حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٨ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٨ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ٠٦ – ٠٣ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم قبول دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم قبول دعوى فى طلب الحكم بعدم دستورية المادتين ٢٦، ٢٧ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذلك المادتين ٦، ٢٣ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

الحكم

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين أعضاء وحنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين وحمدى أنور صابر أمين السر .

– – – ١ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وهو كذلك يقيد تدخلها فى هذه الخصومة ، فلا تنفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى . ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين : أولهما : أن يقيم المدعى ــ وفى حدود الصفة التى إختصم بها النص المطعون فيه ــ الدليل على أن ضرراً واقعياً ــ إقتصادياً أو غيره ــ قد لحق به سواء أكان مهدداً بهذا الضرر ، أم كان قد وقع فعلاً . ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به مباشراً ، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه الدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تصوره ومواجهته بالترضية القضائية ، تسوية لآثاره . ثانيهما : أن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون فيه ، وليس ضرراً متوهماً أو منتحلاً أو مجهلاً ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفة للدستور أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على إنتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها . وحيث أنه متى كان ما تقدم ، وكان الثابت من الأوراق أن المبنى الذى قام المدعى بتأجير إحدى وحداته ، قد أنشئ عام ١٩٩٨ ، فإن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، هو الذى يحكم تقاضى المؤجر مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين ، وذلك عملاً بالفقرة الأولى من المادة ٦ من هذا القانون التى تخول مالك المبنى المنشأ إعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون ، أن يتقاضى من المستأجر مقدم إيجار لا يجاوز أجرة سنتين بالشروط التى بينها .

– – – ٢ – – –
من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية ، وهو كذلك يقيد تدخلها فى هذه الخصومة ، فلا تنفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى . ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين : أولهما : أن يقيم المدعى ــ وفى حدود الصفة التى إختصم بها النص المطعون فيه ــ الدليل على أن ضرراً واقعياً ــ إقتصادياً أو غيره ــ قد لحق به سواء أكان مهدداً بهذا الضرر ، أم كان قد وقع فعلاً . ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به مباشراً ، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه الدستور ، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها ، ممكناً تصوره ومواجهته بالترضية القضائية ، تسوية لآثاره . ثانيهما : أن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون فيه ، وليس ضرراً متوهماً أو منتحلاً أو مجهلاً ، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من إدعى مخالفة للدستور أو كان من غير المخاطبين بأحكامه ، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه ، دل ذلك على إنتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، عما كان عليه قبلها . وحيث أنه متى كان ما تقدم ، وكان الثابت من الأوراق أن المبنى الذى قام المدعى بتأجير إحدى وحداته ، قد أنشئ عام ١٩٩٨ ، فإن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، هو الذى يحكم تقاضى المؤجر مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين ، وذلك عملاً بالفقرة الأولى من المادة ٦ من هذا القانون التى تخول مالك المبنى المنشأ إعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون ، أن يتقاضى من المستأجر مقدم إيجار لا يجاوز أجرة سنتين بالشروط التى بينها .

– – – ٣ – – –
إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم ، فلا يؤلم القاضى أفعالاً ينتقيها ، ولا يقرر عقوباتها وفق إختياره ، إشباعاً لنزوة أو إنفلاتاً عن الحق والعدل ، وصار التأثيم بالتالى ــ وبعد زاول السلطة المنفردة ــ عائداً إلى المشرع ، إذ يقرر للجرائم التى يحدثها ، عقوباتها التى تناسبها ، فلا يكون سريان النصوص القانونية التى تنظمها رجعياً ، بل مباشراً لتحكم الأفعال التى تقع بعد العمل بالقانون التى يجرمها Nullum crimen, Nulla Poena, Sine lege . ويفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التى يصدر القانون الجنائى لحمايتها ، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التى إنتخبها المواطنون لتمثيلهم ، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير فى شأن تحديد الأفعال التى يجوز تأثيمها وعقوباتها ، لضمان مشروعيتها . ومن ثم كان إعمال هذا المبدأ لازماً لتمكين المواطنين من الإتصال بتلك القيم التى يقوم عليها بنيان مجتمعهم ، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم إجتماعياً Cohesion sociale ، فلا يزدرونها ، وإلا كان إيقاع الجزاء الجنائى عليهم لازماً لردعهم .

– – – ٤ – – –
إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم ، فلا يؤلم القاضى أفعالاً ينتقيها ، ولا يقرر عقوباتها وفق إختياره ، إشباعاً لنزوة أو إنفلاتاً عن الحق والعدل ، وصار التأثيم بالتالى ــ وبعد زاول السلطة المنفردة ــ عائداً إلى المشرع ، إذ يقرر للجرائم التى يحدثها ، عقوباتها التى تناسبها ، فلا يكون سريان النصوص القانونية التى تنظمها رجعياً ، بل مباشراً لتحكم الأفعال التى تقع بعد العمل بالقانون التى يجرمها Nullum crimen, Nulla Poena, Sine lege . ويفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التى يصدر القانون الجنائى لحمايتها ، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التى إنتخبها المواطنون لتمثيلهم ، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير فى شأن تحديد الأفعال التى يجوز تأثيمها وعقوباتها ، لضمان مشروعيتها . ومن ثم كان إعمال هذا المبدأ لازماً لتمكين المواطنين من الإتصال بتلك القيم التى يقوم عليها بنيان مجتمعهم ، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم إجتماعياً Cohesion sociale ، فلا يزدرونها ، وإلا كان إيقاع الجزاء الجنائى عليهم لازماً لردعهم .

– – – ٥ – – –
إن إستقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فى مفاهيم الدول المتحضرة ، دعا إلى توكيده بينها . ومن ثم وجد صداه فى عديد من المواثيق الدولية ، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة ١١ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والفقرة الأولى من المادة ١٥ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، والمادة ٧ من الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان . وتردد هذا المبدأ كذلك فى دساتير عديدة ، يندرج تحتها ما تنص عليه المادة ٦٦ من دستور جمهورية مصر العربية من أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذى ينص عليها ، وما تقرره كذلك المادة ١٨٧ من هذا الدستور التى تقضى بأن الأصل فى أحكام القوانين هو سريانها إعتباراً من تاريخ العمل بها ، ولا أثر لها فيما وقع قبلها إلا بنص خاص تقره أغلبية أعضاء السلطة التشريعية فى مجموعهم .

– – – ٦ – – –
إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، وإن إتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنياناً لإقراره وتوكيده ، إلا أن هذه الحرية ذاتها هى التى تقيد من محتواه ، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازماً إلا بالقدر وفى الحدود التى تكفل صونها In Favorem . ولا يجوز بالتالى إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم ، ولا تفسيرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها ، ولا مد نطاق التجريم ــ وبطريق القياس ــ إلى أفعال لم يؤثمها المشرع ، بل يتعين دوماً ــ وكلما كان مضمونها يحتمل أكثر من تفسير ــ أن يرجح القاضى من بينها ما يكون أكثر ضماناً للحرية الشخصية فى إطار علاقة منطقية La ratio Legis يقيمها بين هذه النصوص وإرادة المشرع ، سواء فى ذلك تلك التى أعلنها ، أو التى يمكن إفتراضها عقلاً .

– – – ٧ – – –
إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، إنما يتحدد على ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التى توخاها : أولاهما : أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لإخفاء فيها أو غموض ، فلا تكون هذه النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها . وهى بعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها ، فلا يكون سلوكهم مجافياً لها ، بل إتساقها معها ونزولاً عليها . ثانيهما : ومفترضها أن المرحلة الزمنية التى تقع بين دخول القانون الجنائى حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون ، إنما تمثل الفترة التى كان يحيا خلالها ، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه ، بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقاً عليها La loi Prealable . فلا يكون رجعياً ، على أن يكون مفهوماً أن القوانين الجنائية وإن كان سريانها على وقائع إكتمل تكوينها قبل نفاذها ، غير جائز أصلاً ، إلا أن إطلاق هذه القاعدة يفقدها معناها ، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقاً بالمتهم ، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق ، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها ، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأساً ، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم فى مجال تطبيقها بالنسبة إليه .

– – – ٨ – – –
أن إنكار الأثر الرجعى للقوانين الجزائية ، يفترض أن يكون تطبيقها فى شأن المتهم مسيئاً إليه ، فإن كانت أكثر فائدة لمركزه القانونى فى مواجهة سلطة الاتهام ، فإن رجعيتها تكون أمراً محتوماً . ومن ثم تكون أمام قاعدتين تجريان معاً وتتكاملان : أولاهما : أن مجال سريان القانون الجنائى ينحصر أصلاً فى الأفعال اللاحقة لنفاذه ، فلا يكون رجعياً كلما كان أشد وقعاً على المتهم : وثانيتهما : سريان القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق ، كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً . وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه ، أن ثانيتهما لا تعتبر إستثناء من أولاهما ، ولا هى قيد عليها ، بل فرغ منها ونتيجة حتمية لها . وكلتاهما معاً تعتبران إمتداداً لازماً لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات Le prolongement necessaire ، ولهما معاً القيمة الدستورية ذاتها .

– – – ٩ – – –
إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائى ، وإن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم علائق الأفراد بمجتمعهم وفيما بين بعضهم البعض ، إلا أن هذا القانون يفارقها فى إتخاذه العقوبة أداة لتقويم الأفعال التى يأتونها أو يدعونها بما يناقض أوامره أو نواهيه . وهو بذلك يتغيا أن يحدد ــ وهو منظور إجتماعى ــ ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها إجتماعياً ممكناً ، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبرراً ، إلا إذا كان مفيداً من وجهة إجتماعية ، فإذا كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً ، غدا مخالفاً للدستور . وهذا القضاء ــ وباعتباره معياراً للشرعية الدستورية للنصوص العقابية ــ مردد كذلك فيما بين الأمم المتحضرة ، ومن بينها فرنسا التى أقر مجلسها الدستورى مبدأين فى هذا الشأن . أولهما : أنه كلما نص القانون الجديد على عقوبة أقل قسوة من تلك التى قررها القديم ، تعين أن تعامل النصوص القانونية التى تتغيا الحد من آثار تطبيق القانون الجديد فى شأن الجرائم التى تم إرتكابها قبل نفاذه ، والتى لم يصدر فيها بعد حكم حائز لقوة الأمر المقضى ، باعتبارها متضمنة إخلالاً بالقاعدة التى صاغتها المادة ٨ من إعلان ١٧٨٩ فى شأن حقوق الانسان والمواطن ، والتى لا يجوز للمشرع على ضوئها أن يقرر للأفعال التى يؤثمها ، غير عقوباتها التى تضبطها الضرورة بوضوح ، فلا تجاوز متطلباتها La loi ne doit etablir que des peines strictement et evidemment necessaires ذلك أن عدم تطبيق القانون الجديد على الجرائم التى إرتكبها جناتها فى ظل القانون القديم ، مؤداه أن ينطق القاضى بالعقوبات التى قررها هذا القانون ، والتى لم يعد لها ــ فى تقدير السلطة التشريعية التى أنشأتها ــ من ضرورة .
{ nom ٨٠ – ١٢٧ DC,١٩ et ٢٠ janvier ١٩٨١, cons. ٧٥, RRec.P. ١٥ }
ثانيهما : أن تأثيم المشرع لأفعال بذواتها ، لا ينفصل عن عقوباتها التى يجب أن يكون فرضها مرتبطاً بمشروعيتها ، وبامتناع رجعية النصوص العقابية التى قررتها كلما كان مضمونها أكثر قسوة ، ودون ما إخلال بحقوق الدفاع التى تقارنها . ولا تتعلق هذه الضوابط جميعها بالعقوبات التى توقعها السلطة العقابية فقط ، ولكنها تمتد لكل جزاء يتمحض عقاباً ، ولو كان المشرع قد عهد بالنطق به إلى جهة غير قضائية .
Une peine ne peut etre infligee qu a la condition que soient respectes le principe de legalite des delits et des peines, le principe de necessite des peines, le princpe de non – retroactivite de la loi penale d incrimination plus severe ainsi que le respect du principe des droits de la defences. Ces exigences concernent non seulement les peines prononcees par les juridictions repressives mais aussi toute sanction ayant le caractere d une punition meme si le legislateur a Laisse de La prononcer a une autorite de nature non judiciaire.
{nom ٨٨ – ٢٤٨ dc.١٧ janvier s١٩٨٩,cons. ٣٥ a ٤٢, p.١٨ }

– – – ١٠ – – –
إن قضاء هذه المحكمة فى شأن كل قانون أصلح للمتهم يصدر بعد وقوع الفعل ــ وقبل الفصل فيه نهائياً ــ مؤداه أن سريان القانون اللاحق فى شأن الأفعال التى أثمها قانون سابق ، وإن إتخذ من نص المادة ٥ من قانون العقوبات موطئاً وسنداً ، إلا أن صون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور بنص المادة ٤١ من الدستور ، هى التى تقيم هذه القاعدة وترسيها بما يحول بين المشرع وتعديلها أو العدول عنها . ذلك أن ما يعتبر قانوناً أصلح للمتهم ، وإن كان لا يندرج تحت القوانين التفسيرية التى تندمج أحكامها فى القانون المفسر ، وتريد إلى تاريخ نفاذه باعتبارها جزءاً منه يبلور إرادة المشرع التى قصد إليها إبتداء عند إقراره لهذا القانون ، إلا أن كل قانون جديد يمحو التجريم عن الأفعال التى أثمها القانون القديم ، إنما ينشئ للمتهم مركزاً قانونياً جديداً ، ويفوض ــ من خلال رد هذه الأفعال إلى دائرة المشروعية ــ مركزاً سابقاً . ومن ثم يحل القانون الجديد ــ وقد صار أكثر رفقاً بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التى إعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يمس ــ محل القانون القديم ، فلا يتزاحمان أو يتداخلان ، بل ينحى ألحقهما أسبقهما .وغدا لازماً بالتالى ــ وفى مجال إعمال القوانين الجنائية الموضوعية Les lois penales de fond الأكثر رفقاً بالمتهم ــ توكيد أن صوت الحرية الشخصية من جهة وضرورة الدفاع عن مصالح الجماعة والتحوط لنظامها العام من جهة أخرى ، مصلحتان متوازيتان ، فلا تتهادمان . وصار أمراً مقضياً ــ وكلما صدر قانون جديد يعيد الأوضاع إلى حالها قبل التجريم ــ أن ترد لأصحابها تلك الحرية التى كان القانون القديم ينال منها ، وأن يرتد هذا القانون على عقبيه ، إعلاء للقيم التى إنحاز إليها القانون الجديد ، وعلى تقدير أن صونها لا يخل بالنظام العام باعتباره مفهوماً مرناً متطوراً على ضوء مقاييس العقل الجمعى التى لا ينفصل القانون الأصلح عنها ، بل يوافقها ويعمل على ضوئها ، فلا يكون إنفاذه منذ صدوره إلا تثبيتاً للنظام العام بما يحول دون إنفراط عقده ، بعد أن صار هذا القانون أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم .

– – – ١١ – – –
إن القوانين الجزائية التى تقارنها ببعض تحديداً لأصحابها للمتهم ، تفترض إتفاقها جميعاً مع الدستور ، وتزاحمها على محل واحد ، وتفاوتها فيما بينها فى عقوباتها ، فلا تغلب من صور الجزاء التى تتعامد على المحل الواحد ، إلا تلك التى تكون فى محتواها أو شرائطها أو مبلغها Le contenu, les modalites et le quantum des peines أقل بأساً من غيرها ، وأهون أثراً .

– – – ١٢ – – –
إن قضاء هذه المحكمة فى شأن العلائق الإيجارية ، قد جرى على أن التدابير الاستثنائية التى تقارنها ، لا تعتبر حلاً دائماً ونهائياً لمشكلاتها ، فلا يتحول المشرع عنها ، بل عليه أن يعيد النظر فيها على ضوء ما ينبغى أن يقوم فى شأنها من توازن بين حقوق كل من المؤجر والمستأجر ، فلا يختل التضامن بينهما إجتماعياً ، ولا يكون صراعهما بديلاً عن التعاون بينهما ، بل توافق مصالحهما إقتصادياً ، وعلى تقدير أن الأصل فى عقود القانون الخاص هو إنبناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها ، فلا يميل ميزانها فى إتجاه مناقض لطبيعتها ، إلا بقدر الضرورة التى يتعين أن تخلى مكانها ــ عند فواتها ــ لحرية التعاقد .

– – – ١٣ – – –
إن القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ ، وإن شرط لتطبيق العقوبة التى كان القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ قد فرضها فى شأن تقاضى المؤجر لمقدم إيجار ، أن يكون الحصول عليه بما يجاوز أجرة سنتين ، إلا أن القانون اللاحق ــ وهو القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦ ــ أعاد من جديد تنظيم هذا الموضوع فى شأن الأماكن التى حددتها مادته الأولى ، مقرراً سريان قواعد القانون المدنى ــ دون غيرها ــ فى شأن تأجيرها وإستغلالها ، وملغياً كل قاعدة على خلافها ، مؤكداً بذلك إستئثار أصحابها بها ، لتخرج هذه الأماكن بذلك من نطاق التدابير الاستثنائية التى درج المشرع على فرضها فى مجال العلائق الإيجارية ، فلا يكون تأجيرها إلا وفق الشروط التى تتطابق بشأنها إرادة مؤجريها مع من يتقدمون لطلبها ، ولو كان من بينها تقاضى المؤجر مقدم إيجار أيا كانت المدة التى يمتد إليها . وهو ما يعنى أن الضرورة الاجتماعية التى إنطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها ، قد أسقطتها فلسفة جديدة تبنتها الجماعة فى واحد من أطوار تقدمها ، قوامها حرية التعاقد ، فلا يكون الجزاء الجنائى ــ وقد لابس القيود التى فرضها القانون القديم على هذه الحرية ــ إلا منهدماً بعد العمل بالقانون الجديد . إن القانون اللاحق تغيا أن يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها ، فلا تحكمها إلا حرية التعاقد التى يلازمها بالضرورة أن يكون المتعاقدان على شروطهما التى يناقضها أن يكون الاتفاق على تعجيل الأجرة ــ وهو جائز قانوناً فى شأن الأماكن التى ينظمها القانون الجديد ــ سبباً لتجريم إقتضائها . والأفعال التى أثمها القانون السابق بالشروط التى فرضها ، هى ذاتها التى أطلق القانون الجديد الحق فيها ، فلا يكون إمتداده إليها إلا ضماناً لصون الحرية الشخصية التى منحها الدستور الرعاية الأوفى والأشمل توكيداً لقيمتها . بل إن هذا القانون ــ وباعتباره أصلح للمتهم ــ يعتبر متمتعاً بالقوة ذاتها التى كفلها الدستور لهذه الحرية ، فلا يكون القانون السابق حائلاً دون جريانها ، بل منجرفاً بها . أن التجريم المقرر بالقانون السابق ، إرتبط بتدابير إستثنائية قدر المشرع ضرورة إتخاذها خلال الفترة التى ظل فيها هذا القانون نافذاً . فإذا دل القانون اللاحق على إنتفاء الضرورة الاجتماعية التى لا يكون الجزاء الجنائى مبرراً مع فواتها ، فإن هذا القانون يكون أكثر ضماناً للحرية الشخصية التى كفل الدستور صونها .

– – – ١٤ – – –
أن تأثيم المشرع لأفعال بعينها ، قد يكون مشروطاً بوقوعها فى مكان معين ، كتجريم الأفعال التى يأتيها شخص داخل النطاق المكانى لمحمية طبيعية إضرار بخصائصها أو بمواردها . وقد يؤثم المشرع أفعالاً بذواتها . جاعلاً من إرتكابها فى مكان محدد ، ظرفاً مشدداً لعقوبتها ، كالسرقة فى مكان مسكون أو معد للسكنى أو ملحقاتها أو فى محل للعبادة عدواناً على حرمتها . ولا كذلك جريمة تقاضى المؤجر يزيد على أجرة سنتين التى نص عليها القانون السابق ، ذلك أن وقوعها فى الأماكن التى أخضعها هذا القانون لحكمه ، ليس شرطاً لاكتمال أركانها ، ولا ظرفاً لازماً لتغليظ عقوبتها ، ولكنها تتحقق إتصالاً بواقعة تأجيرها وبمناسبتها ، ولمجرد أن المكان المؤجر لم يكن ــ عند العمل بالقانون الجديد ــ خالياً .

– – – ١٥ – – –
من غير المتصور أن يظل قائماً ، التجريم المقرر بالقانون السابق فى شأن تقاضى مقدم الأجرة لأكثر من سنتين ، إذا كانت الأماكن التى يشملها هذا القانون مؤجرة قبل نفاذ القانون الجديد ، فإذا خلا مكان منها وقت سريان هذا القانون ، تحرر المؤجر جنائياً من كل قيد يتعلق بالمدة التى يقتضى عنها مقدم الأجرة وليس مفهوماً أن يكون للفعل الواحد معنيان مختلفان ولا أن تحتفظ الجريمة التى أنشأها القانون القديم بذاتيتها ، وبوطأة عقوبتها ، بعد أن جرد القانون الجديد الفعل الذى يكونها من الآثام التى إحتضنها . القانون الجديد صرح بالغاء كل قانون يتضمن أحكاماً تناقض تلك التى أتى بها ، بما مؤداه إطراح النصوص المخالفة للقانون الجديد ــ فى شأن يتعلق بالتجريم ــ سواء تضمنها تنظيم عام أو خاص . ذلك أن القوانين لا تتنازع إلا بقدر تعارضها ، ولكنها تتوافق من خلال وسائل متعددة يتصدرها ــ فى المجال الجنائى ــ القانون الأصلح فلا يكون نسيجها إلا واحداً . والجريمة التى أنشأها القانون السابق هى ذاتها التى هدمها القانون الجديد . ووجودها وإنعدامها متصادمان ، فلا يستقيم إجتماعهما .

– – – ١٦ – – –
إعمال الأثر الرجعى للقانون الأصلح ــ يعتبر إنحيازاً من القاضى لضمانة جوهرية للحرية الشخصية ، تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التى تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الإجتماعية . وهى بعد ضرورة ينبغى أن يحمل عليها كل جزاء جنائى ، وإلا فقد علة وجوده .

– – – ١٧ – – –
متى كان قضاء هذه المحكمة باعتبار القانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٦ أصلح للمتهم ، قد إنبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التى تناولتها على النحو المتقدم ، فإن حكمها باعتبار هذا القانون كذلك ، يكون متمتعاً بالحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على أحكامها الصادرة فى المسائل الدستورية ، وملزماً بالتالى الناس كافة ولكل سلطة فى الدولة ، بما فى ذلك جهات القضاء على إختلافها .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى