حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٦ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ٢٨ لسنة ٦ دستورية
تاريخ النشر : ١٨ – ٠٦ – ١٩٩٨

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : بشأن عدم دستورية المادة ٥ وبسقوط المادة ٦ من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الاصلاح الزراعى وبعدم دستورية المادة ٤ وبسقوط المادة ٥ من القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الاصلاح الزراعى

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٦يونيو سنة ١٩٩٨ الموافق ١١ صفر سنة ١٤١٩هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: – محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ٢٨ لسنة ٦ قضائية دستورية
المقامة من

السيد / محمد فاضل المرجوشى
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس مجلس الوزراء
٣ – السيد / وزير الخزانة
٤ – السيد / وزير المالية ٥ – السيد / وزير الزراعة
٦ – السيد / رئيس الهيئة العامة للإصلاح الزراعى
الإجراءات

بتاريخ ٩ يوليو سنة ١٩٨٣، أودع السيد / محمد محمد المرجوشى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية المواد (٥، ٦، ١٢، ١٣) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى ، والمادتين (٤، ٥) من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى ، والمواد (٩، ١٠، ٢١) من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها، مع ما طرأ عليها من تعديلات، وما يلحق بها من نصوص تكملها. وإذ توفى المدعى بتاريخ ٣ / ٧ / ١٩٨٧، فقد واصل ورثته السير فى الدعوى .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليا: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ٧٤٢٦ لسنة ١٩٨٣ مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية ، بطلب الحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يؤدوا له التعويض العادل والريع المستحق عن الأطيان الزراعية التى استولت عليها الحكومة إعمالاً لقوانين الإصلاح الزراعى .
وإذ دفع المدعى – أثناء نظر دعواه الموضوعية – بعدم دستورية المواد (٥، ٦، ١٢، ١٣) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢؛ والمادتين (٤، ٥) من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى ؛ والمواد (٩، ١٠، ٢١) من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها؛ وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، فقد خولته رفع الدعوى الدستورية بشأنها، فأقامها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان المدعى قد طلب فى دعواه الموضوعية تعويضه عن الأراضى المستولى عليها منه وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى مُحَدِّداً مقدار هذا التعويض على ضوء ثمن مثلها وقت الاستيلاء عليها، فضلاً عن الريع المستحق عنها وما يستجد منه؛ وكانت النصوص القانونية التى عينها المشرع مبيناً بها أسس هذا التعويض ومقداره، هى التى تضمنتها المادتان (٥، ٦) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى ؛ والمادتان (٤، ٥) من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام هذا القانون ؛ فإن هذه النصوص وحدها، هى التى يتحدد على ضوئها موضوع الخصومة الدستورية ، وكذلك نطاق المصلحة الشخصية المباشرة فيها.
ولا كذلك نص المادتين (٩، ١٠) – المدفوع بمخالفتهما للدستور – من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ بتعيين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها؛ ذلك أن قضاء هذه المحكمة فى الدعوى رقم ٢٤ لسنة ١٥ قضائية دستورية الصادر عنها بجلستها المعقودة فى ٧ / ٣ / ١٩٩٨، والمنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ ١٩ / ٣ / ١٩٩٨، كان قد انتهى أولاً: إلى الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (٩) من هذا القرار بقانون من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه – وفقاً لأحكامه – الحق فى تعويض نقدى يعادل سبعين مثل الضريبة العقارية الأصلية المربوطة بها الأرض فى تاريخ الاستيلاء الإعتبارى . وثانياً: بسقوط نص المادة العاشرة من هذا القرار بقانون فى مجال تطبيقها فى شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية . وإذ كان حكمها هذا يعتبر قولاً فصلاً لايقبل تأويلاً أوتعقيباً من أية جهة فى شأن المسائل التى تناولها، فإن النعى على هاتين المادتين مخالفتهما للدستور، يكون عوداً على بدء، وهو ما لايجوز بعد أن صارت الخصومة الدستورية فى شأنهما منتهية ، فلايكون الرجوع إليها بعد حسمها، إلا لهواً.
ولا مصلحة للمدعين كذلك فى الطعن على المادتين (١٢، ١٣) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢، التى تخول أولاهما الهيئة العامة للإصلاح الزراعى مباشرة أعمال الاستيلاء وإدارة الأراضى المستولى عليها، إلى أن يتم توزيعها وفقاً للقانون. وتقرر ثانيتهما تشكيل لجان فرعية تقوم بأعمال الاستيلاء وحصر الأراضى الزراعية المستولى عليها، وتجميعها عند الاقتضاء، وتوزيعها على صغار المزارعين. ذلك أن هاتين المادتين لا صلة لهما بالحق فى التعويض عن الأراضى المستولى عليها، ولابمقداره؛ وما أقرهما المشرع إلا إعمالاً لنص المادة (٣٧) من الدستور التى تخول المشرع تحديد الملكية الزراعية من خلال بيان حدها الأقصى ، بما يفيد جواز الاستيلاء على ما يجاوزه من الأراضى الزراعية ، وتوزيعها فى الحدود التى نص عليها القانون.
كذلك فإن ما تنص عليه المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ من اختصاص اللجنة التى شكلتها بتفسير أحكام هذا القانون تفسيراً تشريعياً ملزماً، لا مصلحة للمدعين فى الطعن عليه، ذلك أن كل تفسير تشريعى ، وإن كان يندمج فى النص المفسر، باعتباره مُحَدِّداً لمضمونه؛ إلا أن المدعين أغفلوا بيان النصوص القانونية التى اتصل التفسير التشريعى بها، وأضر تطبيقها فى شأنهم بمصالحهم الشخصية المباشرة .
وحيث إن المواد المطعون عليها، نصها الآتى :
أولاً: – المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى :
مادة (٥) يكون لمن استولت الحكومة على أرضه وفقاً لأحكام هذا القانون، الحق فى تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، مضافاً إليها قيمة المنشأت والآلات الثابتة وغير الثابتة والأشجار. وتقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، فإذا لم تكن الأرض قد ربطت عليها هذه الضريبة فى التقدير العام لضرائب الأطيان المعمول به منذ أول يناير سنة ١٩٤٩ لبوارها، أو ربطت بضريبة لا تجاوز فئتها جنيهاً واحداً للفدان يتم تقدير ثمنها بمعرفة اللجنة العليا لتقدير أثمان أراضى الدولة . ولا يعتبر هذا التقدير نهائياً إلا بعد اعتماده من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى . وإذا كانت ملكية الأرض لشخص وحق الانتفاع لآخر، استحق مالك الرقبة ثلثى التعويض، والمنتفع الثلث.
وتنظم اللائحة التنفيذية لهذا المرسوم بقانون إجراءات صرف التعويض. وتبرأ ذمة الحكومة إزاء الكافة فى حدود ما يتم صرفه من التعويض طبقاً للإجراءات المذكورة .
مادة (٦) يؤدى التعويض سندات على الحكومة بفائدة سعرها ٣% تستهلك خلال ثلاثين سنة . وتكون هذه السندات اسمية . ولايجوز التصرف فيها إلا لمصرى . ويقبل أداؤها ممن استحقها من الحكومة لأول مرة أو من ورثته، فى الوفاء بثمن الأراضى البور التى تشترى من الحكومة وفى أداء الضرائب على الأطيان التى لم يسبق ربط ضرائب عليها قبل العمل بهذا القانون وفى أداء ضريبة التركات والضريبة الإضافية على الأطيان المفروضة بموجب هذا القانون.
ثانياً: – القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى
مادة (٤) يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذاً لأحكام هذا القانون، الحق فى تعويض يقدر وفقاً للأحكام الواردة فى هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ المشار إليه، وبمراعاة الضريبة السارية فى ٩ سبتمبر سنة ١٩٥٢.
مادة (٥) يؤدى التعويض سندات اسمية على الدولة لمدة خمسة عشر سنة ، وبفائدة قدرها ٤% سنوياً محسوبة من تاريخ الاستيلاء. وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة . ويجوز للحكومة بعد عشر سنوات أن تستهلك هذه السندات كلياً أو جزئياً بالقيمة الاسمية . ويجرى الاستهلاك الجزئى بطريق الاقتراع فى جلسة علنية ، على أن يعلن عنه فى الجريدة الرسمية قبل موعده بشهرين على الأقل. ويصدر قرار من وزير الخزانة بكيفية إصدار هذه السندات وبفائدتها
وحيث إن المدعى ينعى على المواد المطعون عليها من القانونين رقمى ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ و١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما، مخالفتهما للدستور من وجوه متعددة :
أولها: – أن التعويض المقدر وفقاً لأحكامها لا يعدو أن يكون تقديراً تحكمياً للأراضى المستولى عليها لايعادل قيمتها الحقيقية ، بل يبخسها إلى حد كبير، بما يشكل عدواناً على الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بنص المادة (٣٤).
ثانيها: – كذلك تضمن هذا التعويض – المقرر بنصوص قانونية – مصادرة جزئية للحق فيه، يبلورها الفرق بين قيمتها التى قدرها المشرع من جهة ؛ وثمن مثلها وقت الاستيلاء عليها من جهة أخرى ؛ بما يناقض نص المادة (٣٦) من الدستور التى تحظر المصادرة العامة للأموال، ولا تجيز مصادرتها جزئياً إلا بحكم قضائى .
ثالثها: – أن المشرع مايز أيضاً فى مجال هذا التعويض، بين من تنزع الدولة ملكيتهم مقابل تعويض عادل من جهة ، ومن تستولى على أراضيهم وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى ، وتعوضهم عنها بما يقل كثيراً عن قيمتها الفعلية من جهة أخرى ، وفى ذلك إخلال بمبدأ تساويهم أمام القانون وفقاً لنص المادة (٤٠) من الدستور.
رابعها: أن الأسس التى قام عليها التعويض عن الأراضى الزراعية المستولى عليها وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى ، لم يعد لها مجال عمل بعد الحكم الصادر من
المحكمة الدستورية العليا
فى الدعوى رقم ٣ لسنة ١ قضائية دستورية . وإحياء النصوص المقررة للتعويض بعد موتها، يناقض مبدأ الخضوع للقانون المنصوص عليه فى المادة (٦٥) من الدستور.
وحيث إن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيساً على أن حق المدعى فى التعويض، قد سقط قانوناً بالنظر إلى المدة التى يتقادم بها، قد اكتمل زمنها قبل رفع النزاع الموضوعى ، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدعوى الدستورية تستقل بذاتيتها ومقوماتها وموجباتها عن الدعوى الموضوعية ، فلاتندمجان فى بعضهما، ولا تتحدان فى أسس الفصل فى كل منهما؛ ذلك أن الخصومة الدستورية ، غايتها الفصل فى التعارض المدعى به بين نصوص قانونية أقرها المشرع أو أصدرتها السلطة التنفيذية من جهة ، وقاعدة فى الدستور من جهة أخرى .
ولا كذلك الخصومة الموضوعية التى تطرح فى جوانبها الأكثر شيوعاً نزاعاً حول حقوق يُدَّعَى الإخلال بها، ويكون إثباتها أو نفيها، مدار النضال بين أطرافها. متى كان ذلك، وكان الدفع بالتقادم المسقط للحق، يقتضى ابتداء تحديد ما إذا كان الحق المدعى به قد نشأ صحيحاً وفقاً للقانون؛ وما إذا كانت المدة التى عينها المشرع لسقوطه قد اكتمل مداها بدءاً من التاريخ المحدد لسريانها، أم أن عارضاً اعتراها مستوجباً وقفها أو انقطاع جريانها. وجميعها من الشروط التى تنفرد محكمة الموضوع بتحقيقها والفصل فيها، ولا شأن لها بالتالى بالخصومة الدستورية التى تنفصل فى موضوعها وبواعثها عنها، والتى يدور النزاع فيها حول ما إذا كان التعويض المستحق قانوناً عن الأراضى الزراعية المستولى عليها، يعتبر موافقاً أو مخالفاً للدستور.
وحيث إن هذه المحكمة كانت قد انتهت بحكمها الصادر فى الدعوى رقم ٣ لسنة ١ قضائية دستورية إلى أن ما نص عليه القرار بقانون رقم ١٠٤لسنة ١٩٦٤ من أيلولة الأراضى الزراعية – المستولى عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى ، والقرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى – إلى الدولة دون مقابل، إنما يناقض الدستور.
وحيث إن قضاءها فى ذلك قام على دعائم حاصلها أن الحق فى التعويض عن الأراضى الزراعية ، يعتبر مترتباً على نزع ملكيتها جبراً عن أصحابها وفقاً للقانون وفى الحدود التى بينها، ولايجوز بالتالى أن يكون محل نزاع؛ ولا أن تكون المادة (٣٧) من الدستور التى لم تشر إلى الحق فى التعويض عن الأراضى الزراعية ، مدخلاً إلى إهداره. ذلك أن ما عناه الدستور بها ينحصر فى تقرير مبدأ جواز تحديد الملكية الزراعية توكيداً لاتجاه القضاء على الإقطاع، وضمان مصالح العمال والفلاحين الذين أضيروا من السيطرة التى بسطها على الأراضى الزراعية . ولم يكن من شأنها بالتالى تنظيم القواعد التى يتم الاستيلاء على ضوئها، ولا بيان أسس التعويض عنها، اجتزاء بالقواعد الجوهرية التى يقوم الدستور عليها، وأخصها أن صون الملكية الخاصة يقتضى امتناع نزعها جبراً عن أصحابها لغير منفعة عامة ، ودون تعويض؛ وأن مصادرتها مصادرة خاصة لا تجوز بغير حكم قضائى ، وجميعها أحكام انتظمتها المواد (٣٢، ٣٤، ٣٦) من الدستور.
وحيث إن إلغاء المشرع لنصوص قانونية بذواتها، يفترض أن يكون التنظيم التشريعى الصادر بإلغائها صحيحاً وفقاً للدستور، فإذا تقرر بقضاء من هذه المحكمة بطلان هذا التنظيم بكامل أجزائه، اعتبر أثره من عدماً فى شأن النصوص التى عَطَّل سريانها، فلا يزول وجودها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة فى الدعوى رقم ٣ لسنة ١ قضائية المشار إليه، لم يفصل فيما إذا كان التعويض المقدر وفقاً لأحكام القانونين رقمى ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ و١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما، يعتبر عادلاً أم متدنياً؛ ولاكان ذلك من شأنها باعتبار أن النزاع المعروض عليها فى تلك الخصومة ، كان من حصراً فى أموال نقلتها الدولة إليها بلامقابل، وما إذا كان نهجها هذا موافقاً أو مخالفاً للدستور، فلا يتعداه إلى أسس أو مقدار التعويض التى فصلها هذان القانونان.
وحيث إن القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليه، قد أحال فى شأن أسس التعويض عن الأراضى المستولى عليها وفقاً لأحكامه، إلى تلك التى تضمنها المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ فى شأن الإصلاح الزراعى ؛ وكانت أسس التعويض المحددة وفقاً لأحكام هذين القانونين، هى ذاتها التى تبنتها المادة (٩) من القرار بقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه، وهى التى واجهتها هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعوى رقم ٢٤ لسنة ١٥ قضائية دستورية ، منتهية إلى مخالفتها للدستور، ومقيمة قضاءها فى ذلك على دعائم حاصلها:
١ – أن السلطة التى يملكها المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور باعتبارها قيداً عليها، فلا يجوز تخطيها؛ وكان المشرع وإن جاز أن يعيد تنظيم أوضاع قائمة بما يكفل للمواطنين مصالحهم المباشرة ، كتلك التى يقتضيها بناء مجتمعهم وتطويره ليكون أكثر أمناً ورقياً وجما لاً ووعياً ونظاماً وأفضل بيئة ؛ إلا أن كل تغيير يتصل بالملكية الخاصة بما يفقدها محتواها، ينبغى أن يقابل بتعويض عادل عنها ؛ ذلك أن الملكية لايجوز نزعها قسراً بغير تعويض، كذلك فإن كل تنظيم للملكية لايجوز أن يصل مداه إلى ما يعتبر عقلاً افتئاتاً عليها من خلال تقويض عناصرها، وزوال المزايا التى تنتجها عملاً.
٢ – أن كل قيد على استعمال الملكية ، إنما ينال من حق يقابل هذا القيد، وبقدره. كذلك فإن كل قيد عليها ينبغى أن يوازن بالأغراض التى يتوخاها، وأن يتمحض وسيلة ملائمة لتحقيقها، فلايكون منفلتاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى أن يتخذها مضموناً وإطاراً.
٣ – أن مشروعية المصلحة فى مجال نزع الملكية ، حدها احتمال الضرر الأقل دفعاً لضرر أكبر؛ وكان صون الدستور للملكية الزراعية مقيداً بألا تكون موطئاً لاقطاع يمتد عليها ويحيط بها بما يهدد من يعملون فيها من العمال والفلاحين؛ وكان ضمان مصلحتهم هذه التى ترتكن لنصوص الدستور ذاتها – وإن كان شرطاً مبدئياً لمباشرة المشرع لسلطته فى مجال تحديد الملكية الزراعية ، إلا أن تحديد أقصى ما يجوز تملكه منها، مؤداه: تجريد الأراضى المستولى عليها – فيما يجاوز هذا الحد – من ملكية أصحابها، مستوجباً تعويضهم عنها بما يتكافأ وقيمتها السوقية فى تاريخ الاستيلاء عليها؛ ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة مقوماتها، بغير تعويض عادل يقابلها.
٤ – أن ما يعتبر عادلاً ومنصفاً فى مجال التعويض، لا يتحدد على ضوء معايير جامدة أو مقاييس تحكمية يتم تطبيقها بآلية عمياء. وكلما تعلق الأمر بأراض زراعية جرد المشرع أصحابها منها، فإن افتراض تساويها جميعا أو حتى تقاربها فى قيمتها، يكون وهماً. وإنما يجب أن يتحدد لكل منها – واستقلا لاً عن غيرها – ما يقابل قيمتها السوقية من التعويض، على ضوء العناصر التى ترتبط بمقوماتها؛ ويندرج تحتها فرص استثمارها التى كان يمكن توقعها عقلاً؛ وحقوق الارتفاق التى تثقلها؛ وموقعها من العمران؛ واتصالها بالطرق الرئيسية والفرعية أو نأيها عنها؛ وخصائص تربتها،ونطاق الأعمال المرصودة على خدمتها وتطويرها؛ ونوع المحاصيل التى تنبتها؛ ووسائل ريها وتكلفتها ومصارفها؛ وأشجارها ومبانيها، إلى غير ذلك من العناصر التى لا تنفصل عنها، فلايكون تحريها تصورياً أو جزافياً بعيداً عن حقائقها، بل واقعياً قدر الإمكان Essentially ad hoc factual inquiries وبذلك وحده يتوازن الحق المجرد لكل فرد فى استعمال الأموال التى يملكها فى الأغراض التى يستهدفها، بضرورة التخلى عنها لمصلحة محددة ملامحها ولها شأنها، يقتضيها خير الجماعة وضمان تطورها Clear and significant public benefit.
٥ – أن ماتقدم مؤداه: أن التعويض عن الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى ، لا يتحدد على ضوء الفائدة التى تكون الجهة الإدارية قد جنتها من وراء نزع ملكيتها من أصحابها، وإنما الشأن فى هذا التعويض إلى مافاتهم من مغانم، وما لحقهم من خسران من جراء أخذها عنوة منهم، تقديراً بأن هذه وتلك، تمثل مضار دائمة لاموقوتة ، ثابتة لاعرضية ، ناجمة جميعها عن تجريد ملكيتهم من مقوماتها. ويندرج تحتها من ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، فلا يجبها إلا تعويض يكون جابرا لها، ولاينحل بالتالى تفريطاً أو تقتيراً.
٦ – أن تقدير التعويض عن الأراضى المستولى عليها بما يعادل سبعين مثل الضريبة العقارية الأصلية المربوطة بها الأرض فى تاريخ الاستيلاء عليها، لا يعدو أن يكون تقديراً جزافياً من فصلاً عن قيمتها السوقية ، وذلك من وجوه متعددة :
أولها: أن الضريبة العقارية المشار إليها لا شأن لها بأصول الأموال محلها، وإنما يتعلق فرضها بتقدير تصوره المشرع لإيراد نجم عن استغلالها، فلايكون هذا الإيراد إلا وعاء لها.
وثانيها: – أن الأموال المحملة بهذه الضريبة تتباين قيمتها فيما بينها على ضوء ظروفها وخصائص بنيانها حتى داخل المحافظة الواحدة ، ولا يمكن بالتالى أن يجمعها معيار واحد ينفصل عن أوضاع عرضها وطلبها التى تؤثر فيها إلى حد كبير عناصر متعددة تتداخل فى مجال تقييمها، من بينها ما إذا كان أصحابها يزرعونها بأنفسهم أم يؤجرونها لغيرهم.
وثالثها: – أن الضريبة العقارية المشار إليها – وحتى بفرض جواز الرجوع إليها لتحديد التعويض المستحق – لايعاد النظر فيها سنوياً، وإنما يمتد تقديرها فى شأن الأراضى الزراعية جميعها – أياً كان موقعها وبغض النظر عن خصائصها – سنين عشرا، مدها المشرع بعدئذ لمدد تماثلها، فلا يكون التعويض المقدر على أساسها إلا تصورياً.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، فإن المادة (٥) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ والمادة (٤) من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما، تكونان قد جاوزتا الحدود التى رسمتها المادتان (٣٢، ٣٤) من الدستور لصون الملكية الخاصة ، وأهدرتا كذلك مفهوم التعويض الكامل القائم على الاعتداد بكل العناصر التى تتصل بتقدير قيمة الأموال فى تاريخ نزعها من أصحابها وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعى المطعون عليها؛ وكان المشرع قد تدخل – بالنصوص القانونية المطعون عليها – لإجراء مصادرة جزئية لبعض عناصر هذه الأموال، يمثلها الفرق بين قيمتها الفعلية فى تاريخ الاستيلاء عليها، وقيمتها المقدرة تشريعياً؛ فإن توقيعها على هذا النحو، يكون مناقضاً نص المادة (٣٦) من الدستور التى لا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى ، ولوفرضها المشرع مبتغيا بها أن يكون جزاءً إدارياً لاجنائياً.
وحيث إن من يملكون، يحوزون – وفقا لنص المادة (٤٠) من الدستور – الحقوق عينها التى ترتبها الملكية لأصحابها، وعلى الأخص فى مجال اقتضائها، والانتفاع بضماناتها التى كفلها الدستور؛ وكان تطبيق قوانين الإصلاح الزراعى فى شأن فئة من المواطنين تزيد ملكيتها من الأراضى الزراعية على حد معين، لا يمثل عقاباً واقعاً فى مجال التأثيم، ولا يدل على أن حقوقهم فى شأن الأموال الزائدة على هذا الحد يجوز انتقاصها أو التمييز فى شأنها؛ ولا على أن توزيعها على صغار المزارعين، كان لتعويضهم عما عانوه من تسلط الاقطاع على أرزاقهم، ذلك أن تصحيح أوضاعهم، لايجوز أن يخل بقيم العدل التى ينبغى بسطها على المواطنين فى مجموعهم، فلايكون إسباغها على فريق من بينهم، حائلاً دون امتدادها لغيرهم، ومنتهياً إلى حرمان من كانوا يملكون هذه الأموال قبل توزيعها – وقد جردوا منها – من الحق فى التعويض الكامل عنها، شأنهم فى ذلك شأن من تنزع ملكيتهم وفقاً للقانون.
وحيث إن إبطال المحكمة للمادتين المطعون عليهما فى مجال تقدير التعويض، مؤداه: أن تسقط معه ما تلك التى ترتبط بها ارتباطاً لايقبل التجزئة ؛ وتمثلها المادة (٦) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢، والمادة (٥) من القرار بقانون ١٢٧ لسنة ١٩٦١ المشار إليهما، اللتان تنظمان أسلوب أداء التعويض المقرر بالمادتين السابقتين عليهما، فلا تقوم لهما قائمة بعد الحكم بمخالفة التعويض المقدر تشريعياً للدستور
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكانت المادة (٥) من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢، والمادة (٤) من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١، قد خالفتا أحكام المواد (٣٢، ٣٤، ٣٦، ٤٠، ١٦٥) من الدستور.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة : –
أولاً: – بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ بشأن الإصلاح الزراعى ، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقاً لأحكام هذا القانون الحق فى تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، وبسقوط المادة (٦) من هذا المرسوم بقانون فى مجال تطبيقها فى شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية .
ثانياً: – بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٦١ بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذاً لأحكام هذا القانون الحق فى تعويض يقدر وفقاً للأحكام الواردة فى هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية فى ٩ سبتمبر سنة ١٩٥٢، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار بقانون فى مجال تطبيقها فى شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية .
ثالثاً: – بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى