حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٠ لسنة ١٥ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٤٠ لسنة ١٥ دستورية
تاريخ النشر : ١٩ – ٠٢ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية قرار رئيس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ وقرار وزير المالية رقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٣ باخضاع بعض السلع التى ترد برسم المنطقة الحرة ببورسعيد للضريبة الجمركية

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٧ فبراير سنة ١٩٩٨ الموافق ١٠ شوال سنة ١٤١٨ هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف وماهر البحيرى
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٤٠ لسنة ١٥ قضائية دستورية
بعد أن أحالت محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية استئناف بورسعيد ملف الأستئناف رقم ٢٥٣ لسنة ٣٤ قضائية
المقامة من

السيد / محمد محمود رزق
ضد
١. السيد / وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
٢. السيد / مدير عام جمارك بورسعيد بصفته
٣. السيد / مدير مجمع واردات المنطقة الحرة ببور سعيد بصفته
الإجراءات

بتاريخ ١٩٩٣ / ١١ / ٢٨ ورد إلى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا
ملف الاستئناف رقم ٢٥٣ لسنة ٣٤ قضائية مدنى بور سعيد، بعد أن قضت محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية استئناف بور سعيد بجلسة ١٦ / ١١ / ١٩٩٣، بإحالته إلى
المحكمة الدستورية العليا
للفصل فى دستورية قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ وقرار وزير المالية رقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٣.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث أن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة والأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٢٨١ لسنة ١٩٩١ مدنى كلى بورسعيد ضد وزير المالية بصفته وآخرين طالباً الحكم ببراءة ذمته من مبلغ ٥٠٠ر١١٥٧٧ جنيهاً طلبته الجهة الإدارية منه باعتباره فروق رسوم مشمول الشهادة رقم ٣٧٩ ج قسيمة رقم ٩٥٥٧٦٠، مع تعويضه بمبلغ مماثل لمواجهة الأضرار التى ألحقها به تابعو هذه الجهة ذاتها، وذلك تأسيساً على أنه كان قد استورد بضائع من إيطاليا عبارة عن نجف وأباليك عادية وكلوبات زجاج ومعدن عادى مطلى بلون ذهبى ، وقد قام الفنيون بفحصها، وحرروا عنها بياناً بمشمولها ونوعياتها، بما يفيد تطابقها والإقرار الجمركى المدون بشأنها، ثم سدد عن تلك البضائع رسومها.
بيد أنه فوجئ بطلب دفع مبالغ إضافية بزعم أنها فروق رسوم مستحقة عنها، وأقام دعواه تلك بطلب الحكم ببراءة ذمته منها.
وإذ قضت محكمة أول درجة برفض دعوى المدعى ، فقد طعن استئنافياً فى حكمها برقم ٣٥٢ لسنة ٣٤ قضائية مدنى بورسعيد، وذلك أمام محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية استئناف بورسعيد، طالباً الحكم بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجدداً بالطلبات الموضوعية عينها التى سبق أن أبداها أمام محكمة أول درجة .
وقد خلص قضاء محكمة الاستئناف إلى الحكم بقبول الطعن وقبل الفصل فى الموضوع بوقف نظره، وبإحالته إلى
المحكمة الدستورية العليا
لتفصل فى مدى دستورية قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٩٦٥ لسنة ١٩٨٣، وكذلك قرار وزير المالية رقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٣، وأبقت الفصل فى المصروفات، وكان سندها فى ذلك أن الأصل فى القوانين هو خلوها من الأثر الرجعى ؛ وأن قرار رئيس مجلس الوزراء الذى عمل به اعتباراً من تاريخ صدوره فى ٢٩ / ٧ / ١٩٨٣، قد أخضع للضريبة الجمركية سلعاً أعفاها القانون المنظم لمنطقة بورسعيد الحرة من أدائها؛ متضمناً بذلك تعديلا لقانون قائم، وتقريراً لأثر رجعى غير مقترن بالعرض على السلطة التشريعية كى تقره بأغلبية أعضائها؛ ومن ثم تكون شبهة مخالفته للدستور قائمة ، وهو ما يسرى كذلك على قرار وزير المالية الصادر تنفيذاً لقرار رئيس مجلس الوزراء.
وحيث أن القانون رقم ٢٤ لسنة ١٩٧٦ فى شأن تحويل مدينة بورسعيد إلى منطقة حرة ؛ قد نص فى مادته الأولى على أن تتخذ
الإجراءات
اللازمة لهذا التحويل اعتباراً من أول يناير ١٩٧٦؛ وعلى أن يفوض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون لتنظيم جميع المسائل المتعلقة بنظام منطقة بورسعيد الحرة ، وقواعد الإقامة بها وتنظيم التعامل بداخلها، وغير ذلك من القواعد والنظم الجمركية والنقدية وغيرها.
ثم صدر بنظام هذه المنطقة ، قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٧ الذى نص فى الفقرة الأولى من مادته السادسة عشر، على ألا تخضع البضائع والمواد الأجنبية التى تخصص لاستهلاكها داخل المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد؛ وكذلك تلك التى تخصص لاستخدام المقيمين بها، للضرائب الجمركية والضرائب والرسوم المتعلقة بها؛ وفى فقرتها الثانية على أنه يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء – بناء على اقتراح وزير المالية – إخضاع بعض البضائع والمواد سالفة الذكر للضرائب الجمركية والضرائب والرسوم المتعلقة بها.
وحيث إنه إعمالاً للتفويض المقرر بمقتضى الفقرة الثانية من المادة (١٦) من القرار بقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٧، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ الذى قضى فى مادته الأولى بأن تخضع للضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم الملحقة بها، السلع التى حددها، والتى ترد برسم المنطقة الحرة لمدينة بور سعيد طبقاً للمادة (١٦) من القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه، ومن بينها منتجات الكريستال والمورانو والنجف والكريستال والكوبال المذهب. ونصت مادته الثانية على أن ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية ، وأن يعمل به من تاريخ صدوره، على أن يصدر وزير المالية القرارات اللازمة لتنفيذه.
وإنفاذا لنص المادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه – وقد نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ ٤ / ٨ / ١٩٨٣، وعمل به اعتباراً من تاريخ صدوره فى ٢٦ / ٧ / ١٩٨٣ – أصدر وزير المالية القرار رقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٣ بشأن القواعد التنفيذية لقرار رئيس مجلس الوزراء. وقد نصت المادتان الأولى والسادسة من قرار وزير المالية على أن تخضع للضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم [ ما أفرج عنه برسم المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد من السلع المحددة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القرار فى ٢٦ / ٧ / ١٩٨٣] وعلى أن ينشر هذا القرار فى الوقائع المصرية ، وعلى الجهات المختصة تنفيذه.
وحيث أن قرار وزير المالية المتقدم البيان، قد صدر فى ٢٤ / ٨ / ١٩٨٣، ونشر فى الوقائع المصرية فى ٨ / ١١ / ١٩٨٣؛ منسحباً إلى السلع التى أفرج عنها برسم المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، والمحددة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ المشار إليه، وسارياً اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القرار فى ٦٢ / ٧ / ١٩٨٣؛ فلايكون قرار وزير المالية إلا رجعى الأثر. كذلك فإن سريان قرار رئيس مجلس الوزراء اعتباراً من تاريخ صدوره، وقبل نشره فى الجريدة الرسمية ، يفيد انطواءه على أثر رجعى فى شأن يتعلق بضريبة كان ينبغى أن تتصل أحكامها بالمخاطبين بها من خلال إعلامهم بحقيقتها، ونوع السلع التى تشملها، توقياً لمداهمتهم بها.
وحيث أن المادة (١١٩) من الدستور تقضى فى فقرتها الأولى بأن إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون. وتنص فقرتها الثانية على أنه لا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا فى حدود القانون.
وحيث أن مفاد نص المادة (١١٩) المشار إليها، أن الدستور – وتقديراً من جهته لخطورة الآثار التى ترتبها الضريبة العامة ، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش – قد مايز بينها وبين غيرها من الفرائض المالية ، فنص على أن أولاًهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون.
وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن الضريبة العامة هى التى يكون مناط سريانها، وترتيبها لدينها فى ذمة مموليها، مرتبطاً بالواقعة المنشئة لها فى أية بقعة يسعها النطاق الإقليمى للدولة ، وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية أو فواصلها الجغرافية ، فلا ينحصر المخاطبون بها فى دائرة بذاتها من إقليمها، وإنما يُعتبر إقليمها – بكامل الأجزاء التى يشتمل عليها – نطاقاً لها مستلزماً سريانها بالقوة ذاتها فى أية جهة منه، كافلاً تكافؤ المخاطبين بها – على امتداده – فى مجال الخضوع لها.
وحيث أن الفقرة الأولى من المادة (١٦) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٧، تتضمن أصلاً عاماً فى شأن البضائع والمواد الأجنبية التى تخصص لاستهلاكها داخل المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، وكذلك تلك التى تخصص لاستخدام المقيمين بها، مؤداه: إعفاؤها من الخضوع للضرائب الجمركية المتعلقة بها؛ وكانت الفقرة الثانية من المادة (١٦) المشار إليها، تفوض رئيس مجلس الوزراء – واستثناء من هذا الأصل – فى إخضاع بعض هذه البضائع والمواد للضرائب الجمركية التى ترتبط بها، فإن فقرتى هذه المادة ، تكونان متحدتين محلا، لتعلقهما بالسلع عينها التى يقتصر تداولها على استهلاكها داخل المنطقة الحرة ببور سعيد، أو استخدامها من قبل المقيمين بها.
وإعفاؤها بقانون من الضريبة الجمركية المتعلقة بها، وكذلك إخضاع بعض فئاتها لهذه الضريبة عملاً بالتفويض المخول لرئيس مجلس الوزراء، مؤداه: أن إسقاط الأعباء المالية التى تقارنها عنها أو تحميلها بها، مرتبط بالحدود الجغرافية للمنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، وأن المخاطبين بها من حصرون فى هذه الدائرة وحدها، فلا تكون المكوس التى أعفاها القانون منها أو فرضتها السلطة التنفيذية عليها، إلا صورة من الأعباء المحلية التى عنتها الفقرة الثانية من المادة (١١٩) من الدستور، والتى يكفى لفرضها أن يكون فى حدود القانون.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكانت الفقرة الثانية من المادة (١١٩) من الدستور فى مجال سريانها على غير الضريبة العامة ، نص خاص فى مجال تطبيقها، يخول السلطة التشريعية أن تفوض رئيس الجمهورية أو أية سلطة إدارية أخرى فى فرضها، ودون أن تتقيد فى ممارستها لهذا التفويض بغير الشروط والأوضاع التى اتصل التفويض بها وفقاً للقانون المحدد لها؛ فإن التفويض المقرر بهذه الفقرة ، لايكون مقيداً بالضوابط التى حددتها المادة (١٠٨) من الدستور لجواز تفويض رئيس الجمهورية – دون غيره – فى مباشرة بعض مظاهر الولاية التشريعية بصفة استثنائية ، وعند الضرورة . وإنما شأن التفويض المقرر بالفقرة الثانية من المادة (١١٩) المشار إليها، شأن التفويض المقرر بنص المادة (٦٦) من الدستور التى تخول المشرع أن يعهد إلى السلطة التنفيذية – ممثلة فى أحد فروعها – بأن تحدد بنفسها بعض ملامح التجريم وعقوباتها، فكلاهما نص خاص أو رده الدستور متضمناً تقييد العام، فلا يكون دائراً فى إطاره.
وحيث أن السلطة التنفيذية تتقيد دوماً فى مجال ممارستها لاختصاص فُوِّض إليها، بشروط هذا التفويض وحدوده؛ وكان تقرير أثر رجعى للقواعد القانونية جميعها – سواء فى ذلك ما تقره السلطة التشريعية منها أو ما يصدر عن السلطة التنفيذية – لا يجوز أن يفترض بالنظر إلى خطورة الآثار التى تحدثها الرجعية فى محيط العلائق القانونية ، وما يلابسها – فى الأعم من الأحوال – من إخلال بالحقوق وباستقرار التعامل؛ وكان ذلك مؤداه: أن كل تفويض يخول السلطة التنفيذية إصدار القواعد القانونية التى يقتضيها تنظيم موضوع معين، لا يجوز أن يفسر على نحو يمنحها الاختصاص بتقرير رجعيتها دون سند من نصوص التفويض ذاتها؛ فقد صار لازماً إبطال الأثر الرجعى لنصوص قانونية أصدرتها السلطة التنفيذية بناء على تفويض لا يخولها – بالنصوص التى تضمنها – هذا الاختصاص.
A statutory grant of legislative rulemaking authority will not, as a general matter, be understood to encompass the power to promulgate retroactive ru les unless that power is conveyed by the legislator in express terms . [ Bowen, secretary of health and human services v . Georgetown universty hospital . Decided december ١٢ , ١٩٨٨].
وحيث أن الضرائب التى طلب المدعى إبراءه منها، تتعلق جميعها ببضائع أفرج عنها بعد ورودها إلى المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد برسمها؛ وكانت هذه البضائع معفاة أصلاً من الخضوع للضرائب وغيرها من المكوس المتعلقة بها، فلا يتم التعامل فيها بنقل ملكيتها إلى آخرين إلا من منظور سريان أصل إعفائها من هذه الأعباء عليها؛ وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه كلما كان التنظيم القانونى للضريبة منسحباً بأثره الرجعى إلى صور من التعامل اكتمل تكوينها قبل العمل به؛ وكان المكلفون بأدائها قد تعذر عليهم توقعها قبل نفاذ تصرفاتهم هذه فيما بين أطرافها، وإنما باغتتهم بها السلطة التى فرضتها؛ فإن اقتضاءها منهم يكون منافيا لعدالتها الاجتماعية ، وهى أساس نظامها وفقاً لنص المادة (٣٨) من الدستور.
وحيث أن بنيان كل ضريبة – سواء فى ذلك تلك التى يكون زمامها بيد السلطة التشريعية ، أو التى تعهد بفرضها إلى السلطة التنفيذية – إنما يتناول عناصرها التى لا تقوم بدونها، ويندرج تحتها على الأخص أسس تقدير وعائها ومبلغها والمكلفون أصلاً بأدائها، والمسئولين عن توريدها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وغير ذلك مما يتصل بمقوماتها؛ وكان إعمال النصوص القانونية التى تنظمها اعتباراً من تاريخ صدورها، مؤداه: سريانها فى شأن المخاطبين بها قبل اتصالها بعلمهم، ومداهمتهم بها قبل إحاطتهم بأسس فرضها ونطاقها، وذلك بالرغم من خطورة الآثار التى تقارنها، وعلى الأخص فى مجال تداول الأموال وتنظيم حركتها؛ فقد غدا لازماً أن يكون العمل بالضريبة مرتبطاً بذيوع أحكامها من خلال نشرها، فلا يكون أمرها مجهلاً خافياً على أحد، بل متضمناً إخطاراً كافياً بحقيقتها وأبعادها، ليتم التعامل بكل صوره على مقتضاها.
وحيث أن القرار بقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٢ فى شأن نظام المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، وإن فوض السلطة التنفيذية بمقتضى الفقرة الثانية من المادة (١٦) منه، فى إخضاع بعض البضائع والمواد الأجنبية – التى حددتها فقرتها الأولى – للضريبة الجمركية المتعلقة بها؛ وكان هذا التفويض لا يتضمن تخويل هذه السلطة إخضاع هذه البضائع أو المواد لأية ضريبة بأثر رجعى ؛ وكان قرار رئيس مجلس الوزراء، وكذلك قرار وزير المالية المحالان إلى هذه المحكمة للفصل فى دستوريتهما، قد عمل بأولهما اعتباراً من تاريخ صدوره، وبثانيهما اعتباراً من تاريخ سريان أولهما، فإن هذين القرارين يكونان قد تضمنا أثراً رجعياً فى شأن المخاطبين بهما؛ مصادما لتوقعهم المشروع فى مجال بضائع ومواد تم التعامل فيها قبل علمهم بالضريبة التى تقرر فرضها عليها، استثناء من أصل إعفائها منها المقرر بالفقرة الأولى من المادة (١٦) من قانون تنظيم هذه المنطقة ؛ فلايكون هذان القراران – وبقدر ما تضمناه من أثر رجعى لأحكامه ما فى شأن الضريبة الجمركية التى تتصل بهما – إلا مناقضين لمبدأ خضوع الدولة للقانون المقرر بنص المادة (٦٥) من الدستور.
وحيث أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً قانوناً على ما تقضى به المادة (٦١) من الدستور، هى التى تتوافر شرائط اقتضائها وفقاً لأحكام الدستور، فإن هى نبذتها سواء من خلال موجباتها أو أسسها، أو عن طريق تطبيقها قبل اتصالها بالمخاطبين بها، كان فرضها تحميلا لأموالهم بعبئها بما يرتد سلباً عليها بقدر مبلغها، إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور فى مجال صون الأموال جميعها من كل عدوان ينال منها.
وحيث إنه متى كان ذلك، يكون القراران المحالان إلى هذه المحكمة مخالفين – فيما تضمناه من أثر رجعى – للمواد (٣٢، ٣٤، ٣٨، ٦١، ٦٥) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣ وكذلك قرار وزير المالية رقم ٢١٨ لسنة ١٩٨٣ بشأن القواعد التنفيذية لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦٩٥ لسنة ١٩٨٣، وذلك فيما تضمناه من سريان أحكامهما بأثر رجعى .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى