الدستورى الذى تضمنته المادتان ٥ ، ٦٢ من الدستورعندما أحالتا تنظيم الأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية إلى القانون، دون وضع قيود محددة لهذا التنظيم، ذلك أنه وإن كان الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملائمة إصدارها، إلا أن هذا لايعنى إطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغى ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذى يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية”. وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ولما كانت باقى أحكام هذه المادة مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة الأولى المشار إليها، بما مؤداه ارتباط فقرات المادة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة وابطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط ابطال باقى فقرات المادة المشار إليها مما يستوجب الحكم بعدم دستوريتها برمتها. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى