حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٩ لسنة ٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٩ لسنة ٦ دستورية
تاريخ النشر : ٠٤ – ٠٤ – ١٩٨٧

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (أ) من المادة الخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الإجتماعي.

الحكم

برياسة محمد على بليغ رئيس المحكمة وحضور محمود حمدى عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس وشريف برهام نور وواصل علاء الدين أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
إن المادة ٦٦ من الدستور تنص فى فقرتها الثانية على أنه : لا جريمة و لا عقوبة إلا بناء على قانون ، و لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ، و لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ، كما تنص المادة ١٨٧ من الدستور على أنه : لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ، و لا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها و مع ذلك يجوز فى غير المواد الجنائية النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب. و قد رددت هاتان المادتان مبدأ أساسياً من مبادئ الدساتير الحديثة يقيد الشارع ، فلا يملك أن يصدر تشريعاً عقابياً بأثر رجعى عن أفعال وقعت قبل نفاذه و إلا كان هذا التشريع مخالفاً للدستور و كان ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ فى البند “أ” منها من حظر الإنتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من حكم بإدانته فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧١ مكتب المدعى العام الخاصة بمن شكلوا مراكز قوى بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ينطوى على عقوبة جنائية قررها القانون المشار إليه لتلحق حتماً المحكوم بإدانتهم فى تلك الجناية تحقيقاً لما تغياه المشرع من هذا القانون و أفصح عنه فى مذكرته الإيضاحية و هو إستبعاد مراكز القوى التى أدانتها محكمة الثورة من ممارسة أى نشاط سياسى. لما كان ذلك، و كان الثابت من صورة الحكم فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧٢ مكتب المدعى العام المرفقة بالأوراق أن الأفعال التى حكم بإدانه المتهمين فيها وقعت خلال سنة ١٩٧١ قبل صدور القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية و السلام الاجتماعى الذى عمل به تاريخ نشره فى ٣ يونيه سنة ١٩٧٨. و من ثم فإن العقوبة الجنائية التى من تضمنتها المادة الخامسة من القانون المشار إليه فى فى البند “أ” منها تكون قد فرضت عن فعل سابق على نفاذ القانون الذى قررها بالمخالفة للمادتين ٦٦ و ١٨٧ من الدستور ، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية هذا البند .

[الطعن رقم ٤٩ – لسنــة ٦ ق – تاريخ الجلسة ٠٤ / ٠٤ / ١٩٨٧ – مكتب فني ٤ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ١٩ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد تقدم إلى لجنة القيد بجداول الانتخاب لإعادة قيد اسمه بناحية الروضة مركز فارسكور محافظة دمياط وإذ أخطر برفض طلبه فقد تظلم إلى اللجنة المختصة التى قررت رفض تظلمه استناداً إلى أنه لم يقدم ما يدل على رد اعتباره بعد الحكم عليه فى القضية رقم ١ لسنة ١٩٧١ مكتب المدعى العام وذلك إعمالاً للمادتين الرابعة والخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي. فأقام الدعوى رقم ١ لسنة ١٩٨٣ طعون انتخابية أمام محكمة دمياط الابتدائية طالباً الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وبإدراج اسمه بالجدول ودفع بعدم دستورية المادتين الرابعة والخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ المشار إليه وإذ رخصت له المحكمة برفع دعواه الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة. وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى تنص على أنه : ” لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب فى إفساد الحياة السياسية قبل ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ سواء كان ذلك بالاشتراك فى تقلد المناصب الوزارية منتمياً إلى الأحزاب السياسية التى تولت الحكم قبل ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ أو بالاشتراك فى قيادة الأحزاب أو إدارتها وذلك كله فيما عدا الحزب الوطنى والحزب الاشتراكى (حزب مصر الفتاة) ويعتبر اشتراكاً فى قيادة الحزب وإدارته تولى مناصب الرئيس أو نواب الرئيس أو وكلائه أو السكرتير العام أو السكرتير العام المساعد أو أمين الصندوق أو عضوية الهيئة العليا للحزب. ويخطر المدعى العام الاشتراكى مجلس الشعب وذوى الشأن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون ببيان بأسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى ولصاحب الشأن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغه بذلك أن يتظلم إلى مجلس الشعب من عدم إدراج اسمه فى هذا البيان إذا لم يكن قد تقلد أحد المناصب المشار إليها فى الفقرة الأولى. ويبت المجلس فى التظلم بأغلبية أعضائه مع مراعاة حكم المادة ٩٦ من الدستور بالنسبة لأعضاء المجلس” . كما تنص المادة الخامسة على أن ” “يسرى الحظر المنصوص عليه فى المادة السابقة على الفئات الآتية: (أ‌) من حكم بإدانته من محكمة الثورة فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧١ مكتب المدعى العام الخاصة بمن شكلوا مراكز قوى بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. (ب) من حكم بإدانته فى إحدى الجرائم المتعلقة بالمساس بالحريات الشخصية للمواطنين والتعدى على حياتهم الخاصة أو إيذائهم بدنياً أو معنوياً، المنصوص عليها بالباب السادس من الكتاب الثانى من قانون العقوبات وفى المادتين ٣٠٩ مكرراً و ٣٠٩ مكرراً (أ) من القانون المذكور . (ج) من حكم بإدانته فى إحدى جرائم الإخلال بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى المبينة فى المادة ٨٠ (د) وفى المواد من ٩٨ (أ) إلى ٩٨ (د) وفى المواد من ١٧١ إلى ١٧٨ من قانون العقوبات، وفى المواد ٣، ٦، ٧ ، ٨ من القرار بقانون رقم ٢ لسنة ١٩٧٧ بشأن حماية أمن الوطن والمواطن وفى المواد ٢٢، ٢٣، ٢٥، ٢٦ من القانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ بنظام الأحزاب السياسية، (د) من حكم بإدانته فى إحدى الجرائم المنصوص عليها فى البابين الأول والثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات. وذلك كله ما لم يكن المحكوم عليه قد رد إليه اعتباره”. وحيث إنه يبين من استعراض هاتين المادتين أن المادة الخامسة إحكاما للصياغة وتجنباً للتكرار – أحالت إلى المادة الرابعة السابقة عليها فى بيان أوجه الحقوق والأنشطة السياسية المحظور مباشرتها على أفراد الفئات المنصوص عليها فى كل من المادتين، إلا أن هذه الإحالة لا تفيد ارتباط كل منهما بالأخرى وجوداً وعدماً أو تفقد أى منهما استقلالها، لما كان ذلك، وكان البند (أ) من المادة الخامسة هو الذى تقرر بمقتضاه حرمان المحكوم بإدانتهم فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧١ مكتب المدعى العام – ومن بينهم المدعى – من مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة يتحدد بذلك البند دون غيره بما يتعين معه عدم قبول الدعوى فى شقها المتعلق بالطعن على المادة الرابعة سالفة البيان وباقى بنود المادة الخامسة. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعى فى الطعن الماثل تأسيساً على أن المدعى – باعتباره محكوماً عليه فى جناية ولم يرد إليه اعتباره – محروم من مباشرة حقوقه السياسية طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية وأن القانون المطعون فيه لم ينشئ له مركزاً جديداً تتوافر به مصلحته فى الطعن عليه. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الثابت من قرار لجنة الطعون أنها استندت إلى المادتين المطعون فيهما لاعتبار المدعى محروماً من حقوقه السياسية وبالتالى لرفض تظلمه من عدم إجابته إلى طلبه إعادة إدراج اسمه بجداول الانتخاب، وأن محكمة الموضوع وبعدم استعراضها لنص المادتين المطعون فيهما قد قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى أمامها وصرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية، ومن ثم فإن مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية البند (أ) من المادة الخامسة التى واجهته بها جهة الإدارة رداً على طلباته فى دعوى الموضوع، تكون متوافرة وذلك أيا كان وجه الرأى فى شأن حرمان المدعى من القيد بجدول الانتخاب بموجب قانون آخر قد ترى محكمة الموضوع تطبيقه. وحيث إن الدعوى فى شقها الخاص بالطعن على البند (أ) من المادة الخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ قد استوفت أوضاعها القانونية. وحيث إنه مما ينعاه المدعى على المادة الخامسة أنها إذ قضت فى البند (أ) منها بحظر الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية على من حكم عليه فى سنة ١٩٧١ فى الجناية المشار إليها تكون قد فرضت عقوبة عن فعل سابق على نفاذ القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ فى ٣ يونيه سنة ١٩٧٨ وذلك بالمخالفة لنص المادتين ٦٦، ١٨٧ من الدستور. وحيث إن المادة ٦٦ من الدستور تنص فى فقرتها الثانية على أنه ” ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون” كما تنص المادة ١٨٧ من الدستور على أنه :” لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ومع ذلك يجوز فى غير المواد الجنائية النص فى القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب”. وقد رددت هاتان المادتان مبدأ أساسياً من مبادئ الدساتير الحديثة يقيد الشارع، فلا يملك أن يصدر تشريعاً عقابياً بأثر رجعى عن أفعال وقعت قبل نفاذه وإلا كان هذا التشريع مخالفاً للدستور. وحيث إن ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ فى البند (أ) منها من حظر الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من حكم بإدانته فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧١ مكتب المدعى العام الخاصة بمن شكلوا مراكز قوى بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ينطوى على عقوبة جنائية قررها القانون المشار إليه لتلحق حتماً المحكوم بإدانتهم فى تلك الجناية تحقيقاً لما تغياه المشرع من هذا القانون وأفصح عنه فى مذكرته الإيضاحية وهو استبعاد مراكز القوى التى أدانتها محكمة الثورة من ممارسة أى نشاط سياسي. لما كان ذلك، وكان الثابت من صورة الحكم فى الجناية رقم ١ لسنة ١٩٧٢ مكتب المدعى العام المرفقة بالأوراق أن الأفعال التى حكم بإدانة المتهمين فيها وقعت خلال سنة ١٩٧١ قبل صدور القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى الذى عمل به من تاريخ نشره فى ٣ يونيه سنة ١٩٧٨، ومن ثم فإن العقوبة الجنائية التى تضمنتها المادة الخامسة من القانون المشار إليه فى البند (أ) منها تكون قد فرضت عن فعل سابق على نفاذ القانون الذى قررها، بالمخالفة للمادتين ٦٦ و ١٨٧ من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية هذا البند. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (أ) من المادة الخامسة من القانون رقم ٣٣ لسنة ١٩٧٨ بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، وألزمت الحكومة المصاريف ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى